تحرير الشعب السوري أم إسقاط سوريا!!
بقلم : د.عبد الستار قاسم ... 05.12.2011
عندما أنظر إلى الذين ينشطون الآن دفاعا عن الشعب السوري، يتأكد لي أن الهدف ليس تحرير الشعب السوري أو تحريره. هل يعقل أن الولايات المتحدة الأمريكية حريصة على حرية الإنسان المواطن السوري؟ وهل بريطانيا وفرنسا لا تستطيعان النوم بهدوء قلقا على الشعب السوري من المخابرات السورية؟ وهل جامعة الأنظمة العربية التي لم تنبس أبدا ببنت شفة دفاعا عن المواطن العربي قد نزل عليها ملاك الرحمة الآن لتدافع عن السوريين؟ وهل من يعمل ليل نهار على قمع مواطنيه وقهرهم ونهب أموالهم وتطويعهم مطايا لنفوذ المستعمرين مؤهل للدفاع عن حرية الآخرين؟
صحيح أن النظام السوري قد سام الناس عذابا، ولا شك أن أجهزة الأمن السورية قد حملت عصا غليظة وقمعت الناس والآراء الأخرى، وأن النظام السياسي السوري قد استمر بدائيا وقهريا واستئثاريا. وقد انتشر في سوريا الفساد إلى درجة أن الرشوة قد أصبحت جزءا أساسيا من حياة المواطن السوري. وقد عمل الفساد والقهر والقمع على الإساءة لأمن الوطن والمواطن، واستطاعت إسرائيل أن تزرع لها أعدادا كبيرة من العملاء والجواسيس في سوريا، وتمكنت جهات عديدة أن تهرب أسلحة إلى سوريا وأجهزة تنصت واستخبار، الخ. ظن النظام السوري كما تظن دول الاستبداد أن سطوة أجهزة الأمن تؤدي إلى حماية الوطن والمواطن، هذا الظن عبارة عن وهم، والتاريخ يثبت أن دول الاستبداد هي أكثر الدول عرضة للاختراقات الأمنية والاقتتال الداخلي.
توجهت أصوات وأقلام عربية حريصة على سوريا إلى الرئيس السوري السابق واللاحق من أجل التغيير، وتذكيرا بان التوازن الاستراتيجي مع الدولة الصهيونية لا يتم إلا بتحرير الإنسان السوري الذي سيحمل على عاتقه مهام وتبعات بناء هذا التوازن. بالنسبة لهذه الأقلام والأصوات الحريصة على سوريا والملتزمة بالقضايا العربية، السلاح لا قيمة له إن لم يكن بيد إنسان حر يشارك في صناعة القرار، ويعي أهدافه وأهداف أمته ويلتزم بها. المقموع لا يحرر، وهو بحاجة لمن يحرره، وكان من الضروري ألا يوصل النظام شعبه إلى درجة الاستنجاد بعدوه، أو بمن لا يحترم إرادة الشعوب.
حصل في النهاية ما كان متوقعا وقام الشعب السوري يطالب بحريته. لم يكن من المتوقع أن تبقى الشعوب العربية مجرد مطايا يتلاعب بها الحكام كما يشاؤون، وكما ثارت شعوب عربية، من المتوقع أن تثور التي لم تثر بعد. لم يخرج الشعب السوري عن منطق التاريخ، وكان من حقه وواجبه أن يتحرك. لكن المسألة لم تبق في الداخل السوري وركبها من عمل على مدى سنين طويلة على تطويع العرب وإذلالهم وسحقهم ليبقوا أدوات مستعبدة لإرادة الآخرين ومستباحة الديار والأعراض.
حصلت ثورات شعبية عربية، لكنها جميعها لم تستقطب اهتماما عربيا رسميا ودوليا مثلما تستقطب حركة الشعب السوري. تستنفر دول كثيرة ومنظمات دولية ووسائل إعلام متنوعة وأنظمة عربية، وتكثف جهودها بصورة غير معهودة تدخلا في الشأن السوري الداخلي. وواضح أن هناك سباقا مع الزمن، وكأن كل الأطراف الخارجية تتعجل الأمر لتحصد نتائج بأسرع وقت ممكن. وهذا واضح على الأقل في إنذارات جامعة الأنظمة العربية للنظام السوري المتكررة. جامعة الأنظمة العربية تتمرجل (تصيبها الرجولة) الآن وتعطي النظام السوري مهلة يومين أو يوم واحد من أجل أن يستجيب وإلا .... لماذا هذه السرعة، ولماذا هذا الاستعجال الذي لا تشهد له حركة العلاقات الدولية مثيلا؟
عندما تقف أمريكا مع بعض القوى المعارضة فذلك يعني أن هذه القوى على خطأ، وعندما تدعم أنظمة عربية توجها معينا فمعنى ذلك أن هذا التوجه ضد الأمة العربية، وعندما تنادي بريطانيا وفرنسا بعمل شيء في الديار العربية فمعنى ذلك أن هذا العمل سيلحق أضرارا هائلة بالأمة العربية. هذه جهات أجنبية وعربية لم نر منها خيرا أبدا، ولن نرى منها خيرا. هذه جهات أعملت في صدورنا الرصاص، وفي أجسادنا غياهب السجون، وفي أموالنا التبذير والسرقة والإسراف، وفي كرامتنا الإهانة والإذلال، وفي جيوشنا الهزائم، وفي مناضلينا التنكيل والعذاب، وفي أرضنا الغزوات والتدنيس، وفي وحدتنا التفتيت والتقسيم، وفي وئامنا البغضاء والكراهية، وفي نفوسنا الحسرة والمرارة، وفي مقدساتنا الانتهاك والتدمير، وفي كياننا الضعف والهزال. أمريكا ومجمل الدول الغربية عملت مع إسرائيل وبالتعاون مع أغلب الأنظمة العربية الاستبدادية المتخلفة على إضعاف العرب وإبقائهم أذلاء مهزومين ينهش جسدهم التخلف والانحطاط والفقر والجهل.
ولهذا نحن نقف في الجهة المقابلة التي تقف فيها الولايات المتحدة، وحيثما وقفت الأنظمة العربية فإننا نقف في الجهة المعاكسة، وكيفما اشتهت إسرائيل وبريطانيا وفرنسا الرياح اشتهينا الجهة المضادة. لا يمكن أن نقف مع إسرائيل وأمريكا ومن تبعهما من الغرب والشرق لأننا لا نتوقع منهم إلا العدوان والمكر والخداع والشر والإضرار.
يتمنى أهل الغرب الآن ومعهم إسرائيل وأنظمة العرب حربا أهلية في سوريا تنتهي إلى سقوط سوريا في أوحال لا يسلم منها معارض أو مؤيد. لكننا نرجو ان تخرج سوريا من أزمتها وقد سلمت وسلم الشعب السوري بكافة أطيافه.
ولكي يتحقق الرجاء، على النظام أن يملك شجاعة في تقديم إصلاحات حقيقية مقنعة للمعارضة بكافة عناصرها، وعلى المعارضة أن تبقى سورية وألا تتوجه لدول أجنبية او تدعو إلى التدويل والتدخل الخارجي. هذا علما أن احتمال فشل التدخل الخارجي كبير جدا. هناك عوامل داخلية وخارجية كثيرة تجعل مهمة حلف الأطلسي وأمريكا صعبة للغاية وخاسرة. ومن الأفضل للجميع توفير عناء التدخل الأجنبي، والبحث عن حل داخلي يخرج بالبلاد من أزمة دموية قاتلة.
وهنا أتوجه إلى الدكتور برهان غليون للتفكير مليا، والتوقف عن الطواف على بلاد أجنبية. فهو يعرف أكثر مني بأن هذه الدول التي يسعى لديها للحصول على الدعم والتأييد أشد الدول عداء للأمة العربية. هذه الدول التي يستنجد بها هي ذات الدول التي حرمت الشعوب العربية من الحرية، وهي التي قدمت كل الدعم لأنظمة عربية استبدادية قمعية. هذه دول لا تؤمن بالحرية، ولا يهمها إلا مصالحها فقط. لو كان النظام السوري صديقا لإسرائيل كما البحرين، أو عدوا لإيران كالسعودية، لما رأيت أمريكا ومن معها من العربان يستنفرون من أجل حرية الشعب السوري.
www.deyaralnagab.com
|