أردوغان وزيغ في الاتزان!!
بقلم : د.عبد الستار قاسم ... 22.11.2011
يحظى السيد طيب أردوغان وعموم القيادة التركية باحترام كبير في الساحة العربية على المستوى الجماهيري وذلك بسبب الأداء الداخلي عالي المستوى، وبسبب وقوف تركيا مع قضايا عربية مثل قضية الحصار على غزة. وقد استبشر الناس خيرا بالمواقف التركية علها تؤثر بتطورات الصراع العربي الإسرائيلي، وتؤدي إلى مزيد من الخلل في ميزان القوى. ولا يجادل أحد بأن شعبية أردوغان في الساحة العربية قد ارتفعت كثيرا بحيث أنه يمكن أن يفوز بانتخابات لزعامة العرب.
إنما يبدو أن السيد أردوغان قد بدأ يفقد جزءا من بريقه بسبب تركيزه المتواصل على النظام السورس، وبسبب تقربه من الجامعة العربية التي تمثل انظمة عربية مهترئة لا تمثل جماهير الأمة العربية. لم نلحظ تركيز أردوغان المستمر على النظام المصري قبل سقوطه، ولا نلاحظ تركيزه على النظامين البحريني واليمني، ونراه لا يفوت فرصة إلا وهاجم فيها النظام السوري وتوعده وكأن هناك ثأرا لا نعرفه يريد أردوغان أن ينجزه من خلال المتظاهرين السوريين الرافضين للنظام.
والأسوأ أن السيد أردوغان يخوض معركة تحريض ضد النظام السوري مع أنظمة عربية معادية للجماهير العربية، ومع حلف الأطلسي والولايات المتحدة الأمريكية. ووصل به الاستعداد للعمل على إقامة منطقة عسكرية عازلة بهدف تأجيج حرب أهلية في سورية فيما إذا قرر مجلس الأمن ذلك. من الصعب أن نجد عربيا لا يؤيد التغيير في سوريا، أو يؤيد الإصلاح على الأقل، لكن قلة من العرب هم الذين يؤيدون الفتنة ويشجعون على الحرب الأهلية في سوريا. نحن مع التغيير، ولا شك أن النظام قد تباطأ كثيرا في عملية التغيير، ولم يكن موفقا في خطواته الإصلاحية، ولم يستطع أن يدير سياسة إعلامية داخلية ناجحة، لكن هذا لا يعني الدفع والتحريض باتجاه الحرب الأهلية التي ستأكل الأخضر واليابس، وستهلك أهل سوريا المعارضين منهم للنظام والمؤيدين.
يجتمع أردوغان مع الجامعة العربية التي خذلت القضايا العربية باستمرار وتآمرت على الأمة وتعاونت مع أعدائها. لم تقف الجامعة العربية مع حزب الله في حربه مع إسرائيل عام 2006، ولم نجدها فاعلة إبان حرب إسرائيل على غزة عام 2008/2009، بل لدينا معلومات بأن أنظمة عربية رئيسية قد وقفت مع إسرائيل ضد حزب الله وضد حماس. هذه الجامعة العربية هي التي شرعت لقرار مجلس الأمن ضد النظام الليبي، وهي التي باركت تدخل حلف الأطلسي في ليبيا. وهذه الجامعة هي التي لم تتفوه بكلمة ضد غزو أمريكا للعراق، أو ضد قتل أمريكا للعراقيين بالجملة. وهذه الجامعة بقيت عاجزة مشلولة أمام مختلف القضايا العربية، وبقيت مجرد أداة بيد الغير بخاصة الولايات المتحدة الأمريكية. فليس من المشرّف للسيد أردوغان أن يقف مع جامعة عربية لا تخدم القضايا العربية. هذا لا يعني أبدا أنني أؤيد الاستبداديين العرب، لكنني أرفض التدخل الأجنبي بخاصة من الذين لم يترددوا أبدا في قتل العرب ودعم أعدائهم.
أما إذا كان السيد أردوغان معنيا بحرية الإنسان العربي، فهذه الحرية لا تأتي عبر الدول الاستعمارية التي استعمرت البلدان العربية ومزقتها ونهبت ثرواتها. بريطانيا وفرنسا جزأتا أرض الشام وجعلت منها أربع دول صغيرة، واغتصبت فلسطين لتهديها للصهاينة اليهود. فرنسا هي التي قضت على المملكة السورية، وهي التي طردت الملك فيصل إلى العراق، وأصرت على تقسيم سوريا. وفرنسا هي التي أعطت المفاعل النووي لإسرائيل، وهي التي دبرت مع إسرائيل تهريب مستلزمات تخصيب اليورانيوم وصنع القنابل النووية. أما بريطانيا فاذاقت الأمة الويلات، ويكفي أنها شردت شعب فلسطين لصالح إقامة إسرائيل. أما أمريكا فتدعم قادة قبليين لا علاقة لهم بالديمقراطية والحرية، وهي التي دعمت الاستبداديين العرب، وهي التي تشن الحروب على العرب وتدعم إسرائيل وتحيك المؤامرات ضد القوميين العرب والإسلاميين والوطنيين. إنها هي التي تمكن قادة عرب مستبدين وظالمين من رقاب العباد. فهل يرجو السيد أردوغان من هذه الدول أن تقيم أنظمة سياسية عربية تؤمن بالحرية وتحرص على كرامة الإنسان العربي؟
للشعب السوري أن يتظاهر وأن يعترض، وأن يعمل على التغيير. هذا حقه كما هو حق كل الجماهير العربية في مختلف البلدان العربية. لكن ليس من حق أحد خارج سوريا أن يتدخل بالشأن الداخلي السوري خاصة إذا كان من الذين أعملوا السيوف في رقاب العرب، والرصاص في صدورهم. قد يرى بعضهم ضرورة تقديم الدعم الإعلامي للشعب السوري، أو أن يقول خيرا من أجل التغيير، لكن لا حق لأحد أن يحرض من أجل حرب أهلية، أو أن يقوم بعمليات التسليح والتمويل من أجل إشعال فتنة لا يسلم منها أحد.
التغيير المنشود في سوريا هو من أجل الشعب العربي السوري، أما عندما يتحول البحث عن التغيير من أجل إسرائيل فإن إشارات حمراء كثيرة سترتفع. لم تمانع أمريكا وحلف الأطلسي من دخول القوات السعودية إلى البحرين، ولم يجيش أي منهما في مواجهة الرئيس اليمني، لكن الأمر مختلف بالنسبة لسوريا. هلى هذا من أجل الشعب العربي السوري، أم من أجل إسرائيل؟ تحتل إسرائيل أرضا عربية سورية، فمن من هذه الدول يتحمس لطرد إسرائيل من الجولان دفاتعا عن حق السوريين في أرضهم ووطنهم؟ الذي يوافق على احتلال أرض السوريين لا يمكن أن يكون مدافعا عن دماء السوريين.
لقد صرح السيد أردوغان كثيرا حول سوريا والنظام السوري، وواضح أنه صرح أكثر من اللازم بحيث أن تصريحاته أخذت ترتد في بعض الأحيان ضده وضد مواقفه. وهذا وارد من حيث أنه يمكن قتل القضية من قبل صاحبها إذا بالغ في تردادها على مسامع الناس. هناك من يقتلون قضاياهم بأيديهم، ويبدو ان السيد أردوغان قد فقد اتزانه السياسي في هذه المسألة، فأخذ يظهر بمظهر المحرض الأول على قتل السوريين!!
www.deyaralnagab.com
|