logo
الهولوكوست الفلسطيني المفتوح !!

بقلم : رشاد أبو شاور  ... 18.01.2012

هذا هو عنوان الموسوعة الضخمة التي انشغل بإعدادها الباحث المتميّز نواف الزرو، على مدى خمسة عشر عاما، والتي صدرت قبل أيام في العاصمة الأردنية عمّان.
ولأن الهولوكوست الفلسطيني يستهدف الإنسان والأرض والشجر والتراث والحضارة، فقد جعل للموسوعة عنوانا فرعيا: اختلاق (إسرائيل) وسياسات التطهير العرقي.
ولأن الهولوكوست الفلسطيني لم ينته مع حرب 48، وحرب 67، وما بعدهما، ولأن برنامج الإبادة الصهيوني، ومخططات التطهير العرقي، و(الترانسفير) لا تتوقف، ولن تتوقف إلاّ باقتلاع الفلسطينيين تماما ونهائيا من أرض أبائهم وأجدادهم، فإن هذا الهولوكوست مفتوح، والإبادات لن تتوقف، والمذابح لن تنتهي لا بالشجب، ولا بالاستنكارات، ولا بالشكاوى للأمم المتحدة، لأن كل هذا لا يعني شيئا لدى الكيان الصهيوني، الذي يعيش بالدعم اللامحدود الذي يتلقاه من دول الغرب بقيادة أمريكا الحليف والراعي.
ولأن مأساة عرب فلسطين لم تبدأ صدفة، ولأنه ما كان للحركة الصهيونية أن تحقق شيئا من أحلامها ومخططاتها بجهدها، فإن الباحث نواف الزرو قد عاد في موسوعته إلى الجذور البعيدة التي أطلقت الصهيونية قبل أن يولد هيرتزل، ويبشر بها، فنابليون أطلق نداءه لليهود، وهو يزحف بجيوشه لاحتلال فلسطين، (ليعودوا) إلى أرض آبائهم في فلسطين!.
يتوقف الزرو عند الدور البريطاني التأسيسي للكيان الصهيوني انطلاقا من (تصريح) بلفور، ومن(صك الانتداب) على فلسطين، وهو ما مهّد للنكبة، وما وضع حجر الأساس لدولة الصهاينة، وهذا ما لا يجب أن يغيب عن بال كل فلسطيني، وعربي مسلم ومسيحي، فبريطانيا هي المجرم الأوّل الذي سلّم الدور لأمريكا ترومان، لتواصل مع فرنسا ودول أوربية أخرى دعم هذا الكيان الذي شق قلب الوطن العربي، ضمانا لمصالح الغرب الاستعمار والإمبريالي.
تتكوّن الموسوعة من أربعة عشر بابا تنقسم إلى فصول، وهي معززة بالأرقام، والوقائع المثبتة التي لا يمكن دحضها، أو التنصل منها، والزرو يطمح أن يتحول التعريف بالهولوكوست الفلسطيني إلى حقيقة عالمية، لأنه إدانة جليّة للصهيونية العنصرية المجرمة، ولمن دعموها على احتلال فلسطين، وذبح شعبها، والعمل على تهجيره، ورفض منحه حقوقه في وطنه، رغم كل القرارات الدولية التي تقّر بحقه في العودة، والتي أدانت الصهيونية كحركة عنصرية.
الهولوكوست الفلسطيني ليس المذابح التي حصدت ألوف أرواح الفلسطينيين، ولكنه تبديل وتزوير هوية وطن لشعب: فلسطين.
الاحتلال الصهيوني يبدّل هوية مدينة القدس العربية، الإسلامية والمسيحية، بالترافق مع التضييق على أهلها، لاقتلاعهم من بيوتهم يوميا، وهذا على مرأى ومسمع العالم، رغم كل مناشدات الفلسطينيين، وطلبهم (النجدة) والدعم من (ذويهم) العرب القادرين سياسيا، وماليا..ولم لا: وعسكريا لو أرادوا، وكانت إرادات حكامهم مستقلة وغير تابعة لأمريكا تحديدا؟!
حرق المساجد، والتخطيط لهدم الأقصى، والاعتداءات على ممتلكات الكنائس، كلها تسير بالترافق مع (احتلال) قطعان المستوطنين لأراضي الضفة..ومع ذلك نسمع من بعض (قادة) الفلسطينيين من يتحدث عن (دولة) ..دولة أين؟! وعلى أية أرض يا سادة بعد أن استحوذ الاحتلال الزاحف على الأرض؟!
دائما ادعت الصهيونية ورعاتها أن فلسطين أرض بلا شعب..لشعب بلا أرض!. ولأن فلسطين الأرض والجذور، والحضارة، والموقع..لها شعب، ولها انتماء، فما زالت الصهيونية تخوض الحرب لاقتلاع هذا الشعب المستعصي على الإبادة، والخذلان..وهكذا تستمر الحرب التي لم تحسم بعد، ولن تحسم لصالح أطماع الصهاينة.
ينطلق نواف الزرو في كثير مما تحويه الموسوعة، من واقع خبرته بالخطاب الصهيوني السياسي، كونه يتقن اللغة العبرية، التي (استولى) عليها في السجن الذي قضى فيه 11عاما، ليخرج في عملية تحرير للأسرى عام 79، ولينخرط في الكتابة الصحافية، وليصقل معرفته باحثا بخبرة طويلة تمتد حتى يومنا، وليصبح مرجعا يعتد به، ويرجع إليه، هو الذي لم يبخل على من أرادوا، وأردن.. التعلّم منه لغة (العدو)، ونقل الخبرة إليهم في فهم طرق تفكيره، وأساليب مراوغته، وعمليات تضليله.
الموسوعة التي تقع في 1040 صفحة من القطع الكبير، مزودة بملزمتين ملونتين تضمان صورا لمذابح اقترفت بحث الشعب الفلسطيني على مدى سني الصراع المفتوح.
هذه الموسوعة هي حدث وطني بامتياز، لم يبذل نواف بها جهدا يعادل جهد مركز أبحاث بكامله، لتوضع على الرف، فهي ليست للزينة، إنها وسيلة قتال تخاض بها معركة وطنية وإنسانية كبرى، تبدأ من تلقين دروسها من جيل الآباء والأمهات، إلى جيل الأبناء والأحفاد ليكبروا وهم يعرفون من هو عدوهم، وما نوعيته، وإلى أي مدى تبلغ وحشيته وانحطاطه، وكيف تتم هزيمته.
ظللت أتصفح هذه الموسوعة لعدة أيام، وكنت أستعيد ذكريات المذابح، من دير ياسين، إلى الدوايمة، إلى قبية، إلى السموع، إلى خان يونس..إلى صبرا وشاتيلا، إلى بحر البقر، إلى حمام الشط..إلى قانا..وكنت أردد في نفسي طيلة الوقت: يا إلهي كم قتل هؤلاء الصهاينة شعبنا، وكما أننا عشنا رغم ذلك، وكم أن أرضنا تغص بالدم والأشلاء التي أغرقها بها أولئك المجرمون الكذبة أعداء المدنية والحضارة والإنسانية!.
نواف الزرو شطب من قائمة من شكرهم في مقدمة الموسوعة جهات وأفرادا وعدوه بدعم طباعتها، ثمّ خذلوه جبنا منهم، رغم امتلاكهم الملايين، ومع تجارة بعضهم بحق العودة، واللاجئين!
هذا الجهد الهائل لباحث متميز كبير، اضطر لطباعة منجزه الكبيرعلى نفقته، (بالتقسيط) غير المريح للمطبعة..تصوروا!..لم يجد جهة فلسطينية تدعمه، لأنهم جميعا مشغولون (بالمصالح)ه !!
تحية لنواف الزرو..وشكرا..فهذا ما أملك أن أقدمه لصديق أعتز به مناضلا، وباحثا عربيا فلسطينيا يتشرّف به شعبه وأمته.


www.deyaralnagab.com