إلغاء "الرباعية" الدولية!!
بقلم : د.خالد الحروب ... 04.10.2011
اللجنة الرباعية المكونة من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا والأمم المتحدة المنوط بها رعاية جهود السلام بين الفلسطينيين وإسرائيل لم يعد لها معنى وفقدت وظيفتها بعد الخطوة الفلسطينية الأخيرة بطلب عضوية الأمم المتحدة. خلال سنوات عملها الماضية أثبتت هذه اللجنة كل الشكوك التي دارت حولها منذ البداية وهي كونها في نهاية المطاف آلية أميركية بثوب متعدد الأطراف. وقد انحازت الرباعية إلى الجانب الإسرائيلي في معظم مراحل عملها وكانت تعيد صياغة المواقف الأميركية والإسرائيلية بعبارات جديدة في كل منعطف. ثم انتقلت إلى مرحلة متقدمة من العبث السياسي والعنجهية عندما تم تعيين توني بلير ممثلاً لها. بلير الذي لفظته السياسة البريطانية المحلية ولفظه حزب "العمال" من قيادته بحث عن دور سياسي خارج بريطانيا وبذل جهوداً خارقة كي يكون رئيس المجلس الأوروبي في الاتحاد الأوروبي عام 2009. آنذاك دعمته الولايات المتحدة بقوة وإيطاليا لكونه الحليف الأهم خلال سنوات الحرب على العراق، ورئيس الوزراء البريطاني الأكثر ولاءً لواشنطن منه لمصالح لندن. ثم انتهى به المطاف ليكون على رأس اللجنة الرباعية وكان مرة أخرى مرشح واشنطن وتل أبيب لتولي هذا المنصب. مؤخراً تعرض بلير لسلسلة من الفضائح السياسية بدءاً بعلاقاته المالية والمشبوهة مع الديكتاتور الليبي وآخرها السمسرة المالية عبر خلط عمله كموفد للرباعية مع مناصبه العديدة الأخرى وأهمها الاستشارات المالية لشركات عالمية كبرى.
واليوم ندخل مرحلة جديدة ويجب على القيادة الفلسطينية التفكير مليّاً في استراتيجية تُطالب من خلالها بإلغاء اللجنة الرباعية كليّاً واستبدالها برعاية أممية، والتخلص من بلير المنحاز للسياسة الإسرائيلية. خلال معركة تقديم طلب العضوية اشتغل بلير في خدمة واشنطن وتل أبيب محاولاً إحباط المسعى الفلسطيني. وعندما أصر الفلسطينيون على استراتيجيتهم انتقلت الرباعية لـ"الخطة ب" وهي الدعوة إلى العودة إلى المفاوضات وكأن شيئاً لم يكن. وهي دعوة كان ولا زال القصد منها مضاعفة الضغط على الفلسطينيين وقد اصطف الضغط الأميركي والفرنسي وكل واحد من هذه الضغوط اتخذ أشكالاً مختلفة. لكن القاسم المشترك بينها هو إجبار الفلسطينيين على العودة إلى نفس لعبة المفاوضات الثنائية و"من دون شروط مسبقة". وهذه اللازمة "من دون شروط مسبقة" التي تُضاف في كل دعوات العودة للمفاوضات هي جوهر الموقف الإسرائيلي التي ترجمتها العملية أن يسحب الفلسطينيون شرطهم بوقف الاستيطان. تريد الولايات المتحدة وفرنسا واللجنة الرباعية وبلير من الفلسطينيين أن يعيدوا تجربة المُجرب لمدة عشرين عاماً ماضية وهذه المرة "من دون شروط مسبقة". والجزرة السخيفة التي يتم تضخيمها في هذه الدعوات باعتبارها "عنصراً جديداً" يجب أن يغري الفلسطينيين هي وضع أجندة زمنية وسقف للوصول إلى اتفاق نهائي. ولكن الأجندات الزمنية والأسقف المحددة بتواريخ هي ما تستلذ إسرائيل بدوسه والاستهتار به كما برهنت على ذلك التجربة المديدة والمريرة للعشرين سنة الماضية. ماذا ستفعل الرباعية ومًن وراءها إذا لم يتحقق أي تقدم يُذكر خلال السقف الزمني المُقترح؟ الجواب لا شيء سوى اقتراح سقف زمني جديد وتمديد فترة المفاوضات!
كل الماضي التفاوضي بتجاربه السيئة يجب أن ينقل الفلسطينيين إلى استراتيجية جديدة تتفادى التورط في أي من المطبات والشراك الماضية. وجانب من هذه الاستراتيجية الجديدة يجب أن يكون الهجوم على اللجنة الرباعية والمطالبة بحلها بتهمتي الانحياز لإسرائيل، وفقدان الوظيفة. وينبغي أن تترتب على إعادة ملف القضية الفلسطينية للأمم المتحدة المطالبة برعاية أممية جديدة تمثل الأمم المتحدة وليس الولايات المتحدة، وتكون هذه الرعاية هي الجهة المخولة بمتابعة أي مفاوضات مستقبلية وعلى أسس مختلفة تماماً. عندما تنبع هذه الرعاية من المنظمة الدولية تكون مرجعياتها قرارات الأمم المتحدة والقانون الدولي وليس مزاج اليمين الصهيوني في واشنطن.
وحتى لو تمسكت واشنطن بالتدخل في شكل هذه الرعاية الأممية وأصرت على أن تكون من داخل مجلس الأمن سيظل بالإمكان المناورة لتشكيل هذه الرعاية من كل أعضاء مجلس الأمن الخمسة عشر. وعندها ستفقد الولايات المتحدة ميزة السيطرة شبه المطلقة على الملف. وبغض النظر عن أي شكل لتلك الرعاية فإن المهم هو جوهر التوجه القادم فلسطينيّاً الذي يجب أن يتمثل في الاستمرار في مسار وجهد فك الاحتكار والسيطرة الأميركية على مستقبل الفلسطينيين والمسار التفاوضي.
وعلى الفلسطينيين أن يدركوا أن واشنطن لن تقدم أي شيء ملموس ولن تقوم بأي ضغط ذي معنى على إسرائيل. فخلال السنتين القادمتين ستنشغل أميركا بالانتخابات وسيتنافس المرشحون للرئاسة في إعلانات الولاء والدعم لإسرائيل. ورأينا كيف انهارت آمال عرب ومسلمين كثيرين في رئيس مثل أوباما ظن كثيرون أن أميركا لن تفرز أفضل منه قرباً وتفهماً لقضايا المسلمين وعلى رأسها فلسطين. أوباما الذي ألهب الناس حماساً بخطاباته النارية ورفع أسقف المسلمين والعرب في إسطنبول والقاهرة انتهى بخطاب في الأمم المتحدة يعتبر من أكثر خطابات الرؤساء الأميركيين صهيونية في تاريخ الولايات المتحدة. وإذا كان هذا حال أوباما فكيف سيكون حال أي من المرشحين الآخرين سواء من الحزب الديمقراطي أو الجمهوري؟
ستُثار هنا بحق مسألة الدعم الأميركي والأوروبي للسلطة الفلسطينية وأن استراتيجية المواجهة للحد الأقصى قد تقود إلى إيقاف ذلك الدعم. وهذه نقطة تستحق وقفة مفصلة، ولكن باختصار يمكن تحويل الدعم الأميركي هذا إلى ورقة ضعف وليس قوة لواشنطن، كما تحولت المساعدة الأميركية لمصر إلى نقطة قوة حالية بيد النظام الجديد في مصر -النظام يريد إيقاف المعونة الأميركية، وواشنطن تصر على استمرارها. والسبب في ذلك يتمثل في أن قطع المعونة في حالة مصر، والدعم في حالة الفلسطينيين معناه توجيه ضربة قاصمة للتأثير الأميركي. ويجب على الفلسطينيين التوجه جديّاً لمنظمة التعاون الإسلامي (المؤتمر الإسلامي سابقاً) وبذل جهود حقيقية لاستبدال الدعم المالي الغربي بدعم عربي إسلامي. وهناك مواقف تركية وخليجية إيجابية في هذا الصدد ووعود يجب التقاطها وتعظيمها، وهذا حديث يستلزم بقية لابد منها.
www.deyaralnagab.com
|