logo
كلام هامس.. بين زعيمين!!

بقلم : عبله عبدالرحمن ... 13.11.2011

جدي الذي يقترب من عمره الثمانين يعتبر ظاهرة ردياوية بامتياز، فهو معروف للقريب والبعيد كمتابع نهم للأخبار، ومرجع للآخرين لكل جديد من الأخبار يقع على الساحة المحلية والعالمية، فيما هو بالحقيقة مواكب للصناعات التكنولوجية منذ أن كانت الأجهزة صوتا إلى أن صارت صوتا وصورة وما آلت إليه التكنولوجيا من تطور، فهو معاصر للراديو منذ أن كان بحجم قبضة اليد، إذا استثنينا مرحلة السماع الجماعي للأخبار عبر الراديو المشترك عند مختار الحي، ربما تجاوزا به عن تلك المرحلة، التي لم يكن يستطيع فيها تخصيص زاده الإخباري اليومي الخاص به متفردا بمؤشر الجهاز في اختيار المحطة والخبر وما وراء الخبر. بعدد سنوات عمره كان جدي يختار مكانا قصيا بالبيت بعيدا عن أي صوت ممكن أن يقطع حبل سماعه أو يشتت ذهنه، حدث أن خرجنا من مخادعنا على صوت ابتسامته المجلجلة التي لم يستطع أن يحبسها عنا، لكن بريق هيبته جعلتنا نخاف أن نجلجل بالصوت ونطارد عبير ابتسامته، وعلى صوت واحد منا جميعا كنا نتساءل عن سر الابتسامة التي فاضت منه حتى غرقنا فرحا لفرحه، ومع أن جدي كان يسترق السمع إلى كلام خاص وهامس، بالرغم من إرادة الطرفين، إلا أن الحقيقة وصلت إلى إذنه ونالت استحسانه، وحققت له ثأرا كان يترجاه وينتظره، إذ صفق للرئيس الفرنسي مع انه لا يطيقه، حين سمعه على غفلة منه وهو يشتم نتنياهو بالكذاب والشخصية التي لا تطاق، وكظم غيظه لان الرئيس الأمريكي يغض الطرف عن شخصية ذلك النتن مؤكدا على الاستمرار بالتعامل معه من اجل الفوز بولاية أخرى.
كثيرة هي المرات التي لم تلتقي فيها وجهات نظرنا، جدي وأنا في حواراتنا وجدالاتنا، وربما كانت عقيمة من جهتي أكثر لأنني لم أكن استطع أن أصل وإياه إلى قرار في جب ما هو متاح من سياسة تكاد تشعباتها تصل إلى اختياراتنا في تفضيل طعام على غيره من الأطعمة.
كنت أرى أن صرخة بوعزيزي كانت الزمردة التي حصلنا عليها كربيع عربي للحرية والخلاص من نير الفساد وعمل العسس، والإحساس بالظلم، والتهاون بالحقوق، وتغييب العدالة بكل حالاتها.
وجدي كان يرى أن ما يجري على ارض الواقع من اضطرابات وثورات وحروب هنا وهناك ما هي إلا توليفة من صنع أمريكا وإسرائيل وبعض الدول الأوروبية التي تطمح بغنائم جديدة لحل أزمتها المالية نتيجة انهيار البورصة والأسواق المالية.
مشكلتي التي أصبحت أعاني منها، وبعد الاهتداء إلى كيفية الإنصات هو اختيار الوقوف إلى الجانب الذي يقف فيه جدي بإضافة وجع آخر جديد وهو استغلال الشعوب وحلمها بالحرية، هذا الإنسان العربي الذي فقد كرامته وشخصيته وحتى لقمة عيشه لصالح فئة قليلة تأخذ ولا تعطي، فكان حالنا حال أهل النار عندما استغاثوا بالماء فجاءهم الشواء.
هذا التبدل في وجهة نظري، أعادني إلى حديث جرى مع زوج صديقتي عندما حدثني عن جزئية من كتاب يقرأ به لروبرت فسك بنسخته الانجليزية، ذلك الصحفي الذي يعيش طفيليا على نكبات الشرق الأوسط، حول زيارات جورج تينت المكوكية لمنطقة الشرق الأوسط وبالتحديد لقاءاته مع الرئيس عرفات حيث يذكر في كتابه وعلى لسان جورج تينت انه ذات مرة عرض على أبي عمار انه في حال وافق على شروط السلام، ربما كان يجب أن أقول حيل السلام، أنهم على استعداد لتغيير زعامات وحتى تغيير شعوب في المنطقة لتوافق شروط السلام أو الاستعمار الجديد الذي سيعبرون به مرة أخرى إلى المنطقة كمشروع يمكنهم من تحقيق أهدافهم ليس على ارض فلسطين التاريخية وحدها بل على الشرق الأوسط برمته.
ترى هل نحن بصدد تحقيق هذا السيناريو الذي جاء به جورج تينت من تغيير زعامات وشعوب.
يقول الفيلسوف ايمانويل كانت: أن النية الخالصة أهم من المعاهدات، هل ما زلنا نملك تلك النية الخالصة بربيعنا العربي، أم أن أذيال الأنظمة الحاكمة السابقة ما تزال على حالها تقض من مضاجعنا وهي تجلب الاستعمار بصور جديدة، حتى نقاد إلى احتلال آخر هذا إن بقينا قيد هذه الحياة.


www.deyaralnagab.com