logo
ناس بلا أخلاق !

بقلم : رشاد أبوشاور ... 19.7.07

فلسطينيّا لم تعد السياسة فنّ الممكن لدي (شريحة) المحترفين، ولكنها باتت سلسلة أكاذيب، ولا أقول فنّ الكذب، فالكذب ليس فنّا ولكنه تزوير يمارسه أشخاص هم أوّل العارفين بأنه كذب، هؤلاء الذين بالكذب يجهدون لبلوغ مآربهم، دون أدني حرص علي قضيّة، أو وطن، أو مصلحة عامة.
الكاذب لا أخلاق له، وهو لا يشعر بالحرج لو جابهته بالحقيقة، وقلت له: أنت كاذب، و..بلا أخلاق، فنفعه الشخصي يبرر له اقتراف كل الموبقات، ومخالفة كّل الأعــــراف، وإدارة الظهر للأخلاق المتعارف عليها.
في حالتنا الفلسطينيّة، ظهرت دائما قيادات سيعتز بها شعبنا جيلاً بعد جيل، لما اتصفت به من الشجاعة قولاً وفعلاً، والاستقامة، والنزاهة، وأخلاق الفروسيّة.
تلك القيادات يمكن أن نستذكر بعضها: الشيخ عز الدين القسّام، الشيخ فرحان السعدي، عبد القادر الحسيني، عبد الرحيم الحاج محمد، سعيد العاص، وغيرهم كثيرون.
في زمننا ظهرت شخصيّات اتصفت بالصدق، والإقدام، والتضحية بالنفس لوجه الوطن والشعب والأمّة، وهؤلاء قائمة طويلة، وبعضهم مجهولون منسيون، فهم أعطوا دون سعي للشهرة، أو الثروة، أو المناصب الزائلة.
تلاحظون أنني أوردت أسماء قادة فلسطينيين، وقادة عربا وفدوا إلي فلسطين، وأسهموا في قيادة الثورات الفلسطينيّة، والانتفاضات، ونشر الوعي بالخطر الصهيوني، انطلاقا من أن قضية فلسطين هي قضيّة الأمّة.
منذ بدأنا نقرأ عن تجارب الثورات، عربيّة، وعالميّة، آمنا بأن الثوري هو آخر من يرتاح، وأوّل من يتقدّم الصفوف عند الخطر، وهذا تجلّي علي أرض فلسطين، وما مأثرة استشهاد القائد الكبير عبد القادر الحسيني علي ثري القسطل سوي البرهان علي المصداقية، والتضحيّة، والإقدام، وهو نفس ما فعله القائد سعيد العاص، ومفجّر ثورة فلسطين الكبري قبلهما الشيخ المجاهد الشهيد عز الدين القسّام.
في حياتنا قادة أضاءت حياتهم القصيرة تاريخ فلسطين المعاصر، وألهمت أجيالاً فلسطينيّة تعرّفت عليهم من خلال سير حياتهم.
في تاريخنا الثوري المعاصر، استلهم ثوّار فلسطين قيم أبطال أممين: جيفارا، هوتشي منه، كاسترو، لومومبا، ماوتسي تونغ.. وياما التقيت في القواعد التي انتشرت في أغوار الأردن، وجنوب لبنان، بفدائيين تكنّوا بأسماء أولئك الأبطال، وهذا يدّل علي نظرة أولئك الفتية الفلسطينيين إلي موقع ثورتهم في مسيرة الثورة العالميّة التي توحّد مشاعر وأماني وقضايا البشر المظلومين المضطهدين في كّل قارات العالم.
في الفاكهاني رأيت وتعرّفت بابن لومومبا، وبمناضلين هنود حمر وفدوا من أمريكا للالتقاء بأخوتهم الفلسطينيين، وبمناضلين من أمريكا اللاتينيّة، ومن قارة أفريقيا، وبشعراء وكتّاب وفنانين من كّل القارات والثورات وحركات التحرر.
الروح الإنسانيّة الواحدة بعمقها الإنساني الأخلاقي، والمشاركة الإنسانيّة العولميّة الثوريّة، قرّبت بين ثوريي العالم، وشعوب العالم، وأحرار العالم.. الذين اتصفوا بتواضع الحياة، وصدقها، واستقامتها، بروح التضحيّة، وتحدّي الظلم علي كل الأرض، أرض البشر.
في حالات التقهقر والتراجع تسود روح الانتهازيّة، وتزدهر المصطلحات المنحطة الأنانية: دبّر راسك، سيبونا من الشعارات، خلّونا نلعب سياسة.. نلعب! يعني الشاطر بشطارته، والشاطر مقياسه في النجاح لا يعتمد الأخلاق، والشرف، ونظافة السيرة والسلوك. الشاطر هاجسه مصلحته، ولذا كل ما يبقيه علي (المسرح) حلال ـ حلال علي الشاطر ـ والمسرح ليس مسرح العمليات، ولكنه مسرح التمثيل، والتمثيل في حالة هؤلاء ليس فنّا غايته التطهير والتثوير والتنوير، ولكنه تدليس، استغباء، تتويه، بيع وشراء، عروض حسب الطلب لمن (يدفع).. إنه مسرح تعرية (ستربتيز)!.. ولتذهب فلسطين وشعبها إلي الهاوية!
يوحنا الدمشقي كنّي بيوحنا فم الذهب، هؤلاء يكنّون بأفواه الكذب، الشتم، الرقاعة.الصدق في عرفهم عيب فهو من صفات السذّج والطيبين الذين لا يعيشون في العصر، الذين ينتمون لزمن أفل.. لشعارات الستينات، لأيام جمال عبد الناصر !
بعض هؤلاء كانوا يساريين، تقدميين، عروبيين، وطنيين، ولكنهم تطورّوا، والتطوّر مع العصر، بعد انتهاء الحرب الباردة، وسيادة القطب الواحد، وانحسار حركات التحرر العالميّة، يعني أن تتخلّي عن شعارات الستينات:عروبة فلسطين، الوحدة العربيّة، بترول العرب للعرب ـ ألم تشّن إمبراطورية القطب الواحد حربها التدميرية علي العراق لوضع يدها علي نفطه ؟! ألم يعترفوا أخيرا صراحةً بهذا الهدف الذي غلّفوه بشعار جلب الديمقراطيّة للعراق.. ومحاربة الديكتاتوريّة ؟! فإذا بهم أبواق تروّج للاحتلال، واٌلإقليميّة، والمساومة، وليبرالية وديمقراطية بوش المتوحشّة، والحوار مع (الآخــــر) الذي يحتل الوطن، وإدارة الظهر للمناضلين والمكافحــــين بتهمة نشافة العقول، وعبادة الشعارات!
فلسطين شعارات يا أولاد الكلب!
في الحالة الفلسطينيّة: هؤلاء لصوص، يسرقون ويبررون سرقاتهم ونهبهم، يغطّون الفساد السياسي، المحتلون الصهاينة أقرب إليهم من أي فلسطيني، هم يتّصفون بالحقد علي (العروبة) والعرب كبشر، وهم بفضل تنازلاتهم، وصفقاتهم، صاروا أصحاب ممتلكات، وأرصدة، وشركاء في شركات استيراد وتصدير، ومع ذلك فهم (قادة)!.. وهم المحظيون بالرعاية الأمريكيّة، والصداقات (الإسرائيليّة) والمرحّب بهم في دول عربيّة، في حين يموت أهلنا علي الحدود المصريّة في (معبر) رفح، يموتون حبّا وشوقا لغزّة المحاصرة، يذوبون شوقا لبيوتهم المتواضعة في مخيماتهم الجحيميّة ؟ هل سمعتم بحّب للوطن أعظم من هذا الحّب؟ أليست هذه (أم الفضائح) لمن يضيقون علي الفلسطينيين ويحرمونهم من التنقّل والسفر بادعاء الخشية من مغادرتهم وطنهم والفرار إلي المنافي (العربيّة)، التي يتمنّي (مواطنوها) السعداء..الهرب منها بعيدا عن حكّامهم (الحنونين)؟!
عديمو الأخلاق المبتلي شعبنا بهم يسخرون من أسرانا الذين بعضهم سجين منذ 29 سنة.. هل تصدقون؟! يسخرون من الكفاح المسلّح، من كتابة الكتّاب المنتمين لشعبهم وأمتهم، من القابضين بأرواحهم علي حّق العودة، وحتمية عودة فلسطين عربيّة مهما طال عمر الاحتلال.
هؤلاء ليبراليون، ديمقراطيون علي طريقة بوش، وكونداليسا.. أصدقاء لدينس روس، وبيلين و..أي صهيوني!
هؤلاء هم الدود الذي يفترس الجذور من داخلها، وينشر فيها الخراب، يأكل اللب، ولذا لا بدّ من معالجتهم بالدواء الناجع الذي لا يبقي منهم أثرا بحيث لا يفرّخوا من جديد.
هؤلاء!.. أنتم تعرفونهم، هؤلاء يعقدون الصفقات علي قضيتنا سرّا وعلنا...
هؤلاء خطورتهم أنهم لم يفقدوا فقط الأخلاق، والشرف، والكرامة، ولكنهم يعملون علي أن يفقد شعبنا وطنيته، روح الفداء التي تميّزه، أخلاقه...
هؤلاء الذين قال فيهم الشاعر:
فإن همو ذهبت أخلاقهم ذهبوا
هؤلاء لا يريدون أن يذهبوا وحدهم، هؤلاء شغلهم الشاغل مع أعدائنا (الذهاب) بشعبنا. هؤلاء (أدلاّء) غشّاشون، مهمتهم أن يضّل شعبنا الطريق. هؤلاء! لا يكفي أن نلعنهم.


www.deyaralnagab.com