هل هناك استراتيجية فلسطينية جديدة!؟
بقلم : د.خالد الحروب ... 02.08.2011
"نحو استراتيجيات جديدة للتحرر الوطني الفلسطيني: خيارات لتحقيق الاستراتيجية الفلسطينية في ظل انهيار المفاوضات الثنائية"، هذا هو عنوان الوثيقة المطولة التي أصدرتها مجموعة التفكير الاستراتيجي الفلسطيني في رام الله وغزة الأسبوع الماضي بهدف دعم تأسيس استراتيجية فلسطينية جديدة. وتأتي هذه الوثيقة التي تستعرض السيناريوهات والخيارات التي تواجه الفلسطينيين في المرحلة الراهنة في وقت مفصلي وعشية عزم القيادة الفلسطينية التوجه للأمم المتحدة في سبتمبر القادم لطلب قبول فلسطين عضواً في المنظمة الأممية على رغم "الفيتو" الأميركي المتوقع. ومجموعة التفكير الاستراتيجي الفلسطيني ليست منظمة أو هيئة محددة العضوية وثابتة، بل تشكلت ممن تردد على ثلاث ورش عمل نظمت خلال العام الماضي في أريحا، وغزة وإسطنبول، وبدعم من مؤسسة أكسفورد للأبحاث وهي منظمة بحثية غير حكومية متخصصة في شؤون الصراعات والسلام في العالم. وأهمية هذه المجموعة، ومن حضر ورش العمل، تأتي من شمولية التمثيل إذ تواجدت قيادات من مختلف القوى الفلسطينية وفي مقدمتها "فتح" و"حماس" إضافة إلى عدد كبير من المستقلين سواء من داخل فلسطين أو الشتات. والوثيقة التي أعلن عنها هي خلاصة نقاشات ورش العمل الثلاث.
قبل أكثر من سنتين كانت مجموعة التفكير الاستراتيجي قد التقت في ورش عمل سابقة وأصدرت وثيقة مهمة بعنوان "استعادة زمام المبادرة: خيارات الفلسطينيين لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي". وقد لقيت تلك الوثيقة اهتماماً لافتاً للنظر من قبل دوائر صناع القرار سواء الفلسطينية أو الإسرائيلية أو الغربية، وقد وصفتها صحيفة "هآرتس" آنذاك بكونها تشكل زلزالاً في حقل التفكير الفلسطيني السياسي. وأهم ما في الوثيقتين يكمن حقيقة في التأمل بعيد النظر في الحاضر الفلسطيني السياسي ومآلات المستقبل بعيداً عن ضغط اللحظة الراهنة ومن منطلق استشرافي مستقبلي. والوثيقة الجديدة التي بين أيدينا لا تتبنى خياراً محدداً أو مجموعة من الخيارات مرتبة بحسب الأهمية ذلك أن الاتفاق على ذلك ضمن مجموعة تفكير مسيسة وذات خلفيات إيديولوجية وحزبية مختلفة لن يكون مُتاحاً. ولهذا فإن ما تقدمه يندرج تحت عنوان العصف الذهني واستعراض سيناريوهات الحد الأدنى، وتتقدم نحو آفاق متوافق عليها لعمل مستقبلي.
ويأتي ما تطرحه وثيقة الاستراتيجيات الجديدة تحت عناوين لافتة مثل "المتطلبات الاستراتيجية"، و"السيناريوهات الاستراتيجية"، و"الأهداف الاستراتيجية"، و"الخيارات الاستراتيجية"، و"النقاش الاستراتيجي"، وهذا العنوان الأخير يشمل عناوين فرعية أخرى مثل "السلطة الاستراتيجية"، و"السياق الاستراتيجي"، و"المقاومة الاستراتيجية"، و"الخطاب الاستراتيجي"، و"التأثير على الرأي العام الإسرائيلي"، و"المسار الاستراتيجي ومعايير التقييم"، و"أجندة العمل القادم".
وتشترط الوثيقة وجود متطلبين أساسيين لنجاح أي استراتيجية وطنية فلسطينية قادمة هما: التفكير الاستراتيجي بعيد الأمد، والوحدة الاستراتيجية. ثم تشرح أن هذه الأخيرة، الوحدة الاستراتيجية، لا تعني التوافق التام بين شرائح الطيف السياسي الفلسطيني على برنامج وأهداف متطابقة، فقد يكون ذلك غير ممكن. ولكن في ذات الوقت من الممكن، ومن الواجب، التوافق على رؤية استراتيجية عامة تضمن عدم السقوط في شرك الانقسام العمودي الذي شهدته الساحة الفلسطينية في السنوات الخمس الماضية.
وتبني الوثيقة المسارات وخيارات العمل التي تطرحها على ما أنتجته الوثيقة الأولى "استعادة زمام المبادرة"، من سيناريوهات مقبولة وسيناريوهات غير مقبولة من قبل معظم الفلسطينيين. والسيناريوهات المقبولة هي ما يلي: 1ـ دولة فلسطينية كاملة السيادة على حدود عام 1967 عاصمتها القدس، مع تسوية عادلة تنجز حقوق الفلسطينيين في العودة والتعويض. 2 ـ دولة واحدة ثنائية القومية. 3 ـ دولة واحدة ديمقراطية تعامل جميع المواطنين بمساواة أمام القانون. 4 ـ اتحاد كونفيدرالي بين الأردن ودولة فلسطينية مستقلة.
أما السيناريوهات المرفوضة من قبل الفلسطينيين فهي: 1 ـ استمرار الوضع الراهن وما يتضمنه من مفاوضات مفتوحة ومتقطعة توفر غطاء لمواصلة الاستيطان الإسرائيلي وتكريس الاحتلال. 2ـ دولة فلسطينية بحدود مؤقتة ومحدودة السيادة تحت السيطرة الفعلية الدائمة لإسرائيل. 3ـ فصل أحادي الجانب من قبل إسرائيل يفرض حدوداً من طرف واحد وقيوداً على حركة الفلسطينيين. 4ـ أية أفكار تتعلق بإلحاق غزة بمصر والضفة الغربية بالأردن، أو غيرها من الترتيبات المشابهة.
وتشير الوثيقة إلى أن تحقيق سيناريو الدولة على حدود 1967 عن طريق المفاوضات الثنائية تم إحباطه من قبل إسرائيل على مدار عشرين عاماً من المفاوضات هي عمر أوسلو. وتقول إن أي استمرار لها على ذات القواعد التي سارت عليها في السنوات الماضية لن يخدم التحرر الوطني الفلسطيني بل سيكرس الاحتلال ويعمقه ويعطي شرعية لوقائع احتلالية جديدة تفرضها إسرائيل. ومع الإدراك بأن تحقيق أي من السيناريوهات المقبولة للفلسطينيين ليس سهلاً، وأنهم في نهاية المطاف لا يزالون الطرف الأضعف في معادلة الصراع، إلا أن إحدى نقاط قوة الفلسطينيين تكمن في إصرارهم على رفض وإحباط أي من السيناريوهات التي تريد إسرائيل فرضها عليهم.
وتحت عنوان الخيارات أو المسارات الاستراتيجية التي من الممكن تبنيها فلسطينيّاً للوصول إلى السيناريوهات المقبولة من طرفهم تناقش الوثيقة المسارات التالية وتفترض علاقة تكاملية فيما بينها، إذ لا يقصي أحدها الآخر ولا يعني تبني واحد منها الإعراض عن غيره: 1ـ العودة إلى المفاوضات ولكن على أسس جديدة. 2ـ إعادة بناء الحركة الوطنية وتجديد النظام السياسي. 3 ـ مضاعفة الدعم العربي والإقليمي والدولي. 4 ـ المقاومة الذكية. 5 ـ مقاربة القضايا وكيفيات الدفاع عنها. 6 ـ حل السلطة الفلسطينية (خطة ب). وتتكامل هذه المسارات وتفترض في مسار تجديد النظام السياسي وإعادة بناء الحركة الوطنية تنفيذ المتطلب الأولي الخاص بالوحدة الاستراتيجية الذي يوفر إمكانية العمل على تحقيق عمل جماعي ذي صفة إنجازية.
ما تناقشه الوثيقة في صفحاتها الـ27 من أفكار وطروحات وتوصيات يستحق أن يعكف عليه صناع القرار الفلسطيني سواء في الضفة الغربية أو غزة ويتأملوه بعمق، لأنه ينطلق من رؤى فلسطينية انشدت نحو أفق استراتيجي بعيداً عن المماحكات الحزبية والفصائلية.
www.deyaralnagab.com
|