وضعية المرأة تعكس مدى نضج المجتمع ووعي نُخَبِه!!
بقلم : سعيد الكحل ... 22.10.2010
تعرف المجتمعات العربية حراكا اجتماعيا وسياسيا حول موضوع حقوق المرأة ووضعها القانوني والاعتباري كمواطنة . ذلك أن وضع المرأة العربية يعرف تباينا بين مجتمع وآخر . فما تتمتع به المرأة في المجتمعات المغاربية من حقوق سياسية ومدنية ( حق التصويت ، الترشيح ، تولي المناصب السياسية والقضائية الخ ) تُمنعُ منه المرأة في بعض المجتمعات الخليجية كالسعودية . بل حتى المجتمعات التي تعرف انفتاحا سياسيا لازالت المرأة ممنوعة من تولي منصب القضاء مثلا ، كما هو الحال في مصر . ومن أجل انتزاع حقوق أوسع لصالح المرأة تخوض الجمعيات النسائية الديمقراطية والمنظمات الحقوقية نضالاتها التي أثمرت في عدد من الدول العربية حقوقا مدنية وسياسية . إلا أن القوى المحافظة التي يمثلها تيار الإسلام السياسي في تحالف مع التيارين المحافظ والقبلي تتصدى بشراسة للمطالب النسائية عبر التشبث بقيم وأعراف البداوة التي تحولها إلى أحكام فقهية وتغلفها بالدين كي تُلزم بها البرلمان والحكومة كما حدث في الكويت ومصر والسعودية ؛ بل وحتى الجزائر حين أجبرت الرئيس بوتفليقة والبرلمان الجزائري على التراجع عن قانون الأسرة في صيغته الأولى التي تلغي شرط الولي في عقد الزواج بالنسبة للراشدة . فجاءت المادة 11 تكرس هذا التراجع كالتالي ( تعقد المرأة الراشدة زواجها بحضور وليها وهو أبوها أو أحد أقاربها أو أي شخص آخر تختاره دون الإخلال بأحكام المادة (7) من هذا القانون) . وحاول نفس التيار المحافظ التصدي للمطالب النسائية في المغرب سنة 2000 عقب صدور مشروع خطة إدماج المرأة في التنمية الذي أعدته الحكومة ، إذ نظم حزب العدالة والتنمية مسيرة بالدار البيضاء يوم 12 مارس 2000 ليضغط على الحكومة قصد سحب المشروع . لكن فعالية الجمعيات النسائية والقوى الديمقراطية وانتصار الملك لقضايا المرأة أعطيا دفعة قوية وهامة لحقوق النساء ، حيث تبنى الملك ، بصفته الدستورية "أمير المؤمنين" التعديلات الجوهرية التي أعدتها اللجنة الملكية الاستشارية بعد دراستها للمطالب التي تقدمت بها الجمعيات النسائية والأحزاب السياسية . وبهذا خرجت إلى الوجود مدونة الأسرة التي شرع في تطبيقها سنة 2004 مبنية على مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة . وحملت هذه المدونة تغييرات جوهرية تهم حقوق المرأة ، سواء فيما يتعلق بسن الزواج الذي حددته في 18 سنة ، أو حق المرأة في الولاية على نفسها ، أو فيما تراكم من ممتلكات زوجية ، حق الطلاق الذي كان ينفرد به الزوج . وتعززت هذه المكتسبات بمصادقة المغرب على اتفاقيات منع كل أشكال التمييز ضد المرأة ، فضلا عن منح المرأة حق إعطاء جنسيتها لأبنائها من زواج مختلط . ومن أجل توفير الحماية الضرورية والفعلية للأسرة وللمرأة في المجتمعات المغاربية ، ليس أمام حكوماتها سوى الانفتاح على التجارب الرائدة ، خاصة في تونس والمغرب ، والاستفادة منها في تعديل البنود التي تحط من كرامة المرأة وتعرضها للاستغلال والتهميش . ولا شك أن التعديلات التي جاءت بها مدونة الأسرة في المغرب منذ 2004 كانت لها نتائج إيجابية ، رغم قصر المدة ، على الأسرة والمجتمع . ويمكن الإشارة إلى بعضا كالتالي :
1 ـ تشجيع توثيق الزواج ، إذ دأبت كثير من الأسر في البوادي والأرياف على تزويج أبنائها وبناتها بقراءة الفاتحة أمام الأشهاد والعائلة دون توثيق الزواج عند العدول. وبفضل المدونة والحملة التحسيسية التي رافقتها ازداد الوعي بضرورية توثيق الزواج حيث تسارعت وتيرته كالتالي: تسجيل 6918 حالة سنة 2004 ، و14 ألفا و817 حالة سنة 2005 ، و16 ألفا و832 حالة سنة 2006 ، و18 ألفا و751 حالة سنة 2007 ، و23 ألفا و390 حالة سنة 2008 . ومن شأن هذه الإجراءات أن تضمن حقوق الطفل والأم وتحافظ على استقرار الأسرة .
2 ـ محاصرة ظاهرة تزويج القاصرات أقل من 18 سنة ، حيث سجل سنة 2009 ما مجموعه 33ألف 253 رسما ، أي 10,58في المائة من مجموع رسوم الزواج . علما أن 96 في المائة المأذون لهم بالزواج يقترب سنهم من 18 سنة . إلا أن هذه الظاهرة لازالت مستفحلة في المناطق الريفية والأحياء المهمشة بسبب عوامل الفقر والجهل والهشاشة والتهميش . مما يستدعي مضاعفة الجهود للنهوض بحقوق الطفل وتكريس احترامها ، وفي مقدمتها الحق في التعليم وفي التربية .
3 ـ استفادة الزوجات من مسطرة الشقاق حيث مثلت نسبة 94 في المائة من مجموع حالات التطليق سنة 2009. وهذا الإقبال المتزايد على التطليق للشقاق يعفي الزوجة من الابتزاز والاستغلال اللذين يمارسهما الأزواج حين اللجوء إلى الطلاق بالخلع الذي يشترط فيه الفقهاء إرضاء الزوج .
4 ـ انخفاض نسبة الطلاق بشكل ملموس حيث سجل سنة 2008 ما مجموعه 27 ألف و935 رسما ، لينخفض إلى 24 ألف و170 رسما سنة 2009 . وأكدت وزيرة التنمية الاجتماعية والأسرة والتضامن، نزهة الصقلي في لقاء حول "مدونة الأسرة، ست سنوات بعد" نظمته جمعية فاس سايس يوم 10 أكتوبر الجاري بمناسبة اليوم الوطني للمرأة، أكدت تناقص عدد حالات الطلاق ب20ر46 في المائة بين عامي 2003 (44 ألف و 922 حالة) و 2009 (24 ألف و 170) . وهذا دليل يبهت الذرائع التي علل بها الإسلاميون رفضهم ومناهضتهم لتعديل المدونة والمطالب التي تقدمت بها المنظمات النسائية .
5 ـ ارتفاع عدد الزيجات ب 29.19 في المائة خلال نفس الفترة منتقلا من 263 ألف و553 الى 314 ألف و400. مما يعني أن الذين كانوا يتذرعون في مناهضة التعديلات بكونها ستؤدي إلى العزوف عن الزواج ، كانوا مكابرين ومعاندين .
6 ـ ارتفاع عدد الزيجات التي أبرمتها الفتاة الراشدة بدون ولي بنسبة 20،4 ، مما يعني أن الفتاة المغربية استوعبت التغيير الذي جاءت به المدونة ومارسته دون تعسف .
ورغم الإيجابيات التي جاءت بها مدونة الأسرة ، فإن قلة الوعي ببنودها وغلبة النزعة الذكورية على بعض القضاة يستوجبان من الحكومة بذل جهود مضاعفة لتفعيل بنود المدونة ضمانا للاستقرار الأسري وحماية لحقوق الزوجة والأطفال .
المصدر : مركز مساواة المراه
www.deyaralnagab.com
|