"النافذة الفلسطينية المفتوحة"!!
بقلم : نقولا ناصر* ... 12.05.2012
*(جزائرية وطفل تونسي يضعان سياسة "النوافذ الفلسطينية المفتوحة" على دولة الاحتلال أمام محاكمة شعبية أصعب من المأزق السياسي الذي يحاصر اصحاب هذه السياسة)
في الساعة الثانية والنصف بعد ظهر يوم الثلاثاء الماضي فاجأ بنيامين نتنياهو رئيس وزراء دولة الاحتلال الاسرائلي الجميع بالاعلان عن ائتلاف "وحدة وطنية" جديد للحكم، بعد حديث مستفيض عن انتخابات مبكرة، وأثار إعلانه تحليلات هامة في اتجاهين متناقضين الأول عن استعداد للحرب على إيران والثاني عن استعداد لاستئناف مفاوضات "السلام" مع الرئاسة الفلسطينية.
إن انضمام حزب كاديما الذي انشق عن الليكود إلى الائتلاف الحاكم في دولة الاحتلال يعيد شكلا من اشكال الوحدة إلى الليكود، ويوحد معظم الأحزاب الرئيسية كشركاء في حكومة نتنياهو، ويترك في الكنيست حزب العمل بقيادة رئيسته شيلي ياشيموفيتش وحزب ميرتس والأحزاب العربية كأقلية معزولة معارضة هي الأضعف في تاريخ الدولة العبرية، ويدخل نتنياهو التاريخ بحصوله على أعلى نسبة تأييد برلماني، ويقود أكبر وأوسع أئتلاف حاكم، في تاريخ دولة الاحتلال، ويطلق يده حرة في مواصلة سياساته التي حاصرت قيادة منظمة التحرير الفلسطينية في مأزقها الراهن.
وهذا التعزيز لنتنياهو وحكومته هو تعزيز لمواقفه في تسريع تهويد القدس وتجذير الاستيطان وتوسيع مستعمراته و"إدارة عملية السلام" مع المفاوض الفلسطيني كما جاء في برنامج اتفاقه مع حزب "كاديما"، والحفاظ على الوضع الراهن لسلطة الحكم الذاتي االفلسطيني في الضفة الغربية كحالة انتقالية دائمة، وانتظار الفرصة السانحة للتخلص من الوضع القائم في قطاع غزة، والحرص في هذه الأثناء على استمرار الانقسام الفلسطيني، وتأجيل أي مفاوضات جادة على "قضايا الوضع النهائي" إلى ما بعد حل أزمة الملف النووي الايراني سلما أم حربا.
ومع ذلك، يقول الرئيس محمود عباس إنه "من السابق لأوانه" التعقيب على ائتلاف نتنياهو الحاكم الجديد، بينما يجد الناطق باسمه، نبيل أبو ردينة، في الائتلاف الجديد "فرصة" دفعته إلى دعوة حكومة نتنياهو إلى "اغتنام" هذه الفرصة ل"المسارعة إلى تحقيق اتفاق سلام" مع المفاوض الفلسطيني، ربما ثقة في ما قاله رئيس دولة الاحتلال شمعون بيريس الأسبوع الماضي إن "إسرائيل لم تواجه أبدا فرصة أفضل" من فرصتها "اليوم" للتوصل إلى "اتفاق سلام مع الفلسطينيين"، ف"النافذة الفلسطينية لا تزال مفتوحة"، دون أن يوضح بأن الوضع الاسرائيلي في أفضل حالاته، والفلسطيني في أسوأها.
و"النافذة الفلسطينية" ليست "مفتوحة" فقط على دولة الاحتلال، بل على الولايات المتحدة التي تتحمل المسؤولية الأكبر عن المأزق الفلسطيني الراهن. وإذا كان ائتلاف نتنياهو الجديد إنذارا بضرورة إغلاق النافذة الفلسطينية المفتوحة على دولة الاحتلال، فإن اعتراف سلفه ايهود أولمرت في مقابلته مع ال"سي ان ان" في الرابع من هذا الشهر جدير بإغلاقها على الولايات المتحدة أيضا، إذ اعترف أولمرت بأن "المتطرفين اليمينيين في الولايات المتحدة" هم المسؤولون عن انهيار مفاوضات السلام التي أجراها مع "السلطة الفلسطينية" – لم يذكر منظمة التحرير – لأنهم منعوه من "تحقيق السلام" الذي "قتل حياته السياسية"، مشيرا إلى أن "الفلسطينيين لم يقولوا لا لخطتي للسلام".
إن "ملايين الدولارات" التي حولها اليمين الأميركي المتطرف إلى دولة الاحتلال لاحباط خطته ل"السلام"، كما قال أولمرت، لا تزال تتدفق على دولة الاحتلال، فقد أعلن عضو مجلس النواب الأميركي ستيف روثمان الأربعاء الماضي "بفخر" أنه تم اعتماد (947) مليون دولار لتطوير نظام بطاريات صواريخ "القبة الحديدية" الاسرائيلية للسنة المقبلة.
وحديث نتنياهو العلني عن الانتخابات بينما كان وراء الستار يحبك خطة وحدة "وطنية" يثير مقارنة استنكارية مع الحديث علنا لزمن طال أكثر مما يجب عن وعود معلنة لم يتم الوفاء بها لانتخابات فلسطينية مؤجلة المرة تلو الأخرى، كان آخرها في الرابع من الشهر الجاري، بينما كان يجري وراء الستار وفي العلن على حد سواء إحباط كل الاتفاقيات للوحدة الوطنية وكان آخرها اتفاق الدوحة، ومثار الاستنكار طبعا هو جدية دولة الاحتلال ووحدة مستوطنيها على باطلهم والاستهتار الفلسطيني الذي يعجز في حقه عن تحقيق وحدة وطنية مستحقة كأولوية قصوى، تزيد الوحدة التي أنجزها نتنياهو من الحاحها.
في رسالته الموجهة إلى الرئيس محمود عباس المنشورة في الرابع من نيسان / أبريل الماضي، قال مهندس اتفاق أوسلو "الاسرائيلي" يوسي بيلين إن اتفاق أوسلو على إنشاء سلطة "الحكم الذاتي" الفلسطيني كان اتفاقا على مرحلة انتقالية ليخلص إلى القول مستهجنا إن "المرء لا يستطيع ببساطة الاستمرار في اتفاق انتقالي لمدة تزيد على عشرين سنة".
ومن الاجحاف القول إن قيادة أوسلو الفلسطينية "لم تستطع" ذلك، فقد أثبتت أنها ليست "امرءا" عاديا بل استثنائيا لا يزال يعد بإطالة عمر "اتفاق انتقالي" إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا.
ومن الاجحاف القول أيضا إن بيلين يدرك ما لا تدركه قيادة التفاوض الفلسطينية، فهي التي "تتلقى عصي" الاحتلال وبيلين "يعدها" كما يقول المثل الشعبي الفلسطيني، وهي كذلك لم تتوقف لحظة واحدة عن "التفاوض" من أجل إنهاء هذا الوضع "الانتقالي" والانتقال إلى "وضع دائم"، ففي أيلول / سبتمبر الماضي، كمثال أخير لن يكون آخرا بالتأكيد، أثبتت بما لا يدع مجالا لأي شك في أنها تدرك الواقع "الانتقالي" المر جيدا عندما وعدت شعبها في ذلك الشهر بدولة فلسطينية كانت قد أوكلت لرئيس وزرائها، د. سلام فياض، طوال العامين السابقين مهمة بناء مؤسساتها، ثم ذهبت إلى الأمم المتحدة لهذا الغرض وعادت بخفي حنين كما يقول المثل العربي، لكنها لا تيأس، فهي "تهدد" بتكرار المحاولة مع الاصرار على "استمرار" التمترس في الوضع "الانتقالي" الراهن إلى ما شاء الله، لخيبة أمل بيلين.
فهي قيادة تتمسك بوعودها، وقد وعدت شعبها بأن يكون اتفاق أوسلو ترتيبا "مرحليا"، وقد وفت بوعدها، يمهد ل"الانتقال" إلى دولة فلسطينية في الأراضي المحتلة عام 1967، وهي منذ عشرين عاما ترسي اساسات هذا الانتقال، ووفت بوعدها كذلك، وهي لم تعد بسقف زمني يحدد عمر المرحلة الانتقالية وعدا تحاسب عليه، بل وعدت به الاتفاقيات الموقعة مع دولة الاحتلال ووعد به الأميركان والأوروبيون الذين رعوا إبرام تلك الاتفاقيات ومولوا تنفيذها من جانب فلسطيني واحد وحددوا سنة 1999 موعدا لانتهاء الوضع الانتقالي ثم مددوه إلى عام 2005 فعام 2008 وخلال عامين بعد أن تسلم الرئيس الأميركي الحالي باراك أوباما الرئاسة في سنة 2009، فهؤلاء هم الذين حنثوا بالوعد الذي وعدوه وليس قيادة أوسلو الفلسطينية !
ومع أنها حولت الصراع مع دولة المشروع الصهيوني من صراع على الوجود إلى نزاع على الحدود التي تشترط اليوم ترسيمها كأساس مسبق لاستمرار التفاوض على الانتقال إلى وضع دائم انطلاقا من الوضع الانتقالي الراهن، وبالرغم من منحها فائدة عدم الشك في صدق نواياها، فإنها لا تزال تعمل على اعتبار أن المرحلة الانتقالية لم تستهلك صلاحيتها بعد، ولم تفقد أملها بعد في إمكانية إقامة دولة فلسطينية "بالاتفاق" مع دولة الاحتلال، ولا تزال تأمل أيضا في أن الولايات المتحدة يمكنها أن تفي بوعودها في إخراج "حل الدولتين" إلى الوجود بالرغم من فشل آخر ثلاث رؤساء لها وعدوا بذلك في الوفاء بوعودهم.
إن تضحية بطلة الجودو الجزائرية "مريم بن موسى" بتأهيلها لأولمبياد لندن هذا العام لرفضها مواجهة منافسة "إسرائيلية"، وتضحية الطفل التونسي "محمد حميدة" ابن السنوات العشر بنهائية بطولة الشطرنج الدولية لرفضه التنافس مع "صهيوني"، يضعان سياسة "النوافذ الفلسطينية المفتوحة" على دولة الاحتلال وراعيها الأميركي أمام محاكمة شعبية أصعب من المأزق السياسي الذي يحاصر اصحاب هذه السياسة.
www.deyaralnagab.com
|