logo
واجهة فلسطينية للتدويل العربي ؟

بقلم : نقولا ناصر* ... 10.03.2012

من المقرر أن يكون مبعوث الأمم المتحدة إلى سورية كوفي أنان ونائبه الفلسطيني د. ناصر القدوة في دمشق اليوم، ويندرج تفويض كلا الرجلين في سياق القرار غير الملزم الذي اتخذته الجمعية العامة للمنظمة الأممية بشأن الحالة السورية الراهنة في السادس عشر من الشهر الماضي، متبنية مبادرة لجامعة الدول العربية بهذا الشأن، وهما قرار ومبادرة أثارا استقطابا عربيا ودوليا حادا ورفضتهما سورية ومعها قوى كبرى مثل روسيا والصين.
إن قرار الجامعة العربية ب"تعيين" القدوة، كما قال الأمين العام للجامعة العربية د. نبيل العربي، يثير أسئلة ساخنة عديدة، ومثله قبول طبيب الأسنان الفلسطيني والقيادي في حركة فتح والدبلوماسي المخضرم الذي كان سفير فلسطين في الأمم المتحدة ووزيرا لخارجية سلطة الحكم الذاتي الفلسطينية لهذا التعيين.
فالأمم المتحدة ترفض قبول عضوية دولة فلسطين فيها لكنها توافق على اختيار فلسطيني نائبا لمبعوثها الأممي إلى سورية ليساهم في حل أزمة دولية بينما لا تزال قضية الشعب العربي الفلسطيني العادلة على جدول أعمال الأمم المتحدة منذ ما يزيد على ثلاثة وستين عاما دون حل ودون أي أمل في أن تتوصل المنظمة الأممية إلى أي حل عادل قريب لها في المدى المنظور. إن التناقض الذي ينطوي عليه هذا الواقع يثير اسئلة حول دوافع اختيار القدوة بقدر ما يثير أسئلة حول دوافع قبوله لهذا الاختيار.
إن ترحيب السلطة الفلسطينية برام الله لتعيين القدوة باعتباره "تقديرا لدور فلسطين في المجتمع الدولي" على خلفية عجز هذا المجتمع وفشله في قبول طلب عضوية فلسطين في أهم منظمة دولية لهذا المجتمع منذ أيلول / سبتمبر الماضي هو ترحيب متناقض مع واقع الحال وينطوي على تملق لهذا المجتمع الدولي مزدوج المعايير لمباركة مهمة للقدوة ليس من المتوقع أن تعود على القضية الوطنية بأية فوائد.
لا بل إن مهمة القدوة تخاطر بإغراق قضية شعبه في خضم استقطاب دولي وإقليمي وعربي مرشح للتفاقم، كونه مفوض من أحد طرفي هذا الاستقطاب، المتمثل في الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي وتوابعهما، وبالتالي فإنه بحكم الأمر الواقع ممثل لهذا الطرف المسؤول الأول والأخير تاريخيا وفي الوقت الحاضر عما آل إليه حال الشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية. و"ترحيب" سورية بزيارة أنان والقدوة لايخفي حقيقة أنها تفضل أن يكون العربي، وبخاصة الفلسطيني، ظهيرا لها لا وسيطا بينها وبين من تعتبرهم أعداءها.
فهل يعتقد د. القدوة ومن "رحب" ب"تعيينه" بأن "تقديم خدمة" فلسطينية لهذا القطب الدولي بتسهيل مهمة مشبوهة له في سورية أو في أي أزمة دولية غيرها يمكنه حقا أن يغير في موقف تاريخي لهذا القطب من فلسطين وشعبها وقضيتها لم تستطع أن تغير فيه عشرون عاما من الخدمات التي قدمها مفاوض منظمة التحرير الفلسطينية له ولا استطاعت كل المآسي والكوارث الوطنية والانسانية التي نكب بها الشعب الفلسطيني منذ "النكبة" ومرورا ب"النكسة" وحتى الآن أن تحرك مشاعره الانسانية كي يعدل وهو الذي يتباكي اليوم على "المدنيين" السوريين ويبحث عن واجهة فلسطينية ل"حمايتهم" ... فيجدها للأسف ؟!
إن "تعيين" القدوة وقبوله لهذه المهمة التي وصفها ب"الصعبة للغاية" يزج القدوة وقيادته وقضيته وشعبها في خضم استقطاب مستعر مما يتناقض مع مبدأ "عدم التدخل" في الصراعات بين الدول وفي شؤونها الداخلية وهو مبدأ طالما أجمعت عليه معظم فصائل وقوى النضال الوطني الفلسطيني باعتباره من الثوابت، لكن "الممثل الشرعي والوحيد" للشعب الفلسطيني بدأ كما يبدو في التخلي عن هذا الثابت منذ قرر أن يتخلى عن رئاسته الدورية للجامعة العربية، متنازلا عنها لقطر، بحجة الخشية من أن تزج به رئاسته الدورية في خضم الصراعات العربية الناجمة عن "الربيع العربي" المخضب بالدماء، قبل أن يناقض نفسه بانحياز صريح يؤيد تعليق عضوية سورية في الجامعة العربية، في الوقت ذاته التي حرصت فيه حركة حماس المنافسة على إعلان تأكيد التزامها بأن لا تكون "جزءا من أي محور عسكري أو سياسي إقليمي" (د. أحمد يوسف مستشار وزارة الخارجية بغزة) وأنها "لا تنحاز لطرف دون آخر" في الشأن الداخلي سواء في سورية أم في غيرها (د. محمود الزهار وزير الخارجية الأسبق والقيادي في "حماس").
وفي هذا السياق ينبغي التنويه بأن هذا "المبدأ - الثابت" الفلسطيني جدير بالمراجعة، إذ كيف يكون مقبولا الاصطفاف إلى جانب أي قطب عربي أو إقليمي أو دولي يحول دون عرب فلسطين وحقوقهم الوطنية المشروعة ويجرم مقاومتهم الشرعية من أجلها، أو يكون مقبولا الحياد بين قطب كهذا وبين قطب آخر يقف إلى جانب حقوق الشعب الفلسطيني ويدعم مقاومته.
إن "تعيين" الجامعة العربية للدكتور القدوة في حد ذاته ينطوي على مفارقات تثير أسئلة جادة عن دورها المتناقض بين القضية الفلسطينية وبين القضايا المنشغلة بها عنها. فهذه الجامعة التي تعلن كوفي أنان غير العربي ممثلا لها في الأزمة السورية والتي سوف يرأسها لمدة عام كامل ولأول مرة رئيس غير عربي أيضا إذا نجحت في عقد مؤتمر قمتها في بغداد أواخر الشهر الجاري، هو الرئيس العراقي جلال طالباني الذي ينتظر أول فرصة سانحة للانفصال عن العرب في دولة كردية مستقلة، تبدو اليوم كمنظمة متهمة في عروبتها تكتفي ب"اسم" نبيل "العربي" كي تكون جديرة باسمها، مما يذكر بتصريح وزير الخارجية الجزائري عبد العزيز بلخادم مؤخرا بأن الجامعة العربية "لم تعد جامعة وهي أبعد أن تكون عربية مثلما يدل اسمها".
ف"تعين" واجهة فلسطينية لعملية "تدويل" معلنة لأزمة وطنية في إحدى دولها الأعضاء فشلت الجامعة في حلها عربيا، أسوة بتجارب سابقة للتدويل تعتبرها ناجحة في العراق وليبيا، بالرغم من الكوارث الناجمة عن ذلك التدويل والتي لا تزال تتدحرج ككرة الثلج، ليس كافيا لتوفير ورقة توت عربية لتخلي الجامعة العربية عن دورها كبيت للعرب يحلون فيه مشاكلهم، لسببين، الأول أن القضية الفلسطينية لم تعد قضية "مركزية" للجامعة العربية بحيث تجعل أي واجهة فلسطينية لها عنوانا لعروبتها، والثاني اسقواؤها عبر التدويل بقوى أجنبية معنية أولا وآخرا بهدم كل بيوت العرب على رؤوسهم وتسعى جاهدة وعلنا إلى استبدال الجامعة العربية بمنظمة "إقليمية" اخرى "شرق أوسطية" تستوعب دولة الاحتلال الاسرائيلي وتمنحها المركز القيادي فيها.
وتناقض الجامعة العربية بين القضية الفلسطينية وبين القضايا المنشغلة بها عنها يتضح في قدرتها على التمويل السخي والتسليح المعلن والتجييش الدولي حتى خارج إطار الأمم المتحدة في كل القضايا إلا القضية الفلسطينية التي بات "تهميشها" عربيا ودوليا هو "التحدي الأكبر" الذي تواجهه بعد تحدي الاحتلال على حد قول د. سلام فياض رئيس وزراء السلطة التي "رحبت" بتعيين القدوة، ربما أملا منها في كسر الحلقة المحكمة للتهميش الذي يحاصر مفاوضها من جانب القوى ذاتها التي اختارت القدوة لمهمته.
والدكتور القدوة بلا شك يدرك كل المحاذير التي تنطوي عليها مهمته ويعي مخاطرها، وليس من المتوقع أن يخونه حدسه الوطني وتجربته الغنية في تجنب المزالق السياسية والدبلوماسية، وإن كان قبوله لهذه المهمة يمثل منزلقا خطيرا في حد ذاته، لكنه إذا نجح في نفي كونه مجرد واجهة فلسطينية لتدويل عربي للأزمة السورية يراد استخدامها أداة في صراع عربي – عربي أو صراع إقليمي من أجل تمرير مخطط أميركي – أوروبي لم يعد سرا في سورية، فإن مصير مهمته لن يكون أفضل من مصير مهمة الفريق أول السوداني محمد أحمد الدابي الذي اضطر لمهنيته وموضوعيته إلى الاستقالة من رئاسة بعثة مراقبي الجامعة العربية إلى سورية، غير أن أي مصير مماثل للقدوة ومهمته سوف يرتد سلبا بالتأكيد على السلطة التي رحبت بهما ويهدد بانقلاب من ورطوه في مهمته عليه وعليها.

*كاتب عربي من فلسطين

www.deyaralnagab.com