logo
ليبيا:عنجهية الطاغيه واخلاق الثائر!!

بقلم : د.شكري الهزَّيل ... 03.11.2011

في غابة الغابات وفي خراب الخرابات وفي خضم علو صوت الرصاص على صوت العقل ونزعة الانتقام على نزعة التسامح والعقلانيه سقط الطاغيه فجأه ودون سابق انذار بين ايادي معارضيه الى حد ان صدمة اللقاء المفاجئ كانت واضحه في مشهد مشحون بروح الموت والقتل والدم والانتقام والحقد المنفلت من عقاله بعد عقود من الظلم والتهميش واشهُر من القتل والدمار والاغتصاب الذي كان هو ايضا احد اسلحة الطاغيه في محاولته لقمع الثوره وارهاق الروح المعنويه لالاف مؤلفه من الشباب الليبيى الذي امتشق السلاح وراح يقاتل من استبهم الشعب وظلمه على مدى عقود من الزمن الى حد وصفهم بالجرذان بمجرد ان قالوا لا لملك ملوك افريقيا ووكر باب العزيزيه الذي كان رمزا للطغيان والهمجيه بكل ما تعنيه هذه الكلمه من معنى وفحوى تجلى في مسلكية وعنجهية طاغيه اعلن الحرب على شعبه ومارس القمع بحقه منذ عقود من الزمن وليست منذ عدة شهور التي كانت مجرد العد التنازلي لسقوط طاغيه متجبر وهمجي الى ابعد الابعاد ظن خاطئا ان ليبيا شعبا وارضا مجرد ثروه وعبيد سخرهُم القدر لخدمة القذافي وابناءه وحاشيته من منتفعين وانتهازيين انتفعوا من حكم القذافي ومن ثم قفزوا الى ركب الثوره بزعم انهم لم يتبعوا النظام نظريا وفعليا...؟
ظلت ليبيا على مدى اربعة عقود ترزح تحت وطأة الظلم والجهل والتجهيل والفقر والتهميش والقمع والاقصاء مع سبق الاصرار على استمرار هذه المعطيات كإستراتيجيه لبقاء النظام وضمان السيطره على الشعب الليبي الذي اتيح له فقط العيش والبقاء على سطح الارض دون ان تكون له اي حقوق انسانيه وسياسيه واقتصاديه في وطنه وترابه الغني بالموارد الطبيعيه والقليل السكان نسبيا, بمعنى بسيط ومبسط كان بامكان الشعب الليبي ان يصل قمة التقدم بهمة موارده وشعبه, ولكن الطاغيه ابى ان لايكون الشعب الليبي الا في الحضيض في حين يكون القذافي وحاشيته في قمة البذخ وعلى هرم السلطه الوهميه..سلطة الشعب واللجان الشعبيه التي لم يكن لها وجود واثر على حياة الشعب وكان دورها فقط ان تكون بوق لدعاية نظام كان بامكانه ان يفعل الكثير وكل ما قام به هو تبجيل الذات والغرق في الغوغائيه والامعان في الدكتاتوريه الى حد انه ظن كما ظن الطغاة العرب ان باب العزيزيه هو الجذع وهو المصدر وهو المكان الوحيد لتفقيص حاكم وحكام ليبيا القادمين...مجنون رمى حجر في بئر وأربعين عاقل ما يطلعوه!...جماهيريه شعبيه اشتراكيه...كتاب اخضر..لجان ثوريه.. اكاذيب ثوريه..امميه..قوميه..قذافيه..قمه.. هلوسه..نعم.. الى هذا الحد..الى هذا الحد من الغرور بالبقاء الابدي في السلطه جعلت القذافي يظن ان كل من يقول له لا او يثور ضده فهو يهلوس وغير عاقل..عظمة السلطه والغرور جعلت القذافي في بداية الثوره يتهم الشعب الليبي بالهلوسه والثوار بتناول حبوب واقراص هلوسه جعلتهم يتجرأوون على تحدي نظام حكم الاخ "القائد"... الاخ القاتل..قائد الثوره..سارق الثروه.. الجماهيريه التضليليه والتجهيليه الذي اقيمت على اسس كتاب اخضر تافه..غلافه اخضر وفحواه حمراء دمويه الى حد الامعان في الساديه والهمجيه... الشعب الليبي كما زعم الزعيم كان في القمه,و لكن الحقيقه هي ان الشعب الليبي كان في الحضيض و بدأ يتسلق الى القمه يوم اطلق الثوار اول طلقه على نظام القمامه الذي قمقَّم الشعب الليبي في عنق زجاجة قمقم الجهل والفقر والتضليل...قمقم باب العزيزيه واركان الظلم والظلام الذي عاشته ليبيا على مدى اربعون عاما ونيف من حكم القذافي وحاشيته وابناءه .. القذافي فرض الطغيان في ليبيا زنقه زنقه ودار دار واليوم ترك ليبيا متخنه بالجراح زنقه زنقه ودار دار ومدينه مدينه وقريه قريه بعد حربه على الجرذان المزعوم الذي هو الشعب الليبي الذي جرذَّنته ذهنية القذافي الذي كان موبوءا بوباء السلطه والعظمه وايمانه الراسخ بان الشعب مجرد جراذين تدب على الارض الليبيه ومهمة هذا الشعب محصوره في الهتاف للاخ القاتل الرابض في اعلى القمه بينما الشعب يجب ان يكون في الحضيض..جماهيرية باب العزيزيه وما بعدها من حدود هي مجرد ارض مشاع وشعب بعل تتحكم به جماهيرية العزيزيه بالحديد والنار والقمع والاذلال والفساد والنهب والاغتصاب....نعم الاغتصاب الذي سنعود له فيما بعد في رحاب هذه المقاله!!
ليس كل ماجرى في ليبيا في الاشهر الاخيره كان صحيحا والثوره الليبيه شابتها اخطاء وتخللتها مسلكيات متعدده, لكننا نفرق حتما بين ثوار السلاح وثوار الكلام السياسي والاداري ,والذين كانوا على ارض المعركه وقاتلوا وقُتلوا واستشهدوا يختلفون عن ثوار الفنادق... الفنادق والبنادق..مقوله انطبقت على الحاله الليبيه والثوره الليبيه المسلحه التي اسقطت نظام القذافي وجرجرته لاحقا في سرت, ولكن ما سيتبين لاحقا هو ثمن التدخل الغربي والفرنسي والقطري على وجه التحديد الذي ستدفعه ليبيا الجديده وهذا التدخل هو احدى الشوائب الذي شابت الثوره الليبيه...قد يقول البعض: مكرها كان اخاك لابطل!..اجبرنا وهذا ما حدث؟..لكن يبدو لي انه بجانب النقاء الثوري كانت وما زالت هناك انتهازيه سياسيه انتابت ايضا صفوف الثوره الليبيه وقد تجلت بوضوح في رموز تابعه لنظام القذافي وانضمت الى صفوف الثوره الليبيه.. اسوأ ظاهره انتهازيه سياسيه ومقززه شاهدتها في حياتي هي ظاهرة عبد الرحمن شلقم والتريكي اللذان لعبا دورا مميزا في نظام القذافي وخدما هذا النظام على مدى عقود ومن ثم خرجا على وسائل الاعلام يُسحجان للثوره وينعتوا القذافي باقذع النعوت رغم انهُم جزء من النظام ناهيك طبعا عن جبريل وعبد الجليل وغيرهما من من خدموا في صفوف نظام القذافي واصبحوا بين ليلة وضحاياها قيادات ثوره وحلفاء للناتو.. لاادري في هذه الحاله ما الفرق بين القياده والقواده.. القائد والقوَّاد!!
على الجميع ان يشيد بانجازات الثوره الليبيه ويحترم تضحيات الثوار والشباب والشيب الليبي وهؤلاء الشباب المعبأوون بالحماس و الجرأه الثوريه اثبتوا ان رباط الانسان وشجاعته اقوى من اي سلاح في هذا العالم واثبتوا ان الانسان هو الذي يقاتل وليس السلاح..سلاح في يد جبان وطاغيه يختلف عن سلاح في يد ثائر شجاع.. الاول يدافع عن نظام طاغيه والثاني يدافع عن قيم وحقوق شعب..عدة وعتاد القذافي كان يفوق عدة وعتاد الثوار..لكن[طبعا ناخذ بالحسبان تدخل الناتو وتدميره المبرمج لقوات القذافي] القتال كان في هذه الحاله بين باطل نظام همجي وحق شعب بالوجود والحياة الكريمه وبالرغم من كل التعقيدات والحساسيات القبليه الحاصله والموجوده في تركيبة الشعب الليبي, الا انه بالامكان تخطي هذه العقبه من خلال اصلاح الاخطاء الذي جرت خلال الثوره الليبيه وعلى راسها تجاوز مسلكية النظام المقتول وفرض العدل والتحكم بالعقل والعاطفه حتى في اصعب المواقف وعلى راسها عملية اعتقال القذافي وتصفيته او موته.. اخلاق الثائر ومهمته الوطنيه تفرض عليه ان يكون مربوط الجأش ومثال اعلى لشعبه حتى ولو ان الاسير قاتل مجرم وطاغيه متجبر.. نقاءء الثوره والثوار لا يلطَخ بغلطه في نهاية المشوار يُعرض فيها القذافي مضرعا بدماءه اثر تعرضه الى الضرب من قبل جمع من الرعاع باعقاب البنادق.. هذه ليس مسلكيه ثوريه لابل ان انها مسلكيه ثأريه غوغائيه تجر وراءها في العاده الويلات والخراب والثار..قد يقول قائلا ان ظروف الميدان وما جرى قد فرضت واقع ما جرى وادى الى موت القذافي دون اتاحة الفرصه لمحاكمته محاكمه عادله..قد يقول اخر ان الشعب كان يريد هذه النهايه للقذافي!,.. جيد.. فل نفترض هكذا ولكل حادث حديث, لكن ماجرى فيما بعد هو الاشنع وهو التشنيع بجثة ميت وعرضها على مدى ايام للزياره والتشفي في مدينة مصراته, والحقيقه ان هذا العمل والخطأ الاخلاقي الشنيع قد اضر بسمعة مصراته مدينة الثوره والثوار الذي عانت الكثير من ظلم القذافي لابل دفعت الثمن غاليا وكان عليها ان تظهر وجهها الحقيقي والشهم والاخلاق الثوريه بدفن القذافي وعدم عرضه للفرجه وتعريض مصراته لخطر الانتقام بالرغم من انه مجرم حرب وكتائبه ومرتزقته اغتصبت جماعيا وفرديا الكثير من النساء والقاصرات في ليبيا وفي مصراته ومحيطها بالذات!.. ان يكون القذافي مجرم فهذا ليس جديد وان يقتَل القذافي او يُعدَم فهذا امر متوقع وقصاص يقصه كل من يقص اثر واثار جرائم القذافي.. القذافي هو من تخطى كل الاعراف وتعرض لاعراض وشرف الليبيين رغم معرفته بحساسية هذا الموضوع عربيا وليبيا وقبليا...على موبايلات وهواتف مرتزقة القذافي كانت تظهر صور الاغتصاب البشع التي كانت تنفذه هذه المرتزقه وعدم الحديث عن هذه الجرائم حتى الان يعود الى موروث اجتماعي وحساسيه كبيره في المجتمعات العربيه بشكل عام والمجتمع الليبي بشكل خاص.. القضيه تتعلق بمفهوم الشرف والعار.. والحقيقه ان العار في هذه الحاله سيلحق القذافي حتى في قبره المجهول ونحن نعتبر ضحايا الاغتصاب في ليبيا ضحايا في معركة التحرير وليس عارا الا على نظام العار والعنهجيه واللا اخلاق.. على الثوره والثوار في ليبيا ان يعاملوا ضحايا الاغتصاب من منطلق الاخلاق وليس جلب العار... الضحايا في هذه الحاله هن تاج شرف على محيا القذافي وانذاله!..في ليبيا سقط الالاف بين قتيل وجريح والجميع كانوا باكثريتهم ليبيون.. في صفوف الثوره او كتائب القذافي.. وهم جميعا عمليا وموضوعيا ضحايا نظام الطاغيه وحرب جماهيرية باب العزيزيه التي فرضت على الشعب الليبي!!
هنالك عتب جماهيري عربي واسلامي على الثوره والثوار ولربما خطأ لابد من تصحيحه وهو خطأ اعدام القذافي وهو اسير وعرض جثتة وجثة نجله المعتصم للعامه وهذا ما يتعارض مع القيم الانسانيه والاخلاقيه ويتصادم مع اسس الدين الاسلامي الحنيف..الميت ..ميت.. واكرامه هو دفنه حتى لوكان عدوك ومجرم من امثال القذافي.. الذي جرى في ليبيا واسقاط نظام الطاغيه هو درس وعبره تاريخيه لكل الطغاه وهو امر مرحب به, ولكن الخطأ المميت للثوار كان التعامل مع القذافي الاسير وخاصة التعامل مع جثته بهذا التصرف الغير اخلاقي والفذ...ماهو مطلوب كان العكس وهو ان يظهر الثوار طهارة السلاح ونقاء الثوره واخلاق الثائر الذي لا يثأر من جثة ميت حتى لو كانت جثة الَلد اعداءه... نخشى ما نخشاه ان مصراته انتقمت من سرت وسرت تتهيأ بدورها الان للانتقام..بعض رعاع مصراته دمروا سرت مع سبق الاصرار..انتقام وانحطاط.. الحقيقه المره!!
مالا يغيب عن بالي هو التحريض الاعلامي الذي جرى خلال الثوره الليبيه على القتل والثأر... وعلى قناة الجزيره الفضائيه والفضائيات والشيخ القرضاوي والمفكرين المزعومين ان يراجعوا حساباتهم وخطاباتهُم ومسارهم الاعلامي ومسلكيتهُم وعدم التحريض على القتل والانتقام حتى ولو كان المطلوب راسا بحجم القذافي الذي اقترف ابشع انواع الجرائم بحق الشعب الليبي ولكن الثوار ايضا اقترفوا جرائم وتعدى بعضهم على الناس واملاكهُم في المناطق الذي دخلوها بقوة السلاح...كان من المفروض ان تُظهر الثوره الليبيه والثوار علو شأن اخلاقهم في لحظة اعتقال القذافي او على الاقل بعد موته..عنجهية الطاغيه واخلاق الثائر.. العداله المطلوبه اليوم ليست ملاحقة القذافي واتباعه فقط لا بل التحقيق ايضا في تجاوزات الثوار في المناطق الليبيه الذين دخلوها وعاثوا فيها خرابا ودمارا كماجرى في سرت..هناك كم كبير من المهجرين والمشردين والهاربين من ديارهُم خوفا من بطش الثوار..خوفا مُبرَّر او غير مبرر.خوف حقيقي او خوف للحيطه...!
واخيرا وليس اخرا كان ما كان وقلَّ من لايخطأ ولكل جواد كبوه ولكل ثوره هفوه ونعتقد ونعتبر ان ليبيا على ابواب وعتبة مرحله جديده بعد نهاية القذافي وهذه المرحله تتطلب تضميد الجراح وتصحيح المسارات والاخطاء والتعالي على الجراح من اجل بناء ليبيا لشعبها ولكل مواطنيها ودون اقصاء.. الامر هكذا ونتمنى للشعب الليبي كل السلام والخير رغم وجود الكثير من الصعوبات والعقبات في حقبة ما بعد الثوره.. الثأر و المسارات والايديولوجيات والاجنده هي العقبه الكبرى...اما استمرار الحرب او ان تضع اوزارها على اسس يتفاهم حولها الجميع. معركة بناء الدوله اصعب بكثير من معركة انتصار الثوره!!

*كاتب فلسطيني , باحث علم اجتماع, ورئيس تحرير صحيفة ديار النقب الالكترونية

www.deyaralnagab.com