logo
احتجاجات نسوية ... مرتقبة!!

بقلم : لينا جزراوي  ... 27.07.2011

لقد طالت الحراكات الشعبية كافة فئات ومكونات المجتمعات العربية ، بما فيها المجتمع الأردني ، ولم تؤخذ مطالبات النساء بعين الاعتبار والجدية كالتي تؤخذ بها باقي الاستحقاقات ، وهذا ليس بغريب على مجتمعات رجعية لا ترى في هذه المطالبات سوى خروج عن منظومة القيم والتقاليد خصوصا فيما يتعلق بحقوق النساء لذلك يتوجب على الأصوات النسائية الناشطة والمطالبة بالمساواة في العالم العربي أن تتحول الى حركات احتجاجية وتنضم الى الحراكات الشبابية المطالبة بالاصلاح ، فحتى الآن لم يدرك صانعوا القرار خطورة انتهاك حقوق النساء وتأثير ذلك على المجتمع إلا إذا سلمنا جدلاً إنهم يغضون الطرف كون النساء بنظرهم الجزء الأضعف من مكونات المجتمع ، وما زلنا نرى أن مجتمعاتنا تتعامل مع هذه القضايا وكأنها مسائل قابلة للتأجيل وتضعها جانباً مؤجلة الى اشعار آخر ، قضايا النساء ليست بعيدة عن كل هذا الحراك الذي نما وترعرع فيما أصبح يسمى "ربيع العالم العربي" فلماذا يريد البعض من صانعي القرار أن تبقى النساء تعاني تحت لهيب شمس صيف حارقة وكأنها تحارب سرابا سوف لن يكتب له ان يرى النور في مطالب محقة ومشروعة ألم يحن الوقت بعد للنظر الى نصف المجتمع إنه موجود فعلاً على الأرض وليس حبراً على ورق مهمل في ادراج صانعي سياسات وتوجهات البلاد أم أن الأمر بات ملحاً لتحويل بعض العقول الى لجان مكافحة التخلف أسوة بلجان مكافحة الفساد؟
ينبغي ايلاء القوانين والتشريعات الخاصة بالمرأة الأهمية القصوى وتعديلها من أجل صناعة أرضية صلبة تخرج منها المرأة من فلك الدور الذي فرضه عليها المجتمع لتكون جنبا الى جنب مع الرجل وشريكة حقيقية له ، لها نفس الحقوق وعليها بالمقدار ذاته نفس الواجبات ، ويأتي في مقدمة مطالباتنا الملحة اليوم االمساواة في حق منح الجنسية لأبناء المرأة العربية المتزوجة من أجنبي، وهذا تمييز تشترك فيه كل الدول العربية مع استثناءات بسيطة.
و يجب الضغط باتجاه استكمال موائمة القوانين الوطنية مع الاتفاقيات الدولية ورفع التحفظات الكاملة عن بنودها ،فما فائدة المصادقة والتوقيع في هذه الحالة الا المراوغة أمام المجتمع الدولي وهذه الاتفاقيات لم تحقق أي تقدم على وضع النساء في مجتمعاتنا، كما أن التعديلات يجب أن تتم بشكل متواز كحزمة واحدة غير قابلة للتجزئة ، فتعديل قانون العمل الأردني الذي يفترض فيه أن يحقق انخراط أعلى للمرأة في سوق العمل ، هو اجراء ايجابي ، لكن منظومة القوانين الاخرى كالأحوال الشخصية ، لم تساعد المرأة على تحقيق التوازن بين دورها الانجابي ودورها الانتاجي ، بل بالعكس زاد من تقييد حريتها وكبل طموحها ، ولم يحقق الهدف الذي حدث من أجله ، وهذا متوقع في مجتمع مازالت تركيبته الثقافية تؤثر على وضع المرأة حيث ما زال العرف فيه أقوى من القانون ، والمرأة هي التي تدفع ثمن سيادة هذا العرف.
ما نحتاج اليه هو عمل دؤوب منظم ، وحراك نسوي منظم بوتيرة عالية ، يهدف الى الحد من أثر بعض القيم والمبادىء التي أصبحت بمثابة قوانين تحكم العلاقات الانسانية في بلداننا ، وتؤثر على المرأة بشكل مضاعف عن تأثيرها على الرجل ، فعداك عن ضيق مساحة الحريات في مجتمعاتنا للرجال والنساء والتي تقلصت بفعل فاعل من حرية سقفها السماء الى حرية وؤدت في المهد ، تبقى المرأة على هذا الحال يراوح وضعها بين الإسكات والتسكيت في محاولة لإبقائها خارج دائرة الفعل وردوده المجتمعية.
وبنظره قريبة لتفاصيل القوانين والتشريعات يمكننا أن نرى كيف أنها تدفع بالمرأة باتجاه الاستغناء التام عن دورها المجتمعي ، وعن مكانها في المجال العام ، من خلال الاعباء المترتبة والمتزايدة عليها كزوجة وربة أسرة ، وحيث أن دور الدولة في العالم العربي غائب تماما عن رعاية متطلبات واحتياجات المرأة في الغالب ، فان أكثر ما تسعى اليه هو الزواج والانجاب وبالتالي التفرغ لهذا الجانب - الذي لا نقلل من أهميته- لكنه يبقى ضمن منظور العمل غير المنتج ولا يدخل حسابه في معدل الدخل القومي ولا يتعدى كونه مسؤلية من طرف واحد تزداد من خلاله هموم واعباء النساء في مجمل دورة حياتهن، وأكثر من ذلك يصبح دور ملزم للمرأه توضع ضمن اطاره وتقيم من خلاله لتبقى تدور في حلقة مفرغة من الإلتزامات المتزايدة التي تولد بعض من اشكال العنف والتبعية يبقى المسكوت فيها ومن خلالها أكبر بكثير من ذاك الذي نستطيع البوح به.
أما مشاركة المرأة في الحقل السياسي فحدث ولاحرج، فقد بات واضحا من أن الجهود المبذولة من أجل اقناع المرأة والمجتمع بضرورة وأهمية المشاركة في التصويت والترشيح وحتى في الانضمام للأحزاب السياسية في كافة أنحاء العالم العربي ،قد فشلت في تحقيق تقدم بسبب قصور برامج الدولة في احداث تمكين حقيقي للنساء وافتقارالأجواء الديمقراطية والمحاسبة والشفافية في تداول السلطة فيها ، وفي الغالب يتم الإكتفاء بما تمن علينا به الحكومات من تمثيل ومشاركة محدودة للنساء بما يخدم صورتنا أمام المجتمع الدولي فقط وهي في الحقيقة صورة خادعة ، لأن الحقيقة أنه مازال التمثيل والمشاركة في الشأن السياسي للنساء في المجتمعات العربية خجولا ومستهدفا، فثقافة المجتمع تستهين بقدرة النساء على الادارة والقيادة والتأثير ،و الاعلام يستهدف أداء النساء فيركز كل طاقاته على اظهار المرأة بأنها ضعيفة الأداء وغير كفء لهذا الدور مما يؤثر على اختيار الناخب للمرأة ، كما ويؤثر على ثقة المرأة بنفسها وبقدرتها على القيادة ، فتنسحب من موقعها ، بينما يظهرهذا الاعلام الرجل بأنه الأقوى ، صاحب السلطة ، والأكفأ.
نحن نؤمن ان المعيقات الثقافية في العالم العربي مازالت تحتل حيزاً اساسياً مما نعاني نحن النساء من تمييز ممارس ضدنا ، وسوف لن يحدث تغيير حقيقي ما لم يحدث حراك نسوي احتجاجي على هذا الصعيد، مقروناً بتوجهات حقيقية نحو التغيير ضمن رؤى جديدة تحتل مفاهيم المساواة والحرية والديمقراطية والسلم الأهلي اولويات فيها لا ان نستمر بالمنهج المتبع والذي يتذرع دائما بخصوصية المجتمع ، فكل مجتمع له خصوصية ، لكن ليس على المرأة فقط ان تراعي وتتحمل وزر هذه الخصوصية غير المرئية حدودها في أغلب الأحيان، وأن تقدم التنازلات لتحافظ على هذه الخصوصية.

*كاتبه اردنيه..المصدر:مركز مساواة المرأه

www.deyaralnagab.com