بقلم : د.شكري الهزَّيل ... 26.01.2012

على مدى عقود من الزمن ترددت في الاعلام العربي والاعلام العالمي بشكل عام مصطلحات وتسميات ما يسمى بالقرارات الدوليه وضرورة التزام الدول والمؤسسات والافراد ب تطبيق هذه القرارات والالتزام بها حتى لوكانت على شكل عقوبات صارمه مفروضه على دول بعينها ادت وتؤدي الى المس بالحقوق الاساسيه لشعوب تلك الدول الى حد تجويع هذه الدول ومنع عنها الغذاء والدواء الى اخره من خدمات كما جرى في العراق وليبيا في بداية ومنتصف تسعينات القرن الماضي وحتى بداية هذا القرن ,حيث حاصر الغرب الامبريالي العراق على مدى اكثر من عقدين ليلحق به اشد الخسائر البشريه والماديه لابل ليدمر كامل البنيه التحتيه والمؤسسيه العراقيه الى ان جاء الغزو الامريكي عام 2003 ليدمر العراق بالكامل ويتركه اليوم في حاله يرثى لها بعد اكثر من ثمانية اعوام من الاحتلال والحرب وقد شكَّلَّت ما يسمى بالقرار ات الدوليه الصادره عن هيئة الامم ومجلس الامن الاساس لجميع اشكال الدمار التي لحقت بالعراق سواء الخسائر في الارواح جراء الحصار والاعمال العسكريه او الخسائر الاقتصاديه والماديه الناجمه عن تدمير البنيه التحتيه والحيلوله دون ترميمها او اعادة بناءها بهدف الحيلوله دون اعادة الخدمات العامه للمواطنين كعامل ضغط ضد الحاكم او نظام الحكم المستهدف في هذه الدوله لابل ان القرارات الدوليه المزعومه استعملت وتستعمل لفرض التخلف التقني والاقتصادي قسريا على كثير من الدول من خلال حصار هذه الدول ومنع تصدير المواد الحيويه او قطع االغيار لهذه الدول وهذا حصل وما يحصل في كوبا منذ عقود طويله وحصل في العراق وليبيا سابقا حيث دمر الحصار وما يسمى بالقرارات الدوليه البنيه التحتيه والاقتصاديه لهذه الدول والمفارقه ان هاتين الدولتين العربيتين قد دمرا بالكامل فيما بعد من خلال العدوان المباشر على العراق عام2003 وليبيا وتدخل حلف الناتو عام 2011 في احداث ليبيا وتدمير البنيه التحتيه الليبيه بالكامل.. سقط القذافي بعد ان طُبقت مقولة علينا وعلى اعداءنا. ليبيا اليوم مدمره بالكامل..مدينه مدينه وشارع شارع... وعن حال العراق الذي دمرته القرارات الدوليه حدث بلا حرج ملايين القتلى والجرحى والمشردين ودمار جاب ويجوب وشمل ويشمل جميع المدن والمناطق والمحافظات العراقيه....اسس هذا الدمار ومنطلقه كانت القرارات الدوليه"الامريكيه" التي صدرت عن هيئة الامم ومجلس الامن واستهدفت العراق ارضا وشعبا ودولة..سقط صدام وبقي الدمار من البصره الى بغداد..سقط القذافي وظل الدمار مزروع في ليبيا زنقه وشارع شارع ومدينه مدينه. من مصراته وحتى سرت... في هذه الاثناء تتهم منظمات انسانيه وحقوقيه حلف الناتو بتجاوز القراررقم 1973 في ليبيا وارتكاب جرائم حرب مروعه بحق المدنيين في ليبيا لابل ايضا المساهمه في تدمير مدينة سرت بالكامل!!
من اللافت للنظر ان اكثرية الحروب الدمويه التي خاضتها الدول الامبرياليه ضد الدول والشعوب الاخرى كانت شرعيتها وتشريعها ينطلقا من قرارات دوليه صادره عن مجلس الامن منذ حرب الكوريتين في خمسينات القرن الماضي ومرورا بحرب فيتنام في ستينات القرن الماضي وحتى العدوان على العراق في تسعينات القرن الماضي ومن ثم احتلاله من خلال العربده الامريكيه المباشره عام 2003 واللافت للنظر ان القرار الدولي الذي صدر في عام 2011 بهدف حماية المدنيين في ليبيا من بطش القذافي قد تحول في النهاية الى وسيلة دمار شامل للبنيه التحتيه الليبيه..سقط النظام وبقيت ليبيا مدمره بالكامل بدون بنيه تحتيه وخدمات اساسيه صحيه...تبدو هنا المفارقه من العيار الثقيل: قرار اممي لحماية الشعب الليبي يترك المدن الليبيه مدمره على راس قاطنيها ومن ثم يختفي ويترك الشعب يعاني الويلات والمأسي والنقص في الغذاء..مدينة سرت الليبيه وغيرها من مدن ليبيه شاهده على هذا الواقع المر...يدمرون الدول بقرارات دوليه ومن ثم يحصلون على حصة الاسد من اعادة الاعمار والنفط الخ...اعادة الاعمار والسرقه والفساد وهدر ملياردات الدولارات كما جرى ويجري في العراق بعد الغزو والاحتلال الامريكي..حتى القرارات الامميه المتعلقه بالنفط مقابل الغذاء في العراق شابها الفساد والسرقه والرشوه..قرارات امميه ودوليه لتدمير الدول ومن ثم اعادة اعمارها وتدوير دائرة الاستغلال وتوسيع دائرة النهب والسرقه والفساد.. الفساد الذي قدم على ظهر الدبابات الامريكيه الى العراق اصبح اليوم وباء فساد يصول ويجول في كل مؤسسات الدوله العراقيه ولهذا تحتل العراق تقريبا المرتبه الاولى عالميا في الفساد وعما قريب ستلحقها ليبيا في اعادة الاعمار و تفشي الفساد...!!
من اللافت الى النظر ان الغرب الامبريالي ومعه الدويلات الخليجيه العربيه عاد ليطنطن من جديد على سمفونية قرارات دوليه متوقع اصدارها ضد ايران ومن جديد يعود الاعلام العربي الخليجي بالذات بالطنطنه حول ضرورة الالتزام بالقرارات الدوليه اذا صدرت بحق ايران وهوالاسلوب نفسه التي اتبعته دول المحميات الامريكيه مع العراق المحاصر على مدى عقود وحتى سقوطه بالكامل تحت الاحتلال الامريكي عام 2003...القرارات الامبرياليه المسماه بالدوليه تبحث لها دوما عن حلفاء اقليميين مجاورين للدول المستهدفه وهذا النموذج يتجسد كاملا في دور ما يسمى بمجلس التعاون الخليجي الذي ساند حصار العراق منذ عام 1991 وحتى احتلاله عام 2003 والان نرى ونشهد نفس التطور ونفس النموذج بما يتعلق بالصراع الغربي الايراني..دول المدوَّر التي تدور في فلك الحمايه الامريكيه تمارس نفس الدور ونخشى ما نخشاه ان تصل الحاله السوريه ايضا الى مرمى القرارات الدوليه والمصالح الغربيه.دول المدوَّر العربيه تحاول تدويل الحاله السوريه الى درجة اصدار قرارات دوليه ملزمه, مما يعني حرب ودمار في سوريا..قد يسقط النظام في النهايه,,,لكن سوريا تبقى مدمره الى عقود قادمه وستكون اعادة الاعمار بطيئه نظرا لغياب الامكانيات الاقتصاديه والماليه الكافيه في هذا البلد... وعلى الجميع ان يحك مخه ويفكر في الحاله العراقيه التي لم تخرج من حالة الدمار وعنق الزجاجه بالرغم من بدء الاعمار المزعوم منذ عدة اعوام..اكثرية اموال العراق الغني بالنفط والموارد ذهبت ضحية الفساد والرشوه والخيانه..دمار بدون اعمار!!!
لم يقتصر الامر على قرارات دوليه هدمت دول ودمرتها ولم تعيد اعمارها لابل وصل الامر الى تدمير اوطان وتهجير شعوبها بالكامل واحلال لمم استكباري امبريالي في مكان واوطان هذه الشعوب ولا يوجد مثالا صارخا في العالم كما هو الحاله الفلسطينيه وحال الشعب الفلسطيني الذي كانت ما يسمى بالقرارات الدوليه اساس ومنبع مأساته المستمره منذ العام 1948 وحتى يومنا هذا, حيث اعتمدت الامبرياليه الغربيه والصهيونيه على اساس قرار تقسيم فلسطين عام1947 [القرار رقم181] في اكبر عمليه اجراميه عرفها التاريخ البشري وهي عملية طرد وتشريد الشعب الفسطيني من وطنه بقوة السلاح الصهيوني والامبريالي المعتمد على اساس قرار امبريالي اجرامي سمي زورا بقرار دولي او اممي او ما شابه من قرارات الاجرام الامبريالي...
المدن والقرى الفلسطينيه لم تُحتل وتدمر[في حينه عام 1948 او مع مرور الزمن] فحسب لابل قامت الامبرياليه والصهيونيه بتشريد اكثرية الشعب الفلسطيني واحَّلت مكانه المستوطنين الصهاينه الذي اطلق عليهم زورا تسمية المهاجرين اليهود..هنالك فرق بين مهاجر سلمي لدوله ما يبحث عن وسائل وظروف عيش افضل ومهاجرعدواني هدفه طرد الشعب الاصلي لهذه البلاد او تلك..ماجرى في فلسطين هو ان ما يسمى بالمهاجرين اليهود جاءوا ببرنامج امبريالي كامل يتكون من شَّقين اساسيين وملحقاتهن وهما تشريد الشعب الفلسطيني بقوة السلاح ومن ثم اقامة دولة المهاجرين العدوانيين على ارض هذا الشعب..جغرافيا وطن الشعب الفلسطيني يُسلم للمم من المهاجرين لاقامة دولتهم عليه!...وطن شعب و كيان دوله اخرى على وطن شعباخر..وطن الفلسطيني ودولة اليهودي..كيف؟..هذا ماجرى بقرار اممي امبريالي وهذا ماجرى ترسيخه من خلال قرارات امميه ومماطله مقصوده على مدى اكثر من ستة عقود..قرار التقسيم 1947 حقق هدف طرد الشعب الفلسطيني من وطنه واقامة كيان دولة لمم المهاجرين الاحلاليين والعدوانيين..قرار حق العوده1948 [ القرار194] والذي لم يطبق حتى يومنا هذا.. وقرار 242 عام 1967 بما يتعلق بالانسحاب من الاراضي التي احتلت ذاك العام وتبع هذه القرارات قرارات كثيره.. كلها مجتمعه كانت مجرد قرارات دوليه وهميه لتثبيت القرار الاول وتثبيت وجود اسراويل التي تمددت جغرافيا وديموغرافيا منذ العام 1948 وحتى يومنا هذا2012 على حساب الوطن الفلسطيني..الذي جرى في فلسطين ليست قرار امبريالي بهدف الدمار والاعمار لابل سرقة وطن كامل وتدميره جغرافيا وديموغرافيا بهدف احلال كيان دوله يقطنها لمَّم من المهاجرين تقودهم العقليه الاستعماريه الغربيه لا بل ان ثيودر هرتسل الاب الروحي للصهيونيه قد اكد في كتابه " دولة اليهود" الصادر في النمسا عام 1896 بان الحركه الصهيونيه جزء لا يتجزأ من الفكر الاستعماري الغربي والاوروبي واحتلال فلسطين هو جزء من هذا الاستعمار وامتدادا له..حليف استراتيجي...حليف مزروع في قلب العالم العربي بهدف التحكم به وتسهيل مهمة السيطره عليه وغزو بلدانه متى كان ذلك مطلوبا امبرياليا وصهيونيا لابل ان حروب اسراويل التي شنتها على لبنان 2006 وغزه 2008 كانت وما زالت تندرج تحت استراتيجيه ايقاع اقصى كم من الدمار في البنيه التحتيه الى حد يصعب فيه الاعمار وهذا ماهو حاصل في لبنان جزئيا وفي غزه بالكامل بعد ان دمر القصف الجوي والمدفعي الاف البيوت والمؤسسات والجسور[البنيه التحتيه] في لبنان وقطاع غزه..الحرب كانت مدعومه من الغرب الامبريالي بقرار دولي ضمني...عدم ادانة اسراويل في هيئة الامم وحمايتها من خلال الفيتو الامريكي دليل واضح على ان اسراويل حصلت على قرار دولي امبريالي ودعم لتشريع عدوانها على كل من لبنان وغزه..دمار دون اعمار كوسيله للردع... ودمار واعمار كاستراتيجيه امبرياليه تختبئ وراء ما يسمى بقرارات الشرعيه الدوليه....الشرعيه الدوليه المزعومه والمتمثله بهيئة الامم ومجلس الامن هي شرعيه امبرياليه فرضتها نتائج الحرب العالميه الثانيه في منتصف اربعينات القرن الماضي وظلت قائمه في هيئة الامم الامبرياليه حتى يومنا هذا..استكبار واستعمار..قرارات دوليه امبرياليه...تشريع العدوان..حرب ودمار ومن ثم عملية اعمار مربحه للشركات الغربيه او الحوذ والاستيلاء على مصادر النفط كماجرى في العراق ويجري الان في ليبيا..قرار دولي مزعوم..حرب..دمار.. ومن ثم اعمار وتجاره وربح لصالح الدول والشركات الغربيه الامبرياليه.. لا علاقه للامر لا بالديموقراطيه ولا بالعداله الاجتماعيه.. دمار وإعمار :الامبرياليه واكذوبة القرارات الدوليه..جرائم القرارات الدوليه...لم تدخل الامبرياليه الامريكيه والغربيه بلدا بقرار دولي الا وتركته خرابا ودمارا ومقسما ومنهكا اقتصاديا واجتماعيا الى عقود قادمه..كوريا.. فيتنام..فلسطين..العراق..ليبيا..الخ.. والحبل على الجرار.. قرار فعدوان ودمار فإعمار!!