ضجة أيلول وخذلان الشعب الفلسطيني!!
بقلم : د.عبد الستار قاسم ... 12.11.2011
كم من مرة تم إيهام الشعب الفلسطيني بالانتصارات والإنجازات ودعوته للخروج إلى الشارع محتفلا مبتهجا؟ المرات كثيرة، لكنني أذكر القراء ببعضها:
تمت دعوة شعبنا للتظاهر والاحتفال في 15/تشرين 2/1988 بمناسبة إعلان الدولة من قبل المجلس الوطني الفلسطيني، دون أن يقول له أحد بوضوح وصراحة أنه تم في ذات الوقت الاعتراف بإسرائيل وبقراري مجلس الأمن 242 و338. خرج شعبنا في أماكن كثيرة بخاصة في الضفة الغربية وغزة محتفلا وموزعا الحلويات ومستبشرا خيرا بالمولود الجديد.
تمت دعوة الشعب الفلسطيني إلى التظاهر والاحتفال بمناسبة انعقاد مؤتمر مدريد عام 1991 على اعتبار أن إسرائيل قد اعترفت بمنظمة التحرير الفلسطينية، وهذا هو الإنجاز العظيم. ذهب القادة العرب إلى مدريد وآذانهم منحنية إلى أسفل، وقطاعات واسعة من شعبنا خرجت تحتفل بالنصر.
ولم يتلكأ الشعب بالاحتفال عقب اتفاق أوسلو على اعتبار أن الاتفاق قد مهد الطريق لعودة اللاجئين الفلسطيني إلى حيفا ويافا، وإلى تفكيك المستوطنات وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، وإلى أموال ستأتينا من الخارج لتصبح الأرض المحتلة/67 سنغافورة الشرق الأوسط.
وخرج الشعب للاحتفال عقب اتفاق طابا ورحيل الإدارة الإسرائيلية على اعتبار أن جنود إسرائيل لن يعودوا إلى مدننا مرة ثانية.
تكررت الاحتفالات المغمورة ببهجة النصر عبر السنوات، وكان آخرها الاحتفالات باستحقاق أيلول، أو كما يسميه أصحاب اللسان الغربي سبتمبر. لقد تم دعوة الناس للتظاهر في حشود كبيرة تعبيرا عن دعمهم لهذا الاستحقاق وللقيادة الفلسطينية التي تخوض المعركة في مواجهة إسرائيل والولايات المتحدة. وقد وظفت السلطة الفلسطينية طاقات وأموال كثيرة من أجل إنجاح المسيرات، واستخدمت الأسلوب العربي التقليدي الذي يستخدم المدارس والموظفين لحشد أكبر عدد من الناس، ويوفر وسائل النقل المختلفة والمجانية لنقل المسافرين المشاركين.
والملاحظ أنه لم يتم إنجاز أي وعد خرج الشعب الفلسطيني متظاهرا ابتهاجا به، وكل المظاهرات والاحتفالات انتهت إلى مجرد نشاطا جماهيري مفرغ من المحتوى. وأبرز بهذا الصدد الأمور التالية:
أولا: إخراج الناس إلى الشارع متظاهرين ومحتفين عملية كبيرة جدا وفيها أهمية وخطورة. إخراج الناس يعني تعطيل الحياة اليومية ولو جزئيا، وتعطيل الأشغال والأعمال والخروج عن المألوف، ولا بد أن يكون السبب وراء هذا العمل في غاية الأهمية الوطنية. ولهذا لا يتم الطلب من الناس للخروج إلا إذا كانت هناك مسألة وطنية تستوجب ذلك مثل الانتصار في حرب، أو تحقيق الاستقلال. ولا يجوز إخراج الناس لأسباب سياسية لأنها قد لا تكون وطنية، وقد تكون وطنية ذات سمة جزئية، أو تكون حزبية.
إخراج الناس وتعطيل المدارس وتعليق الدوام في الجامعات والمستشفيات والمحاكم وغير ذلك عبارة عن أعمال غير وطنية إذا كان الهدف منها تعزيز مواقف سياسية. إذا أراد حزب أو فئة القيام بمظاهرة أو احتفال بمناسبة معينة فأمامها تقديم طلب للشرطة يشمل تفاصيل النشاط لتحديد يوم تقوم فيه الأخيرة بالحرص على النظام. وهنا لا أقصد الحصول على إذن سياسي، وإنما التنسيق مع الشرطة لضمان الأمن وحسن سير الحياة اليومية. ولا يجوز بأي حال من الأحوال تعطيل المدارس أو الدوائر الحكومية والمؤسسات الخاصة.
سئم العرب محاولات الأنظمة حشد الناس لتأييدها، ونحن نعلم أن أغلب الذين يخرجون من خلال أجهزة الحكومة لا يتلفظون بألفاظ جميلة عن الذين أخرجوهم.
ثانيا: من المهم فتح الباب أمام الجماهير للتعبير عن فرحتهم الوطنية، وكل أمم الأرض لها مناسبات تحتفل بها على المستوى الوطني، لكن يجب ألا يكون الاحتفال سيرة تتكرر مع الصغيرة والكبيرة. ومن المهم أن تكون المناسبة الوطنية مقنعة للناس وليس مجرد مناسبة لتعزيز موقف سياسي لهذه الجهة أو تلك.
ثالثا: هناك خطورة كبيرة جدا في حشد الناس لصالح هدف معين غير متحقق، ولا تلوح بالأفق إمكانية تحقيقه. لقد تم إخراج الشعب الفلسطيني مرارا بطريقة رفعت من معنويات الناس ورفعت منسوب التفاؤل لديهم، لكنه تم طرحهم بالأرض بعد ذلك لأن شيئا لم يتحقق. في كل مرة، يتم خلق أوهام لدى الناس وظنون، وبعد ذلك يفاجأ الناس بأن ما رقصوا وغنوا من أجله لم يتحقق. هذا أمر خطير لأنه يؤثر سلبا على معنويات الناس وعلى ثقتهم بالقيادات مما يؤدي إلى مزيد من التفسخ والضعف. لقد خرج الناس من أجل استحقاق أيلول وغنوا واستبشروا حتى ظنوا أن الدولة قد أصبحت في قبضة اليد، ويبدو الآن أنهم قد عادوا يتحدثون عن مناسبات خذلانهم المتكررة.
رابعا: هناك أموال قد تم إنفاقها من أجل تعزيز خطوة استحقاق أيلول. تم وضع لافتات في الشوارع وطباعة المعلقات والبيانات، وتم عقد المؤتمرات والحوارات، ورُصدت الأموال لوسائل النقل وإطعام المتظاهرين أو بعضهم، الخ. على حساب من تلك الأموال؟ ألم يكن من الأفضل توظيف تلك الأموال لصالح الفقراء أو لاستصلاح أرض او غرس الأشجار؟ كلها أموال ذهبت هدرا على حساب الشعب ونحن نعلم سلفا أننا لن نحقق شيئا.
الغريب أن أحد المدافعين عن استحقاق أيلول ظهر على الشاشة ليقول إن السلطة الفلسطينية لم تفشل، وهي تعمل على توسيع دائرة عملها الديبلوماسي من أجل تحقيق الاعتراف بالدولة. حتى الآن لم يقتنع هذا المفاوض الذي فشل على مدى عشرين عاما بأن الديبلوماسية بحاجة إلى خيارات أخرى تسندها.
والمهم أنه على كل القيادات أن تتوقف عن التعامل مع الشعب على أنه قطيع. صحيح أن اعتراف الأمم المتحدة بدولة فلسطينية مهم، لكن الأمر لم يكن يحتاج إلى كل تلك الضجة، ولا إلى كل تلك النفقات والحشد الإعلامي. ومن يريد دولة فلسطينية لا يلجأ إلى من أقام إسرائيل على أرض فلسطين.
www.deyaralnagab.com
|