logo
احلم بدولة....!!

بقلم : ميساء ابو غنام ... 23.09.2011

اعاد الى ذاكرتي الرقم 194 ورمز الامم المتحدة وهو يتجول على السيارات في الضفة الغربية طفولتي،شعرت للحظة انني ارغب بايقاف احدى السيارات والاستئذان بأخذ الشارة ووضعها على سيارتي مع علم فلسطين والتجوال فيها في القدس وحيفا وعكا والجليل ويافا وصفد وبيسان،وللحظة ولا اعلم كيف مر امام عيناي مشهد غرفتي وانا صغيرة وامي تحيك الصوف في الثمانينات امام التلفاز الاسرائيلي وتحضر الفيلم المصري الساعة السادسة كل يوم الجمعة،واذكر ذاك التلفاز الذي يحتوي ازار ذات صوت تتنقل بين الاردن واسرائيل فقط"ماما ليش ما في تلفزيون فلسطيني"لا اعلم حينها بالضبط ما كان جوابها سوى انه تلفاز اسرائيل،وللحظة اخرى كان ابي يقول لنا لا يوجد شيء اسمه فلسطين،انها بلاد الشام والاستعمار قسمها....
لم اؤمن وقتهابحديث والدي فأنا ومنذ طفولتي بحثت بداخلي عن فلسطين،لم ارها سوريا او لبنان او الاردن،رأيتها حلما يراودني كلما اضيف الى عمري يوما وساعة ودقيقة وثانية،كبرت وانا ابحث عنها،تمنيت ان احمل جوازها وبطاقتها وعلمها يتألق على تفاصيل ملامح وجهي الذي سيحتضن بالاحمر والاسود والابيض والاخضر...
كبرت وانا انادي بها،يعتقد الكثيرون منا ان الدولة معاهدات وتواقيع وقرارات دولية واعترافات خجولة من هنا وهناك.....
الدولة وطن يسكننا.....اعود للمكان حين كنت طفلة في الانتفاضة الاولى واسمع صيحات الشباب ضد الاحتلال، كانت امي تخبئ الشباب المناضلين في سقيفة البيت خوفا من اعتقالهم من قبل حرس الحدود... كنت اختبأ بالبيت وقد جمع الاحتلال نساء وابناء الحارة على الشارع الرئيس لتفتيش المنطقة،حينها كنت احلم بالدولة وانا ابحث عن هويتي،اعتدت شرب حليب تنوفا والبانها واجبانها وخبز انجل من السوبر سول بالقدس، حين كان ابي يطعمني ساندويش الفلافل من شارع يافا،حين كانت امي تاخذنني الى الهامشبير"مجمع تجاري في القدس الشرقية"لاشتري ملابسي من هناك،حين كنت اتعالج في بيكور حوليم"مستشفى في القدس" واجري فحوصاتي في الشتراوس"مركز طبي"،واذكر انني كنت اتعارض مع امي حين كان ابي يـخذني للعلاج مشيا على الاقدام من باب العامود في القدس الشرقية الى شارع يافا في القدس الغربية واشعر وقت وصول البيت وقد انتفخت قدما طفلة،لم يؤمن ابي قط بتعلم السياقة او شراء سيارة وكانت حياتة تنقلا على قدميه او ركوب باص ايجد....حينها كنت احلم بالدولة.
كنت اسير في شوارع القدس اعيش مع اناس لا افهم لغتهم،لطالما رفضت هذه اللغة الغريبة عني بمضمونها وتفاصيلها وروحها...تعلمتها مضضا واحيانا اكره نفسي حين التحدث بها لانها تكسر حاجز نظرتك للاخر ،سمه تعايش او تطبيع او قبول،كنت ارغب ان اشفى على يد طبيب واكل من يد خباز واشرب من حليب بقرة واشترى ملابسي من حايك يحمل المي وسعادتي وحلمي،كنت اتمنى ان يترعرع جسدي بتفاصيله من خير بلادي...حينها كنت احلم بالدولة.
اشعر احيانا بجسدي الخائن ربما عن غير قصد حين ابحث في انسجته وخلاياه واعضائه التي نمت بأيد سوداء حالكة الليل تغط في سبات حلمي،ويقشعر جلدي عند سماع الشباب يدخلون المحلات التجارية وهو ما زال ينتقي منتجات من يقتل حلمي وبفخر يقول لاااااااااااااااااااا دخان اسرائيلي وعصير اسرائيلي ومعجنات اسرائيلية وشيبس اسرائيلي لا اكل العربي،اكره احيانا التجوال بالقدس فترة الاعياد حين ترى منطقة تل بيوت وشارع يافا وكنيون المالحة"مجمع تجاري"وقد اغرورق بالمشترين الفلسطينيون وقد هجروا مدينتهم خاوية وتجاروها يشتكون الله على تغيير الحال.....
لم تكن طفولتي في الانتفاضة الاولى الا خيطا حملني اليها والى حلمها....اقتنيت علم فلسطين ولا اذكر من اين واخبأته بمكان خوفا من اقتحام جندي البيت واعتقالي لاجله،في احدى المرات كان لي اخ يخرج مع اولاد الحارة ويبدأ بالقاء الحجارة على دوريات الاحتلال واقتحم الجنود البيت بحثا عنه،فهرعت الى مكان العلم وتأكدت من امانه و قامت امي بالباس اخي ملابس الصلاة واجلسته بالغرفة كي لا يراه الجنود حينها تمنيت الدولة..
كان مدريد وكانت اوسلو وانا ابحث عن ذاتي في اجتماعات الساسة ورسالات القادة وغصن زيتون ابو عمار ورشاش احمد ياسين،كان الحل وكانت شرارة غزة اريحا مفتاحا وتلاها رام الله ونابلس وجنين حينها اعتقدت بحلول الدولة...
كبرت مراهقتي على صوت يقول "هنااااااااااااااااااااااااا فلسطين"عشقت اصوات المذيعين وكنت اصحو وانام على صوت المذياع الذي ادمع قلبي وحول حلمي بالدولة الى واقع عندما تفيق على موطني وتنام على نشيد بلادي وحناجر تكرر فلسطين مرات ومرات لتعتقد انك بالدولة...
دخلت جامعة بيرزيت في الانتفاضة الثانية لاعود بذاتي الى مكان اخر مغيب عن الحلم....بدأ حلمي يتكسر وكوابيس الاحلام تلاحقني على مرمى كل حاجز الا انني قلت هذا كابوس زائل عند اشراقة فجر الصباح،اوهمت نفسي مرارا بانه حال لا يتعدى مرحلة سواد ستزال عند اول مفرق طريق،طال الكابوس وتحول الى معبر وطال امده وتحول الى جدار وطال وطال لدرجة انني لم اعد احلم باللدولة؟
جاء الرقم 194 تاملته كثيرا........ اهو مقعد ام كيان ام هوية ام وجود ام ضياع ام اوراق مبعثرة ام دولة؟؟؟؟؟؟؟
نعم هو رقم ضخ بدمائنا حين علمنا انه اشارة تحد لواقع مأزوم،لا ارغب ان اعتبره اخر اوراقنا الخسرانة في لعبة شطرنج لم نكن في يوم من الايام احد اطرافها او محركي فرسانها ولن نرتقي يوما لنكون مليكها،نعم 194 سيعود بأطفالنا لحلم تاريخي كنا بفكر فيه قبل منامنا لنراه واقعا ينتهي في لحظة استيقاظنا..........لم اعد احلم ولا اتمنى ولا ابحث عن الدولة ولكن اصبحت بمرارتي استجدي دولة.


www.deyaralnagab.com