logo
إبداع وطني:السجن والسجَّان والشعب الفلسطيني!!

بقلم : د.شكري الهزَّيل ... 20.10.2011

لم يخُض الشعب الفلسطيني معركة واحده في ميدان واحد ولم يقرر احيانا كثيرا موقع المعركة وزمانها وتوقيتها لابل ان شعب الجبارين قد خاض معارك المعارك في ظروف مختلفه في عدة اتجاهات وعدة اشكال وفي ازمان مختلفه ومترابطه وكانت وما زالت المعارك والانتفاضات تُخاض بعدة اساليب من المسلح الى السلمي الى السياسي وحتى معارك الامعاء الخاويه اللتي خاضها ويخوضها اسرى الحريه اكثر من مره في سجون الاحتلال الاسرائيلي, لكن كل هذه المعارك كانت وما زالت تُخاض لاهداف واضحه وتحت عناوين ومقومات وطنية وحضاريه سطَّر الشعب الفلسطيني حروفها ورسخها في الروح والهويه الوطنيه الفلسطينيه وهي مقومات شحَّنت همة الشعب وجعلته لا يستسلم على مدى قرن من النضال ضد الاستكبار البريطاني والاحتلال الصهيوني لابل انها مقومات متفرعه في طرق نضاليه متفرعه ومتقاطعه صبَّت وتصب جميعها في بحر النضال الفلسطيني...روافد نضاليه وشعاب متشعبه منبعها الوطن وهدفها الوطن... ولعلني اعيد الى الاذهان ان السجن والسجَّان والنضال والصمود كان وما زال رافدا مهما من روافد النضال والتاريخ الفلسطيني حين سمعت وتسمع الاجيال الفلسطينيه الغابره والحاضره قصة سجناء الحريه وبطولة فؤاد حجازي ومحمد جمجوم وعطا الزير هؤلاء المناضلين الثلاثه الذين شاركوا في ثورة البراق1929 ضد الاحتلال البريطاني ومن ثم اعتقلوا واعدموا في سجن القلعه في مدينة عكا بتاريخ 17.6.1930 وظلت ذكرى هؤلاء الابطال ووصاياهم خالده في الذاكره الفلسطينيه و قد خلدت فرقة " العاشقين " الفلسطينيه ذكراهم في اغنية "من سجن عكا طلعت جنازة محمد جمجوم وفؤاد حجازي" وبالتالي ما لم يغيب عن الذاكره الفلسطينيه هو هذا الترابط والتراكم التاريخي للنضال الفلسطيني عبر الاجيال الفلسطينيه حيث تداخلت الامور وترابطت جميعها عبر عقود من النضال الفلسطيني شاركت وما زالت تشارك فيه كل الاجيال الفلسطينيه بكل اصرار وتصميم على مواصلة درب التحرير والحريه ولاحظوا معنا ان الحريه والتحرير لم تشمل فلسطين الوطن لابل شملت في طياتها حرية وتحرير الاسرى اللذين وقعوا في الاسر وقبعوا ويقبعوا في سجون الاحتلال الاسرائيلي ومن قبله سجون الاستكبار البريطاني واللافت للنظر ان الفلسطيني في تاريخه النضالي المشرف قد قاتل على جبهة الوطن لتحرير الوطن واستشهد من اجله وقاتل واستشهد من اجل تحرير اخوته واخواته من سجون الاحتلال الاسرائيلي وكانت هنالك عمليات فلسطينيه فدائيه كثيره هدفها تحرير الاسرى من خلال اسر جنود او اختطاف مراكب وطائرات استشهد خلالها الكثير من الفلسطينيين نذكر منهم للمثال لا للحصر عمليات خطف الطائرات والمناضله ليلى خالد في بداية سبعينات القرن الماضي و دلال المغربي وعمليه الباص عام 1978 وعملية تبادل الاسرى الشهيره عام 1985 بين الجبهه الشعبيه القياده العامه واسرائيل وعمليات فلسطينية عربيه كثيره لا تحصى ولا تعد استشهد فيها الفلسطينيون والعرب ايضا من اجل تحرير اسراهم وما لم يشذ عن القاعده هو ان الكثير من الذين شاركوا في عملية اسر الجندي شاليط قد استشهدوا في سبيل تحرير اخوتهم واخواتهم من سجون الاحتلال الاسرائيلي وهم الشهداء الذين لن يروا ويشاهدوا عملية تبادل الاسرى, لكنهم في الحقيقه سطَّروا حروف اتفاقية التبادل واسماء الاسرى والاسيرات بدماءهم..!
لاحظ معنا ..حاله فلسطينيه خاصه: شهيد يستشهد من اجل تحرير اسير.. حالة ابداع بطوليه ووطنيه فلسطينيه عالية القيمه والشأن وهي بالتأكيد تؤكد على مقولة اننا لن نترك اسرانا البواسل..طال الزمن ام قصر..هكذا يقول الفلسطيني وهكذا يفعل الفلسطيني حتى تكون حلقة النضال مغلقه ومترابطه السلاسل.. مناضل.. شهيد.. اسير.. تحرير.. والعنوان الاخير فلسطين وحرية الشعب الفلسطيني... هكذا يقول الفلسطيني بشكل عام بالرغم من سقوط البعض الفلسطيني في مستنقع التفاهات والمفاوضات...طاولة واشنطن وسلطة رام الله لم تحرر الاسرى لابل ساهمت في تهميشهُم وكأنهم ليست انبل حالات النضال الفلسطينيي.. تأمَّل وتأملوا جميعا في لحظة اعتقال هذا الشاب المناضل اليافع قبل عقود من الزمن وانظر كيف يخرج يكسو شعره ومحياه شيب الوقار والفخر والصمود... شابَّ في الاسر ولم يلين... تزوج ابناءه وبناته وصار جدا وهو في الاسر .. توفت والدته ووالده وزوجته واحباءه وهو في الاسر وصبر على الالم وشد من ازر رفاقه في الاسر... خاض معارك الوطن ومعارك الامعاء الخاويه في السجون وهو في الاسر.. ولدنا وكبرنا وشبنا وها نحن نكتب عنه وهو ما زال في الاسر...قصة شعب...بطولة شعب...شعب لا ينسى اسراه هو شعب اصيل بكل مكوناته الوطنيه.. حالة ابداع وطني هي تلك الحاله الفلسطينيه والعربيه المستمره منذ عقود من الزمن منذ زمن جمجوم وحجازي والزير ومرورا بكثير من المناضلين والمناضلات العظماء والعظيمات وحتى البرغوثي والبرغوثي الاخر والبرغوثيون وسعدات وجابر ومنصور وحامد والتميمي والقائمه تطول وتمتد الى حالات وبطولات الابداع الفلسطيني في الصمود رغم طيل سنين الاسر والقهر..حالة ابداع وطني فلسطيني..حالة تقهر فيها صلابة الفلسطيني والفلسطينيه عتمة السجن وقهر السجَّان..حالة تاريخيه ووطنيه صار ويصير فيها الابن او البنت الزائر لوالده في سجون الاحتلال بعد حين يزوره والده او والدته المحرَّره من سجون الاحتلال الاسرائيلي...حالة يُسجن فيها الاب والابناء في زنزانات الصمود ومدارس الوطنيه..حالة تُسجَّن فيها الأم المناضله وطفلها الرضيع..حالة تضع فيها الاسيره طفلها وهي مقيده بالسلاسل.. حالة ابداع فلسطينيه الذي يتحول فيها السجن الى مدرسه وورشة عمل وطنيه..سجون ارادها الاحتلال لكسر شوكة المناضلين والمناضلات واذ بها تتحول الى مدارس تصنع المناضلين وتُخرجهم جيل بعد جيل..مدارس كُتبت على ابوابها: يا دامي العينين والكفين..ان الليل زائل.. لاغرف التوقيف باقيه ولا زرد السلاسل..!!
نعم لقد حطم الفلسطيني والفلسطينيه زرد السلاسل وقهروا ظروف السجن وعقلية السجَّان المتغطرس الذي اراد كسرهُم وكسر عزيمتهم ورغم كل اشكال التعذيب الساديه والهمجيه والعزل تألق الفلسطيني وابدع في صموده الاسطوري وهو الواثق من انه صاحب حق يقارع باطل وانه جزء من الوطن وصموده يعني بقاء الوطن واستمرار النضال الفلسطيني الذي شكَّل ويشكل الاسرى الفلسطينيون رافدا مهما من روافد مركبات ومقومات هذا النضال المشروع نحو الحريه والانعتاق من الاحتلال الاسرائيلي البغيض... نعم ان الاسرى الفلسطينيون هم ضمير الشعب والامه ولا يجوز نسيانهم وقضيتهم يجب ان تكون قضيه وطنيه متواصله وحيَّه وهم الاسرى الابطال الذي من بينهم المرضى وكبار السن ويخوضون في خضم تحرير البعض منهم معركة الامعاء الخاويه لتحسين اوضاعهُم وظروف اعتقالهم في السجن..انهُم الاسرى الذين يفرحون بتحرير كل واحد منهم ومن بينهم القيادات العظيمه اللذي فضلت البقاء في السجن حتى يخرج ويتحرر اخرون وحتى لا يكونوا عائق امام عدم اتمام صفقة التبادل الجاريه..انهم ورغم طيلة سنين الاسر والسجن والمرض والمعاناه.. لم يكلوا ولم يملوا من اجتراح الات الصمود المعنوي والسياسي والانساني داخل السجون.. انهم حالة ابداع وطني فلسطيني.. حاله خاصه تتعدى قدرة تصور ومن وقع في شرَّك اوسلو ومغريات المنصب والراتب ونسي ابطال الوطن في سجون الاحتلال...مفارقة الصمود في سجون الاحتلال من اجل القضيه والتعاون مع الاحتلال من اجل بقاء وكر رام الله واوسلو. مفارقه سطَر فيها الصمود اعلى درجات الابداع والثبات الوطني في حين مثَل التعاون اسفل درجات الدرك الوطني الفلسطيني... يعجب المرء من عقد اتفاقات لايكون فيها تحرير الاسرى ركن رئيسي!... دولة لاتُعيد اسراها.. ليست دوله...مؤسف القول ان وكر رام الله كان وما زال مجرد دكان للتجاره بالقضايا الوطنيه الفلسطينيه.. لا دوله اقمنا ولا اسرى حرَّرنا... اقمنا دكان ونسينا الوطن ومقوماته والاسرى هُم احدى اهم مقوماته!!
واخيرا وليس اخرا لابد من القول ان تحرير اكثر من الف اسير واسيره فلسطيني وفلسطينيه هو حدث تاريخي بكل ما تعنيه الكلمه ووضع حد لمعاناة الف اسير وعائلاتهم واستنشاقهم لهواء الحريه بعد عقود من الاسر هو امر في غاية الاهميه والانسانيه وهذا ابداع فلسطيني لما امكن ما امكن, لكن ما زال الاف يقبعون في سجون الاحتلال ويقارعون ظروف السجن والسجَان بامعائهم الخاويه بينما يميل الاوسلويون من كثرة الوزن..بين هذا وذاك يلهو البعض بخرافة الدوله " الامميه" وينسى قضية الاسرى. قضية الاسرى اهَّم لانهم هم الذين ناضلوا من اجل الدوله والحق الفلسطيني.. الاسرى اولا وليس الدوله.. ان يكونوا احرارا في وطنهم افضل من ان يكونوا اسرى وسجناء في طيات دولة وَّهم تستجدي مقومات وجودها من الاحتلال الاسرائيلي...إبداع وطني:السجن و السجَّان والشعب الفلسطيني الصامد!... والسؤال المطروح : كم من سجون ومحميات يعيش فيها الشعب الفلسطيني.. سجون.. محميات.. مخيمات.. حواجز.. احتلال.. تعددت المسميات والسجون والسجَّان واحد... الاحتلال ومشتقاته!!

*كاتب فلسطيني , باحث علم اجتماع, ورئيس تحرير صحيفة ديار النقب الالكترونية

www.deyaralnagab.com