المجلس الاقليمي للقرى الغير معترف بها!! -1-
بقلم : زهير ابن عياد ... 09.03.2012
بداية احيطكم علما بانني لا اتفق مع مصطلح القرى الغير معترف بها ، ولكني اضطررت الى استعماله وعنونته ، لانه قيل -قياسا - خطأ مشهر افضل من صحيح مهجور ...
انها حكاية تطول خيوطها وتختلط وتتشعب ، ومع تراكم خضمها إلا انها - كلها تؤدي الى روما - تؤدي الى تلك الثلة التي أخلصت لدينها ووطنها خلقا وعرفا أيما إخلاص ، فقارعت وناضلت وجاهدت لتثبيت رؤية وجودنا في هذا البلد ، وذلك بمقابل فئة جهدت بليل على تفتيت واقعنا وصمودنا بقصد منها أو غير قصد . فلاقت هذه الثلة - سنذكرهم تفصيلا في الاعداد المقبلة حالما صرحوا لنا رسميا هم بذلك - الامرين واخيهما في سبيل تعبها وسهرها من أجل النقب ، وبوجه خطواتهم الحثيثة زرعت لهم الاشواك والمطبات بين نتؤات العمل وتعرجاته ، فتعدوها بحكمة وعقلانية فذة ، وبجهد مضني نقدره ونثمن لهم ذلك ، طاردهم المنهال من جهه وولج كل فج لخلخلة بنيانهم وثوابتهم ، فعمد على استعمال سياسات غميقة ستذكر فيما بعد ، ومن جهه اخرى كان بعض بني جلدتنا - وعلى ما قيل بأن ظلم ذوي القربى أشد مضاضة - يعمل في طعن هذه الثلة وتقويض صرحها ، في نطاق بؤرة اقل ما يقال عنها تناطحت فيها الاطماع والمطامح الشخصية ...
في استثناء يكسر قاعدة الجمود والركود وسط مجتمعنا ، وإثر تغيرات في النفس الجوهري للبدو نشأ المجلس الاقليمي للقرى الغير معترف بها ، كمؤسسة رائدة في بداياتها، طبعا تحتاج من باب اعطاء كل ذي حق حقه الى تثمين وتقدير لما بذلوه من جهود جبارة في نضال مستميت لاجل قرانا ...
نشأ هذا المجلس سنة 1997، كثمرة جهود مباركة قامت بها ثلة من الاخوان الواعين المدركين المتبصرين لمآل وواقع الحال ، شيد هذا المجلس الاقليمي كصرح ديموقراطي نخبوي بناء في ظرف صعيب ، وتميز برقي فكره ونهجه تحت ما اسميه ديموقراطية البدو ، فكان كرسالة صمود وتحدي للسلطات ، ذلك بنضال علمي مبرمج ممنهج من خلال عمل مؤسساتي رسمه المؤسسون ، شيد هذا المجلس بخطوات متناهيه سريعة مع مراوغة حذرة ذكية للسلطات ، لكن وعقب ظهوره على السطح تطاولت سجالات ما أسرع ان تنتشر فيها الاشاعة المغرضة واقناع بعض - الكبار - بذلك ، حتى غدا وبعد هنيهه الصادق يكذب والكاذب يبجل ...
اقيم هذا الصرح على اسس متينة واعية ، طبقت بصرامة وحزم واصرار من قبل أشخاص معدودين على رأس المجلس ، ملخص هذه الاسس كان فيما يلي :
* جذريا ، المجلس لا يمثل ويجادل في قضية الارض والملكية عليها البته ، واقصى مطلبه توفير بنية خدماتية لاهل القرى ...
* الاعتراف بجميع القرى البدوية ، ككيانات تشكلت تاريخيا وعلى ارضها وموطنها ، وتلبية طلباتهم ورغباتهم مع مراعاة نموذج حياتهم الزراعي
* المجلس وبأي حال ( وبغض النظر عن انتماءات شخوصه ) ، يعتبر هيئة مدافعة لا تسيس ولا تحشر قضية الاحزاب في حيزه ..
وقف المجلس دون ازدواجية المبادئ والمصالح في وجه البعض ممن حاول استعمال الطرق الالتفافية ، كما انه ومع محدودية وندرة الموارد ثبت المجلس واعضاءه الكبار امام المؤسسات الحكومية التي عملت هي واعوانها على محاولات تقويض هذه الاسس ، من ذلك ان الدولة حاولت ولاكثر من مرة ترهيبا واغراءا الاجتماع مع مهندسي المجلس ، الذين بدورهم رفضوا هذا المسعى رفضا قاطعا ، في استدلالات واعئة ذكية فهم بذلم لا يعترفون بمشكلة الأرض كمشكلة ، فلم يقبلوا أو يرضوا بالجلوس مع الحكومة في هذا المنحى ، وفي لفتة عبقرية انتقوا خبيرا استراتيجيا تخرج من جامعات المانيا ، لا ليفاوض الدولة إنما لينطكر في مخططاتهم تجاهنا ويأتينا بالصالح منها فيقوم المجلس بالتفاوض حول ذلك واتخاذ ما يلزم من قرارات ...
حاولت الدولة بعث الانشقاقات في هذا البنيان ، فاشترت بعض الذمم هنا وهناك ونجحت في خديعة البعض ، الا ان ترصد واصرار وعزم القيادة التاريخية للمجلس حال دون مآربهم ، وفي رابعة النهار ارادت الدولة احياء النزعة القبلية وترحيل الناس للاستيلاء على ارضهم ، من ذلك عمل الدولة الجاد في اقامة وامضاء مخطط ثلاث بلدات احداها لقبيلة الظلام تسمى مرعيت تبدأ من شمالي عراد ، يتم فيها تجميع كل ابناء الظلام ، ما معناه ويؤشر على ترحيل مئات العائلات ، وبلدة اخرى للقديرات تسمى بيت فيلط ، حالها كحال الاولى ، وهذا المخطط يعتبر بمثابة تهديد خطر لوجودنا في الننطقة ، إذ سيغير الخريطة الديموغرافية لعرب النقب بتهجير شرائح كثيرة منهة ...
ثمة وعي وادراك ابدته القياده التاريخية للمجلس حيال هذا المخطط فواصلت الليل بالنهار تعمل على الغاءه ، ولم يفت في عضدها اصطناع الدولة لبعض القيادات النقباوية المشهورة في تسويق هذا المخطط والتطبيل له وإبراز مخاسنة دون المساوئ ... فبدأت عقب ذلك سجالات ومعارك لا هواده فيها مع المجلس التاريخي الشرعي ، لانهم رأوا فيه هيئة واعية مدركة تهدف لصون الوطن ومقدراته وتنادي بضرورة الالتفاف حول قيادة واحدة لا تفرط وتساوم على شيء ، اتصالات عديدة جرت مع القيادة التاريخية للمجلس من قبل الككومة تحاول فيها اقل القليل الاجتماع بالمجلس والتوصل لاتفاقية تنهي الوضع القائم ، وعلى كثرة هذه المحاولات ما فتأت هذه القيادة في عنادها ورفض التحدث في شرعية امتلاك البدو لارضهن وحصرت مكالبها في الاسس انفة الذكر ، ولم يقبل المفاوضة حول ذلك لانها ايقنت انها بفعلها ذلك تعترف ضمنيا باكماعهم - وحقهم المزعوم - ...
بنضال دؤوب عنيد ، عمل المجلس على مستوى متخذي القرارت في الحكومة ، فقامت هذه القيادة مشكورة بجلب الوزراء والنافذين للاطلاع على حجم المعاناة والواقع الذي يعيشه البدو ، في محاولة منهم لتكوين جبهة في الكنيست تدافع عنهم وتطالب بحقوقهم وتؤازرهم فوفد وزير القضاء انذاك وتفقد المنطقة بمتابعة ورفقة ورعاية من القيادة التاريخية له ... فأستنكر الاوضاع التي تفرضها الدولة على البدو وقال مقولة تستحق الذكر - بأوضاع البدو تلك لا استطيع الدفاع عن اسرائيل في اروقة الامم المتحدة - ، وفعلا وفد غيره كثير قد نجح المجلس في الاتيان بهم ، وبالرغم من هذه الجهود لم يسيس المجلس او تسيس القضية ككل ، بل استطاع فوق ذلك انتزاع الاعتراف بعديد من القرى التي تعج بأهلها ...
وتماشيا مع سياسة - خذ وطالب - وبجهود مضنية قرر في احد المخططات " طبعا تمت الموافقة عليه في المجلس " الاعتراف ب 16 قرية وتاليا الاعتراف التدريجي بما تبقى مع تقديم البنى التحتية اللازمة لهم ، وملحوظة معارضة لا بد منها انه في عصر الانحطاط للمجلس في الحقبة الثانية لم يتم الاعتراف سوى بقرية واحدة وما حدث من هدم وترحيل ومساومات ليس بخاف عن احد ...
كما ذكرنا انفا بنوعا من التفصيل ان المجلس طوال دربه عمل على جبهتين ، الاولى مقارعة الدولة ، والثانية التصدي لنماذج ابو رغال وعلى كثرتهم - لمن لا يعرف ابو رغال فهو من ضربت العرب المثل به في الخيانة لانه دل ابرهة على مكة - ، هذا ورغم تضحيات المجلس حاول البعض ابتزازهم والعبث باموال المجلس وتقاسمها ، وامسى الامر أشبه بساحة تخوينات تغاضى فيها الجميع عما اعطته القيادة التاريخية تطوعا من وقتها وجهدها للمجلس والنقب دون مقابل .. كان هناك ممن شب عن الطوق ، ولعدم تبصرهم بالامور رغم سلامة نواياهم ، فانفصل عن المجلس او جابهه فاسست مجالس اخرى مناقضة كمجلس القرى وغيره ، بيد انها ستظل فترة مليئة بالتناقضات والمشاحنات التي تداخلت فيها القبيلة بالسياسة بالمطامع والمطامح على كافة الاصعدة ...
المجلس الاقليمي لا مواربة ولا محاباة مؤسسة ذات شعار بكل ما تكتنفه المفردة من معنى ، مجلس يحاكي اكبر الهيئات رغم شح الموارد وندرتها ، الا انه عمل على رفاهية النقب واهله ، وتوعية وبعث وبناء مجتمع قادر ، وسرعان ما بانت بصمته وتأثيره على الساحة كهيئة مستقلة لها نشاطات جمة ، فاقتنع انذاك الناس به وعالج امورا في العمق ولم يكتف بالهوامش فمثل القرى البدوية وعزز قوى سكانها ، بإمتلاكه لرؤية مستقبلية تاريخية صقلت مضامينها باهداف واضحة جلية تصب بقضها وقضيضها في مصلحة النقب ... من الابجديات المسلم بها للمجلس انه استنبط ادوات نضالية جديدة آتت أكلها ومفعولها ، أعجبني في ذلك تصديهم لمخطط متروبلين بئر السبع وبلدة مرعيت ، وكذلك عملهم لاجل ارساء روافد الهوية القومية وبعث الارتباط الحقيقي مع الحيز الجغرافي فتم بناء خارطة للقرى باسمائها والفاظها العربية الموروثة وتوثيقها ورصدها بأحسن صورة ...
إذا كان المجلس ابتكار واسهام جاد وجديد على الساحة ، مؤصلا وبمنهجية واقعية موضوعية لمعاني الصمود والاباء ، فحمل اصحابه هما سعوا الى تحقيقه وأفلحوا بدرجة ما ، وعلى هذا فلهم القدح المعلى ، لا غرو بأن لهم ومضات خلابة امتدت من عام 97 حتى 2006 تميزت بالرباطة والجأش بعيدا عن الاستجداء والاستعطاف والتذبذب للحكومة فأثروا الساحة بزخم نضالي مقاوم من منظور فلسفة سلمية متنورة بحتة ..
نعم ، كان هذا هو المجلس وهكذا هو ، لم ينشأ محض صدفة بل هو نتاج وعي وبصيرة رجال نهضوا بهممهم وعزائمهم ولم تكل وتهن تلك العزائم حتى تم تغييب ادوارها عن الساحة واقصاءها من اطراف عديدة ما فتأت ومن سنين جهودها لازاحة هذه القيادة التاريخية عن مسارها ... في إطار هذا المشهد المترامي الجوانب لم تنسجم هذه القيادة التاريخية مع رياح السموم التي هبت عام 2006 ، وببساطة وسلاسة اعلنت اعتزالها هذا النهج ، فاحلولكت الساحة وادلهم الوضع ، وتم تبديد ميراث السابقين ومراحلهم التاريخية - ولا مضاهاة - ، فاختزلت القيادة الجديدة كل ما سبق دون مبرر وخربت وقوضت وهدمت ما تم ارساءه في هذا الصرح خلال فترة وجيزة بديماغوجية فظة . والمؤشرات الآنية يستدل منها على قادم اصعب ، طبعا الامبريالية الحكومية اختلت لها الساحة ، وغدت نرجسية المجلس التاريخي في مهب الاعاصير وعاد اسمه كاسم حق اريد به باطل ... لقد استبيح النقب اخيرا بشعارات جوفاء كاذبة بعد ان عجز مروجوها عن إقناع النقباويين بمآربهم ، فجعلوا بذلك النقب ساحة صراع ليس بالضرورة بين الدولة والبدو بقدر ما هي بين البدو انفسهم ...
الخاتمة
حول آلية المجلس ، فالمجلس يتكون من رئيس -اول رئيسين عينا تزكية - واعضاء هم رؤساء اللجان المحلية في القرى ، وموظفين عاديين بالاضافة الى الاقسام الاخرى كقسم التخطيط والرياضة ..اذا كان المجلس نقلة وطفرة نوعية في الوسط البدوي وبادرة تشهد على انتقال المجتمع البدوي لطور اخر لم يعهده المسؤلين في الدولة ، وتفاجأوا منه بكل تأكيد وعملوا على قضقضته وتصفيته ، نقلة تستحق الوقوف عليها ودراستها بتأني كخطوة هامة ساهمت ومنعت في مرحلة ما. ، ان يتهاوى الكيان البدوي ممثلا بارضه او يتآكل ، جوانب كثيرة يجب دراستها بتأني انوي حالما توفر الظروف بدراستها من كافة الجوانب وتوثيبها وتدوينها لاجل ابرازها على الملأ،
مع إشادتي التامة لهذه الفئة وإخلاصها التي نهض المجلس على اكتافها ووقفت كحاجز منيع امام المنهال وشارون وكل طامع ، واخذ المتنفذين في هذا الجانب بعمل اكبر حساب لهم .... حاربوا على جبهات ولم يهنوا او يكلوا وبينوا للناس الحقائق وطالما حاولت الدولة جرهم للحديث عن الارض ، فلم يقبلوا واعتبروها خطا أحمر لا مساس به ... كان هناك بعض التلعثم والهنات وتصادم الاراء في السنتين الاولى غير ان تصدي اولي الحكمة اليمانية منعوا كل شاذ في الوضع بتاكيدهم على سياسة وخط المجلس. ...
حتى هوى المجلس فيما بعد وتقوقع لمدارك لم تعهد وتموضع في خنادق جدا ضيقة يعبث فيها اشخاص حزبيون قبليون متعفنون ، ما اسهل ضحكهم على الناس وكم عملوا على تفتيت الجهود وتبديدها ، ونجحوا في شق الصفوف بنشر اشاعتهم وكذباتهم المغرضة فاستهدفوا رموز نضالية عريقة وانكوا بهم ظلما ...
نذكر بأن المجلس انبثق عن وعي سياسي اجتماعي وادراك عال المستوى في ظرف ساد به الخنوع والرهبة ... تزامنا مع هذه الاحداث يبدو لي من خلال متابعات حثيثة ان الطريق طويل لإستكشاف الحقائق كما هي ، وإعادة صياغة تاريخ وتأريخ وتوثيق صريح واضح للمنطقة دون ان تشوبه شائبة ، وعن نفسي اعترف بقول الشاعر :
إن كنت لا تدري فتلك مصيبة - وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم
فواقع النقب ما خفي عنك مصيبة ، وما دريته ووعيته ونبشت عنه تتبين لك فظائع ومصائب اعظم تتلاطمها الامواج ، ورغم كل هذا ، تبقى الاسئلة المحيرة تفرض نفسها في ظرف زمني كهذا :
هل اعطي المجلس التاريخي بقيادته حقها ؟
ولماذا هذه الصورة الضبابية حول نشأته ؟
كيف وعلى ماذا حاربه للبعض وتنكر له ؟
ولماذا هذا الغياب الآني ؟
قضايا واستفسارات تحتاج الى نقاش مستقبلي عميق وازالة اللبس عنها وبالتالي توضيحها لجمهور الهدف ، بعفوية اقولها ذلك من باب التمحيص والتدقيق ليتبين لنا - الطابور الخامس من الطابور الاول إن وجد اول - ...
ختاما ، كلمة لهذه الثلة او القيادة التاريخية للمجلس ، وهي كلمة عتاب ، مجملها :
من رعى غنما في أرض مسبعة - ونام عنها تولى رعيها الاسد
فأين انتم ؟!
كاتب من النقب
www.deyaralnagab.com
|