logo
رمضان ليس متسولا هذا العام !!

بقلم : سهيل كيوان  ... 19.07.2012

يوم أمس كان هو اليوم الأكثر حرارة في فلسطين خلال العام، هكذا قال الراصد الجوي، فقد وصلت درجات الحرارة القصوى إلى سبع وأربعين درجة مئوية في بعض المناطق، خصوصا الأغوار، واشتعلت حيفا وعكا ويافا والساحل، وحذر المختصون من الخروج تحت أشعة الشمس بين الساعات العاشرة حتى الرابعة نهارًا.
حذروا مَن؟ طبعًا أصحاب البشرات الناعمة الذين يعملون في الغرف المكيفة، أما أصحاب العمل الأسود في الشوارع والبناء والوعور ومصانع الحديد والصلب وفي صناعة الحريّة، فقد خرجوا وواجهوا الشمس ولظاها، والأنظمة وعفنها والاحتلال وهمجيته رغم التحذيرات، وسوف تزداد وجوههم وأعناقهم وصدورهم اصطلاء...
الجليل الذي يفترض أن يكون منعشًا ونسيمه يرد الروح إلى العليل كان هو أيضا أحمر لاهبًا، بدون مكيفات لا يمكن الجلوس في البيوت، هذه الحرارة غير معقولة، ورغم هذا فالإنسان يتكيف بأي ظرف وطقس كان، ولكنه يسعى دائما للكمال ونحو الأفضل.
بعد مغيب الشمس تحسن الطقس قليلا، ومن حسن حظي أن في حديقة بيتي شجرتي تين ودالية، واحدة من التينتين زرعها ورعاها الوالد رحمه الله، والثانية (شخة عصفور)، هكذا يسمي أهل قريتنا التينة التي تنمو من دون زارع لها، أي أن بذرتها ربما جاءت من زرقة عصفور، نمت ببطء بجهدها الخاص على طرف الحديقة الى أن صارت شجيرة، وانطلقت أكثر وكبرت وصارت شجرة كبيرة عندما لحقتها بالماء، قالوا لي إنها بريّة ولن تستفيد من ثمارها، فقلت بالإمكان أن نركّبها بصنف آخر من التين، وبالإمكان أيضا أن أبقيها شجرة زينة في الحديقة، لا ضرورة لقطعها، ولكنها فاجأتنا منذ عامين بأن قدمت ثمارًا حلوة المذاق، إنها ليست صنفًا محددًا من الأصناف التي نعرفها، وكل من يتذوق طعمها يقدم تشخيصه لها دون الحسم في أمر واسم صنفها، ولكن المهم أن طعم ثمارها حلو ولذيذ، وهي على جانب الطريق، وبما أنها(شخة عصفور) لم يزرعها أحد، فبإمكان المارة تناول ثمارها دون استئذان من أحد.
أحب الأخضر كثيرا مثل كل الناس، ولكن لأنني عشت معظم سني عمري في حي يكاد يخلو من الأخضر سوى ما يسرته النساء على الشرفات أو السطوح وفي الفسحات الضيقة بين البيوت في وسط البلدة حيث الاكتظاظ المتراكم، والاسمنت سيد الموقف في الأرض والفضاء، فقد صرت حريصًا جدا على كل غصن ونبتة وزهرة حول منزلي الجديد، ولهذا عندما يقترح بعضهم قطع فرع من شجرة أو اقتلاع شجيرة ورد أتريث كثيرًا قبل الإقدام على فعل ذلك.
كان حفل زواج ابني قبل أسبوعين مناسبة لتشذيب الحديقة وإعدادها لتستوعب الضيوف، ولهذا كثرت المطالبات من حولي بقص فرع منخفض من تينة (شخة العصفور) كي لا يعرقل حركة الضيوف، وبعد تجربة مروري شخصيًا من تحته بضع مرات وافقت على قطع الفرع المنخفض، ولكن عندما تغيّبت وعدت بعد ساعة وجدت أن المتطوعين المتحمسين قطعوا ثلاثة فروع، كانت هذه ضربة قاسية بالنسبة لي، غضبت جدا...من الذي قرر قطع الفروع الثلاثة... ألم نتفق على قطع فرع واحد منخفض فقط.. من الواضح أن اثنين من هذه الفروع قطعا ظلما وبدون خبرة، إنهما مرتفعان بما يكفي ولم تكن حاجة لقطعهما، وكان بإمكان أطول رجل أن يقف أو يجلس تحت الشجرة براحة مع الاحتفاظ بهما، كنت غاضبا وأردد... ليس من الضرورة أن نخرب كل شيء حول البيت لأجل استقبال العرس، إنه موسم الأعراس في فلسطين، وإلى جانب قوانين شرعنة الاستيطان في الضفة الغربية ومحاولة فرض الخدمة العسكرية على العرب داخل الخط الأخضر عقدت آلاف مناسبات الزواج، وحصل اكتظاظ كبير في عدد الأعراس لأن الجميع يريد أن يزوج أبناءه قبل حلول الشهر الفضيل، دائما تساءلت لماذا لا يقيمون الأفراح في شهر رمضان! الآن وعندما جربت بنفسي أقول نعم...فمن المفضل أن لا يكون الفرح في شهر الصيام، لأن الطعام والشراب في ساعات النهار والليل من مقومات الفرح.
الجميع الآن اختتموا الأعراس مع قدوم رمضان على أن يستأنفوها بعد العيد، بل إن كثيرين من أبناء الطائفة المسيحية في القرى المختلطة لا يقيمون الأعراس في شهر رمضان كي يتيحوا لجيرانهم وأصدقائهم من المسلمين مشاركتهم أفراحهم.
رمضان هذا العام سيكون قاسيًا طبعا بالنسبة للصائمين، ومن المؤكد أن فرحتهم ستكون أكبر بانتهائه، طبعا إلى جانب الأجر المضاعف الذي وعدوا به، أما المفطرون فستكون حجّتهم الحرّ القاهر والنهار الطويل، والقليل من السفر الذي يبيح الإفطار، سواء كان بالسيارة أم بالطائرة أم على ظهر حمار!
رمضان كريم، إنه شهر من لم يأخذوا حظهم من الحياة الدنيا، هو شهر أولئك الذين لم تكن لديهم القدرة على مواجهة مكر الأغنياء وقساوة الأقوياء وجلفهم، شهر أولئك الذين بقوا بدون وظيفة لأن واسطاتهم كانت ضعيفة أو معدومة، شهر أولئك الذين أرادوا أن يعيشوا وأن يعلموا أبناءهم ويبنوا بيوتهم وأوطانهم بطرق غير ملتوية وبكرامتهم وبعرق جباههم ولم يفلحوا لأن الظلم والقهر والفساد كان أقوى منهم، إنه شهر من فشلن بامتحانات القبول للوظيفة والعمل لأن منافساتهن كن أجمل أو كن لعوبات أكثر أو لأنهن منتميات للحزب الحاكم.
والجوع ليس جوع البطن فحسب، بل هو جوع الروح للحرية والعدالة، إنه شهر الذين صاموا قسرًا ولم يذوقوا طعم الحرية منذ عقود، إنه شهر أولئك الذين ما عادوا يرضون بالظلم أكثر، إنه رمضان مختلف، إنه ليس رمضان المساكين فحسب، إنه شهر أولئك الذين قتل أبناؤهم أو زجوا في السجون ظلمًا، إنه شهر استعادة أنفاس النضال ومواصلة الثورة العربية الحديثة من المحيط إلى الخليج حتى الحرية والكرامة الإنسانية..رمضان هذا العام يقف بقوة إلى جانب المستضعفين، ليس متسولا الرحمة والصدقات من أحد، ومن المؤكد أن الأنظمة ترتجف رعبًا من قدومه، وعلى سبيل المثال النظام في سورية، لا شك أن رجال النظام سيعدّون أيامه بالساعة والدقيقة، ولكن من المفضل أن يبحثوا لهم عن ملجأ يفرّون إليه ليوفروا على شعبهم المزيد من الآلام والدماء...


www.deyaralnagab.com