logo
ألعب..لو أخربط الملعب!!

بقلم : بشرى الهلالي ... 02.01.2012

لم تكن الباحة القريبة من محلتنا مجرد مكان لملاعب الطفولة والصبا، بل صارت بيتنا الكبير وصرنا نحن أولاد وبنات المحلة عائلة واحدة رغم تفاوت الاعمار والمراحل الدراسية. أما الأصول التي ينحدر منها الأطفال وإنتماءاتهم فلم تكن تعني أيا منا، فكلمات كهذه لم تكن ضمن مفردات عوائلنا.
كان أخي الصغير بارعا في اللعب لكنه أيضا كان بارعا في قلب الطاولة على رفاق اللعب إن حدث وخسر اللعبة يوما، فقد كان يرفض تقبل الخسارة، وكان رفضه يتخذ اشكالاعديدة واساليب مختلفة وكلها تصب في هدف واحد هو كيفية افساد اللعبة وايقافها في محاولة للبدء من جديد كي يتفوق علينا. كان البعض يتذمر بينما يستسلم العقلاء الذين هم اكبر سنا في محاولة لتهدئة الوضع وتجنب الخلاف، فهو الأخ الأصغر المدلل. واللعب - يظل لعبا- لايستحق الخلاف بشأنه، لكن سكوتنا المستمر على سلوكه زاد من عناده وغروره حتى ظن ان اللعب لن ينجح بدونه كونه عضوا اساسيا في المجموعة بل وأمهر اللاعبين. أخذت حالة التذمر تتزايد حتى اصبح سلوكه مصدر ازعاج للجميع فاتفقوا على معاقبته في حالة تكرار سلوكه. وبعد ذلك بيومين، حدث ما كان متوقعا حيث تورط احد اللاعبين بان سجل هدفا في مرمى صاحبنا الذي كان حامي الهدف في هذه المباراة الودية بين اولاد المحلة فما كان منه الا ان اوقف اللعب معترضا وهو يطالب بالغاء الهدف الذي لم يكن شرعيا من وجهة نظره، وبما ان الجميع اتفقوا على ان الهدف كان شرعيا، استشاط أخي غضبا وهدد بترك الساحة ان لم ينفذوا له مطلبه. رفضوا جميعا واصرواعلى استكمال اللعبة واستبداله بلاعب آخر إن هو اصر على موقفه فلم يوافق بل صرخ :( لو العب لو اخربط الملعب) ، فأجبروه على مغادرة الملعب فانسحب مرغما وهو يشتم ويسب ويهدد. استأنف اللاعبون لعبهم متجاهلين كلماته ظنا منهم أن تهديداته لن تتجاوز الشكوى لوالدتنا التي ربما ستقرر انزال العقوبة بنا نحن اخوته الكبار وحرماننا من اللعب مع أولاد المحلة كوننا تسببنا في زعله وبكائه خصوصا أن تعليمات الوالدة تؤكد على العطف على الصغير ومناصرته ضد الغرباء حتى وإن كان على خطأ. وماهي الا لحظات حتى انهمرت الحصى من سطح دارنا على اللاعبين، كان الهجوم عنيفا فقد جمع الأخ الأصغر كمية لا بأس بها من الحصى ما تسبب في إرباك اللاعبين وتوقف اللعبة بعد إصابة أحدهم في رأسه. تفرق الجمع وقد تعالت أصوات بعضهم هلعا واستنكارا وأيضا تهديدا بالإنتقام، وبعد أن نفد الحصى ، توقف الهجوم وهدأت الأصوات الا صوت اختنا الصغرى التي كانت تبكي بألم وقد غطت عينها بيدها الصغيرة المضمخة بالدم، فقد اصابت احدى الحصى عينها اليمنى. سرت بين الجميع حالة من الذعر والقلق، وبحسنا الطفولي ادركنا أن شيئا خطيرا قد حدث او سيحدث، شيئا أكبرمن مجرد لعبة بين أولاد الحي. كبرت اختي وهي تعاني من فقدانها النظر في احدى عينيها، ولم يدرك أخي الصغير حينئذ أن الحصى الصغيرة التي اطلقها انتقاما إنما اصابت قلبه الذي كبر الجرح معه كلما نظر الى أخته الصغرى التي شوهت حصاه عينها الجميلة. أدرك ان الثمن الذي دفعه ليتعلم الدرس كان قاسيا ..فلم تضع حصاه حدا للنور في عين اخته بل انها كانت أشبه بصفارة الحكم التي أوقفت المباراة، فلم نعد للعب بعد ذلك ، وتفرق أولاد الحي وصرنا نفتقد الى تلك العائلة التي احتوت طفولتنا وأجمل أيامنا، انزوى كل منا في بيته لا يملك سوى ذكريات وحنين الى الماضي الذي كان يجمعنا كعائلة واحدة.
كان أخي صغيرا ولم يفهم أن اللعب، حتى اللعب ، يخضع الى اصول وقواعد ، وأن على الخاسر أن يتحلى بروح رياضية لينال كسبا أكبر هو(الحب). فهل يدرك الكبار من حولنا إن زمن اللعب قد ولى وأن الأذى قد يصيب شعبا كاملا كان قد دفن جروحه وزحف فوق المخاطر واضعا أمله فيهم . ليت من تحولت أنظارنا اليهم يدركون أننا لا نهتم بمن فاز في الإنتخابات الماضية او من سيفوز في القادمة ولا بتاريخ حكومتين متوج بالألم والدم، بل بمن يجمعنا ثانية دون أن (يخربط الملعب)...


www.deyaralnagab.com