الفاشلون المزمنون!
بقلم : رشاد أبوشاور ... 18.10.07
المفاوضون الفاشلون المدمنون لا يمكن أن يحجز عليهم في مصحّة، ليعالجوا بإشراف أطباء مختصيّن، يخضعونهم لبرنامج علاج طويل الأمد، بحيث يستعيدون الثقّة بأنفسهم .
المدمن شخص لا يحترم نفسه، هذا ما تخبرنا به مسرحيتا (الدخان) و(الزجاج) للكاتب المسرحي المصري ميخائيل رومان.
الفاشلون المدمنون المزمنون الذين أعنيهم ليسوا مدمني مخدرّات، ولكنهم مدمنو شهرة، ومصالح، وفضائيات، وهم مولعون بالعتمة، فهم لا يطيقون ضوء الشمس، ولذا يقضون أيّامهم نياما حتي لو شاهدتموه يتنقلون في المكاتب، وسياراتهم الفارهة، في وضح النهار.
في كل مجالات الحياة، من يفشل يعتزل، إلاّ هؤلاء، فهم كلّما أمعنوا في الفشل، ازدادوا لهفة علي مزيد من المفاوضات، وهم لا يدفعون من (كيسهم)، أي من حسابهم الشخصي، فإدمان التنازلات هو علي حساب فلسطين وشعبها.
هم ليسوا محامين بارعين مشهود لهم بكسب القضايا في قاعات المحاكم، بمرافعاتهم الذكيّة، بدقّة محاججاتهم ومداخلاتهم.
هم ليسوا قادة خاضوا غمار المعارك في الميادين.
هم لم يكسبوا جولة من جولات المفاوضات التي انتحلوا تمثيل الشعب الفلسطيني للمشاركة فيها، ووعدوا بأنهم بواقعيّة سيعودون للشعب المشرّد والمعذّب بدولة فلسطينيّة، عاصمتها القدس الشريف، دولة بحدود و..عدم التفريط بحّق العودة !
بعد 14 عاما من توقيعهم في البيت الأبيض، نسأل: ماذا حقق هؤلاء سوي جرّ الكوارث علي الأرض والشعب والقضيّة ...
كل فلسطيني عليه واجب، وله كّل الحّق أن يسأل: هؤلاء الفاشلون كيف نوقفهم عند حدّهم ؟! كيف نحاسبهم علي ضياع أرضنا، وتبديد أحلامنا المشروعة؟!
هؤلاء من يمثلون ؟! ما مصالحهم وامتيازاتهم التي يحصلون عليها رغم، وبسبب، استمرارهم في الفشل، وموافقتهم عمليّا علي كل ما يفعله الكيان الصهيوني، وما ترغب به الإدارة الأمريكيّة المتصهينة؟!
هؤلاء الذين يتحرّكون حاليا في العتمة، وينخرطون في مفاوضات من جانب واحد، أمريكي صهيوني، الذين وهم يتوجهون للمفاوضات تصادر سلطات الاحتلال 1100 دونم بين العيزريّة وأبوديس والقدس، لتسمين معاليه أدوميم واستكمال تهويد القدس، وعزل الفلسطينيين ودفعهم بعيدا عن عاصمة دولتهم الموعودة، وقطع طرق تواصلهم.. أداروا ظهورهم لكّل القرارات الفلسطينيّة، في المجالس الوطنيّة الشرعيّة، وهم لم يعودوا ينطقون باسم أي فصيل، وبخّاصة حركة فتح!
المفاوضون من الجانب الفلسطيني المتحفزون للمشاركة في مؤتمر الخريف هم أنفسهم طاقم أوسلو الذي جرّ المصائب، وهم جماعة وثيقة جنيف، التي بحسب الباحثة الدكتور بيان نويهض الحوت في دراستها الممتازة، قبل أربع سنوات : سوف يتضّح حينئذ، ولكن بعد فوات الأوان، أن في هذه الاتفاقيّة من مخاطر تهدد مصير فلسطين والقدس أضعاف ما كان من مخاطر في مسلسل اللقاءات والاتفاقات العربيّة (الإسرائيليّة) كلّها.
اتفاقيّة جنيف تواصل البحث في أمرها حوالي سنتين، يعني طبخت علي نار هادئة، والمشاركون الفلسطينيون كان دورهم أن يهزّوا رؤوسهم موافقين علي (المقادير) التي يقترحها ويقرّرها الخبراء السريّون الدهاة، أما الفاشلون المزمنون فقد منحوا متعة الظهور علي المنصّة في لقاء البحر الميّت، وجنيف، والتقاط الصور وتوزيع القبل والضحكات التي تسخر من الشعب الفلسطيني المتشبّث بحّق العودة، وبنصوص القرارات الدوليّة التي أدار هؤلاء الفاشلون المزمون الفاسدون ظهورهم لها!
حاول الفاشلون المزمنون أن يضللوا شعبنا، وأمتنا بالقول بأن الاتفاقية غير رسميّة، وهذا ما ثبت بطلانه، وما ترّد عليه الدكتورة بيان: ما كان لتلك المفاوضات أن تنطلق وأن تستثمر في الخفاء لو لم يكن وراءها أكثر من دولة كبري وأكثر من منظمة دوليّة ...
وكان العبث الوقح في الجانب الفلسطيني أن النّص الإنكليزي للوثيقة غير النّص العربي المضلل، وهو ما كشفته صحيفة هآرتس علي موقعها، وما أشارت له الدكتورة بيان في دراستها.
جماعة أوسلو وجنيف هم هم لا يتغيّرون، حتي إن حرد واحدهم فإنه يعود، وهذا ما فعله أحمد قريع رغم التهام الاحتلال 1100 دونم مع بدء التحضير لمؤتمر خريف السلام، بالضبط بجوار مسقط رأسه، والذي ما كان منه سوي أن اصدر تصريحاً حاميّا جدا: مثل هذه المصادرة تعقّد المفاوضات. يا للمفاوض الحكيم، طويل البال، الواقعي، الذي لا تستفزّه مصادرة بضع مئات من الدونمات، فالسلام أثمن من الأرض، ومن القدس.. وبدهاش مزاودة وتطرّف وشعارات ستينات!
القدس أضاعوها فقد استكمل الطوق حولها، والحدود علي نهر الأردن لن يفرط بها الكيان الصهيوني، وقريع يصرّح مع بدء المفاوضات، بأن الأصل في المفاوضات هي حدود الـ67، و..تبادل أراض بنفس الحجم والأهميّة!
الدكتور سلمان أبو ستة فضح (الطابق) في لقائه علي الجزيرة مع أحمد منصور في برنامج بلا حدود بتاريخ 10 الجاري، فالتبادل سيكون منح أرض صحراويّة قاحلة ملاصقة لسيناء، لا ماء ولا زرع ولا ضرع !، والدكتور أبوستة بعد أن ركّز علي عدم مشروعية التفاوض علي حقوق مشروعة ثابتة، اقترح ساخرا أن يذهب أبوقريع ليقيم في تلك المنطقة القاحلة.
مؤتمر خريف السلام المزمع عقده في واشنطن هدفه: إنهاء القضية الفلسطينيّة ـ وبلاش وجع راس ـ و..بحضور أطراف عربيّة ستستثمر اللقاء مع (إسرائيل) لتطبيع العلاقات، وإنهاء حقبة العداء، والتركيز علي عدو آخر في هذه المرحلة: إيران ـ التي نختلف معها بحدّة في العراق، وباحتلالها للجزر العربيّة ـ وضمنا سوريّة، وحالة المقاومة في لبنان، وهذا مخطط أمريكي صهيوني!
لا بدّ من سلسلة تحرّكات شعبيّة فلسطينيّة لتجاوز حالة عجز وارتباك الفصائل الفلسطينيّة، تبدأ بفضح المفاوضين الفاشلين المزمنين علي كافة الصعد : فسادهم المالي والسياسي والأخلاقي، وعدم شرعية ما يفعلون لأنهم لا يمثلون سوي أنفسهم ومصالحهم، ولأنهم خرجوا علي كّل ما اتفق عليه فلسطينيّا.
إنني كمواطن عربي فلسطيني، وكعضو مجلس وطني فلسطيني، أثق بأن البروفسور جون دوغار المقرّر الدولي لحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينيّة المحتلّة، أكثر حرصا وأمانة وصدقا، في الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني، وجرأة في تحدي ضغوطات الإدارة الأمريكيّة، والكيان الصهيوني، فهذا الإنسان النبيل صرّح مرارا وعلنا ـ الجزيرة في لقاء اليوم مع وليد العمري يوم 12 الجاري ـ بأن ممارسات الكيان الصهيوني عنصريّة، وطلب من الأمين العام للأمم المتحدة الانسحاب من (الرباعيّة) لأنها فشلت في حماية حقوق الفلسطينيين، وأدان نفاق أوربة، وكرر مواقفه الشجاعة بالإنكليزيّة مع ال BBC، (أذيعت صبيحة الـ15 الجاري) تشرين أوّل (اكتوبر) الجاري.
أسأل : هل توافق الإدارة الأمريكيّة والكيان الصهيوني علي مشاركة البروفسور دوغار في التفاوض نيابة عن الفلسطينيين ؟! لا ..لأنه برأيهم متطرّف!.. تأملوا هذا الأمر، وقارنوا: أليس البروفسور دوغار أكثر فلسطينيّة، وإخلاصا، وإنسانيّة من المفاوضين المزمنين؟!
إنه لا يخاف علي مصالحه وامتيازاته، إنه يخاف من ضميره، ويحرص علي سمعته، ونقاء ضميره، ولذا يصرّح بأن من يوصفون بالتطرف اليوم سيعاملون كأبطال في الغد، أو يصيرو هم الحكّام، وهذا ما حدث مع المقاومين الفرنسيين بعد الحرب العالميّة الثانيّة!.. يا له من إنسان شجاع، شريف و..شهم.
كل من ساهم في (أوسلو)، ووثيقة جنيف، ومن التحق بهم مهرولاً علي طريق مؤتمر خريف السلام الأمريكي، يجب أن يحاكم.. شعبيّا، ويجرّد من كّل مكتسباته، ليكون عبرة، إذ من العار أن يفوز هؤلاء ويخسر شعبنا وتضيع قضيتنا.
www.deyaralnagab.com
|