logo
رؤية وافدة لليمن!!

بقلم : سامي الأخرس ... 14.02.2011

قبل الولوج في تناول هذا الموضوع، لا بد من توضيح أسباب صياغة هذا العنوان وعلى وجه الخصوص كلمة( وافدة) وهي ببساطة تشير إلى شخصي بما إنني ضيف على اليمن، أي وافد وليس مواطناً يمانياً، وهذا لا ينفي أن مجال دراستي العليا كان جزء منه التاريخ اليمني، وجذور هذا المجتمع، وهو ما منحني قدراً من المعرفة للكتابة في الشأن اليمني الداخلي في مراحل سابقة عن بُعد، استناداً للدراسة النظرية للواقع اليمني، ولكن هناك مسافة كبيرة ما بين الواقع بشقة العملي والواقع بشقه النظري، وهو ما اكتشفته من تجربتي القصيرة في اليمن.
ربما يردد الكثير وما شأنك أنت باليمن بما إنك وافد، ومهما عاصرت وتعمقت في اليمن لن تستطيع الاقتراب من عمق هذا المجتمع، ليس من سبب سوى إلا أن المجتمع اليمني يختلف في تركيبته الاجتماعية والجيوسياسية، وهي فعلاً حقيقة أن المجتمع اليمني مختلف في تركيبته عن المجتمعات العربية، وأوجه الاختلاف جذري وعميق وليس ظاهري أو شكلي. هذه الاختلافات تدعوك للتعمق في التاريخ اليمني ودراسته بعمق من الناحية التاريخية والسياسية، والاجتماعية، والعودة للخلف بعيداً في تتبع حركة التطور الاجتماعي اليماني، والتعمق في متغيراته ومتحولاته من كافة الجوانب، لتستطيع الكتابة بعمق وتناول ودراسة الحالة بواقعية علمية وواقعية لاستخلاص نتائج أكثر منطقية وأقرب للصحة والإقناع.
رغم ذلك فنحن أحياناً نحاول رصد الوقائع من خلال المشاهدات السياسية والاجتماعية والاقتصادية استناداً لمجموعة من التصورات المعاشة وفق القدرة على قراءة هذه الحقائق، وما تعبر عنها من مؤثرات فاعلة سواء من المحيط المحلي أو ما نطلق عليه البيئة المحلية، وكذلك المحيط الإقليمي، والعالمي(الدولي). وهنا الركائز الساسية التي يمكن من خلالها يمكن خلق تنبؤات أقرب إلى الحقيقة التصورية وفق المفهوم الفني لعملية التخيل التي يستند إليها الفنان في رسم ملامح لوحته، وإخراجها إلى حيز الوجود والحياة، وهو نفس عملية التخيل التي يستند إليها الروائي في إحباك فصول روايته، فهي تراجيديا تعتمد على التخيل والتصور الأقرب إلى التنبؤ وجزء من الواقع.
الحالة اليمنية الحالية، حالة غاية في التعقيد من كل جوانبها، تحتاج لقدرة وسيطرة من نوع ما، للتمكن من رسم السيناريو القادم، وبسط الرؤية العميقة المستندة على الرصد المفاهيمي لأبجديات التكوين المجتمعي اليمني، المكون والمشكل من شرائح محكومة بقيم وعادات وتقاليد، وقوانين قبلية عشائرية اشبه بالحالة في بعض الدول الافريقية المنتمية لمنظومة الولاء والإنتماء القبلي، فالقبيلة هنا صاحبة السطوة، وصوتها يعلو على صوت الدولة المركزية، وهو النمط السائد في اليمن، حيث يحسب للنظام القائم القدرة على السيطرة المركزية في مثل هذه التركيبة الاجتماعية المعقدة، وربما تلك الحقيقة تشكل عامل إسناد للنظام، ومركز قوة يمنحة القدرة على الحياة والاستمرار، بالرغم من الحالة العدمية التي تعيشها الفئة الدنيا من المجتمع اليماني، وهنا العدمية تعني الفقر، البطالة، عدمية الفرص في العدالة التوزيعية للثروات، والعدالة القانونية؛ أي بالمفهوم الأشمل العدالة الاجتماعية المركزية من قبل السلطة أو النظام، وربما حسب المشهد أن جزء من هذه العدالة المفقودة يستعيظ عنها المواطن اليمني بالعدالة القبلية التي توفرها له قبيلته.
كل المشاهد على أرض الواقع ترشح اليمن للتمرد والثورة نظراً للصورة المبلورة عن الواقع المجتمعي اليمني الذي يوحي بإنطباع موسوم بعقل ووجدان الجميع، فالمجتمع اليمني به فئة معدومة اقتصادياً، وهي عدمية إطلاقية وليست نسبية، أضف إليها حالة التذمر القصوى من الفساد الإداري في المؤسسات الرسمية اليمنية، والفساد هنا متعدد الأوجه والصور، مُجسد في حالة الروتين المقيتة القاتلة، والواسطة والمحسوبية، والرشوة التي تعتبر المحرك الرئيس للحياة هنا سواء فوقياً أو قاعدياً، مع إنهيار في المستوى التعليمي التحتي، وهو ما يتطلب النظر إليه أفقياً وعمودياً من نسب الأمية التي قُدرت بين الإناث بنسبة 66% وأكثر، وبين الذكور بنسبة 55% وأكثر، وهي نسب تؤشر لمؤشرات خطيرة تدفع المجتمع ومنظومته للإنهيار الكلي في مستنقع الجهل والتخلف، ومن ثم السقوط القيمي الجوهري، كما أن اليمن صنفت في الترتيب الأخير من حيث البني التحتية في البلدان العربية حسب التصنيف الدولي لشهر يناير من سنة 2011م.
هذه الأرقام والوقائع هي القاعدة الأساسية التي يحتك بها المواطن اليمني مباشرة مع همومه الحياتية اليومية، ولكنها لا تنفي الحقائق الموازية الأخرى التي تتكون من الاستثمارات الاقتصادية المتطورة والتي تنمو باطراد سريع، حيث تشهد اليمن حالة استثمار اقتصادي متواتر ومتسارع ساهم فيها رؤوس الأموال المحلية بضخ أموال كبيرة في عمليات الاستثمار، وكذلك رؤوس الأموال الوافدة عربياً وأجنبياً منحت اليمن مظهراً تطورياً إنعكس على الحياة الاقتصادية اليمنية بشكل إيجابي، على المستوى التطوري مضاهاة مع دول المنطقة، ولكنه أثر سلباً على المواطن اليمني البسيط الذي أصبح يعاني من إنعكاسات هذا النمو الاستثماري، الذي خلق فجوة وهوة واسعة بين مستوى الاستثمار وما ترتب عليه من ارتفاع في الأسعار والخدمات وبين مستوى الدخل الذي لم يضاهي هذا التطور الاستثماري، وهو ما إنعكس بأزمة اقتصادية للشرائح الفقيرة والمتوسطة البسيطة.
ربما ركزت على مصطلح الفئة المعدومة أكثر من مرة بالأسطر السابقة وهذا التركيز مستند إلى أن المجتمع اليمني منقسم إلى طبقتين أو شريحتين الطبقة العليا اقتصادياً، والطبقة المعدومة اقتصادياً، ولا وجود لشريحة الوسط فهي لا تشكل نسبة حيوية في المجتمع اليمني وفق التقسيمة الاجتماعية، المكونة من ثلاث فئات هي الطبقة المسيطرة اقتصادياً وبنائها يتكون من رموز النظام والقبائل ورؤوس الأموال، وفئة الوسط التي تتكون من الأساتذة الجامعيين والموظفين الكبار، والفئة المعدومة والمكونة من باقي أفراد المجتمع، وربما هذا التصنيف مغاير للتصنيف المتعارف عليه اجتماعياً واقتصادياً، وعليه سيثير علامات استفهام في حال الاستناد لعوامل التصنيف العلمية وأسسها، ولكن هذا ليس اجتهاد بقدر ما هو حقيقة قائمة في المجتمع اليمني، بما أن مقياس التصنيف يستند للملكية العقارية والمالية ولتوضيح ذلك لابد من دراسة منفصلة في هذا المجال، ولكن اليمني لديه القدرة على فهم ما أقصد هنا في عملية التصنيف.
هذه العوامل والأسس المركبة في الواقع اليمني، هي جزء من تحليل الواقع الأساسي لبناء التصورات التنبؤية التي يمكن من خلالها بناء رؤية واقعية منطقية للحالة اليمنية.
في خضم هذه الصورة أو هذا المشهد، هناك علامتان فارقتان هما النظام السياسي القائم، والمعارضة اليمنية، وعلينا التوقف لحظة أمام المعارضة وتشكيلاتها وألوانها، وتركيبتها وهيكلها، وهي تختلف عن أي معارضة أو مفهوم المعارضة المتعارف عليه سياسياً واجتماعياً.
فالمعارضة اليمنية معارضة مركبة تستند وترتكز للعديد من المفاهيم والرؤى، أولها المعارضة ذات المفهوم القبلي التي ترى بنفسها مسار موازِ للنظام من حيث القوة القبلية والنفوذ القبلي، وهذه المعارضة هي الأقوى في الواقع اليمني ويمثلها حسب قرائتي للمسار اليمني حزب الإصلاح الذي يترأسه الشيخ (حميد الأحمر) ذو النفوذ السياسي والاجتماعي والاقتصادي القوي جداً، ويمثل سلطة موازية للسلطة الحاكمة في اليمن، بل هناك من ينظر إليها بأنها حكومة أو سلطة الظل في اليمن من حيث النفوذ والسلطات العشائرية والقبلية والسياسية والاقتصادية، فهي تسيطر على استثمارات كبيرة ومؤثرة في الاقتصاد اليمني، إضافه لسيطرتها الاعلامية والاجتماعية بما إنها تستند وترتكز على القانون القبلي العشائري الناظم جوهرياً للحياة في اليمن، وهو ما يؤهلها أو يرشحها لاستلام زمام الأمور في حال التحول والتغيير، وهي هنا لا تعتبر ثورة أو تغيير جذري بل تعتبر استبدال وانتقال للسلطة من ميزان قوة إلى ميزان قوة يضاهية بالسلطات والنفوذ، أي أنه لن يتغير شيئاً يحقق طموح ورغبات الفئة المعدومة التي تبحث عن تغيير في المنظومة الشاملة، وليس الشخوص. وربما هذا الدافع ما يشكل قبولاً من الكثير بما هو قائم حالياً.
الاتجاه الآخر من المعارضة اليمنية هو تلك المعارضة التي تستوحي وتستلهم مواقفها السياسية والفكرية، من الامتداد القومي العربي، ومفاهيم الدمقرطة التي تؤمن بالمجتمع المدني المرتكز لمفاهيم العدالة الاجتماعية، والديمقراطية وشعارات المعارضة التقليدية السائدة منذ زمن بعيد في الحياة السياسية العربية، وهي معارضة لم ترتقي بعد لمستوى الفعل المؤثر، ولم تتمكن من حشد وتثوير الحالة المجتمعية منذ عقود خلت، بل استندت للشعار التقليدي فقط، أما الممارسة فإنها اقتصرت على البرامج والخطط في أضيق الحدود؛ أي ما يمكن أن يطلق عليه معارضة برامجية صامتة، مستفيدة نوعاً ما من عطايا وفتات النظام، ورغم ذلك لها تأثير في الشارع اليمني حيث استطاعت استقطاب شريحة من الشباب اليمني المتعلم والمثقف والمتأثر بأفكار القومية العربية، والثورة الناصرية... وشخصية الزعيم جمال عبد الناصر...إلخ ويمكن القول أن هذه الفئة من المعارضة تعاني من بعض الأزمات الداخلية التي إنعكست سلباً على قدرتها الفاعلة سواء أزمات تنظيمية لأوضاعها التنظيمية، أو برامجها السياسية، أو عملية التجديد في بناها وهياكلها الأساسية، أو قدرتها على التعبير الحقيقي عن مظالم المجتمع. أي يمكن الخلوص إلى إنها معارضة تحتاج لتقويم ومراجعة في بناها الهيكلية وبرامجها، والنزول من قمة الهامشية الشعارية التي تطرحها إلى أرض الواقع من خلال العمل والتطبيق، وعلاج ما تكلس في بنائها الداخلي من أزمات وأمراض، حولتها لمعارضة هشة ضعيفة غير قادرة على الفعل المؤثر بقيادة التغيير الفعلي، وهو ما يجعل دورها حتى راهن اللحظة مقتصراً على الاحتجاج البدائي في خطواته الأولى وكأنه رضيع بدى بالحبو تواً.
أما الشكل أو النموذج الثالث للمعارضة اليمنية فهو الحراك الجنوبي ويتخذ من جنوب اليمن موقعاً له وبرامجه جلها تنطلق وتتبلور من شقين، الشق الأول فريق ينادي بالتغيير والإصلاح في إطار الوحدة اليمنية القائمة، باعتبارها منجز وطني لا يجب التخلي عنه، وهو ما يشاركهم فيه العديد من قوى الشمال والقوى العربية والإقليمية، وهذا الإطار يواجه ضعف لدى الجنوبيين ويخفت يوماً تلو يوم أمام الصوت الذي بدأ يعلو بضرورة الإنفصال عن الدولة المركزية والعودة إلى ما قبل عام 1990م، حيث يرتكز ويستند فريق الإنفصال على المظالم التي يفندها ضمن إطار التمايز والتفرقة بين أبناء الجنوب والشمال في المناصب الأساسية والرسمية في الدولة، وكذلك سيطرة أبناء الشمال على مساحات شاسعة من الأراضي في الجنوب مما أخل في في منظومة توزيع الثروات، والنمط الحياتي والاجتماعي الذي يشكل النسيج الاجتماعي الجنوبي الذي عاش في ظروف ومناخ مختلف عن المناخ الشمالي القبلي، فالجنوبيين اعتاشوا في نظام اشتراكي يؤمن بالملكية العامة، وتوزيع الثروات، والتطور الثقافي والعلمي، والانفتاح على الغرب الاشتراكي وخاصة روسيا، وكذلك بريطانيا، وتمتع بسيادة قانونية نظمت العلاقات بشكل أكثر قبولاً مما هي عليه الأن. ورغم ذلك فإن العديد من المتغيرات والمواقف الاقليمية والدولية تستحكم بتعميق هذه الرؤية وتحقيقها من عدميتها، وهناك قوى دولية تستخدم هذه الورقة كضغط على النظام المركزي في ابتزاز العديد من المواقف السياسية منه.
فالصورة في هذا المشهد تتضح يوماً تلو يوم، والحالة الجنوبية الانفصالية أصبحت أكثر قوة وتأثيراً من السابق، وتتراءى لدينا مشاهد في الجنوب مثل رفع الراية الوطنية الجنوبية السابقة، وهو ما يتم مواجهته من النظام المركزي والقوي السياسية الوحدوية والمعارضة لتقسيم اليمن.
أما النموذج الرابع من المعارضة اليمنية فهو المعارضة ذات الأيديولوجيا السلفية(القاعدة) حيث تنحصر هذه المعارضة في مناطق نفوذ معينة باليمن، ولكنها ذات انتشار ينمو بين فئة الشباب المحروم والمعدم، وتجد بين هؤلاء الشباب مناخاً مهيأ للاستقطاب مستغلة حالة اليأس والإحباط المتوالدة والمتكاثرة في المجتمع الشبابي اليمني، وخاصة بين الشباب غير الواعِ ممن ليس لديهم القدرة على الاحتكام لمقاييس ثقافية في التعبير عن حالة تمردهم أو التعبير عن واقعهم، فتلجأ للتطرف تحت تأثير مغريات متنوعة معنوية، ودينية، ومادية، أضف لذلك العقيدة القبائلية التي تنطلق منها أفكار القاعدة في اليمن، وهي تمثل توجهات محصورة في أحد القبائل حالياً.
هذه المعارضة سالفة الذكر لا تؤمن بالتعايش مع أنظمة سياسية أو قوى ديمقراطية أو إسلامية معتدلة، أي لا تؤمن بالعيش مع الآخر، وعليه فهي تواجه النظام وكل القوى السياسية الأخرى من المجتمع اليماني، وكذلك من الشرائح والفئات الاجتماعية اليمنية الأكثر وعياً، أضف لمحاربتها من قبل الزيديين حرباً ذات طبيعة عقائدية وهم الفئة الثانية في القوام المذهبي الذي يشكل اليمن، وبينها وبين القاعدة عداءاً مذهبياً عقائدياً جذرياً، كذلك مواجهتها لحرب القوى الاقليمية والدولية.
أما الشكل الخامس من أشكال المعارضة اليمنية فهم الحوثيين الذين يمثلون فكراً مذهبياً مناقض للفكر المذهبي للنظام السياسي، وللعديد من القوى المعارضة المتنوعة، كما أن محاولاته الانفصالية تضعه في مواجهة الجميع من قوى رسمية وشعبية في اليمن، وهو ما اتضح في الحروب التي دارت بين الدولة والحوثيين، والتفاف المجتمع اليمني بفئاته وشرائحه خلف النظام في مواجهة أفكار الانقسام والتقسيم.
جملة العوامل والظروف السابقة تطرح سؤال رئيسي هو محور موضوعنا هل اليمن قابل للثورة الشعبية حالياً؟
الإجابة اللحظية والواقعية تساق بناء على العوامل السابقة، وهي بكل تأكيد تكون بنعم، فاليمن مؤهل جداً للثورة الشعبية، وكان متوقع له الثورة قبل مصر، استناداً للحالة العامة السائدة في المجتمع اليمني، والأوضاع المتردية التي تسوء يوماً تلو يوم على كافة مستوياتها السياسية، والاجتماعية، والاقتصادية، حيث بدأت الأصوات تعلو من أجل التغيير والإصلاح الجذري في اليمن، وهو ما أدركه النظام والرئيس علي عبدالله صالح واستبق الأحداث معلناً عن العديد من الخطوات الهامة التي تمثل مطالب شعبية، مثل إطلاق بعض الحريات الخاصة والعامة، الممثلة بالإعلان عن عدم ترشحه لفترة أخرى للرئاسة، وليس هناك عملية توريث لأبنائه، وفتح حوار شامل مع كل قوى المعارضة، وهي بمثابة خطوات إستباقية إجرائية تنم عن قراءة وفهم للمتغيرات التي أحدثتها ثورة تونس ومصر، ووعي للحالة اليمنية المختلفة، إلا إنها لم تشبع رغبات وطموحات المعارضة اليمنية التي تطالب بخطوات فعلية وعملية في طريق الإصلاح الجذري الحقيقي التي تدرك أيضاً أن الشرارة إذ اندلعت في اليمن فإنها لن تخمد حتى لو غادر النظام، بناء على طبيعة المجتمع اليمني وتركيبة نسيجه الاجتماعي الأثني، وهو ما اتضح في تركيز المعارضة وإصرارها على أن المطالبة والاحتجاج يجب أن تكون سلمية وحضارية تستند للتعبير بالرأي والمطالبة باللسان وليس الآيادي، وهو تعبير عن الإدراك والوعي لحالة المجتمع وما ستؤول إليه الأحداث إن اندلعت شرارة العنف.
رغم ذلك فإن هذا الإدراك ربما يتلاشى تحت ضغط الكبت التي بلغت ذروتها، مما يدفعها للانفجار في حال اختلال موازين الأمور عن نطاق ومسار السيطرة، وربما الساحة اليمنية هي الساحة الأكثر ترقباً في الوقت الحالي، وهناك من يرى بأن تطورات الأوضاع في مصر سيكون لها القول الفصل في تحرك الشارع اليمني.
نعم الكل مع التغيير ومع العدالة الاجتماعية وحرية الشعوب العربية خاصة، ولكن هذه الحرية تتطلب رؤية عميقة ووعي في نطاق المصالح الوطنية العليا، التي تتطلب الحفاظ على وحدة أي قطر عربي جغرافياً، لأن هذه الوحدة هي مصدر قوة، ولذلك فإن هناك مسؤوليات جمة وخطيرة ملقاه على كاهل النظام اليمني الذي يتطلب منه التجاوب والبدء فعلياً في عملية تغيير وإصلاح تحقق وتلبي تطلعات الشعب اليمني بكل فئاته، وكذلك خطوات عميقة ومدروسة جيداً من قوى المعارضة بكل فئاتها وشرائحها وتوجهاتها.
فالخلاصة من كل مما سبق كنتيجة إجمالية تستنتج من جملة القراءات السابقة المتطابقة مع سرد الوقائع والأحداث بمنطقية وواقعية، فالصورة والمشهد توحي أن الحالة على فوهة بركان خامد، تتوفر لديه كل المقومات والعوامل للانفجار والتشظي، مما يؤهلها للتبعثر في فضاء الانقسام والتشرذم، والانحسار في إطار الإنقلاب من ثورة مجتمعية إلى ثورة تتحول تدريجياً لنموذج عرقنة( عراق) وهو ما يعتبر مؤشر خطير يحيط بحركة الاحتقان والتثوير التي تنمو في المجتمع اليمني، واترك التفاصيل للقارئ يستوحي ويتعمق بتخيلاتها وتجلياتها.
فالساحة الأكثر تأهيلاً للثورة بعد مصر هي اليمن فعلاً، وهذا يتوجب التحرك من قبل النظام وقوى المعارضة لرسم ملامح المرحلة القادمة لتجنب أي مخاطر يمكن أن تحيق باليمن كوحدة جغرافية.


www.deyaralnagab.com