القدسُ في دائرة الاستهداف!!
بقلم : مصطفى محمد ابوالسعود ... 03.07.2011
التضحيةُ بكلِ شئٍ من أجلِ فكرة مُقدسة ، هي قمةُ الانتماء لعالمِ الحقِ والعدالة ، وامتحان لقدراتِ المحامي على إخراج سيفه أمام الخصم مُستنداً إلى ما بعقلهِ من دلائلِ ، وفاتحاً بطنَ القانون ليستخرجَ منه ما يُشرعنُ دفاعه ، لترافقه طيلة فترة الدفاع حتى يُحسم الأمر، ولأن الفكرة المُقدسة يلزمها أفعالاً مقدسة ، فإن على مُدعى الإنتماء لعالم الحق ، التشبع بمبدأ التضحية من أجل المقدس، وإلا ستخلو المرافعة من دسمِ الانجازات ، وستُصاب الفكرة المقدسة بالشللِ الرباعي، وستُشيع المبادئ النبيلة إلى مثواها الأخير، وستُصبح التضحية من أجل المقدسات جزءاً من الماضي الجميل، وستسيرُ اللغة على خمسين قدماً حاملةً في قاموسها أوصافاً لا حصرَ لها ،لأمةٍ كانت نادرة في بطولاتها ، وبقيت نادرة ، لكن دون بطولات ، وتضعها أمام الأجيال اللاحقة ، وتخبرهم بما فعل أسلافهم في مسرى رسول الله.
فما يحدث في القدس من أفعالٍ ضد كل معالمِ المدينةِ ومعانيها ، ليس جديداً ، ولكن الجديدَ ألا تحدث ردود أفعال مثيرة في عالمٍ يدعى حِرصه على مشاعرِ رُبع سُكان الأرض ، فكل يومٍ نصحو على رسالة احتقارٍ جديدةٍ قادمةٍ من بلاد الانفتاح المزيف التي أنجبت كلمات منمقة تدعو لاحترام الأديان وأماكن العبادة للآخرين ، لكن الظروف تُكذب الحروف، فعمليات اقتلاع أثار التاريخ المخطوطة على وجه القدس، وتمزيق شهادة ميلادها التي كتبها المسلمون بدمائهم، وزرعُ الأشواك في بساتينها، وإطفاء مصابيح النور فيها، وإشعال النيران في أحلامِ الأبرياء ،لازالت مستمرة ، رغم فيضان أمواج الغضب العارمة ، التي تجتاحُ الدنيا إذا أصيبت كنيسة صغيرة في أقصى الأرضِ بسوء ، فكم قاسياً أن يكون مقياس ازدهار البعض ،مُرتبطاً بمدى قُدرتهم على تحقيرِ مشاعر الآخرين ، فحينما تُصبح النصوص المُطالِبة بالحفاظِ على المقدسات ، قيمٌ لا قيمةَ لها، وتدخل في متحفِ الموروثاتِ القديمة، وتُصبحُ امتيازات المساومة على المبادئ ، قيمةَ لا غنىً عنها، وترفرفُ باجتحتها أمام سواعد الرجال ومصانع البنادق، وتُعطي الضوء الأخضر لنيرانِها بالتغلغلِ في مساحات الوطن ومساماته، حينها لن يحتاج القاتل لتبرئة نفسه من دم القتيل.
لقد عانت القدس من عبثِ المفاوضين الذين تجاهلوا نداءاتها ، واسكنوها على رصيف الأولويات ، وأصبحوا جنوداً مُخلِصين في مدرسة إدمان التغيب ، فتجرعت كأس الخيانة ، لأن الحارس الأمين بات يغتالُ الأمانة ، ليتمكن اليهود من التأسيس لخرافة أحقيتهم بالقدس ، لتصبح هذه الخرافة "أفيون الضعفاء"، يتداعون إليه كلما صرخت القدس من الوجع تُذكرهم بها، وتُحرضهم على ضرورة الخروج من سراديب الخرافة ولو لمرة واحدة ، إلى فضاء الحقيقة القائلة بأن "اسرائيل" التي تتغنون بها، وبزيها وجمالها، وقدرتها على الاستقطاب والتأثير، صناعة النصر السريع ، ما عادت كذلك.
فلا عُذر الآن ، لأحد مسجل على قيد الحياة ، ويتنفسُ من هواء الكون ، ألا تستفزه الأحداث والمواقف التي تُثير في النفسِ شهوة الحقد على كل مفرداتِ الأمل القادمة من بلادِ الأفاعي ، لما فيها من مرارة تضاف إلى سجل القهر والحرمان الذي تحياه الأمة ، لأن برودة الإنسان أمام سخونة المشاهد تُقلل من قيمته كإنسان، وتفتحُ شهية الذئاب لإلتهام ما تبقى من كرامة، ولأن الواجب الموكل إلينا كبير، ولأن الرغبةً بالمحافظة على المقدسات تدفعُ للاستماتة في الدفاعِ عنها، يجب على كل إنسان الاستعداد جيداً للدفاع ، فالقدس تستحقُ التضحية.
وليعلم العدو أن القدسَ حقُ لنا بشهادة الله ورسوله ، ودماء الشهداء ، ومخطوطات التاريخ ، وخطوط الجغرافيا، ولن يحق لأحدٍ مهما كان التفريط بها، لأنها غير قابلة للتصرف ، فالقدس هي كلمة السر التي نلتقي عليها ، ومن أجلها نتبرع بدمائنا، فلا مستقبل لمن يسكنها رغماً عنها .
كاتب من فلسطين
www.deyaralnagab.com
|