لا توجد شعوب بلا كرامة بل أنظمة حقيرة..!!
بقلم : سهيل كيوان ... 13.09.2012
'الشعب السوري ما بنذلّ'، كذلك الشعب الكوري بشماله وجنوبه، والشعب الياباني الحائز الوحيد على ضربة نووية، والاسكندنافي، الفيتنامي، الصومالي، البرازيلي، كل الشعوب بلا استثناء، حتى شعب الأسكيمو ما بينذل، بل حتى الشعب الفلسطيني الذي تناوشته المصائب والمكائد والإذلال المنهجي من كل حدب وصوب، ها هو ينتفض ويرجم صُور من أخذوا على عاتقهم العمل كمقاولين ثانويين لدى الاحتلال.
لكل شعب كرامته وكبرياؤه، لا توجد شعوب تولد مع كرامة وأخرى منزوعة الكرامة، ولكن هناك اختلافا في مفهوم الكرامة بين شعب وآخر تبلوره ظروف بيئية تاريخية وتطور اجتماعي اقتصادي سياسي، لا بل إن مفهوم الكرامة قد يختلف بين أبناء الشعب الواحد نفسه، بين أبناء المدن والأرياف مثلا، في القرية يزعل المضيف منك إذا دخلت بيته ولم تشرب قهوته ويصر على أن تشربها، بينما هناك نكتة عن المضيف من أبناء المدينة، (عكا)، مثلا الذي يقول لضيفه: 'تشرب قهوة أم تلحق الباص'!، الكرامة لدى رجل الأسكيمو القديم كما تعلمنا في مطالعاتنا تبدو خيالية، فقد كان يقدم زوجته كمدفأة لضيفه حتى تمنينا زيارة الأسكيمو، بينما قد تنزل في ضيافة عربي في بعض المناطق أياما دون أن تسمع صوت إنثى في بيته، حتى تستغرب من وكيف ومتى يعدون الطعام.
كرامة الألماني قد تكون في التنافس مع الآخرين على اختراع أو اكتشاف علمي جديد، وقد يشعر الياباني بالإهانة إذا ما تفوق عليه الصيني في الصناعات الدقيقة، وقد يحمر وجه الروسي إذا ما تفوق عليه الإيطالي في الرقص على الجليد، بل إن الكثير من الحيوانات لها كرامتها، وهناك قصص عن قطط أهينت من قبل أصحابها فأضربت عن الطعام أنفة وكبرياء، حتى الكلاب، أعرف كلبًا ترك بيت صاحبه ولم يعد عندما كرر صاحبه إهانته وضربه بعدما كان مدللا.
في حقبة ليست بعيدة كان بعض الرجال العرب يشعرون بالإهانة إذا ما اضطروا للخروج إلى العمل في مصنع كأجيرين، وكان بعضهم يرفض العمل أجيرا فيقول 'أنا لن أبهدل نفسي' معتبرًا أن العمل في مصنع والانتماء للطبقة العاملة بهدلة وقلة قيمة، وهناك من يخجل من الوقوف للتظاهر في مواجهة الفقر، وهناك مئات القصص عن عمال تركوا أعمالهم ومصدر رزقهم عندما أشار لهم مدير العمل بأن يفعلوا كذا وأن لا يفعلوا كذا، تركوا عملهم غاضبين معتبرين ملاحظة المدير هدرا لكرامتهم، أما بالنسبة لعمل المرأة فحدث ولا حرج، فليس من زمن بعيد ألقى خطيب الجمعة في إحدى قرانا خطبة وصف فيها النساء العاملات بأوصاف بذيئة، الأمر الذي أدى إلى بهدلته مباشرة بعد الخطبة من قبل أزواج وذوي وأقرباء وأنصار النساء العاملات.
الكرامة أمر نسبي وقيمة عالية التركيب، وإذا كانت هناك شعوب تفتقر لهذه القيمة أو تشكو من تدنيها فهذا يعود لنظام الحكم الذي يرفع من هذه القيمة ويعززها لدى المواطن أو أنه يهبط بها إلى أسفل سافلين، يُحكى أنه في زمن الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز وفي إحدى السنين لم يعثروا على فقير يأخذ الزكاة من بيت مال المسلمين، كان هذا قبل اكتشاف البترول، وذلك لتوفر الاكتفاء لدى جميع مواطني دولته الذين بلا شك شعروا بكرامتهم الشخصية إضافة للشعور بكرامة الوطن، فأمر الخليفة عمر بن عبد العزيز بأن تبذر الجبال بالقمح كي تأكل الطير ولا تجوع في بلاد المسلمين، وهذا تاريخ مسيّل للدموع عندما تسمع وترى الفقر في بلاد العرب التي تكسب مليارات الدولارات من عائدات النفط يوميا، فيشعر المواطن بإهانة شخصية لفقره وحرمانه من خيرات بلاده وبإهانة وطنية وقومية لأنه يدرك أين وكيف تزهق هذه الأموال وخصوصا على صفقات السلاح التي لن تستخدم إلا لقمعه هو نفسه، ولهذا لا أستغرب أن يتمنى المواطن العربي في كثير من الحالات أن تُدمر أسلحة حكومة بلاده، وأن تحترق في مواقعها لأنها في نهاية المطاف لن توجّه إلا لصدره لدوس كرامته، مئات المليارات أزهقت لاقتناء طائرات حربية لم تقتل سوى مواطنيها، بل حتى المضادات للطائرات استخدمت ضد المواطنين.
الأعداء لم ينجحوا بإذلال الشعب السوري صاحب شعار 'الشعب السوري ما بينذل' في ثورته الحالية، ولا حتى عندما خسر حروبا وضحى بعشرات الآلاف من أبنائه، فقد ظلت روح المقاومة ترفرف فوق رؤوس السوريين، كانت المشاعر القومية الملتهبة تعوّض الشعور بالغبن وفقدان العدالة الاجتماعية، ومع مرور الزمن وتفاقم الشعارات وتضخمها للتغطية على الواقع البائس بدأ المواطن يشعر بأن هناك من يستهبله ويذرو في وجهه الشعارات القومية كي يمعن في استغلاله غير عابئ بإفقاره وحتى تجويعه، بل ويغلق له فمه بالقوة ويحرمه من أبسط حقوق الإنسان الشخصية في التعبير وذلك باسم أمن الوطن وقدسية العروبة، المواطن شعر أن هناك هوة تتسع يوما بعد يوم بين الشعارات الجوفاء والواقع المرّ، فانتفض مطالبا بكرامته الشخصية مدركا انه لا يمكن للوطن أن يكون مكرّما بينما المواطن مسلوب الكرامة، لا يمكن أن يكون الجسد معافى بينما خلاياه مريضة.
'كرامة الوطن'، أصبحت سلاحا يشهر في وجه المواطن المطالب بكرامته الشخصية، فمن أنت أمام كرامة الوطن! من أنت أمام القضايا القومية الكبرى! ثم يتهم بالعمالة والخيانة والتآمر في موقع ما، وفي موقع آخر يتهم بالكفر والزندقة وعصيان أولي الأمر، ولا نعرف ماذا سيسمون الثائرين ضد السلطة الفلسطينية في مواجهة إذلالهم.
غريبة هي وطنية السلطة الوطنية الفلسطينية التي تقوم بدور جيش الآحتلال في مواجهة شعبها الجائع، فيهرع الاحتلال ويطالب العالم بإنقاذها، سافلة تلك 'القومية' التي تقصف شعبها بطائرات الميغ، هذه الطائرات التي لم تطر باتجاه العدو ولا الأرض المحتلة ولا مرة واحدة ولو على سبيل التذكير، ثم يتنفس قائدها العام الصعداء ويقول عن دمار البلد 'إنها عملية تنظيف ذاتية'، مقرفة تلك التسميات الدينية التي يرتكبون تحت غطائها كل الموبقات التي عرفتها البشرية منذ نشوئها.
عندما قال درويش 'عابرون في كلام عابر' في الانتفاضة الفلسطينية الأولى....قصد المحتلين..ويحق لنا كمواطنين عرب أن نقول للأنظمة الحقيرة...أما أنتم فـ'عابرون في شعارات عابرة'...
www.deyaralnagab.com
|