صوت الضمير العربي في الأحواز بلا صدى!!
بقلم : علي الكاش ... 06.05.2011
عربستان وخزة موجعة في خاصرة الأمة العربية. الأحواز صرخة غضب مدوية في سماء العروبة والإنسانية. عربستان بستان واسع مترامي الأطراف متعدد الثمار أهمله أهله وإستسهله جيرانهم فألحقوه غصبا بأرضهم. عربستان العضو المتورم من الجسم العربي الذي لم يتداعى له باقي الأعضاء بالسهر والحمى فتافقم مرضه وأمسى يهدد كيانه ومصيره. عربستان بوابة الصمود أمام الزحف الوحشي لجيوش الحقد والعداء. عربستان غيمة حبلى بالخير ولكنها تمطر على غير أرضها فخيرها لغيرها.
ما الذي دار في المخيلة العربية خلال شهر نيسان الماضي؟ ذكريات حلوة أم مرًة؟ من المؤسف أن الكثير إستذكر "كذبة نيسان" وهي نادرة غربية لا تمت بصلة إلى ثقافتنا العربية، وتندروا بها حتى في وسائل الإعلام المختلفة. ولكن من منهم قد إستذكر"حقيقة عربستان" وعزى نفسه بمحنة أشقائه؟ ومن إستذكر حقيقة الغزو الامريكي للعراق؟
ربما يجهل البعض إن شهر نيسان له وقع مؤثر ومعنى مختلف عند عرب الأحواز. ففي هذا الشهر الربيعي المعطاء الذي يتزامن موعده من إحياء الفرس عيد النوروز بإشعال النار التي يحنون لعبادتها، والتي ذكرها الكرماني في كتابه ألامثال" ما هي إلا نار المجوس" فهي تحرقهم ورغم ذلك إنهم يعبدونها- كان العرب يتفاخرون بأنهم لم يعبدوا النار كالمجوس - وهذا ما يتجلى بقول الشاعر:
إني ربيت بقوم لا تشب بها نار المجوس ولا تبنى بها البـــيع
ولا يطأ القرد والخنزير تربتها لكم بها الريم والآساد والضبع
يحيُ عرب الأحواز في نيسان مناسبتين تلخصان مسيرة تأريخهم الحافل بالصمود والتحدي ضد طواغييت الشر، بهدف التحرر من الإحتلال الفارسي البغيض. الأولى: إنتفاضة(15 نيسان المجيدة) وهي ذكرى عطرة لمسيرة نضالية خالدة لعرب الأحواز أطلقوا عليها تسمية" يوم الغضب الأحوازي". إنها أشبه بلوحة صمودية ملونة يغلب عليها اللون الاحمر القاني ومؤطرة بتضحيات جسيمة. مسيرة عاصفة قوتها تكمن في إستمرارها وصمودها المثيرين. فهي لا تعرف ولا تعترف بالإستكانة والضعف والراحة، لأن في ذلك مصلحة للطرف المحتل.
في قاموسها مجاهدي الاحواز تجد معنى رائعا للسيادة والإستقلال وتقرير المصير. إنها ليست منحة سماوية ولا هبة يهبها الآخرون للشعوب. بل حقوق أساسية اعترفت بها الشرعية الدولية وتدعي الدفاع عنها. وإن أخذت بالقوة فلابد أن تنتزع من الطواغيت بالقوة أيضا. مهما كانت فاتورة التضحيات باهظة وفوائدها كبيرة. وهذا الأمر يذكرنا بقول الأستاذ عبد الله عروي" إن الذين ينتظرون من يحرروطنهم من الخارج لا يفهمون إنهم ربما يستقلون ولكنهم لن يشيدوا وطنا ذا تأريخ" . هذا ما يؤمن به عرب الأحواز ويجسدونه بنضالهم يوميا منذ الإحتلال الفارسي لأراضيهم. سيما وإن الشرعية الدولية لا تتصرف وفقا للقوانين والأهداف التي رسمتها لنفسها في ميثاقها الأممي فتكيل بمكيالين إتجاه القضايا المصيرية للشعوب. ولنا في الأحواز وفلسطين والجزر العربية الثلاث المحتلة في الخليج العربي شواهد حية على ذلك.
الذكرى الثانية: هي (20نيسان) أو ما يطلق عليه ( ذكرى الإحتلال الفارسي للأحواز). إنها بالطبع ذكرى مؤلمة وضربة فارسية موجعة تحت حزام الأمة العربية. فقد إنتزع هذا الإقليم الثري من جسده العربي وإلحق بعملية جراحية مشوهة بجسد عليل يحمل خلايا تخالف خلاياه كليا. مع محاولات يائسة لتجميل الجزء المقتطع الذي تشوه نتيجة ذلك النقل. البعض لا يدرك حقيقة علمية بأنه حتى عمليات تطعيم الأشجار لا تصلح لجميعها. فما بالك بعملية تطعيم الشعوب بشعوب أخرى؟
لدينا في العالم العربي تجارب عديدة أبرزها في فلسطين والأحواز حيث تجري محاولات كبيرة لطمس هوية الشعبين العربيين. حرب فارسية- صهيونية شعواء ضد العروبة والقومية ومحاولات دائبة لتفكيك الوطن العربي إلى أقاليم مبعثرة هنا وهناك ليسهل إبتلاعها. علاوة على الزحف التوسعي بعمليات إستيطانية يمارسها النظامين العدائيين ضد أشقائنا العرب، في ظل صمت عربي ودولي يثير الحيرة والشكوك ويضع عدة علامات إستفهام حول حقيقة المعايير الدولية.
القاسم المشترك بين قوى الإحتلال الصهيوني والفارسي يتمثل بالنهج الإستيطاني المتشابه في الفكرة والأسلوب والهدف. أما الأختلاف بينهما فهو يتجسد بالجانبين الديني والقومي فقط. فالأول إستيطان يهودي صهيوني بطاقية، والثاني إستيطان فارسي إسلامي بعمامة.
في البيان السياسي الذي أطلقته فصائل المنظمة الوطنية لتحرير الأحواز(حزم) بمناسبة ذكرى الإنتفاضة (16) المباركة لتحقق الحرية والإستقلال، جاءت عبارة جميلة الإيقاع لكنها في نفس الوقت مثيرة للشجون، فهي مثيرة لكل من له حس عربي أصيل. ولكل من له ذرة من شرف العروبة. ولكل من يتصدى لرياح الشر الصفراء القادمة من شرق الأمة العربية، إنها " يا جماهير شعبنا الأحوازي الثائرة. يا أبناء الوطن الأحوازي المحتل في كل مكان. يا أبناء أمتنا العربية المجيدة".
إنهم يذكرون بصريح العبارة أمتنا العربية المجيدة! أليست تلك كارثة من العيار الثقيل؟ أليس في هذا الخطاب تأكيد لعروبتهم وإعتزازهم بها؟ ألا تعني بأن كل المحاولات التي بذلها الفرس لطمس هوية شعبنا الأحوازي ذهبت أدراج الرياح؟ أليس ذلك إعلان خطير للأنظمة العربية الثقيلة السمع بأن لكم في الأحواز أبناء وأشقاء فعلامكم تتجاهلونهم؟ إنهم جزء منكم، بل هم أنتم، وأنتم هم. كالجسد والروح لا ينفصلا عن بعضهما إلا بالموت.
إذا كانت القدس عروس عروبتكم وهي كذلك. أليس الأحواز أيضا عروس عروبتكم؟ أليست كل أرض عربية محتلة هي عروس عروبتنا؟ الشعب الأحوازي الشقيق في خطابه السياسي يتمسك بجذوره العربية فقد تتلمذ على أبجدية الفكر العروبي، وله باع طويل فيها ولا يمكن أن يقتفي أثر الفكر الفارسي المبني على المكر والحقد والدجل والعداء لكل ما هو عربي.
تطلق (حزم ) في بيانها السياسي صرخة قوية تمزق جدار الصمت العربي" كان نيسان كعهدنا به ربيعا لنفوس عطشى تسموا نحو أفق الحرية والإنعتاق. كما كان زلزالا هز عروش الباطل والجبروت عروش أحفاد كسرى والمجوس.كان الوعد قاطعا والوفاء شعارا والموعد نيسان. والمكان كل شبر في الأحواز، كانت الحناجر تصدح: الشعب يريد إنهاء الاحتلال، بالروح بالدم نفديك يا أحواز، ارحل ارحل يا محتل".
من المفارقات الغريبة إن الإحتلال الفارسي للأحواز يشابه في الكثير من مفرداته الإحتلال الفارسي للعراق. حيث يتبع النظام الفارسي نفس أساليب الترهيب ضد الشعبين العربيين. وهذا ما نستشفه في ما ورد في البيان المذكور الذي يشير إلى" الإذلال والجرائم العنصرية البغيضة التي يرتكبها عتاة الفرس المجرمين ممن ينتمون للأجهزة الأمنية القمعيّة والشرطة السريّة والعلنيّة والمنظمات الإرهابية والميليشيات الإجرامية وفرق القناصة المنتشرة في المناطق والمدن".
الأنكى منه أن نفس الميلشيات العربية الإرهابية أو ذات الولاء المطلق لإيران هي التي تمارس القمع والقتل ضد عرب الأحواز! وهولاء الأوغاد جريمتهم أشد والعن من جرائم الفرس لأنهم محسوبين على العرب. ونحن منهم براء كبراءة الذئب من دم يوسف. ففي التظاهرات العربية الأخيرة في إقليم الأحواز بمناسبة الذكرى السنوية لإنتفاضة(15) نيسان المجيدة والإحتجاج على خطط نظام الملالي بتغيير الفسيفساء السكاني للأحواز. أطلق الحرس الثوري الذخيرة الحية على المتظاهرين فقتل (15) وجرح العشرات منهم. علاوة على اعتقال المئات ممن زجوا في سجون النظام السرية- كالعادة أغفل الإعلام العالمي ما حدث ولم يتطرق إليه البته- وكذلك حال المنظمات الدولية التي تتشدق بالدفاع عن حقوق الإنسان فقد خرست أيضا.
أشارت الأنباء الصحفية بأن" قوات من حزب الله ومنظمة بدر التابعة للمجلس الأعلى للثورة الإسلامية العراقي ومرتزقة فلسطينيين من منظمتي حماس والجهاد شاركوا الحرس الثوري الإيراني في عملياته الإجرامية بقتل وقمع المتظاهرين العرب الأحوازيين! وإن جزءا من هذه القوات إعتلى المباني الحكومية الإيرانية ليسيطر على الموقف"! عجبي لمرتزقة حزب الله والجهاد وحماس! اليس من الأولى بهم أن يحاربوا الكيان الصهوني الذي يحتل أراضيهم بدلا من الإعتداء على أشقائهم العرب؟ أم إنه الولاء الأعمى للخامنئي؟ ربما إعلان وتوضيح بأن المذهب وليس الوطن فوق الجميع. أما قوات بدر- يطلق عليهم في العراق قوات غدر- فلا عتب عليهم لأنهم ولدوا في رحم نظام الملالي، ورضعوا من أثداء نساء المتعة.
إن رؤسنا لتطأ الأرض خجلا من تصرف جحافل الغدر والحقد ضد أشقائنا في الأحواز. ونخاطبهم بقلوبنا وعقولنا: إذا كانت الأنظمة العربية المستبدة قد خذلتكم وهذا ديدنها! فأعلموا بإن الشعب العربي من شرقه إلى غربة ومن شماله إلى جنوبه معكم، يؤازركم ويتبنى حقكم المشروع للتحرر من أغلال النظام المتعفن في طهران. وكما قيل لا يضيع حق ورائه مطالب، سواء على المستوى الشخصي أو الدولي.
نخاطبهم بقولنا: يوم بعد آخر تتكشف حقيقة النظام الشعوبي المتغطرس في طهران. ويوم بعد آخر تتكشف حقيقة نضالكم الدؤوب نحو التحرر. وفجر حريتكم وإستقلالكم سيبزغ قريبا بإذن الله وسواعدكم المجاهدة. فنظام الملالي بدأ سقفه يتآكل وسوس الفساد ينخر بكل جوانبه وسينهار آجلا أم عاجلا فوق عمائم الشر والدجل.
نحن معكم بقلوبنا وعقولنا وأقلامنا. إننا نؤمن كل الإيمان بعروبتكم ونضالكم وقضيتكم العادلة ومن يخالفكم الرأي فهو أما فارسي حاقد أو عميل مدجن أو عربي متفرس. والصنف الأخير لا عجب أن يكون أكثر تفرسا من الفرس أنفسهم! فقد خبرناهم في عراقنا المحتل وعرفنا مدى إجرامهم وحقدهم على العرب والعروبة.
فلسطين والعراق والأحواز ... معا على درب التحرر والإستقلال. والنصر قادم بإذن الله، وما النصر إلا من عنده.
كاتب ومفكر عراقي
www.deyaralnagab.com
|