logo
المرأة التي تشد أزر الرجال..من يشد أزرها؟!

بقلم : هيام ضمرة ... 14.10.2011

ليس بغريب أن تنهض إمرأة من أقصى ظلمة التخلف العربي لترفع راية الحرية والكرامة والتغيير والإصلاح.. وليس بمستغرب أن يشتد بها العزم لتنهض ببنات جنسها وتعينهن على نيل حقوقهن وتثقفهن تجاه المحافظة عليها وعدم التهاون في خسارتها، وتسعى حثيثاً بهمة ونشاط من خلال قلمها وجهدها لرفع سويتهن التوعوية والحقوقية والمعرفية بشأن انخراطهن في الحياة حسب مقتضيات الشرع والمنطق، إمرأة تجمع كل مقومات الإنسان المبدع الواعي المستنير المرتقي بعلمه وتعليمه، إمرأة فاعلة ومتفاعلة لا تقف عند حد الحصول على اللقمة التي تحقق العيش، إنما إمرأة كما أراد لها خالقها أن تكون كما يكون الإنسان الذي حمل مسؤولية الأرض والإنسان عماراً ونظاماً وكان على نفسه ظلوماً، إمرأة رائدة تدرك جيداً دورها في الحياة وتجاه الإنسان نفسه، لأن المرأة شريكة الرجل في إعمار الأرض وتحقيق صلاح الإنسان والإنسانية حسب النص القرآني الصريح!
توكل عبد السلام كرمان.. الشابة الثلاثينية الريفية الأصل، الكاتبة والأديبة والشاعرة قبل أن تكون الصحافية والناشطة الحقوقية والناشطة السياسية، إبنة تعز الأصل وصنعاء المعيش، الحاصلة على بكالوريوس التجارة وماجستير العلوم السياسية، ودبلوم عام التربية من صنعاء، ثم دبلوم الصحافة الاستقصائية من الولايات المتحدة.
يكفي أن نعلم إنها إبنة الرجل الحقوقي والسياسي عبد السلام كرمان لندرك صدق المقولة القائلة أنّ إبن البط عوّام، أورثها العزم وثقافة ملاحقة الهدف السامي لتصل إلى تحقيق أفضل النتائج، تحمل فضل انتمائها لأسرة متفهمة ومثقفة ومنفتحة بحدود الوعي والمنطق، أدركت مقومات شخصية إبنتها فمنحتها حرية التعبير والقرار والانخراط المجتمعي فحققت أول ما حققت ثقتها بنفسها وبهدفها، فكانت كما أرادوها صورة ناصعة وإسم مضيء يشار له بالبنان، وهاهي "توكل" تسابق نساء العالم والبلاد العربية كلها لتكون أول إمرأة شابة مسلمة تفوز بجائزة نوبل للسلام العالمية " مشاركة" والتي يطمح إليها من قضوا السنين الطوال في العمل العام، ليس ذلك وحسب بل والترتيب الثالث عشر ضمن المئة شخصية ذات الأثر واضح في مجتمعها على نطاق العالم، وصنفت ضمن أقوى 500 شخصية في العالم، وقد كانت وسائل الإعلام تركز عليها خلال قيادتها للثوار رجالاً زنساء، فتوكل تخرج من مجتمع ربما يكون من أكثر المجتمعات العربية تأخراً في الركب الحضاري، وأصعبه تكويناً مجتمعياً بعشائريته وقبليته، وأكثره تسلحاً، وأشده ارتباطاً بالعرف والتقاليد، يمور بالطوائف مما شاع معرفته ومما لم يسمع عنه إلا بالبحث والتقصي، أستطيع تسميته ببلد التنوع والتعايش العجيب وتوكل الناشطة الإسلامية المحجبة عضو اللجنة المركزية في حزب التجمع اليمني للإصلاح ذي الخلفية الإسلامية، تترأس منظمة صحافيات بلا قيود، وتوجه سنان دفاعها عن الحقوق الإنسانية وحقوق الحريات والتعبير، وحقوق المرأة، وحقوق المواطنة العادلة، تنشط في مجتمع قبلي طغت عليه العادات القبلية على حساب شرعية الحكم الإلهي في العدالة بين عنصري الإنسانية الرجل والمرأة، لتُستلب حقوق القوارير الأضعف تحت مسمى المحافظة، وتشارك توكل بقوة في ثورة الشباب اليمني كقائدة واعية لمطالب الاصلاح وتحقيق دولة مدنية ديمقراطية تحت حكم رشيد تحقق حلم الشباب في الاصلاح والتطور، خاصة أن جيل الشباب هو اليوم شغوف لأن يخرج من عباءة المفاهيم المغالطة والتخلف، ويحقق وحدة وطنية تتجاوز شتات العشائر ومفاهيم التناحر على السلطة.. ولا تتورع "توكل" من رفع صوتها عالياً دون أدنى خوف، مطالبة ببناء دولة العدالة والإصلاح دون وجود علي صالح على رأسها، والذي تؤمن إيماناً راسخاً أن عودته لا تعني مشروعية وجودة على رأس الحكم، وإنما جاءت ضمن مؤامرة خارجية هدفها إحباط الثورة، بل إنها تقسم بأن نساء اليمن من سيدخلن مقره وينتزعنه من مكانه كما الشوكة التي تثخن جسم الحقيقة، فقد فقدَ علي صالح شرعيته وبات خارج المعادلة ولا مجال لقبوله ضمن خطط مستقبل اليمن، مؤكدة أن الثورة مستمرة حتى تحقيق الهدف ببناء الدولة الحديثة والجديدة من وسط خيام ساحة التغيير.
وبدت توكل مناضلة صلبة تطالب بالسقف الأعلى من الاصلاح بما في ذلك القضاء على الفساد الإداري والمالي الذي التهم خزينة الدولة واستلب حق المواطنين بحياة كريمة وتطور يتناسب وتطور العالم المتحضر، فتوكل واعية تماماً بحق المواطنة وحق الوطن، وتشدد بعدم إنهاء الثورة إلا برحيل علي صالح عن رأس السلطة خاصة أنه لم يعد ممسكاً بزمام الحكم بالبلاد.. تفاجأت كما تفاجأ العالم بفوزها بمثل هذه الجائزة وهي الأعلى قيمة على المستوى الدولي، وتنظر إليها على أنها فوز لثورة الشباب اليمني الذي أثبت حضاريته خلال الثورة، وتماسك في وحدة المطالب متجاوزاً كل مواقف الإحتداد القبلي، ولذلك فهي تزمع تقديم قيمة الجائزة لخزينة الدولة الجديدة.. وليس توكل وحدها ولا الأنثى العربية والشابة الوحيدة التي ترشحت للجائزة، فقد ترشحت عدة أسماء من النشطاء الشباب إناث وذكورمن أولئك الذين حشدوا الحشود وحركوا شوارع ثورات الربيع الشعبية العربية في تونس ومصر، إنما جاء فوز توكل بعدد الأصوات التي رشحتها بناء على دورها الأصعب في مجتمع التقوقع، فقد تبدو فترة انخراطها في العمل العام قصيرة قياساً بغيرها من النساء، لكن جاء ترشيح إسمها وتصويت الشعوب لها كونها الصوت النسائي الأقوى الذي يعلو بعزم وقوة يتناسب وحركتها الثورية المتفاعلة في بلد تقيده العادات لدرجة إخماد أصوات النساء وتحول دون تحركهن الفاعل من أجل مبادئ يؤمن بهاوالحملة الشعواء التي انهالت ضدها بعد إعلان الفوز، إنما جاءت من بعض المعيقين للتقدم، وعلى هذا فقد كان ذلك متوقعاً والشجرة المثمرة وحدها من تضرب بالحجر، وهم معروفين بمواقفهم وأفكارهم وسلبية نظرتهم للأمور، ممن يشكلوا قوى الجذب للوراء لقصور في تفكيرهم ووعيهم وأحكامهم، فهي إمرأة تعتز بدينها وبشرعته وتؤمن أن تطبيق الشريعة كما جاءت في القرآن الكريم هي أفضل عدالة ممكن تحقيقها على وجه الأرض، وتحقق حق وطموح النساء والشباب على حد سواء..وهنا لنا أن نقول لتوكل عبد السلام كرمان ألف مبارك هذا التكريم وهذا الفوز، ونحن واثقون من أنك أوعى من أن تأخذك بهرجة الشعارات الغربية على حساب مصالح الهوية والوطنية، أو أن تمتلكك الجائزة بدل أن تمتلكينها، ففوزك فخر عظيم لكل يمني ويمنية، ولكل عربي وعربية والنظرة الأحادية تجاه فوزها تأتي من طبيعة تعليق النجاحات على مشجب الشك، فماذا يسيء لهم فوز امرأة عربية يمنية بجائزة سلام دولية، وأين الدور العربي في تقييم المواقف بحيادية وتكريم الأحياء، وهل الجوائز والتكريمات في بلاد العرب تقاس بعدالة أكبر لما هو في الغرب، ولا تجري وفق محسوبيات خاصة؟ إذا كان بغير ذلك، فأين كل أولئك المتميزين المستحقين للتكريم في بلاد العرب، ومن هم الذين كرموا قياساً بهم، فالتكريم يظل تكريم معنوي وإن دعم بالتكريم المالي، فأي خيانة يتوهمون؟ وأي تحقيق لفكر غربي يتقصدون، فإن سلمنا أن 80% من احتياجات مأكلنا وملبسنا ولوازم عيشنا تعتمد على الغرب وصناعته وعلومه، يصدرون إلينا كل ما نتمتع باستخداماته في مجالات حياتنا، فعلى من نلقي بالتبعية تخلفنا في الركب الحضاري.. يجب أن نعترف أن قتل الإنجاز جريمة لا تغتفر، وأن الشباب اليمني بحكمة شيوخه الواعين يسعون لتنظيف العقلية القبلية المتعنصرة لتحقيق بناء دولة الاصلاح على كل الأصعدة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية، لأن المستقبل لن يرحم الأمم المتخلفة أو المتقوقعة في ظلمات أخطائها.
وهنا لنا أن نقول لتوكل عبد السلام كرمان: ألف مبارك هذا التكريم وهذا الفوز.. ونحن واثقون من أنك أوعى من أن تأخذك بهرجة الشعارات الغربية على حساب مصالح الهوية والوطنية، أو أن تمتلكك الجائزة بدل أن تمتلكينها، ففوزك فخر عظيم لكل يمني ويمنية، ولكل عربي وعربية، طالما أدركت بوعيك الواضح أهمية توظيف هذا الفوز لرفع قيمة المرأة المسلمة والمحجبة التي تناضل من أجل قضايا الوطن وإنسانه في فضاء المجتمعات الدولية، وتمثلين دور المسلمة قبل تمثيل دور الفائزة.. ولي أنْ أذكرك أنَّ جائزة نوبل للسلام سبق وتلوثت عندما تم اعلان فوز مجرم الحرب اليهودي مناحيم بيغن، ورفيقه شمعون بيريز، وعندما منحت نوبل للآداب للشيطان سليمان رشدي عن روايته آيات شيطانية، لكن كونها قد تلوثت لا يقلل من شأن فوزك بها فالعبرة بتقييمنا للحقائق بأحقياتها، فالبون شاسع بين الملائكة والشياطين حتى وإن استقلا مركبة واحدة، فالجائزة تظل هنا نصراً للمرأة المحجبة التي اتهمتها العقلية الغربية المحدودة السعة بأن حجابها يغلق عليها التفكير والإحساس.. حماك الله ورعاك ونصر أمتنا بنقلتها الجديدة وقد تكسر عنها غلاف الخوف وأدركت قدرتها على إحداث التغيير والضغط على الحكومات لتحقيق الإصلاح!!


www.deyaralnagab.com