logo
'بروفة' أُولى للعودة !!

بقلم : رشاد أبوشاور  ... 25.05.2011

بعد أسابيع قليلة على هزيمة حزيران1967، كتبت محتفيا بانبثاق روح المقاومة: ها هي الطبول تدّق معلنة عودة الفلسطيني إلى الساح.
كنت أستعير دقّات المسرح الثلاث التي تنبئ ببدء العرض، مبشرا ببدء الزمن الفدائي وانتهاء (عرض) الحرب المسخرة، وبدء (عرض) الصراع الحقيقي على أرض فلسطين مع عدو تمكن في (غفلة) من جماهير الأمّة من استكمال احتلال كل فلسطين وقلبها القدس، وسيناء كاملة، والجولان، وفي ساعات، وبهزيمة مدمرة أصابت الأمة في مقتل لولا (عودة) الفلسطيني إلى الساح بالدم والنار وروح الاقتحام والاشتباك، وهو ما أفسد على العدو انتصاره السهل على جيوش لم تُعّد للحرب والتحرير.
اليوم، وحيث لا يتوقع العدو المطمئن المغتر بقوته، والمرتاح على ما اعتاد من ضعف الأنظمة، وانشغال حكامها في تكبيل الشعوب العربيّة، وحرمانها من القدرة على التعبير عن نفسها، ومع هبوب رياح الثورات الشعبيّة العربيّة، يعود الفلسطيني إلى الساح مدعوما بقوّة جماهير الأمة العربيّة الثائرة، ويأخذ دوره بعد تغييب وركون إلى من خذلوه، ممن وثق بهم وعوّل عليهم، فما جرّ عليه هذا سوى الخسران، وتمزّق الصفوف، والتوهان عن الهدف!
أخذ العدو تحضيرات شباب فلسطين، ومعهم أخوتهم العرب، لجعل الـ15 من أيّار(مايو) 2011 تاريخا مختلفا على محمل الادعاء والدعاية، ولكنه فوجئ بزحف الألوف إلى حدود لبنان مع فلسطين، والجولان السوري المحتل.
حقول الألغام التي زرعت بين مجدل شمس لتعزلها عن وطنها الأم سورية لم تنفجر تحت أقدام المندفعين العابرين وسط ذهول وحدات جيش الاحتلال.
شباب يقطعون الأسلاك الشائكة بما أعدوا من مقصات فتحت لهم ثغرات فمرّوا خفافا وسط ذهول جيش الاحتلال، ورغم نداءات الحرص والتحذير من أهالي مجدل شمس: ألغام..انتبهوا يا شباب ألغام..يا أخوتنا أمامكم ألغام..يا حبايبنا ألغام ..منشان الله أمامكم ألغام.
ولكن من ولدوا في المخيمات والمنافي والشتات، من امتلأت نفوسهم بالحنين واليقين بفجر فلسطين عبروا ولم تنفجر الألغام.
قيل: تلك معجزة..فالألغام زرعـــــت بعد احتلال الجولان في حزيران 67..ولعلّ الطين والأمطار أفسدت تلك الألغام فنجا العابرون من موت محقق.
العابرون الذين من شدّة الشوق تجاهلوا تحذيرات أهلهم الجولانيين من أبناء مجدل شمس الذين فتحوا لهم الأحضان والقلوب ولهفة الأرواح: ولكم يحيي ربكم ..يحييكم..يسعدكم ..ولك أهلاً يا أبطال..يا شجعان..يحيي الأمهات اللاتي أرضعنكم.
لم يوقف رصاص جيش الاحتلال الفلسطينيين المندفعين الذين فرضوا بأقدامهم التي مخرت حقل الألغام (حق العودة).
في العام 48 صدر القرار 194 بحق عودة من هجرتهم الحرب التي شنتها العصابات الصهيونية إلى قراهم ومدنهم، ورغم تكرار التأكيد على القرار في هيئة الأمم عاما بعد عام، فإن الكيان الصهيوني لم يخضع وينفّذ ذلك القرار الأممي الذي دفع (الكونت) برنادوت السويدي حياته ثمنا لاستصداره، واغتالته عصابة شتيرن في كمين قاده مجرم صار رئيسا لوزراء العدو فيما بعد: إسحق شامير، الذي لم يلاحق، ولم يعاقب رغم اغتياله لشخصية مثّلت الأمم المتحدة في فلسطين أثناء حرب 48 !
منذ الاعتراف بها لم تنفّذ دولة العصابات أي قرار من قرارات الأمم المتحدة، بل تحدت الأمم المتحدة، واحتلت المزيد ممّا منحه لها قرار التقسيم عام 1947، واحتلت الميناء الفلسطيني (أم الرشراش) على البحر الأحمر بعد اتفاقية رودس عام 49، وأسمته (إيلات) ..ولم تعاقب لا دوليا، ولا عربيا، فدول العرب (مسالمة)، وسلميتها المزمنة عنفية فقط مع الجماهير العربيّة التي تهتف منذ أشهر في ثوراتها المتتالية: سلمية سلمية سلمية.
استعدادا لما سيأتي، وتلافيا للتقصير، أعاد جيش الاحتلال (تجديد) حقول الألغام، وشددت الدوريات، وربما ستزرع أجهزة أشعة تحت حمراء، ولايزر، وأجهزة تجسس ورصد أمريكية حديثة برهانا على مصداقية دعم وانحياز إدارة أوباما المتلهّف على أربع سنوات جديدة في البيت الأبيض!.
في هذا العام اندفع ألوف إلى حدود لبنان مع فلسطين، وإلى الجولان السوري المحتل، وإلى أغوار الأردن، ولكن اللاجئين تعدادهم بالملايين، وهؤلاء ببساطة مصممون على العودة، ولا يعترفون بما جرى في حرب 48، ولا بنتائجها، فالحقيقة الأبدية الراسخة هي: فلسطين عربية.
تلك كانت (بروفة) أولى ..كما هو المصطلح المسرحي..وستعقبها بروفة ثانية ..ثمّ بعد مران وإعداد ستكون البروفة جنرال..ومن بعد تكتمل الاستعدادات للعرض الذي لن يكون للاستمتاع، ولكنه سيكون لتغيير الحقائق على الأرض، بعودة اللاجئين إلى مدنهم وقراهم، وكتابة الفصل الأخير الختامي في تراجيديا الصراع.
سيكون العرض الشامل، عرض اللقاء بالجمهور، العرض الذي سينقل حيّا إلى العالم من حدود فلسطين مع سورية، ولبنان، والأردن، ومصر عبر غزّة، ومن داخل فلسطين المحتلة عام 48، ومن مخيمات الضفة الفلسطينيّة، ومخيمات غزة..حيث سيتدفق ملايين الفلسطينيين حاملين أطفالهم على ظهورهم، وفي أحضانهم، ومعهم عجائز وشيوخ خرجوا عام النكبة 48 وأيديهم ترفع عاليا مفاتيح بيوتهم المنتظرة، وأمامهم فتية وفتيات يتقدمون الزحف وهم ينفخون في الأراغيل والنايات، ويدقون الطبول، ويندفع الخلق كما لو أن اليوم هو يوم من أيّام القيامة.
سيكون ذلك اليوم حقا يوم قيامة الإنسان العربي الفلسطيني، ومعه مئات ألوف الشباب العرب من كل أقطارهم مغربا ومشرقا، ومن أوروبا، وأفريقيا، وأمريكا نفسها يحملون صورة (راشيل كوري) ..والكونت برنادوت، ومئات الشهداء الأجانب الذين أعطوا دمهم وأعمارهم لفلسطين.
ماذا ستفعل حقول الألغام عندئذ؟! وكم عدد الذين ستقتلهم الآلة العسكرية الصهيونيّة آنذاك؟! مئات..ألوف ..ليكن، سنحمل شهداءنا وجرحانا على أكتافنا بدمهم النازف مهللين مزغردين، فهذه قيامة شعب يفرض حق العودة الذي أقرته الشرائع الدولية ولم تف به، وتقاعست عن معاقبة المحتل الذي رفض تنفيذه.
ماذا سيقول العالم عندئذ؟ الأمم المتحدة، ومجلس الأمن، وحقوق الإنسان..وأوكامبو إن بقي حتى ذلك الوقت مدعيا عاما، هو الذي شاهد مجزرة غزّة ولم يتهم أولمرت وباراك وليفني وجنرالات الرصاص المصبوب.
هذه القيامة ستأتي بعد إعداد متقن بدأب داخلاً في الوطن تحت الاحتلال، وخارجا في الشتات، وبتجاوز الأطراف الفلسطينيّة التي ستبقى تتفاوض على الانتخابات، وعدد المقاعد لكل طرف في الوزارة، ومن يقود الأجهزة الأمنية التي لا تحمي مواطنا فلسطينيّا، ولا تصون حبّة تراب، ولا تنقذ بيتا من الهدم.
هذه قيامة أجّل من أن يسرقها من اعتادوا على اللعب على الحبال، والمناورات، والسباق على المناصب والوجاهات.
هذه القيامة العربية الفلسطينيّة هي امتداد لانتفاضات شعبنا، وقد تعلّم بخبراته كيف سُرقت، وقويضت بالأوهام .
لا يجوز أن يُسمح بالعبث بهذه القيامة التي هي تجاوز وتغيير ذاتي، فمن يتصالحون بصفقات، ويتفاوضون على اقتسام الحصص لا يؤتمنون إن أخذوا موقع القيادة في التحضير لهكذا حدث تاريخي لا شبيه له من قبل.
هذه ستكون قيامة شعب ينتزع حقه في العودة بعد أن انتظر سنوات مريرة، ومنح الأمم المتحدة عقودا من سنوات كابد فيها الغربة والألم، واضطهاد أنظمة حكم شقيّة لا شقيقة!
هذه ستكون عودة بلا مساومة. إنها عودة حقيقيّة إلى كل فلسطين، وليس إلى الضفّة الغربيّة، أو(دويلة) لا مقومات لها مصيرها يقرره الكيان الصهيوني.
حدث عبور اللاجئين وعودتهم قادم، وهو امتداد لروح الثورات العربيّة، وفي سياق نهوض الأمّة رغم المؤامرات، وعمليات التخريب الداخلية والخارجية..هذا ما بشرنا به العبور (البروفة) في أيّار(مايو) 2011.


www.deyaralnagab.com