ازدواجية معايير المقاطعة الشعبية!!
بقلم : د.خالد الحروب ... 21.01.2013
تقول بعض الأخبار إن الصين قررت التبرع لصالح الإغاثة الإنسانية لمنكوبي الحرب في سوريا بمبلغ خمسين ألف دولار! هذه الدولة العملاقة التي تنافس الولايات المتحدة وأوروبا واليابان في قوة اقتصادها والسيولة النقدية التي تمتلكها، وتبيع سنوياً في أسواق الخليج العربي وحده ما يزيد عن مئة وثلاثين مليار دولار (بحسب الكاتب عبدالرحمن الراشد في جريدة الشرق الأوسط) تتبرع بمبلغ ربما يخجل رجل أعمال أن يتبرع به لمأساة بمثل المأساة السورية. الصين التي تقف مع روسيا في قفص الاتهام وراء استمرار حمام الدم في سوريا توجه صفعة للمجتمع الدولي برمته بإلقاء هذا التبرع في وجه الجميع وكأنها تقول حتى الإغاثة الإنسانية للشعب السوري لا تهمني. ما يهمني هو الأسواق العربية وزيادة حجم المبيعات الصينية حيث تصل في المنطقة العربية. كأنها، ومعها روسيا، تقول أعرف هناك غضباً شعبياً على موقفي إزاء سوريا، لكن هذا الغضب الشعبي لا معنى له لأنه لا يترجم إلى فعل، بل يبقى «ظاهرة صوتية» لا تقدم ولا تؤخر.
التقدير الصيني «المُتخيل» إزاء عجز الموقف الشعبي العربي والإسلامي عن ترجمة ذاته إلى فعل مؤثر يبدو صحيحاً مع الأسف. هناك شبه ألغاز وحيرة ينتهيان بشبه إحباط عندما يتأمل المرء تناقض الفعل العربي الشعبي الشارعي إزاء المواقف المختلفة. لماذا مثلًا تُترجم المشاعر الشعبية إلى فعل كاسح في الشارع رداً على رسومات كاريكاتورية يرسمها صحفي دنماركي أهوج، ويتفاقم رد الفعل ذاك إلى التنديد بالدنمارك كبلد وحكومة على رغم أن الاثنين تبرآ من «فعلة» الرسام. ولماذا تطورت فجأة حملة «مقاطعة الدنمارك» وبضائعها وكل ما يمت لها بصلة، وهي واحدة من الدول التي لم يعرف عنها أي عداء ضد العرب والمسلمين بل فتحت أبوابها لاستقبال مهاجريهم ومضطهديهم، ويهرب إليها لبنانيون وعراقيون وفلسطينيون وغيرهم ويعيشون فيها بكرامة واحترام. امتدت حملة «مقاطعة الدنمارك» عدة سنوات وتأثرت بها شركات دنماركية عديدة وأحرقت سفارات ومصالح لهذا البلد وأدخلت حكومته في حالة من الطوارئ والتوتر الدائم للتعامل مع الخسارات المتتالية والمفاجئة التي تتعرض لها في بلاد العرب والمسلمين. والنتيجة الأهم لتلك الحملة كانت في زيادة مستويات العنصرية في الدنمارك ضد المهاجرين المسلوبين من كل شيء، والذين كانوا قد وجدوا في الدنمارك ملاذاً آمناً. وليس ذلك فحسب بل قدمت «الحملة» الهوجاء ضد الدنمارك التي سقط نتيجتها عدة قتلى وعشرات الجرحى في أكثر من مكان دليلاً لجماعات اليمين الأوروبي المتطرف في أكثر من بلد كي تبرر سياساتها ومواقفها المعادية للوجود العربي والمسلم في الغرب. باحتضار «أبدعت» آنذاك الجماعات الإسلاموية والشعبوية في تحريك الشارع باتجاه تدمير الذات وفي خلق معركة من لا شيء، وانتهت إلى لا شيء قريب من هدفها، بل حققت أهدافها معاكسة تماماً.
يُستدعى المثل الدنماركي هذه الأيام لمقارنته بغياب أية حملات شعبية لمقاطعة روسيا والصين بسبب الموقف لنظام دمشق في قمعه للشعب السوري وثورته منذ اليوم الأول من انطلاق الاحتجاجات السلمية منذ عامين وحتى الآن. لماذا يثور الشارع العربي والإسلامي إزاء قضية مفتعلة وهامشية هنا، ويتجمد إزاء قضية حقيقية يموت فيها أبرياء بالمئات كل يوم، وما هو السر الملغز الذي يقف خلف هذا التناقض الكبير والمدمر؟ كيف يمكن أن تتصرف بكين وتلقي فتاتاً بقيمة خمسين ألف دولار على الأبرياء الذين نكبهم نظام الأسد، ثم تحصد في هذا العام مئة وثلاثين مليار دولار من الأسواق الخليجية وربما مثلها من الأسواق العربية الأخرى؟ أين هي حملة مقاطعة البضائع الصينية والروسية، وأين هو ذلك الشارع الذي يعلن جاهزيته للتلاعب به من قبل أي رسام أرعن، أو مخرج أفلام من الدرجة العاشرة ينتج تفاهة مثل فيلم «براءة المسلمين»، أو كاتب مغمور يكتب قصيدة أو مقالًا لا يستحق القراءة؟ وأين هي الحملات المؤثرة ضد موقف روسيا إزاء المجزرة الدموية التي يحدثها ذلك النظام بحق الأبرياء في سوريا، وهي التي تدعم النظام الأسدي بكل تبجح ومن دون أي خجل تقول إن ذهاب الأسد مستحيل، ثم تأتي لتقول إن ذهابه أو بقاءه هو قرار الشعب السوري. بأية وسيلة يمكن سماع رأي الشعب السوري بعد أن حاول ذلك على مدار سنتين دمويتين أولاهما كانت بالطرق السلمية، وفي ثانيهما جُر جراً لاستخدام السلاح.
تستسهل موسكو وبكين اتخاذ أبشع المواقف السياسية إزاء سوريا من دون أي حسابات لأية خسارات محتملة. سواء على المستوى العربي الرسمي المتردد عن اتخاذ أي خطوات حقيقية للوقوف مع الشعب ضد آلة الموت التي يتعرض لها يومياً، أم على المستوى الشعبي اللامبالي أو عديم الفاعلية، فإن البلدين يتصرفان بحرية ويقين بعدم وجود أي رد فعل يمكن أن يحسب له حساب. لا يعنينا هنا التوقف مطولًا عند الحكومات العربية والموقف الرسمي فذاك يحتاج إلى مقاربة أخرى ومطولة. لكن هذه السطور هدفها التركيز على الموقف الشعبي الكسول الذي ينبغي ان يتحرك. حملات التبرعات التي تقوم بها منظمات خيرية كثيرة لصالح منكوبي الشعب السوري مهمة ومشكورة، ولكنها غير كافية وقاصرة. والتبرع بالشيء اليسير مشكور أيضاً لكنه لا يقدم سوى إراحة الضمير للمتبرع أو الجمعية القائمة على التبرعات، كما أنه يوفر للحكومات بأنها تفتح أبواب الدعم والمؤازرة للشعب السوري. الحملات المطلوبة اليوم هي تلك التي تؤثر في المسار العام للأحداث، وفي توجه البلدان وسياستها الخارجية، وخاصة السياسة الروسية والصينية. من غير المناسب علينا أن تعلن روسيا جهاراً نهاراً أن مجزرة الشعب السوري ستستمر إلى ما لا نهاية لأنها لن تسمح بإسقاط الأسد، وأن تعلن الصين أنها لا تهتم إلا بجيوب العرب وأسواقهم بينما تساند نظاماً دموياً كما الأسدي.
www.deyaralnagab.com
|