logo
خير مهرجانات المولد.. ساحات النضال الثوري!!

بقلم : الشيخ حماد أبو دعابس* ... 05.02.2012

لم يحتفل السلف بذكرى المولد النبوي الشريف، وخاصة في القرون الأولى من عمر الإسلام. ولذلك فان من يدعو إلى منع الاحتفال بالمولد النبوي هو صاحب رأي وجيه، له قدره ولا نعيب عليه قناعته. والى جانب ذلك، فان حضور النبي الكريم صلى الله عليه وسلم في حياة سلفنا الصالح، جعلت كل أيامهم تعظيماً واحتفاءً بالحبيب عليه الصلاة والسلام، أما الأزمنة المتأخرة التي ضعف فيها المسلمون، وكثرت فيها الاعتداءات والافتراءات على النبي الخاتم عليه الصلاة والسلام، وعلى دينه وعلى أمته، فكان لا بد من مقابلتها،بحملات متواصلة للتعريف بقدر النبي صلى الله عليه وسلم، والدعوة المتواصلة إلى إحياء سنته، والإشادة بأخلاقه وتعلُّم سيرته.وخير الاحتفاء بالنبي الحبيب صلى الله عليه وسلم هو التطبيق العملي لتعاليم دينه، ومنهجه في الحياة، وتحبيب خلق الله في دينه ونهجه. ولذلك فان العديد من علماء المسلمين لا يرون بأساً أبدا في إحياء ذكرى المولد النبوي الشريف من خلال المحاضرات والمواعظ، والتوعية إلى ما يدعو إليه الرسول الكريم من أخلاق وصفات ومعاملات .
ونحن في بلاد الشام عموماً نتبنَّى هذا الموقف دون إفراط او تفريط. فلا نحن مع من يحرِّم الاحتفال بالمولد النبوي قطعياً، ولا نحن مع الذين يبيحون كل الطقوس والمراسيم البدعية التي تصاحب هذه الاحتفالات لدى بعض الجماعات والفرق. ولكننا مع اقتصار الاحتفال بالمولد على المواعظ والدروس والمحاضرات،ومع التركيز على اخذ الصحيح من سنته وأحاديثه وسيرته، نتعلَّمها فنؤكِّد مركزية النبي الكريم صلى الله عليه وسلم في حياتنا ووعينا ومشاعرنا.نتعلَّم حبَّه وطاعته، والصلاة والتسليم عليه،والشوق إلى لقائه، وزيارته ثم ندعو المجتمع بأسره الى تبنِّي نهجه،ونجتهد في صناعة المجتمع المسلم الملتزم الذي يرضى عنه الله ويرضى عنه رسوله صلى الله عليه وسلم.
المحتفي بالمولد ينبغي أن يكون ثائراً على الظلم
فهم الصحابة الكرام والتابعين الأعلام رسالة النبي صلى الله عليه وسلم، على أنها رسالة إصلاح للكون بأسره، وتغيير لكل مظاهر الفساد والظلم والطغيان في الأرض. ولذلك فقد خرجوا مجاهدين في سبيل الله تعالى، فعرضوا على الملوك والزعماء الإسلام ، فان أبوا فالجزية، وإلا فالحرب، وذلك من اجل إلا يظل هؤلاء الحكام حاجزاً بين شعوبهم وبين الإسلام . فإذا ضمن وصول تعاليم الإسلام إلى الناس. فعندها يُترك كل منهم لإيمانه وقناعته، فان رأى في الإسلام دين عدل وحفظ كرامه للإنسان، وحفظ حقوق، وصفاء عقيدة فله أن يدخل في الإسلام، وله ما للمسلمين وعليه ما عليهم منذ اليوم الأول لإسلامه وان رأى غير ذلك فلا إكراه في الدين، وأمامه الخيارات الأخرى.
ربعي بن عامر ذلك الجندي المغمور في جيش المسلمين بقيادة سعد بن أبي وقاص( رضي الله عن ربعي وعن سعد) يدخل برسالة شفوية عظيمة ومعبِّرة على زعيم الفرس،فيخاطبه، بلسان من يفهم ما يحمل، ويعلم ما يريد: " الله ابتعثنا، لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدالة الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة". انه أعظم احتفاء بميلاد محمد صلى الله عليه وسلم أن نقول ما ينبغي أن يُقال في الزمان والمكان الأنسب لذلك. والأعظم منه أن نطبق، وننفذ عملياً ما ينبغي في الوقت والمكان الذي ينبغي.
وعليه فان خير احتفاء بالنبي صلى الله عليه وسلم في زمن الحكام المستبدين هو كلمة حق عند سلطان جائر. وان كانت الكلمة اليوم لا تُسمع اذا كانت من أفراد قلائل، إذا وجب أن يتحرك الشعب بمجموعه وملايينه ليقول للظلم قد مللناك، وللحاكم الجائر لا سمع لك ولا طاعة. فان قابلهم بالنكران والجحود، وبالنار والبارود، فان خروجهم عليه لردعه عن ظلمه، والصبر على جرائمه، وتحديه حتى إسقاطه فهي بإذن الله تعالى عبادة الوقت وفريضة المرحلة،وهي احتفاء كبير بالنبي الكريم الذي وقف في وجه الباطل ولم يساوم ولم يقبل بأقل من أن تكون كلمة الله هي العليا، وكلمة الذين كفروا السفلى.
للناخب عبادته وللمنتخب عبادته
ثورة المظلومين المستضعفين على الحاكم الجائر هي عبادة ولا شك. فمن ناضل من اجل إسقاط الظلم، وإحقاق الحق، راجياً استبداله بنظام يقوم على العدل والشورى وإحقاق الحقوق، فان خروجه من بيته عبادة، وتعريضه نفسه ومصالحه وأهله للخطر عبادة أيضا. فان عاد سالماً فهو مأجور، وان أوذي فهو مأجور، وان قتل فهو شهيد بإذن الله تعالى، ما دامت تلك نيته.
فإذا سقط نظام البغي والاستبداد، انتقل مجال العبادة إلى ميادين انتخاب الأصلح، ليكون ولي الأمر أو الرئيس أو النائب. وهي مسئولية وأمانة ثقيلة ومهمة. بل عبادة يتقرب بها الناخب المؤمن إلى ربه عز وجل.وهي شهادة على قدر علم هذا الناخب، تستوجب التحري، وتحكيم الضمير، ليضع فيها بطاقة التصويت التي مفادها: هذا الشخص، أو هذه ألمجموعه هم الذين ائتمنهم على خدمة وطني بكل إخلاص وأمانة، ومسئولية وكفاءة، فهم أصلح من وجدت لأداء ذلك الواجب المقدَّس.
وأما من فاز في الانتخاب، ووقع عليه الاختيار، فقد فرضت عليه فرائض وعبادات خاصة به. فهو مؤتمن على دين الناس وأموالهم وأعراضهم ودمائهم.كلمته شهادة، وتصرفه أسوة، وحكمه قسط وعدل، أو جور وظلم، وهو مؤتمن أمام من انتخبه ومن عارضه، أن يسعى لخدمة الجميع بإنصاف دون تمييز، وان يدرس الخيارات المتاحة أمامه فيتخير أصلحها، وأكثرها نفعاً للأمة، أو اقلها مفسده لحياة الناس.
لقد عد النبي صلى الله عليه وسلم من أول السبعة الذين يظلهم الله بظله يوم لا ظل إلا ظله:" إمام عادل". فهي عبادة كبيره وجليلة، لمن يؤدي الأمانة على أصولها لمن يستحقها. وقد صدق ذو النورين، عثمان بن عفان رضي الله عنه حين قال:"إن الله لينزع بالسلطان ما لا ينزع بالقران". أي انه تعالى ليجري على يد السلطان العادل أمورا في خدمة دينه، ما كانت لتجري لمجرد ذكرها في القران دون أن يأخذها حاكم صالح ينفذها.
دعونا نحتفل بالمولد كلٌ على أحسن ما يُتقن
كل ميّسر لما خلق له . وكل في مجاله يستطيع خدمة الإسلام، والوفاء للنبي العدنان صلى الله عليه وسلم. فالخطيب يحتفي بالمصطفى صلى الله عليه وسلم من خلال الخطبة والموعظة والمحاضرة، يحبب فيها الناس بنبيهم،ويذكرهم بأفضاله عليهم، وواجباتهم نحوه. والشاعر بقصيدته الجميلة وإلقائه المؤثر، والمنشد والمبتهل كل بروعة أدائه يؤدي دوراً عظيماً في ربط الناس بنبيهم ،ونقلهم إلى أجواء العاطفة والشوق لقدوتهم وأسوتهم صلى الله عليه وسلم.أما العابد الزاهد،والذاكر المتبتل ،فبصلاته على الحبيب آلافاً وأضعافا فانه محتفل بالمولد لا غبار عليه.وكذا كل عامل مُتقن لعمله في خدمة دينه ووطنه وأمته ،فليحتفي الأزواج بوفائهم ،والأبناء ببرِّهم، والجيران بإكرامهم ،والأغنياء بصدقاتهم،وكل راع بحفظ ما استرعاه الله تعالى .وهؤلاء جميعاً بأدائهم ما أمر به الله وأوصى به رسوله.فإنهم بذلك يعبرون عن حبِّهم ووفائهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهم بذلك محتفلون بمولده عليه الصلاة والسلام.
ولكن على رأس كل هؤلاء المحتفلين،فان أعظم احتفال مولد الحبيب في هذه المرحلة كان الثائرون على ظلم الحكام ،الذين كسروا حاجز الخوف من أنفسهم ،فغيروا ما بأنفسهم ليغير الله بهم حال امة بأسرها .وتخرج للدنيا من جديد امة عزيزة كريمة ترفع رايات التوحيد،وتعظم الرب المجيد،وتحتفي حقا بالنبي الحبيب قولاً وفعلاً. فبوركت سواعد المجاهدين،وحناجر الثائرين،وأقلام المناضلين .وعسى الله تعالى أن يتقبل الشهداء في عليين ،ويعافي الجرحى ويفك الأسرى،فإذا عاد للإسلام دولته وصولته فهو أعظم احتفالات المولد على الإطلاق.
حداث بور سعيد تعكر أجواء التضامن المصري
بعد الانجازات المباركة التي حققها الشعب المصري العملاق، من خلال ثورته المباركة،وانتخابات مجلس الشعب، والتي مرَّت بسلاسة منقطعة النظير،تفاجئنا أحداث مباراة كرة قدم في بور سعيد بين فريقين في الدوري المصري،لتنتهي باقتتالٍ دامٍ، بل مجزرة رهيبة، ذهب ضحيتها 74 قتيلاً ومئات الجرحى.
بودنا أن نسجل في هذا السياق، أسفنا الشديد، وحزننا العميق، بل امتعاضنا واستهجاننا، للتهاون والاستهتار غير المبررين بالدماء المصرية الزكية، بل دماء العرب والمسلمين، التي سفكت في ميدان لا يليق بسمعة مصر وتطلعات العالم إليها.
وإننا إذ نرفع تعازينا الحارة للقيادة والشعب المصريين، لا نملك إلا أن نبتهل إلى الله العلي القدير، أن يرحم الموتى ويشفي الجرحى، وان يجنب مصر مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن،وان يُلهم القيادة المصرية الحكمة البالغة، لقطع الطريق على جميع المغرضين والمتربصين بأرض الكنانة وشعبها الأصيل.
إنَّ الأمة جميعها تنتظر من مصر الريادة، وتسلُّم موقعها القيادي الطبيعي في صدارة عالمنا العربي والإسلامي، نحو الوحدة والنظام والقوة والحريّة
والله غالب على أمره

*رئيس الحركة الإسلامية..الجناح الجنوبي..فلسطين الداخل

www.deyaralnagab.com