حصاد عام من الثورات العربيه!!
بقلم : د.شكري الهزَّيل ... 19.01.2012
عام مضى على الثورات العربيه التي اطاحت بثلة من الطغاه العرب في حين ما زال عدد كبير من هؤلاء الطغاه يحكم بلدان في العالم العربي بالحديد والنار تاره والكلام المعسول تارة اخرى وما نشهده اليوم في العالم العربي وبالرغم من نجاح بعض الثورات جزئيا واستمرار ثورات اخرى الا ان الجاري والقادم من تطورات ما زال مبهم وغير واضح المعالم, حيث ما زال العالم العربي يتخبط ويتشربَّك في شعارات كثيره تنادي بالحريه والديموقراطيه والانعتاق من حكم الطغاه والفاسدين الذين طحنوا عظام الشعوب العربيه على مدى عقود من الزمن ولكن اللافت للنظر ان هنالك الى حد بعيد فوضى ثوريه وفوضى اعلاميه وسياسيه انتهازيه تُظهر وكأن انظمة الحكم العربيه في الجزيره والخليج العربي انظمة ديموقراطيه تدعم الثورات العربيه وتنادي بالاطاحه بهذه الرئيس العربي او ذاك وتلعب دور البكبكه على هذا الشعب العربي او ذاك وترحب بسقوط الانظمه في المشرق والمغرب العربي وترسل مراقبين من الجامعه العربيه الى سوريا على اساس مراقبة مسلكية النظام نحو الثوره والاحتجاجات الجاريه في الديار السوريه وبالتالي ماهو جاري من تغطيه اعلاميه للثورات العربيه يوحي بان الدنيا بالف خير في دول الخليج العربي الى حد ان هذه الدول تدين مسلكية بعض الانظمه وتطبطب على انظمه اخرى..يرسلون الى سوريا مراقبين مع سيوف تدويل محتمل مسلطه على رقبة النظام السوري في حين يمنحون الطاغيه علي صالح في اليمن ضمانات بعدم ملاحقته قضائيا على جرائمه البشعه بحق الشعب والشباب اليمني... مفارقه ان تطالب باسقاط طاغيه وحماية طاغيه اخرى..مفارقه ان تدمر ليبيا ومن ثم تتركها للميليشيات وفي مهب الريح..مفارقه ان تجرى انتخابات في مصر وما زل المجلس العسكري يمسك بزمام الامور ويفاوض على دور مضمون له في حكم مصر مستقبلا...مفارقة ارسال مراقبين من الجامعه العربيه الى سوريا بعد ان دخل الفاس الراس ووصلت الامور الى نقطة اللاعوده بين النظام والمتظاهرين في معركة كسر عظم مفتوحه بين الشعب السوري ونظام الاسد الذي يتخلخل يوما بعد يوم اكثر واكثر وما نزول الرئيس السوري الى الشارع والقاء الخطابات الا دليل قاطع على تعمق ازمة النظام واستشعاره للخطر القادم وهو الامكانيه الكبيره للاطاحه بالنظام.. والسؤال المطروح هو ليست متى سيسقط النظام لابل ماذا سيجري للبلد بعد سقوطه؟...سقوط ضمن فوضى هدامه ام فوضى خلاقه تعطي امريكا والغرب وانظمة الخليج العربي فرصة الالتفاف على الثوره وخلق نظام معمعه يترنح ما بين الشعارات والانطواء تحت العباءه السياسيه العربيه الخليجيه التابعه كمنظومه للامبرياليه الامريكيه وهذه المنظومه او المجموعه هي نفسها التي تتخذ القرارات وتحركها داخل ما يسمى بالجامعه العربيه.. جلادي الشعوب العربيه الخليجيه يلعبون دور القاضي المؤازر للثورات العربيه وفي هذه المرحله بالتحديد نلحظ هذا التضليل حول ماهو جاري في سوريا.. الجاري في سوريا واضح وهو ثوره شعبيه ضد النظام الحاكم, ولكن في المقابل يجري شئ عجيب غريب وهو ان الدول الخليجيه العربيه تسوق ذاتها عبر الفضائيات الضاربه وكأنها مع الشعب السوري ضد النظام بينما الحقيقه ان هذه الانظمه تدرك ان النظام ساقط لا محاله وعليها الحيلوله دون مجئ نظام سوري ديموقراطي حقيقي ولذلك هي تفضل الفوضى والدمار واستنزاف قوة الثوره السوريه وجعل اهدافها ضبابيه من خلال التضليل الاعلامي لا بل اننا نلحظ في الاعلام الفضائي التضليلي بشكل عام غياب الشعارات الوطنيه والعروبيه المناهضه للامبرياليه الامريكيه والصهيونيه والاستكبار بشكل عام عن الاحتجاجات والمظاهرات الجاريه في العالم العربي..نلاحظ تسويق الامبرياليه الامريكيه كنصير للثورات العربيه؟...نلاحظ تسويق لعملاء امريكا كوطنيين وعروبيين وكقيادات مفترضه للثورات العربيه؟.. تزوير التغيير وتغيير اشكال التضليل والتزوير بين الفينة والاخرى!!
واضح اننا بدأنا نستشعر بمطبات الطريق ومعوقات جمه امام قطار الثورات العربيه .. هنالك من يقوم بتغيير السكه وحرف مسار القطار ليصل الى محطة اخرى غير هذه الذي تصبو الى وصولها الشعوب العربيه الثائره وهي اسقاط الانظمه الحاكمه وبناء نظام عربي وطني وديموقراطي يحترم عروبة العرب ووطنيتهم ويضمن حقوقهم وحريتهم ضمن نظام عربي جديد يطرح البديل والنقيض لما هو موجود في العالم العربي من انظمه خائنه وفاسده ومعفنه تاريخيا.. مؤسف ما نراه اليوم من تضليل اعلامي وسياسي وهو ان انظمه تابعه للغرب ومعاديه للشعوب العربيه تلعب دور انها مسانده للثورات العربيه لابل انها تطرح المبادرات لخلق انظمه بديله لما هو موجود كما هو حاصل في اليمن من التفاف صارخ على مطالب الشباب الثوري اليمني وهو الامر نفسه يجري في سوريا ولكن بطريقه اخرى ستؤدي في النهايه كما يبدو لاسقاط النظام تاركا وراءه دوله سوريه مهلهله ومدمره وتحتاج الى عقود من الزمن وكثير من المساعدات لاعادة تعميرها!!..
ليس هذا فقط لابل ان استراتيجية الاحتواء الامريكيه والغربيه قد قطعت مشوارا لا باس به في محاولتها لاحتواء الثورات العربيه وتغيير مسارها..في مصر تجرى مفاوضات بين امريكا والاخوان لتكييفهُم بما يناسب السياسه الامريكيه في العالم العربي وخاصة الحفاظ على امن ووجود اسرائيل وقد تعهد الاخوان المسلمين بالحفاظ على معاهدة كامب ديفيد وفي تونس ايضا هنالك تكيف نوعي مع السياسه الامريكيه..ليبيا اليوم دوله مدمره بكل ماتعنيه الكلمه من معنى واعادة البناء تحتاج الى وقت ليس بقصير وتعاني من مشاكل جمه..اليمن تعاني من الجمود السياسي والفقر والجوع والسفاره الامريكيه في صنعاء تدير دفة الامور نحو احتواء الثوره اليمنيه وافراغها من فحواها واهدافها...الوضع في سوريا كارثي ولا احد يعرف كيف ستكون الصوره النهائيه.. البحرين قُمعت الثوره في مهدها وفي دول عربيه اخرى التحركات الشعبيه محدوده ولا اثر حقيقي لها... العراق تركته امريكا مدمرا ومقسما ويقف على كف عفريت..!!
هنالك عوائق وعقبات حقيقيه امام ثورات الشعوب التي تطمح الى دمقرطة البلدان العربيه ومحاربة الفساد, لكننا نعتقد ان امريكا والرجعيه العربيه هي العقبه الكبرى التي تقف امام تحقيق الثورات اهدافها الوطنيه.. امريكا تريد تغيير انظمه ولربما تحسين الاوضاع الاقتصاديه ولكنها لا تريد انظمه وطنيه عربيه معاديه لاسرائيل وامريكا وهذا ما يفسر التدخل الامريكي الفظ في مسار الثورات العربيه من جهه وهذا ما يفسر ايضا التضليل والتجويف الاعلامي التي تمارسه فضائيات النفط العربي التي تزعم بمساندة الثورات من جهه ثانيه وبالتالي يبدو حصاد عام من الثورات العربيه اقل من المتوقع بكثير ومردوده غير ملموس جماهيريا حتى يومنا هذا بالرغم من الانتخابات الديموقراطيه التي جرت في تونس ومصر.. واضح ان التغيير الجذري في العالم العربي لا يقع على مرمى حجر لابل هو ابعد من هذا بكثير...الشباب العربي والشعوب العربيه الثائره قدمت تضحيات كبيره معمده بالدم, لكن الوضع بعد عام على الثورات ما زال ضبابيا وغير واضح بالنسبه لقضايا وطنيه كثيره ومعقده..في العام القادم سنرى ان كان الحصاد ازدهار وتطور ام عكس هذا..فل ننتظر وكلنا امل بطلة بشائر الامل والخير على اوطاننا وشعوبنا العربيه!!
www.deyaralnagab.com
|