logo
لماذا أصبحنا كالصلعاءالتي تتباهى بشعر جارتها؟

بقلم : د.فيصل القاسم ... 22.01.2012

يا الله ما أسخف بعض السياسيين والكتاب العرب وهم يبشـّرون بظهور قوى عالمية جديدة تنافس الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي، لعلها تزيحهما عن سدة القيادة والهيمنة في العالم. فعلى ضوء الصراع الدائر هذه الأيام في مجلس الأمن الدولي على الملف السوري بين الروس والصينيين ومجموعة بريكس من جهة والمعسكر الغربي من جهة أخرى برز الكثير من المقالات التي تبشـّر مثلاً بصعود المارد الصيني و الروسي والبرازيلي والإيراني والهندي والجنوب إفريقي، وكأن هؤلاء سينصفوننا فيما لو تولوا قيادة المعمورة. لا أدري لماذا يغيب عن بال الذين يرنون إلى ظهور أقطاب عالمية جديدة بأنه ليس هناك مستعمِر جيد ومستعمِر قبيح، إلا ربما بدرجة القبح فقط.
فإذا ظهرت قوى هيمنة جديدة فلن تكون مجرد جمعية خيرية، بل لها أطماعها ومشاريعها ومخططاتها التي عملت من أجلها طويلاً. وبالتالي بدلاً من الاستنجاد بالقوى الصاعدة على الولايات المتحدة، علينا أن نقوي أنفسنا كي لا نكون لقمة سائغة لا للمستعمرين الحاليين ولا للمستعمرين القادمين.
ليس هناك دول كبرى خيّرة على مدى الزمان خاصة أن كل الدول التي سادت تاريخياً عملت بمقولة هوبز المفكر والفيلسوف الإنجليزي الشهير الذي اعتبر أن "الإنسان ذئب للإنسان". كما أنه ليس هناك مستعمر أفضل من آخر. وكما يقول المثل: "ما بتعرف خيرو حتى تجرب غيرو". فقد فعل المغول والتتار ببغداد ما فعله الأمريكيون وأكثر قبل مئات السنين.
كل القوى التي وجدت لديها فائض قوة حاولت استخدامه واستغلاله خارج حدودها. فعلها الرومان من قبل والبرتغاليون والبريطانيون والفرنسيون والعثمانيون وأيضاً العرب والمسلمون. فعندما وجد الأمويون لديهم قوة فائضة ذهبوا بها إلى بلاد الغال (فرنسا حالياً)، وخاضوا هناك معركتهم الشهيرة المعروفة بـ"بلاط الشهداء". لم يذهب العرب إلى هناك من أجل الاستجمام، أو صيد الحمام البري، بل من أجل أغراض استعمارية. لم يتوجهوا إلى أقاصي إندونيسيا في رحلة حول العالم، بل لنشر دعوتهم وثقافتهم واستغلال الأمم الأخرى. أما استبدالهم كلمة استعمار بكلمة غزوات فهذا لا يغير من الأمر شيئاً. لا يمكن أن نضحك على الناس بمجرد تغيير المسميات.
إن الكثير من العرب ينظر إلى الصين نظرة ودودة ويعتبرها دولة خيرة وطيبة ومسالمة، فهي لم تحاول حتى الآن أن تستعمر دولاً أخرى رغم قوتها الهائلة وعدد سكانها الرهيب. لكن كل من ينظر إلى الصين هذه النظرة الساذجة فهو لا يعرف الحقيقة كاملة. فالصين لم تحاول استغلال فائض قوتها حتى الآن في تصديره إلى الخارج لأنه ليس لديها ما يكفي من فائض القوة كي تستغله خارجياً. لكن لا تتفاجأوا، فقد شهدت إحدى الجامعات الصينية قبل فترة مؤتمراً مهماً تحت عنوان "الدور الرسالي للصين في العالم". والمقصود بالدور الرسالي أن الصين بدأت تراودها أحلام السيطرة على الغير، وهي تفكر الآن بأن يكون لها رسالة في هذا العالم، وهو الاسم الكودي للاستعمار. إذن هي تستعد. ويجب أن لا نصاب بالدهشة بعد عقود إذا وجدنا الصين تنتقل من الهيمنة على تايوان المتنازع عليها إلى مناطق أخرى، خاصة أن بكين عضو دائم في مجلس الأمن الدولي، وهو أحد مظاهر الهيمنة المطلوبة. ولا أعتقد أن قوى عظمى كاليابان وألمانيا لا تراودهما أحلام الهيمنة لولا المعاهدات المقيّدة لهما منذ هزيمتهما في الحرب العالمية الثانية. وربما اكتفت برلين وطوكيو حتى الآن بالهيمنة الاقتصادية والتجارية الهائلة على العالم، خاصة أنه قلما يخلو بيت في العالم من السلع الإلكترونية اليابانية الباسطة نفوذها على الجميع على أمل أن تتاح لهما فرصة الاستعمار والسيطرة على الغير لاحقاً.
علينا أن نعرف أن الكبار يفكرون بعقلية أخرى غير تلك التي يفكر بها الصغار. وكما يقول المثل الشعبي: "على قدر بساطك مد رجليك". وبما أن البساط المتوفر للدول الكبرى طويل للغاية فلا بد من استغلاله إلى أقصاه.
وللمستبشرين بالقوة الصينية الصاعدة، أود أن أشير بأنها دخلت مسبقاً في صراع استعماري مع الأمريكيين على إفريقيا من أجل المعادن والنفط. وحدث ولا حرج عن روسيا التي بدأت تفكر بعقلية استعمارية واضحة للعيان من خلال موقفها المناهض لأي تدخل غربي في سوريا. يا الله ما أسخفنا ونحن نهلل للروس ونصورهم على أنهم أصدقاء. هل كانوا ليقفوا مع النظام السوري لولا وجود قواعدهم الاستراتيجية في الأراضي السورية؟ طبعا لا،فقاعدتهم في طرطوس مثل كل القواعد الاميركية في اي مكان اخر من العالم. لماذا حرام على الغرب بناء قواعد له هنا او هناك وحلال على الروس استباحة الأراضي والمياه السورية تحت ذريعة الصداقة؟ وكذلك الأمر بالنسبة لإيران التي باتت تعتبر سوريا ولبنان مجالا حيويا إيرانيا بامتياز. وليس عندي أي شك بأننا سنهلل قريبا للنفوذ البرازيلي والجنوب إفريقي والهندي في بلادنا طالما أنه ينافس النفوذ الغربي في المنطقة دون أن ندري أنه مجرد استعمار جديد آخر. هل يعقل أن نطبل ونزمر للصاعدين الجدد لمجرد انهم يتنافسون على بلادنا مع من نناصبهم العداء من أمريكيين وأوروبيين؟ متى ندرك أنه مجرد تنافس استعماري على الفرائس لا أكثر ولا أقل؟ متى نبني قوة ننافس بها المتنافسين علينا من الشرق والغرب بدل أن نستجير من مستعمر بآخر؟ متى نتوقف عن التصرف كالمرأة الصلعاء التي تتباهى بشعر جارتها?.


www.deyaralnagab.com