كيف يُرهبون الشعوب إعلامياً!!
بقلم : د.فيصل القاسم ... 03.07.2011
الإعلام الرسمي فبركات وبلطجة وزعرنة إعلامية جديرة بالاحتقار والإهمال
كلنا يعرف أن الإعلام سلاح ماض، تستخدمه الدول، والجماعات للإخضاع، والهيمنة، والترويض. ففي الغرب، مثلاً، تـُعتبر وسائل الإعلام، والدعاية عتلة هائلة لتطويع المجتمعات، وبرمجتها. ويعترف الكاتب الأسترالي الشهير جون بلجر، بأن الإعلام في الغرب، هو أداة ترويع من نوع ما، فكما تستخدم الدول الشمولية العنف لتركيع مجتمعاتها، وتطويعها فإن الدول "الديموقراطية" الغربية تستخدم الإعلام لضبط شعوبها، وإخضاعها. بعبارة أخرى، فإن الإعلام الغربي، وسيلة تحكم، وردع من نوع ما. ولا فرق بين الإرهابين "الديموقراطي"، والشمولي إلا في الوسيلة فقط.
لكن، وكي نكون عادلين، لابدّ من الإشارة، إلى أنّ الدول الشمولية، لا تلجأ إلى القمع، فقط، في تدجين مجتمعاتها، بل تستخدم وسائل الإعلام أيضاً بطريقة بلطجية وإرهابية، بحيث يلعب الإعلام العربي، بكافة أشكاله، وتوجهاته، دور الرديف لوسائل العنف والقمع في الدول العربية بشكل فظ وفج وترويعي لإرهاب الشعوب وبرمجتها وإخضاعها.
لو أرادت وسائل الإعلام العربية الحكومية، مثلاً، أن تبرمج مواطنيها ضد قضايا أو جماعات معينة، تدفع عندها بترسانتها الإعلامية الغوبلزية، كي تشن حملة دعاية عنيفة، ومسعورة عليهم، فتفبرك القصص الشنيعة والأكاذيب حولهم، فتصورهم على أنهم رأس الشر والبلاء للبلاد والعباد، وبأنهم ألد أعداء الوطن والشعب، وأنهم "رجس من عمل الشيطان فاجتنبوهم". وتستخدم التكرار الممل، لجعل المتلقين يتقبلون تحريضها، ووجهة نظرها تجاه تلك القضية، أو تلك الجماعات، فتمطرهم بوابل مدرار، من البرامج، والمقالات، والتعليقات صباح مساء ضد الجهة المستهدفة، بحيث يُبرمج العقل الباطن، للمشاهد، أو المستمع، أو القارئ، على كره تلك الجهة المنوي شيطنتها، وتشويهها، ونبذ القضية المقصود تنفير المتلقين منها، كما هو حاصل هذه الأيام في البلدان التي تشهد ثورات شعبية، حيث يجاهد الإعلام الرسمي لتصوير المحتجين والمتظاهرين على أنهم مجرد ثلة من الجرذان والمهلوسين والمخربين والمتطرفين، بينما هم في الواقع ثوار أحرار لا يستحقون سوى الإجلال والإكبار.
وقد لاحظنا كيف تشيطن الحكومات العربية معارضيها، فتوعز لوسائل إعلامها، بأن تصورهم على شكل مخلوقات رهيبة، أو "كلاب ضالة"، تصيب الذين يقتربون منها بداء الكلب (السعار)، حتى لو كانوا من أفضل الناس، فتخلق في ذهن المتلقين صورة مخيفة للشخصيات المشيطنة، وترسخها، كي تصبح حقيقة واقعة، فيتحول الشعب ضدها، بشكل أوتوماتيكي، وينبذها. وحتى لو تعاطف البعض معها في سره، فهو يبقى خائفاً من الإعلان عن تأييده أو تعاطفه معها، خوفاً من بطش السلطة وسياطها. كيف لا، وقد هدده الإعلام بعدم تقبلها. ونحن نعرف من التجارب البسيطة، أن أحدنا يمكن أن يأخذ موقفاً معادياً، من شخص أو جماعة ما، لمجرد أن شخصاً آخر أو جهة ما، حرضنا عليها وقال بحقها كلاماً سيئاً، فما بالك أن تتولى تلك المهمة وسائل إعلام محترفة في التخويف، والإرهاب، والتحريض والتخويف والابتزاز.
وبذلك تكون وسائل الإعلام الرسمية، قد أدت وظيفتها الإرهابية الخطيرة بجعل متلقيها أسير لرسالتها، وتعليماتها، ورهن إشارتها، وتحت تأثيرها. والويل، كل الويل، لمن يحاول الخروج على الوصفة الإعلامية الموضوعة لشيطنة هذه الشخصية، أو تلك القضية، فيصبح خائناً للوطن، ووجبت معاملته، إعلامياً، بنفس الطريقة، التي يتم التعامل فيها، مع الشأن، أو الشخص، الذي حاول أن يتعاطف معه. لهذا، تجد الناس في الدول العربية، تحاول مجاراة النظرة الإعلامية الرسمية، تجاه الكثير من القضايا، وفي أكثر الأحيان، تحت تأثير الخوف والضغط الإرهابي لوسائل الإعلام، فلا يشذّون عن الخط الحكومي قيد أنملة، ولو على مضض. فالتنكر للإنجيل الإعلامي الرسمي، جريمة لا تغتفر. كيف لا، وقد أمّمت الدولة العربية كل وسائل الإعلام، ومنعت أي إعلام بديل، يستطيع إبداء رأي آخر حول القضايا المختلفة. وكم ترى هذه الأيام ملايين الأشخاص يتظاهرون بأنهم مع الرواية الإعلامية الرسمية للأحداث لا لشيء إلا لحماية أنفسهم من بطش السلطة. وكم رأيت أناساً يضعون صور هذا الزعيم أو ذاك على سياراتهم أو بعض الأغاني الوطنية كنغمات لهواتفهم الجوالة ليس لأنهم وطنيون فعلاً، بل مجاراة للرواية الإعلامية الرسمية التي ترهب الشعوب وتجعلها تذعن مرغمة لخطابها الإعلامي الإرهابي.
ونستطيع أن نؤكد، أنه حتى في زمن السماوات المفتوحة، وانفضاض الناس عن الآلة الإعلامية الرسمية، فإن تلك الآلة ما زالت قادرة على إلزام شعوبها بوجهة نظرها. وقد لاحظنا في الآونة الأخيرة، أن وسائل الإعلام، في بعض الدول العربية، استطاعت، رغم فقدانها للمصداقية منذ زمن بعيد، أن تؤلب قسماً من الشارع، وخاصة المغفل منه، ضد المتظاهرين والثوار المشاركين في الأحداث الجارية في أكثر من بلد عربي، بعد أن سلطت عليهم وسائل إعلامها المحترفة بالتخويف والكذب والفبركة والإرهاب والبلطجة. وقد لام البعض الحكومات، على الطريقة الشعبوية الغوغائية الإرهابية التي تصدت بها للمحتجين، لكنها، لو لم تشن تلك الحملة الإعلامية الشعواء عليهم، لما استطاعت أن ترهب بعضاً من الشارع من مغبة التعاطف معهم أو الالتحاق بهم. بعبارة أخرى، فهي أرادت من خلال حملتها أن تقول لشعبها: إياك، وأن تفكر بالسير وراء الخارجين على سلطتنا، فهم جديرون بالرجم والشيطنة فقط.
وأخيراً لا تدعوا البلطجة الإعلامية تخيفكم، فإن خفتم من البلاطجة الإعلاميين فهذا يعني أنهم نجحوا في إرهابكم. صحيح أن الإنسان العربي العادي يخاف من السير عكس الخطاب الإعلامي الإرهابي الرسمي حفاظاً على حياته، لكن بإمكانه أيضاً أن لا يستسلم له، فلينظر إليه بعين الازدراء والقرف وعدم تصديقه، خاصة أن البدائل الإعلامية متوفرة بشكل لم يسبق له مثيل في عصر السموات المفتوحة والعولمة الإعلامية. لقد كانوا يقولون لنا: لا تصدقوا كل ما تسمعون، ولا نصف ما ترون. ونحن نقول الآن: لا تصدقوا أي شيء تسمعونه أو تقرؤونه أو تشاهدونه في الإعلام الرسمي العربي وما يدور في فلكه، فهو مجرد فبركات وبلطجة وزعرنة إعلامية بامتياز جديرة فقط بالاحتقار والإهمال والبصاق.
www.deyaralnagab.com
|