حديثي مع الشيوخ*!![1]
بقلم : زهير بن عياد ... 26.04.2012
استشرت في تأريخ تاريخي " طويلع ابن طريفي " وهو هو من عاصر التاريخ ، ونقب عما ادلهم به واحلولك ، وعرف اساطينه واطلع على مكامنه وتمكن من ذخائره ودار بدوائره ، قد تلبس به احلى ديباجه لما كانت له فيه من حاجة ، ولكنه نسي كل ذلك ، ونسي ان نسيه ، فأوقعني بحيرة تجاذبتي لكل فج ، فنحت بكل ناحية ، ووطئت كل موحشة خالية ، فأنى وكيف لي اصلاح خلقان باليه ، أكل عليها الدهر باسره فلم يجدا ماءا ، وطنت ذاتي على الغوص بتلك البقاع ، وان اشتمل منه بعض متاع ، ولأردن منهلا كورد الكميت، فجالست ما لاح من الرقاع مع من جحظ بعينيه ، وكان لي حديثا مع ابن الاثير ، وصادفت بعض من نقل العلم عن تلامذة الطبري يوما ، وهتفت مع هواتف الجان في وادي عبقر ، ونقلت الملح بقوافل ابل مهرية الى تمبكتو ، وطرت مع عجاج رؤبة ، وجادلت موبذان فارس ، وضحكت من سيدهارتا غوتاما ، وعجبت لشرفات هرقل ، وبينا انا كذلك في لجج الحياة وزراديبها ، استولت على نفسي - فكرة اعرابية - فغمرت الكآبة قلبي ، وتنازعتي سحائب الحزن ، كيف لي ان اجابه حملي ، حمل قد يكون اخف من حمل بعير ، لكنه اثقل كاهلي ، وهد حيلي ، وشق متوني ، تفكرت بحالي فقلت : سأفرد لذلك مقامة برأسها ، لكن ترى هل هذا لزوم ما لا يلزم ، من سيلتفت عقبه لذلك ، من سيجاريني حينها ؟! جاهدت ان اصل الى اعماق الفكرة وقد استلهمت لباب عقلي ، كان ذلك حين طرقت أبواب العشرين ، اول ما تبادر لذهني ذاك الخبيث مارسيل كوربرشوك الذي تتبع خطى الملك الضليل بين الاوابد والاطلال فحومل ، قرأت عن دندانه ، تراه كذب، هل يبالغ ، هل يجهز على ذلك لغاية اسرها بنفسه ، ألست انا من يجالس الدندان بذاته وهذه الساعة ، ليت شعري ما لسحر الأطناب السود ما فتأ وهجه ينير كبرق تلألأ في حنايا قفاف جلاميد , وسطها من يقعي بجلسته يخيل لك انه يمسك بزمام بعير ، حاولت ان استرق منه السمع واختلس الايام اختلاسا ، نظر ألي بتكبر وتجبر ،فأخذته رعشة واعبر ،يا شينها دمعة الشيخ ، نادى ،يا فتى منشدا :
وكأني اضرب بالرمح قائلا - لا الارض ارضيه ولا الزمان زمانيه
جهدت لإن اهدأ روعه ، فمال لترابها ونصب كوعه ، بني تينك ردهات وبون ما رأيت نوعه ، قلت يا شيخ : وقد ادركت ما أصابه : دارهم ما دمت في دارهم ، وأرظهم ما دمت بأرظهم ، لحيظات وأذا به قد تنكر صوبي ، فتعكر حبل الود بيني وبينه ، عقب ان آنست به لحديثه ، اقدم ابا ساتر يلف السراديب والانفاق لفا ، ويطوي الصحاصيح والبسائط طيا ،اوحشت مفازة " كلهاري " تباعدت اطرافها اكاد ابصر طيف افقها ، هنا تواردت علي الافكار توارد الظباء للحياض في الصبح والاعصار ، واستوحش فكري من قلة الانصار ، خاطبت الجبل متجها اليه ، ايا جبل ارفق بحالي وبث عنك الي التسالي ، حدثني بربك يا اخا الزلزلة ، ألست بكهف السنون ومنشأ الفوارس من البنون ، وملجأ الثوار الاحرار والمجاهدين الأخيار ، الست بمبكى اطلال الاوائل وبقية القوم ممن سلف وتلف ، على هجران الخلان والعوائل
يا دار مية بالعلياء فالسند - أقوت وطال عليها سالف الابد
لممت شعث افكاري وحطامها فهممت بالرحيل ، وبينا انا في خفض ومشيل ، حانت مني التفاتة بلحظ مباغت ، فاذا بي بهجانة يقدون الارض قدا ، راعني منظرهم بهذا وقت ، زهت روحي ببعض مقت ، شعرت بل تملكني الخوف حالما اقتربوا مني ، حدثتني نفسي ما هذا بزمن الجمال ، ان هؤلاء ما هم الا نازلة من نوازل الزمان ، قد سحت هذه البلاد من وقت فان ، فما لاحظت بها عين انسان ، استوحشت وهالني الظرف فقلت ما هؤلاء الا من بني الجان ، فركضت فزعا غير ملويا لشيء ، فنادوني ان رويدك اخا العرب ، تسرب ألي صوتهم انست به ،وكأني اعرف القوم وهم يعرفونني ، كأنهم ارسلوا الي تينك الصرخات من اعباق السنون ، ولم تخنها او تراها عيون ،ففازت وغرت عنها يد المنون ، احسست بالراحة وصممت الرجوع اليهم تائبا ، ومن فعلتي عائبا ، نوبة حر نائبا ، ولكن هيهات هيهات فقد سبقوني بالوصول ، فعوتبت ما هكذا الاصول ، اتهرب من ضيوف كحول ، وضحت الصورة ، وانجلت لي عن ثلاثة أشياخ نضار الوجوه عليهم سمات العز والوقار يعلوهم الاباء والهيبة ، جمالهم تلك الشيبة ، كأنهم كانوا في طول غيبة، تلحظتهم وقلبي تملئه الريبة ، تمتمت بضع كلمات لم يدركوا محتواها ، لشدة رهبتي لم اخرجها من صحيح مثواها ، فقالوا لا عليك ، حدثنا حديثك يا ابن عياد ، وكيف هي اخبار القوم ؟ فانشدت :
تسائل عن حصين كل ركب - وعند جهينة الخبر اليقيـن
ارتعدت فرائضي ، واعياني جوابهم ، فرجعت لذاتي قائلا اول الحزم المشورة ، قد هوت الصروح فقال الجمع هوت ، عداي قلت : لماذا هوت . تداركت طول سكوتي فأجبت : بخير وطول سلامة باذن الله ، هلموا بنا الى المضارب ضيوفا معززين ، فأبشروني خيرا ، فأذنوا لبعضهم البعض ان تعالوا نصب من النسيم العليل ، ونرتاح بالجبل الظليل ، وعن نفسي شمرت الساعد مرددا هذا اوان الشد فاشتدي زيم ...
جلست واياهم يتذاكرون الزمن ذا الغياهب ، ذهبوا فيه كل مذاهب ، بحالي انصت لهم وايما انصات ، انصات قد ابتدعته مع طروف الحياء ، من هم ترى :
فلما نأت العشيرة كلها - انخنا فحالفنا السيوف على الدهر
فيا ليتها
ما اسلمتنا عند يوم كريهه - ولا نحن اغضينا الجفون على وتر
اي حمل حملته ، واي ثقل جهلته ، قد بحثت عنهم بكل رمله في التيه في مدن الملح ، في نجود ابراهيم الكوني ، في نتوئات فجر مسعد ، وفي تعرجات سعدون العواجي ، أخير هلا اقتنعت نفسي ، هل وجدتين الجار :
من مبلغ افناء يعرب كلها - أني بنيت الجار قبل المنزل
تيقنت ان هذه جدة الزمن ، ليست وقوف طلل وبكيا دمن ، عندهم تلعثم لساني وضاع بياني فخفت الشقاق والخلاف ، مع أنني لم ارى من تلك الحياة اي انصاف ، جعلتني كحاطب ليل بصفصاف ، رأيتهم وقد ركبوا صوب النجم اليماني ، لحقت بهم كحادي ظعن ، اخدمهم بتفاني واعتذرت لهم عما بدر من كياني ، جلسنا ثلاثة ايام بالعراء نتذاكر ايام السراء والضراء ، والقول عندي ما قد قالوا ، هذا والاشياخ تجاهل واقع الحال ، وما آل اليه المآل ، مما ابتدعه الاحفاد ، وكيف قيدوا بالاصفاد ، وراحت من بينهم نبرة الضاد ، كل هذا وانا بينهم على ما قيل ، صغير القوم خادمهم ، فقمت على خدمتهم مدة ، ابادر طالما نوى احدهم طلبا ، البيه بحرارة الشوق ، التي طوقتني اليهم بطوق ، فرأيت صفات العظام ، قلما تجدها اليوم في الانام ، لم تستسغها او تشرئبها عقول الاحلام ، هيأ لي انني بين صحابة كرام ، لا شاهدت الكبر والتكبر ، ولا علي من قبلهم تجبر ، ينادوني اقبل بني ، فاسرع اليهم بالجري ، وما رأيت بعد ادب الكلام والحوار ، فما يتكلمون الا بكلم الاحرار ، يتذاكرون من قضى من الاخيار ، ويعتبروا بمصير الغلاة الاشرار ، فرأيت كم تعم الفائدة ، وما لكلامهم من قوة. سائدة ، ومن اهداف رائده ، السمو يتجلى في معانيها ككروم العنب في اوانيها ، كلامهم رقيق موزون ودقيق ... يتبع
*الشيوخ :كبار السن
www.deyaralnagab.com
|