logo
حديثي مع الشيوخ!![ 2 ]

بقلم : زهير بن عياد ... 28.04.2012

والله لولا اللكنة البدوية ، لحسبتهم قد انصرفوا الساعة من المربد او عكاظ ، كلامهم باريحية وطول بال ، يا لشدة بيانهم وقوة جنانهم وفصاحة لسانهم ، معنى رخيم ، وفكر حكيم ، إن تكلم احد بلهجته ، تشعر بسمو عارضته ، فإن استهل ، سكت مقابلية ، سوى كبيرهم ، فهو اول محاورية ، لا تطاول بينهم وتنافس ، رجال شم المعاطس ، هيئتهم طباعهم اساليبهم ، ملكت شغاف قلبي ، شعرت اني وجدت أغلى درة ماثلة بدربي صدفية أضاعها الملاحين الاسبان يوما ، طمعت فيهم ، ويحك ، ما قطعت اعناق الرجال الا المطامع ، ساقتهم لحتوف أججتها المعامع ، أذ كان السكوت فضه فحديثهم اغلى الملامع ، لديهم ملكة الايثار ، لا يضام بينهم جار ، يقتحمون دروب الشجاعة اقتحام ، لهم سرعة جواب وبإفحام ، خفة روح تلتحم بالفكاهة التحام ، واه ما شدة سوألهم عن الرحم والارحام ، لهم حظ من الحكمة اليمانية ، والشجاعة المضرية ، ليسو ببني الشقاق ، ولا اهل النفاق ، ومع هذا ففيهم شيئا من جفاء الاعراب ، ومكر ودهاء اشد من وقع الاسنة والحراب ، تحاشيت منهم هذا الجانب ، وحذرت نفسي ان تذانب ، املنا صدور العيس ، بشدة ونوعا من القيس ، هناك الى بلاد الرمال ومنبع الرجال ومحط الاثقال ، في سحر البادية ، حيث كانت القبائل اليها قادمة وغادية ، كانت تعج باهلها وتفيض ، مدحها كل من نسج القريض ، لكن وابيك فقد امست قرية وبلحظ وميض ، دارا خرابه ، دمرتها العصابة ، فمن اهلها خلت ، يمنة ويسرة عنها جلت ، وجف منها كل مشرب وقلت ، انها بلاد الجرة قالوا عنها يوما بانها للنقب درة ، لا تضام به حرة ، تدرجنا اطرافها ، والاشياخ بأكنافها ، لم يدركوا بعد ما حالها ، وكيف ضاق بما رحب مجالها ، يحدثون بعضهم البعض هنا خط منزل ابن عمي ، وهنا جلست ابث للنجم همي ، يعرفونها رملة رملة وتلة تلة واكمة أكمة وشعبا شعبا ، يقولون الان سنشرف على القوم ، حيث الديار العامره ، والليالي السامرة ، حدثتني نفسي ان هذه مغامره ، كيف سأواجه الاشياخ بالحقيقة ، قد ناموا زمنا ، وليس كنومة عبود ، ليتهم يكتفوا بالسماع عن المعيدي خيرا من رؤيته : فأختر لنفسك غيري إنني رجل - مثل المعيدي فأسمع بي ولا تراني يضيق بي رحب الفناء كلما اقتربنا ، تمنيت ان كنا قبل ذلك افترقنا ، أطل الأشياخ بعض الشيء ، خيل لي انهم بدأوا يدركون الامر ، سألني احدهم : مالي لا ارى لهيبا وسناء ، ولا قببا كسنام ابل البناء ، اين كل سارح ، ما عهدي بهم هكذا البارح ، اين اختفت الطيور الجوارح ، كأن لم يكن بين الحجون الى الصفا - أنيس ، ولم يسمر بمكة سامر بلى ! نحن كنا أهلها فأبادنا - صروف الليالي والجدود العواثر يا الله : اين الملاذ ، انه جواب اخاذ ، أطل الاشياخ على رابية ، فاطلعوا على صحن البلاد كلها ، فأذا هي مرتعا للوحوش الضواري ، أيبست بها كل البواري ، بقايا اخاديد ونؤي ، وجنادل احجارا رصفت ، وصير كأنها من أزمان وافد عاد ، أفنى عليها الذي افنى على لبد : وقفت فيها اصيلانا أسائلها - عيت جوابا ، وما بالربع من أحد إلا الأواري لأيا ما أبينها - والنؤي كالحوض بالمظلومة الجلد بكل هدوء وبرودة اعصاب ، وشرارة النار تتقد بصدري ، سألني احدهم ، أين بيضة القوم يا ابن ....؟ أطارت بهم العنقاء المغرب ، أم هي نجعة للكلأ والماء ، قتلني ومن الطباع ما قتل ، هدوءهم ونفسهم الطويل ورويتهم ، توقعت منهم الصدمة ، وان يصرخوا ويتداعوا ، حقا انهم سادة كراما نجبا ، لا تضعضهم الضعاضع ، ولا تغرهم لينات المضاجع ، استراحوا واسترحت على تلك الرابية وقد اعيانا طول السفر وشعثاءه ، قربوا الدلال الزعانيف ، كأنها قد أتوا بها من يمن المخاليف ، صفراء بوهج ، وأخر يون من النار اللهب ، قسموا ألي كسرة من رغيف ، كأنه شن بالي ، عجن بعصور خوالي ، فراحت عني وحشة الجواب ورهبته ، واستأنست عندما رأيت كبيرهم ازدانت بهجته ، فقلت لهم : الجرة ومذ بعيد وهي تشتكي الوفاض ، ومن سنين مداد واهلها عنها في ذهاب وانخفاض ، طمعوا بغيرها فها هي اليوم انقاض ، وقف اوسطهم عمرا وقفة انتفاض ، وقال ايتها الجرة : كانت السماء غطاؤك والارض وطاؤك ، والحكماء جلساؤك ، والتعاضد رداؤك ، والكرم يبرز احياؤك ، والسكينة مهادك ، ايتها الدار الفيحاء ، يا ام العرب والأحياء ، يا اطيب الدارات والبناء ، يا طحطح الاعداء ، يا بلاد الأضريج ، وابل الهجيج ، يا سروات المواطن ، يا صحاصيح العسجد ، يا مرقد الرتم والطلح ... أشاحوا بأنظارهم عني وقد استكرهوا قولي واستقبحوه ، فخبرتني نفسي اني انا مجيرهم ، فنادى بصوت حزين كبيرهم ، على سابقه من تحدث بكلم رخيم ، قائلا ، كأني وأياكم من اصحاب الرقيم : وقفنا فيها ، سراة اليوم ، نسألها - عن آل نعم ، أمونا ، عبر اسفار فاستعجمت دار نعم ، ما تكلمنا - والدار ، لو كلمتنا ، ذات أخبار كاد ثالثهم ان يعبر ويتساقط دمعه ، الا انه تدارك وبيمناه قمعه ، فارتعد ووقف ، رأيته كأنه هزبرا ليث ، تكلم لا عجلا ولا ريث ، لن يطل بالحديث (الحاء مضمومة ) ، ... يتبع!!


www.deyaralnagab.com