تمرد الأبناء على آبائهم وأمهاتهم ...تجاوز معيب ومخيف!!
بقلم : زينب خليل عودة* ... 08.11.2010
أصبح من الملاحظ في مجتمعنا مسالة تمرد الأبناء على أبائهم وأمهاتهم بالدرجة الأولى كما يطول التمرد الجد والجدة والعم والخال وباقي الأهل، وهذا التمرد بات ظاهرة تسود في العديد من الدول والمجتمعات خاصة العربية، وفى كل بيت وحى وقرية ومدينة ومؤسسة ولعلى هنا أركز على البيت بصفتها المؤسسة الأولى في المجتمع قبل غيرها، للأسف الشديد تجد كل بيت يشكو من تمرد أولاده ،، فالأم تشكو من بناتها أنهن لا يحترمن كلامها وغير معنيين بالسمع والطاعة، وتجد الأب يقول نفس الشيء وان أبنائه سواء الصغار أو الكبار وتكبر الدائرة هذه لتصل إلى الجد والجدة الذين يعانون من نفس المظهر السلبي المؤسف هذا .. وهنا أتذكر أنى قابلت الجد الحاج أبو محمود يصل السبعين وأكثر من عمره قال لي بنبرة حزن وتبرق الدموع في مقلتيه: "لا أدرى ماذا أقول نادرا ما أرى ابني يسال عنى أو أرى زوجته نفس الشيء وأبنائه رغم أننا نعيش في بيت واحد ولكن اشعر وكأنهم في فندق وليس في بيت العائلة وليس هنالك روابط أو حقوق وواجبات يفكر بها احداا اتجاه الكبار وما عاد لنا القيمة التي طالما كنا نتغنى بها، ويسترجع الحاج أبو محمود ذكرياته قائلا: كنت عندما أرى أبى إن كنت قاعدا أقوم فورا واسلم عليه واقبل يداه وأظل صامتا مستمعا له ومنفذا لكلامه ومطيعا لكل أوامره وكنت سعيدا واسمع رضا والدي على في كل يوم ".
ونشير في هذا المضمار انه قد يبدو لتمرد الأبناء والبنات على والديهم أسباب نفسية واجتماعية واقتصادية، والواقع السياسي المزري وغيره، وهنالك من يرى أن التربية هي الأساس والدين هو الأساس، والبعض يعزو مايحدث من تمرد وخروج عن العادات والتقاليد ورفض أوامر الوالدين وتقاليد الأسرة أو حتى التمرد على المدرس والأستاذ الجامعي إلى هذا الانفتاح الكبير في ثورة المعلومات ووسائل الاتصال والفضائيات وهى التي غزت كل بيت وكل عقل وللأسف أنتجت مظاهر سلوكية غير طبيعية وغريبة وسلبية ومعيبة كان لها واقع فظيع على كل أركان المجتمع ومؤسساته.
وقد ارتأيت الغوص أكثر في هذه الظاهرة لمعرفة المزيد عنها وكان لقائي الأول مع السيدة (أم عائد) حيث قالت :" أشكو من تمرد ابنتي الصغيرة ذات العشر سنوات أكثر من أخواتها الأكبر، فهو ملاحظ أكثر منهم، والظاهر للعيان إن الجيل الجديد غير قادر إن تحكمه، ومتمرد بفعل التلفزيون والفضائيات فهذه باتت هي التي تربى بسبب انشغال الأهل كما أن الرسوم المتحركة وكثرة قنواتها تشجع الأطفال على سلوكيات تهدم المفاهيم الاجتماعية الموجودة عندنا "
وتواصل قائلة " وبالنسبة لطلبة الجامعة من البنين والبنات يتغير نمط سلوكهم وأسلوبهم بحكم الجو الجامعي المغاير للبيت وبحكم الأصدقاء والصحبة اى (الشلة) " وعن مظاهر التمرد تقول " أصبحنا نرى كل يوم معاندة الأبناء والبنات لإبائهم وامهاتم والقسوة عليهم وعلى باقي إفراد العائلة، وعلو الصوت والصراخ والضرب أحيانا، وإهمال الدراسة والاهتمام بالأمور الثانوية بل والتافهة أحيانا على حساب الأساسية " واختتمت بقولها " الله يستر من ها الجيل "
وترى السيدة (أم أحمد) أن الدلع الزائد خاصة في فترة الطفولة التي تعتبر مرحلة اللبنة الأولى لبناء شخصية الإنسان إضافة لغياب الأب أو الأم أو الوالدين معا عن أبنائهم وبيتهم عاملا مساعدا وقويا في عدم السيطرة على هؤلاء الأبناء كما أن توفير وسائل الترفيه واللهو من جوال وكمبيوتر ونت والسماح بالتدخين والشيشة كلها انعكست سلبا وأدت إلى إحساس الأبناء والبنات ب (الأنا) وبالاستقلالية أكثر وأكثر والانفراد بآرائهم وزيادة تمردهم.
وتتفق السيدة أم أحمد مع السيدة أم عائد على التحذير من هذا الجيل وتقول :" إنه مخيف، حقاً مخيف بمعنى الكلمة " كما أن السيدة أم احمد لاتستبعد أن هنالك استعداد نفسي قوى ومعقد لدى هذا الجيل بل والتباهي بأنه خارج عن طوع الأهل وغير متوافق ومنسجم معهم متمرد ، وبأنه منحرف، وبأنه كثيرة هي بأنه .
هنالك حلقة مفقودة ولكن معالمها ظاهرة للعيان فمثلا ملاحظ جدا عند الأبناء والبنات في احساساهم( اللامبالاة – الأنا في معظم الأمور إن لم يكن كلها) وفى تفكيرهم ( السطحية – اللامسؤولية- اللامنطق – تصل إلى رفض الصح وعمله) وأما في قلوبهم ( القسوة – الجحود – أمراض شتى) وطبعا كل ذلك انعكس على مجمل سلوكهم وتصرفاتهم في كل مكان وأصبحنا نسمع كلمة (عادى وأنا حر، أعمل اللى بيريحنى، شو يعنى أبى أو امى ) وغيرها .. تلك كلها معالم فوضى شاملة يقودها العقل والقلب والإحساس بداخل الأبناء والبنات .. حتى أوصلت إلى أن نشاهد نتائج جنونية من جرائم بشعة لا توصف وقتل وعنف ضد الآباء والأمهات من هؤلاء الأبناء والبنات...
هذه نقطة من بحر من مشاهد وصور لتمرد الأبناء على أبائهم وأمهاتهم وهذه الأمور جميعها تستدعي ليس فقط من الوالدين والمدرسة بل جميع ذوى العلاقة للعمل على محاولة فهم وفهم هذا الجيل ومراقبة كل السلوكيات الناتجة عنه من خلال خلق جو متواصل من النقاش الطيب الودود والاجتماع مع الأبناء والبنات لو في الأسبوع مرة للاطلاع على كل مايدور بعقول وقلوب هذا الجيل، كما ينبغي نشر التوعية السليمة المدروسة والعقلانية والمطلوبة وفى الوقت المناسب، ويستدعي ذلك أيضاً استمرارية بحث أواصر التعاون بين كافة الجهات ذات العلاقة مع الأسر فيما يتعلق بفهم خصائص الأطفال والشباب والشابات والعمل على تلبية متطلباتهم بقدر الإمكان والاستفادة من طاقاتهم في عمليات بناء المجتمع والتنمية، وصدقوني الجميع مطالب للعودة إلى الأصول والجذور بمفهومها الواسع في جوانب حياتنا كلها .... أؤكد ومازلت على ضرورة حماية هذا الجيل وبالسرعة الممكنة وبشتى الوسائل الصحيحة مع إدراك عميق لحجم المشكلة والمخاطر التي تحيط بالجميع فقد يكون الكثير المسموح به للأبناء والبنات مشكلة وقد يكون حرمانهم مشكلة وخير الأمور الوسط ... فالكل مسئول والكل سوف يحاسب.
*كاتبه فلسطينيه
www.deyaralnagab.com
|