حديثي مع الشيوخ!! [3]
بقلم : زهير بن عياد ... 01.05.2012
فأجموعوا : أن هلم بنا ابن عياد ، نتنزل كل قاع ونشرف الوهاد ، ليت حظنا ، كيف غدت البلاد ، أشر مستطير اصابها ، ام ابتلاء قصير الم بها ، تحدرنا الجرة على مهل ، اربعة ايام طفنا بكل وعر وسهل ، اطلال تبكي العين ، بل تدمي المقلة ، وتسهر الجفن ، كيف ضاعت ، أليست وطن ؟
قلت يا أشياخي ، قد قلت نفحاتها ، وهبت سموم زفراتها ، وشح الماء من قلاتها ، وايبس العود والزرع ، فعافتها كل ذي ضرع ، هذا وبني قومي لم يتزحزوا عنها قيد أنمله ، ورددوا يومها :
بلاد ألفناها على كل حالة - وقد يولف الشيء الذي ليس بالحسن
ونستعذب الأرض الذي لاهواء بها - ولا ماؤها عذب ولكنها وطن
تتابعت سنين محل عجاف ، فهجرها التجار وانفرط كل ايلاف ، وحاس البين بداراتها ، وعجوز الحي خسأت نظراتها ، تقول انكم عما قليل راحلون ، وعن موطن الجدود ذاهبون ، سخرت منها في احدى العصاري ، فألويت ليلا لأوقد ناري ، كيف ترى لو صدق حدس العجوز ، أليست هي العجوز التي انذرت بني قحطان انهيار سد مأرب ، فقيل تفرق القوم شذر مذر وايادي سبأ ، فمزقوا كل ممزق وتنازعتهم العراق والشام والحبش ، العجوز ومن أزلية العرب تصدق ظنونها ، فمالها لا تتحقق هذه النوبة ، تهيأت الكثير بتلك الليلة ، كيف لي وان رحلت ، ان الولف صعيب ، عصرا مع تحدرات الغروب ، والرعاة اياب بين مساريب الدروب ، والابل يسوقها شيخ وطفل لعوب ، نعق ناعق البوم ، وحام البين ايما حوم ، جاءت الجحافل اثر الجحافل ، فيهم كل شديد ونافل ، فارتعدت الديار وكثر التجافل ، وارتعشت الشيبان وشاب الولدان ، يا للهول ، ليت العجوز انذرتنا قبل حول ، بخلسة المختلس وغفوة المحترس ، فتت القوم ، وشتت الاعراب ، فأنزلوهم بأكبر حوش ، ونصبوا بينهم حية ذات رقوش ، فمن ركع تناولته ذئاب وحوش ، ومن عيا أغروه وزينوا له ببعض قروش هو البين لا يرعى من الناس حرمه - فمنه بأجساد الرجال خموش
إذا البين في قوم أناخ ركابه - رأيت القدور الفارغات تجيش
انخنا الركب وكأن على رؤوس الأشياخ طير شلوى ، فرفع الي كبيرهم بالصوت عقيرته ، يا لحشو ذخيرته ، حكم تتسلسل كأنها السلسبيل ، ما وقع قبله احدا اليها على سبيل ، كيف بدلتم حتى استحقيتم تلك البلوى ، فقلت كثير والله ، انشدوا عما أبقينا لا ما أضعنا ، انتشر الحيف واندثر الضيف ، وغاب حاتم وغلامه
أوقد ، فإن الليل ليل قـر - و الريح ، يا موقد ، ريح صر
عسى يرى نارك من يمر - إن جلبت ضيفـا ، فأنت حـر
موقد النار انطفأ ، والاناء عليها انكفأ ، وغدا بني ام ، يحثوا الركاب والمطايا ، نحو كل ردية فابتلوا بالرزايا ، فكدسوا الاموال والاصفر الفتان ، وارخوا للمجون كل عنان ، فبدلوا مراكب العز ، باكداش بالنفس تحز ، الارض لله يورثها من عباده من يشاء ، بيعها حرام ، وتضييعها ذلا ما بعده ذل ، لم يصن تاريخكم الوضاء ، هبى ضاعت جهود صناديدكم المحنكين ، وجنودكم الاجراء الشجعان ، أضاع الاحفاد الدرس ، وسفت رياح السموم ، الديار والرسوم ، انعدمت روح التضحية ، فحطت الهمم وفترت العزائم وقل شأننا ، فانهارت دعائم نهضتنا ، وخلعت صروح ملكنا ، ذهبت غرة ايامكم التليدة ، بمآثرها ومفاخرها ، كأنها دفنت تحت كثيب ، أو احرقت بنار ذات لهيب ، مرت سويعات كانها برق خاطف ، ما شعرنا الا ولهيب الشمس يحرق جلودنا ، فلجأنا لظل سرحة نتفيأ ظلالها ، والربع ربع ما به من احد ، سكت الأشياخ وسكت ، أطلنا السكوت ، فقلت لنفسي دعهم يتذكرون فللذكرى تسليه وترويح بال ، ساقت الحصباء لنا صيدنا ، فحشيت نارا ولا كنار حرب ، سال قتر الشواء عليها ، فأكل القوم وقد جاعوا ، وما شبعوا ، استحيت لشدة نهمي وجشعي منهم ، فقمت خجلا جائعا ،
أسب ذاك الصعلوك وسنته :
وان مدت الايدي الى الزاد لم أكن - بأعجلهم إذ أجشع القوم أعجل
قطع حبائل سكوتنا شيخهم ، فقال : على نفسها يوما جنت براقش ، ورثنا عن اباءنا كل مكرمة ، واورثناكموها ، مذ اول منشأنا لم يختلف على السجية اثنان ، وانتم بلحظ عين نبذتم ذلك ظهريا ، ان نفس عصاما سودت عصاما ، فأين هي كرامتكم ، اين محلها ومستقرها ، اليس خير من ذلك موت يغيظ العدا او حياة تسر الصديق ، اما زجركم من تاريخنا رادع ، الم يتبقى منا من عنكم يدافع ، كنا وعندنا للمرض شفاء وللعلة دواء ولظمأ شربة ماء ، نفوسنا سودتنا ، نرد ايام الحر ونصدر عن ليالي قر ، فلم نستكن او نخضع ، وصغيرنا للعظام منا نرضع ، فما بال شبابكم اليوم ، تاه في الترهات وامتثل للسقطات ، فتركوا الوسط للغلو والشطط ، مال دياركم لم يعد بها سراب ، واستوحشها حتى السحاب ، فغدت مرتعا لهؤلاء الذئاب ، الذين يتنزلون بها زعما انهم رحاله ، فيستطيبون سحر الصحراء وخياله ، انه عصرا غريب ودهر عجيب ، مال لكلامكم كانه صريك الحاكة ، يبتذل باصناف الركاكه ، كأنه من القلوب ظعن ، وفي الصدور مستقره طعن ، ها هي الاحجار متنافرة ، والأخاديد سافرة ، والاشواك بعرصاتها متناثرة ، يا زهير اعلم وانه مذ مئات السنين السحيقة ، والايام العتيقة ، على ما يرويه لنا الكبار ، ان هذه البلاد نزلها رجلا بسيف بتار ، جاء من بلاد نجد وذوائبها ، له في جرثومة العرب منسب ، من احدى بطونها منجب ، فكان شديدا يجير ولا يجار عليه ، فنزل هذه المحله ، وبنى برابية مطله ، فنزله التجار ، ومر به الشعار ، وكل ابن سبيل تائه ، وفي غمرة سنين استقر الاقوام عنده ، كما استقر جرهم في واديا غير ذي زرع ، فعجت البلاد بأهلها ،وراحت عنهم حيص وبيص ، واهلها بأتم نعمة ، احاطوا بديرتهم احاطة السوار بالمعصم ،
فقدروا النساء وكل خود ، وأستضافوا من نزلهم باسمى معاني الجود ، والغاية بينهم تعاضد وأخوه ، القوي ينهض بالضعيف ، والغريب عندهم ينشد : نزلت على "حيهم "شاتيا - غريبا عن الاوطان في زمن محل
فما زال بي اكرامهم وافتقاؤهم - والطافهم حتى حسبتهم اهلي
كان لوقع الظروف هذه كلها ويزيد ، تأثيرا على الاشياخ كبير ، فنكسوا رؤوسهم يخطون الارض ، ما شأو العرب وحالهم :
عشيه مالى حيله غير انى - بلقط الحصى والتراب مولع
اخط وامحو الخطى ثم اعيده - بكفى والغربان فى الدار توقع
هي زخارف الدنيا يا فتى ، تخدعك ان اقبلت ، وتفجعك بزوالها ان ادبرت ، هي الايام في دول بين الناس وسجال .
وطئنا واديا قل نظيره ،كأن للجن بحافاته زجل ، يستجمع في اعاليه من قبل شعوب شتى ، رأينا بيتا عليه سجاف ، واحدا بين تلك الهجاف ، هرولنا نحوه ، هرولة الظمآن للسراب ، انه احد بقية القوم ، انه من اعراب الاعراب ، يأمن بتيامن وتياسر الغراب ، كأنه لا يعي غير ابله احدا ، في منزله قد استعصم ، ومن الاسودين يستطعم ، ...
www.deyaralnagab.com
|