إسم على مُسمى:المشرق العربي وليست "الشرق الاوسط"!!
بقلم : د.شكري الهزَّيل ... 15.12.2011
بعد مرور ما يقارب العام الواحد على بداية الثورات العربيه منذ ان اشعل بوعزيزي شرارتها الاولى في تونس وما زالت الثورات مستمره وتطيح بالانظمه العربيه الفاسده والتابعه للغرب واحدا تلوى الاخر ورويدا رويدا تتشكل في المشرق والمغرب العربي حكومات ونظم حكم جديده تقوم الشعوب العربيه لاول مره في تاريخها بانتخاب هذه الحكومات ومن سيمثلها محليا واقليميا وعالميا في السنوات القادمه وايا كانت هذه النظم علمانيه او اسلاميه او مختلطه الا انها ستحكم بلدان كانت وما زالت هويتها وحضارتها من المحيط الى الخليج ومن المشرق الى المغرب العربي هويه عربيه يشترك فيها جميع طوائف واعراق وديانات الشعوب العربيه, بمعنى بسيط ومبسط : العروبه هويه وطنيه تجمع بين شعوب العالم العربي بغظ النظر عن الدين والعرق من المحيط الى الخليج ومن المشرق وحتى المغرب العربي وذلك بالرغم من كل المحاولات الاستكباريه والاستعماريه والطائفيه لطمس وتمزيق هذه الهويه التاريخيه المشتركه والاسئله المطروحه: من هو الذي استبدل تسمية المشرق والمغرب العربي باسم " الشرق الاوسط" وعمم هذه التسميه ومرَّرها وفرضها كواقع قسري على العالم العربي منذ عقود من الزمن حتى اصبحت متداوله محليا واقليميا وعالميا؟ وأما ان الاوان ونحن في زمن الربيع العربي ان نطالب باعادة اسماءنا وهويتنا المسروقه؟
منذعقود مضت وعبر عدة اجيال تداول العرب مصطلحات وتسميات فرضها الغرب الاستعماري والاستكباري على العالم العربي وعمل على ترسيخها وتمريرها سياسيا واعلاميا على مدار السنين الى ان حلَّت تدريجيا هذه المسميات الهجينه بدلا من الاسماء التاريخيه التي كانت تُعرَّف بها جغرافيا وديموغرافيا العالم العربي الذي تعرض الى ابشع حالات التهجين والتزييف والتغريب والتجهيل التي طالت ومازالت تطال اجيال عربيه غابره وحاضره تعرضت الى ما يشبه غسل الدماغ بما يتعلق بالوعي ومسميات جغرافيا الاماكن والمناطق العربيه ومنذ أمد بعيد ونحن نلوك قسرًا ما قام بتلقيمنا به الغرب الامبريالي ومشتقاته من مفردات ومصطلحات سياسيه بهدف فرض واقع الغربة والتغريب على هويتنا التاريخيه والحضاريه وكياننا الجغرافي والديموغرافي, ومن المؤسف القول ان دفاعاتنا الفكرية والوطنية لم تكن فعَّاله منذ عقود مضت ولم تكن على مستوى الامكانيه والتمكُن بان تردّ وتذود عنا العدوان الفكري والتاريخي اللذي استهدف عقول ووعي امتنا وشعوبنا من المحيط الى الخليج ومن المغرب العربي الى المشرق العربي....
اخطأ من ظن أننا تعرضنا وما زلنا نتعرض كأمة عربيه فقط لاستكبار وعدوان عسكري غربي صهيوني عجزنا حتى يومنا هذا عن صده او حتى التخفيف من وقعه الثقيل على نفسية ووجود شعوبنا وامتنا العربيه التي عانت وما زالت تعاني الويلات منذ طمع الغرب بموارد ومواقع اوطاننا و بلادنا العربيه التي فرض عليها الاستكبار والغرب الامبريالي تسميات خارج اطارها الجغرافي وهويتها التاريخيه حيث اتبع الغرب [بالاضافه للقوه العسكريه] وما زال نظرية التفكيك والتركيب الجغرافي والسياسي لضمان دوام سيطرته واستمراريتها من جهه ولفرض التغريب على الشعوب والمنطقه العربيه من جهه ثانيه وبالتالي وعندما بدأ ثيودور هرتسل الاب الفكري للصهيونيه عام 1896 بالطنطنه والترويج لمصطلح "الشرق الاوسط" كان نظريا وعمليا مندمج مع التوجه الامبريالي والاستكباري العام اللذي بدأ انذاك بالتحضير الى تقاسم مناطق الدوله العثمانيه بعد بروز معالم قرب سقوط نظامها, ورغم ان مصطلح " الشرق الاوسط" الجغرافي كان موجودا ومتداولا بين الباحثين والعلماء الغربيين بشكل محدود ومحدد, الا انه بدأ منذ مطلع القرن الماضي يأخذ منحى وفحوى سياسيه ذات اهداف سياسيه تهدف إلى إعادة صياغة وقَّولبة المنطقة العربيه جغرافياً وسياسياً وحضاريا واجتماعياً واقتصاديا بما يتناسيب مع اهداف الاستكبار الغربي وسيطرته الدائمه على منابع النفط والوطن العربي بشكل عام والمشرق العربي بشكل خاص!! من هنا وتحديدا بعد صدور وعد بلفور1917 وقرار تقسيم فلسطين عام 1947 ونشأة الكيان الاسرائيلي فيما بعد, بدأ الاعلام الغربي وتابعه الشرقي الجاهل الترويج بكثافه لمصطلح "الشرق الاوسط" متوجا بداية الهجوم على العقل العربي والذاكره العربيه بهدف محو مصطلح المشرق والمغرب العربي من الوعي العام وفرض واحلال مصطلح الشرق الاوسط مكان المشرق العربي لاهداف سياسيه واضحه اهمها سحب الهويه العربيه عن المشرق ومسخ الشرق والمشرق بمصطلح الاوسط لاعطاء صوره جديده بعدم نقاء عروبة المكان لوجود دول اخرى غير عربيه او بالاحرى دوله واحده وهي اسرائيل التي خطط لقيامها في الغرب ليُزرع كيانها في فلسطين والمشرق العربي,, وعليه ترتب ويترتب من وجهة النظر الغربيه تغيير معالم المشرق العربي سياسيا ودوليا واقليميا بما يتناسب مع فرض وجود اسرائيل والمخططات الاستكباريه الغرببه في المنطقه العربيه!!...
منذ ظهور وتداول مصطلح الشرق الاوسط في المحافل الدوليه والغربيه عنوه بدأ واضحا ان التجزئه السياسيه وليست الجغرافيه فقط هي اللتي يسعى الى ترسيخها الغرب, ولذلك ومكملا لهذا بدأ تداول مصطلح " الشرق الادنى" " وشمال افريقيا" كبدائل للمغرب العربي وغيره من هويات حضاريه تاريخيه وجغرافيه سادت لقرون في هذه المواقع والمناطق الجغرافيه والديموغرافيه, وهذا مايعني ان الاهداف الغربيه كانت ليست التضليل والتغريب الجغرافي والديموغرافي فقط لابل شطب مفاهيم ومصطلحات العالم والوطن العربي من الذاكره الجماعيه والعالميه, ليصبح العالم والمشرق العربي مقسما سياسيا لمناطق ومصطلحات تقع فيها الدول والبلدان العربيه كالشرق الاوسط والشرق الادنى والشرق الاقصى ولاحقا الشرق الاوسط الجديد والكبير الخ, بمعنى فك الترابط الحضاري والتاريخي والجغرافي بين مناطق المشرق والمغرب العربي وربط البلدان العربيه بهذا الاسم او ذاك من المناطق التي لاتشير لعروبة وجغرافيا المكان وفرض هذا الواقع القسري في المحافل الدوليه والعالميه وفرضه جغرافيا وعسكريا[ احتلال فلسطين والعراق فيما بعد] اذا تطلب الامر لابل فرضه ايضا على مناهج التعليم في الدول العربيه ليصبح الشرق الاوسط هو السائد وليست المشرق العربي,, وهكذا للمثال فرض الغرب وجود اسرائيل في قلب الوطن العربي كجزء من الشرق الاوسط, وهكذا للمثال ايضا صارت تركيا وايران جزء من الشرق الاوسط الامريكي والغربي بهدف التغريب بدل التعريب والعولمه بدل العوربه,, واضفاء الشرعيه على التقسيم الامبريالي للمنطقه العربيه ونزع هويتها العربيه والحضاريه من خلال نظرية التفكيك والتركيب, ولا يوجد مقارنه بين وضعية تركيا وايران التاريخيه ووضعية اسرائيل, الا ان الغرب سعى ويسعى الى مطاطية التعاريف الجديده حتى يشرعن الوجود الاسرائيلي من خلال مقولة الشرق الاوسط و القول ان تركيا وايران وافغانستان ايضا ليست دول عربيه كما هو حال اسرائيل...!!
عمل الغرب الامبريالي والاستكباري على تفكيك وتركيب المنطقه العربيه والمشرق والمغرب العربي سياسيا ومناطقيا وجغرافيا بما يتناسب مع المخططات والمصالح الغربيه.. التفكيك والتركيب على مقاس الغرب الامبريالي..وللتذكير كانت امريكا[لم تشارك مباشره في الحلف] وبريطانيا من وراء فكرة انشاء حلف بغداد عام 1955 واللذي ضم بريطانياو كل من العراق وتركيا وإيران وباكستان, والهدف من انشاء هذا الحلف كان بالاساس موجه لضرب وحدة العالم العربي الجغرافيه وهويته العربيه[ ادعى الغرب انذاك ان الحلف جاء لوقف المد الشيوعي والسوفيتي في المنطقه] من جهه وترسيخ مفهوم الشرق الاوسط من جهه ثانيه وبالتالي لاحظوا معنا وانه بالرغم من سقوط حلف بغداد عام1958 ماذا جرى للعراق بعد عام 2003 واحتلاله من قبل امريكا والغرب وحال العراق المحتل في عام 2011 في ظل المخطط التفتيتي الامريكي ومشروع ما سمي بالشرق الاوسط الجديد او الكبير!... تفتيت المُفتت وتقسيم المقسم وتفكيك المفكك وتركيبه من جديد في اطر المصالح الامريكيه والغربيه:: تفتيت وتفكيك العراق وتدمير هويته العربيه وفي المقابل تثبيت وجود اسرائيل في منظومة الشرق الاوسط الامريكي والامبريالي... واهِم وغارق في الوهم من يصدق ان هنالك في افق الشرق الاوسط المزعوم وجود دوله فلسطينيه سياديه!!...
ما جرى ويجري اليوم وحتى في زمن الربيع العربي والثورات العربيه هو استمرار الغرب وبنفس النمط في خلق وترسيخ شرق اوسط كبير والاستمرار في ذبح المشرق العربي على مذبح الشرق الاوسط من خلال الاعلام والاقتصاد و القوه العسكريه والقواعد الامريكيه في دول وممالك انظمة الرده العربيه, ومن خلال مناهج الدراسه والتعليم في العالم العربي التي روجت وتروج للشرق الاوسط بهدف القضاء على معالم وهوية المشرق العربي...ماهو جاري اليوم ايضا ومنذ عقد النظام المصري البائد اتفاقية كامب ديفيد مع اسرائيل في نهاية السبعينات من القرن الماضي هو عزل مصر وتاطيرها في اطار جغرافي وسياسي اخر معزول سياسيا عن العالم العربي من جهه والترويج الاعلامي المكثف للشرق الاوسط القديم والجديد بدلا من المشرق العربي,, [نأمل ان تعود مصر مابعد الثوره الى موقعها الحقيقي في العالم العربي].. وما جرى ويجري في المغرب العربي في اطار الافرقه و تسمية شمال افريقيا ماهو الا الوجه الاخر للشرق الاوسط الهادف الى نزع هوية المغرب العربيه.. وحتى لايفوتنا مساهمة الانظمه العربيه العميله[سقط بعضها 2011 وبقيت وما زالت باقيه الانظمه الاشد عماله وتبعيه للغرب] في تدمير هوية العالم العربي لابد من القول ان مشروع شيمعون بيرس والشرق الاوسط الجديد لعام 1993 جاء في اطر تثبيت الشرق الاوسط الامريكي الاسرائيلي بمشاركة الحكام العرب كخطوه متقدمه في عملية محو واقع جغرافيا وديموغرافيا المشرق والمغرب العربي....لا بد ايضا من التعريج على اهداف مؤتمر مدريد لعام 1991 وعملية تذويب وتعويم القضيه الفلسطينيه كما هو حالها اليوم في اطر الشرق الامريكي والاسرائيلي لتصبح رهينه ومطيه في ان واحد بهدف تسويق وقبول اسرائيل في منظومة الشرق الاوسط واخراج القضيه الفلسطينيه من منظومة الشرق والمشرق العربي لتصل حال الشعب الفلسطيني الى ماهي عليه اليوم... الغرب سعى لقطع صلة القضيه الفلسطينيه بعمقها العربي وهو يحاول اليوم عزل القضيه الفلسطينيه عن مجريات الربيع العربي سواء بالحيلوله دون مشاركة الشعب الفلسطيني في ركب الثورات العربيه او من خلال ابعاد القضيه الفلسطينيه عن مطالب وشعارات الشعوب العربيه الثائره..
لعب الاعلام العربي التابع لانظمة الطغاه العرب وما زال دورا فعالا ورئيسيا في تهجين العقل والوجدان العربي الى حد ان اصبحت اسرائيل جزء من الشرق الاوسط وكأن اسرائيل هذه لم تحتل فلسطين وتشرد شعبها ولا تحاصر وتقتل اطفال غزه.. الاعلام العربي وخاصة الفضائي النفطي طبَّع العقل العربي وجعله يتقبل وجود اسرائيل كواقع دون ان يكون لها علاقه بالمأساه والنكبه الفلسطينيه...وكأن فلسطين وشعبها ليست جزء لا يتجزأ من المشرق العربي والعالم العربي الى حد استضافة الفضائيات العربيه قيادات اسرائيليه وفرض وجودها في كل بيت وحاره عربيه على طول وعرض الوطن العربي دون التطرق الى الرباط بين وجود اسرائيل ونكبة الشعب الفلسطيني وتشريده من وطنه فلسطين ..تلقيم سياسي اعلامي:: لُقمه لقمه وخطوه خطوه من مصطلح الشرق الاوسط وحتى احتلال فلسطين وفيما بعد العراق...تكييف وتدجين العقل العربي لقبول كَّون الاحتلال امر عادي وليست احتلالا لجزء من العالم العربي والمشرق والمغرب العربي!!
كل ما في الامر ان المشرق العربي والمغرب العربي تعرض و يتعرض في اطر مشروع الشرق الاوسط القديم والجديد الى عملية محو مبرمجه لهويته الجغرافيه والديموغرافيه العربيه وما تغيير الاسم العتيق واستبداله بالشرق الاوسط وفرضه على خرائط العالم وتداوله في الاعلام وفي المؤسسات والتعاملات الاقليميه والعالميه وفرضه في الوجدان الجماهيري العربي الا دليل قاطع على اهداف جيوسياسيه سعى ويسعى الى تحقيقها الغرب الامبريالي وعلى راسها نزع هوية المشرق العربي وتهجينها حتى تصبح اسرائيل دولة في منظومه غير عربيه..منظومة الشرق الاوسط الذي خلقت خصيصا بهدف ضرب وحدة المشرق العربي من خلال انتزاع قلبه واحتلاله في فلسطين من جهه وزرع واحلال اسرائيل في هذه المنظومه الشرق اوسطيه اللتي تشرعن وجود اسرائيل من جهه اخرى وبالتالي ماجرى هو ليس احتلال فلسطين واحلال الكيان الاسرائيلي فقط لابل ان الذي جرى ايضا هو تغيير التسميه والهويه العربيه للمشرق العربي بشكل جذري من اجل ترسيخ الاحتلال الاسرائيلي في فلسطين...شرق اوسطية اسرائيل وعروبة فلسطين امران لا يلتقيان ولذلك جاءت تسمية الشرق الاوسط لشرعنة وجود اسرائيل ونفي وجود فلسطين العربيه!!
الذي جرى منذ عقود هو تهميش وتغريب ومحو هويه مبرمج للمشرق والمغرب العربي اساسه يكمن في ضرب الوعي العربي وحرفه نحو التضليل والتلقيم السياسي الامريكي والغربي الهادف الى محو معالم عروبة العالم العربي, ولكن ورغم قتامة الوضع الا ان الممانعه الجماهيريه العربيه والمقاومه الحضاريه العربيه والثورات العربيه الجاريه تبشر خيرا نحو مستقبل افضل, وعليه يترتب عدم الاستسلام لسياسة البلدوزر الفكري والحضاري والاعلامي التي تنتهجها امريكا ووسائل الاعلام اتجاه المشرق والمغرب العربي لفرض واقع الشرق الاوسط المهجن والمنزوع الهويه والتاريخ.... نعتقد ونجزم ان الشعوب العربيه تريد عودة المشرق العربي وإسقاط "الشرق الاوسط"!..هلموا بإعادة الخيل الى مرابطها وتثبيت مصطلح وواقع المشرق والمغرب العربي ورفض مصطلح الشرق الاوسط .. اكتبوا في ادبياتكم منذ اليوم وعلموا اطفالكم وشبابكم و ذكِروا شيبكم اننا مُنحازون لهويتنا العربيه في المشرق والمغرب العربي كحق وكوجود وكهويه.,, ونحن ليست باي حال من الاحوال مُحايدون ولا ليبراليون عُريبيون ولا شرق اوسطيون.. نحن الان في وسط الثورات العربيه.. نحن عرب في المشرق والمغرب العربي نحترم هويتنا ولا نعتدي ونتعدى على هوية الاخرين... اهداف الثورات العربيه لايجب ان تنحصر في معركة اسقاط انظمة الطغاه فقط لابل خوض المعارك الفكريه والسياسيه من منطلق قناعه جماهيريه بالتأكيد من جديد على هويتنا العروبيه والعربيه والاسلاميه واحياء تسمية المشرق والمغرب العربي ورفض تسمية الشرق الاوسط . نتمنى عودة اسم المشرق العربي والمغرب العربي الى خرائط الكره الارضيه والمحافل المحليه والاقليميه والعالميه...فل نطرح شعار: اسم على مسمى.. الشعوب تريد عودة وإعادة المشرق العربي وإسقاط "الشرق الاوسط"!!
www.deyaralnagab.com
|