logo
عام عربي سيطول!!

بقلم : رشاد أبوشاور  ... 04.01.2012

احتفى العالم بقدوم العام 2012، وكل محتفل له أمنيات يرغب في تحقيقها، فردا كان أم جماعة، شرقا وغربا، شمالاً وجنوبا.
نحن في بلاد العرب لم نودع عام 2011 لأنه لم ينته بعد، فهو سيكون عاما طويلاً يتداخل في أعوام كثيرة ستأتي بعده، ففيه زرع ملايين العرب المعاصرين بذور حريتهم ونهوضهم ومستقبلهم القريب والبعيد.
في العام 2011 أدهش العرب المعاصرون أنفسهم، وهم يتلقفون شرارة جسد التونسي محمد البوعزيزي، ليرفعوها عاليا، ولتتحول إلى منطلق لزمن عربي جديد، فتلك الشعلة التي أينعت في تونس باتت منارة تهدي شعوب العرب، تبعث فيهم الثقة والأمل والإيمان بقدراتهم على اقتلاع نظم الاستبداد في كل ديارهم غير العامرة.
لشدة لهفة وحرمان العرب استعجلوا قدوم الحرية، وانقشاع ظلمات استبداد الأنظمة، وسرعة تهاويها، ولكن المستبدين استيقظوا، وولاة أمرهم أصيبوا بالهلع، فهؤلاء العرب ليسوا كما تم تصنيفهم: ملايين خاملة بليدة مستخذية همها وشاغلها العيش بذل، والرضى بما قُسّم لهم من ولاة أمرهم.. ولذا بدأ هجوم الثورة المضادة!
سمها ثورات.. انتفاضات.. تحركات، فهي انطلقت ولن تتوقف قبل بلوغ أهدافها: التغيير الشامل الجذري بإنهاء الفساد السياسي والاقتصادي والأخلاقي والوطني، وبناء دول معاصرة تحقق العدالة الاجتماعية، وتنهي زمن الإقليميات المريضة المتواطئة والمنهكة للأمة، هذه الإقليمية التي هي إحدى ركائز ومبررات وجود نظم الطغيان والفساد.
مهمات الجماهير العربية كبيرة، لأنها تغييرية جذرية، فهي ستنفتح على أهداف تجمع ملايين العرب لبناء مستقبلهم النهضوي الواحد، لأن النهوض في كل بلد على حدة لن يحقق خلاصا، فكل مشروع إقليمي سيبقى محكوما بالفشل.
بات جليا أن هناك قوى همها القفز لاحتلال سدة الحكم، وقطف نتائج الثورات قبل نضوجها، وهذه ستعيد إنتاج الدولة القُطرية من جديد، وإن بشعارات شمولية، ستبدو مغايرة بينما هي في الجوهر تنطلق من نفس العقليات الانتهازية والمتواطئة مع أعداء الأمة على أقدس قضاياها: فلسطين والوحدة العربية. (ربما يتم التبشير بالخلافة والوحدة الإسلامية!)
في الساحات والميادين اكتشفت الجماهير مدى قوتها، وأيضا، وبعد أن أسقطت رؤوسا كبيرة من على كراسي الحكم، تبيّن لها أن أنظمة الحكم ليست الرؤوس، فهناك (قوى) فساد وخراب، وأجهزة قمع مستوطنة، ومصالح وارتباطات، وهي حليفة للجهل والتخلّف، وفي الجوهر هي تابعة تستمد كثيرا من أسباب بقائها في الحكم من أعداء الأمة، تحديدا أمريكا التي تبذل قصارى جهدها للترويج لإقناع العرب الثائرين والمنتفضين بأن هاجسها نشر الديمقراطية في بلاد العرب، هي التي يعرف أبسط الناس في بلاد العرب أنها الراعية والوكيل الحصري لهذه الأنظمة المستبدة الفاسدة التي خربت كل جوانب الحياة في بلاد العرب، مشرقا ومغربا.
الثورات العربية ثورة واحدة في حالة سيرورة، لن تكون ثورات تغييرية حقيقية إلاّ باستكمال كل أهدافها، وليس الرضى بالتغييرات الشكلية، أو التسليم لمن يقفزون على الثورات والتغاضي عن (التحالفات) السرية، والدور الذي تلعبه دول النفط لحرف الثورات عن مسارها، ولإفساد العلاقة بين أبناء الشعب الواحد في كل بلد، واستدراج طرف بعينه للهيمنة، بدعمه ماليا والسمسرة بينه وبين أمريكا، ثم لدفع الأمور للانفجار الداخلي.. وهكذا تتبدد رياح ثورات العرب! (متى كان النفط حريصا على الدين الحنيف؟ أليست درّة بلاد المسلمين، القدس وأكنافها، محتلة من الصهاينة بدعم أمريكي غربي؟!).
يمكن القول بناء على الوقائع ان الثورة العربية الواحدة مستمرة، وان شعلتها ترتفع بأيدي ملايين العرب في كل أقطارهم الثائرة والمنتفضة، وانها ستستمر في البلدان التي أسقطت فيها الجماهير رؤوس تلك الأنظمة، لأن إسقاط مبارك وبن علي، وهذا ما اكتشفته الملايين في الساحات والميادين، لم ينه الاستبداد والفساد، ولم يُثبّت معالم الطريق إلى الديمقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية.. ناهيك عن الانتماء للهوية وتبنّي قضايا الأمة.
ولذا، ومع ما تحقق في تونس ومصر فإن الروح الثورية الحارسة اليقظة ستبقى مستنفرة، وهذا ما يطمئن، فالنفس طويل، والثورات لم تندلع فقط ليتمتع المواطنون بحق التصويت في صناديق اقتراع شفافة.
الثورة تغيير جذري، وهذا لن يتم في شهر، أو عام ، فالمجتمع الذي طال نومه وغربته في وطنه، المخرّب والمنهك والمجهل، حيث نسبة الأمية في بعض بلاد العرب تبلغ الـ'40، وهذا ما يتيح للعقلية التواكلية أن تنتشر مستغلة غفلة وجهل الجماهير، وزرع روح المسكنة والذل بالتزوير: أطيعوا أولي الأمر منكم.. وليس: من رأى منكم اعوجاجا فليغيره بيده، أي بسيفه، أي بالقوة.
في الميادين، في بلاد الثورات والانتفاضات والحراكات.. ثمّة قيم تطوى، وقيم جديدة بدأت تتخلّق وتنعش النفوس والعقول والضمائر.. ثمّة مجتمعات الميادين، نساء ورجال يزحفون يوميا، يبلورون مفاهيم جديدة، يصححون رؤيتهم، يكتشفون طبيعة القوى السياسية والاجتماعية، وأخلاقيات الساسة، يميزون بين ما هو صادق وما هو كاذب ومزور وانتهازي.
في الميادين تتعلم الجماهير من ممارساتها اليومية، تتواصل إنسانيا، تنمي روح التضامن بينها، تصبح بدنا واحدا، وروحا واحدة، وحنجرة واحدة، وأهدافا واحدة بناء على رؤية مصالحها بوضوح.
في الميادين إبداعات جديدة، غناء جديد، إعلام جديد يتخلّق متجاوزا الإعلام الرسمي الكاذب، والإعلام المُدّلس الذي يتعامل مع الجماهير، كما لو أنها قطعان لا تميّز، في حين تراه الجماهير عاريا (كالملك) في الحكاية الشهيرة.. فالجماهير تعرف أن من يموّل يوجه، وأن من يموّل لا يمكن أن يكون مع الثورات العربية التي ستصله نارها ذات يوم غير بعيد.
تعرف الجماهير أن من يستعجلون التدخل الخارجي لا يريدون الخير للثورات، ولا للشعوب، ولا للأمة، ولكنهم يصدون رياح الثورات عن حقول نفطهم، عن فسادهم، عن ملكيتهم لبلاد وشعوب وثروات!
هناك من تلهى في بلاد العرب ببهرج الألعاب النارية في مدن الملح احتفاءً بقدوم العام 2012، بينما فقراء العرب يدفنون شهداء ثوراتهم، وانتفاضاتهم وينتزعون زمنهم العربي القادم بتضحياتهم، وهو زمن لن تكون هناك فيه (سادوم وعامورة) تبدد طاقات الأمة وثرواتها، وتبيح أرضها لقواعد احتلال تضمن وتكرس بقاء الكيان الصهيوني، والدول الوهمية التي لا يغيب عن عقول الجماهير في كل بلاد العرب دورها التخريبي. أليس هذا ما يحدث لثورة اليمن وشعبها العظيم بالتخريب المتعمد، وإطالة نزف الدم اليومي؟!
في اليمن تتجدد الثورة بالثورة على الفساد والفاسدين، بالاشتباك معهم، بطردهم.. بالثورة في الثورة، إذ لا يمكن لشعب اليمن أن يبقى مرمى نيران لرصاص رئيس صلف، بدعم من دول النفط ومبادرتها الالتفافية على الثورة!
في وقت مبكر من ثورة شعب مصر، سمعت إجابة بارعة للفتاة النشيطة المصرية نوارة نجم، على سؤال: إذا لم تحقق الثورة أهدافها، فماذا ستفعلون؟
أجابت تلك الشابة الشجاعة باسم جيل شباب الثورة: ما خلاص..إحنا عرفنا طريق (التحرير).
شعوب العرب عرفت طريق (التحرير)، ومهما حاول بعضهم الالتفاف على الثورات، وإفراغها من أهدافها.. فطريق التحرير بات واضحا، وزمن الخوف ولّى إلى غير رجعة، ونيران الثورات والانتفاضات لن تتوقف في تونس ومصر وليبيا واليمن وسورية والبحرين، فهناك شعوب عربية ما عادت تطيق الاستبداد والتوريث وامتلاك العشيرة للدولة والبلد والثروة!
ولذا فالعام 2011 سيستمر.. والثورة العربية الواحدة ستوحد جماهير الأمة لإنجاز نهضتها وقيامتها.
ستكون الكلفة عالية، ولكن الثمن سيكون خروجا من زمن الانحطاط إلى زمن الحرية والكرامة.. زمن حضور العرب المهيب أسوة بالأمم العظيمة.. أليس هذا من حق أمتنا؟


www.deyaralnagab.com