دفاعا عن البدو العرب"رؤوساء البلاد لا أذنابها "!!
بقلم : زهير بن عياد ... 01.05.2012
آلمني ويؤلمني فظاعة ما يتعرض له البدو في امصار العالم ، ظلال كثيفة تلقى عليهم من الشك والريبة ، تم اقناع البعض بضبابية من أن البدو عالة وعاهة مستديمة ، فغرر البعض وآمن اخرون ، ابسط مثالا جديرا بنا الاشارة اليه ، هي عامية لغتنا المسكونة بالبداوة وازليتها وثقافتنا الشفاهية بمقابل ثقافتهم الكتابية ، فاعتبر البعض ذلك مدخلا للطعن في انتماءنا وتبعيتنا لهذه المعمورة ، إن الحقوق تنتزع ولا تعطى ، فالبدو اينما استقروا هم دلالة الأرض ومعدنها واصلها المتشعب ، على ذلك فهم اولى الناس بالوطن واحقهم فيه ، ومشكلة الهوية التي خلقت لهدف مبيت ، ستذهب ادراج السموم ، لأن هوية البدو تضرب بأطنابها في صميم الوطن العربي بامتداد متشابك ...
***
بذهنية أقرب للشعورية ما زال محترفو الصراع الفكري العنصري يشاغبون خارج السرب ، على الرغم أن نظرية ابن خلدون ومفهومه حول الصراع بين البدو والحضر غدت مجرد موقف تراثي تاريخي قروسطي ، فالبدو بالمعنى الملموس " الاعرابي " تلاشوا ، أقصد العصبية والنسب والحمية ، هذه الساعة ، البدو هم من يقتصر على ضروريات الحياة واساسياتها ، يعيشون في جو اقرب للعشائري مع ترسبات لمقولة ابن خلدون حول نظرتهم للعمران ونفورهم منه ، خلاف الحضر الذين يتوسعون ويتأنقون في المجلس والمأكل ...
ما شدني لهذه المداخلة " بوجه من الوجوه " هو هذا النفور الذي يكتنف المناخ العام ضد كل ما هو بدوي او ينطق ذلك ، وكأننا في حقب ذاك الحضري الذي يعير البدوي ببعيره ، والأخير يرد عليه فيعيره ببقرته .
من الابجديات المسلم بها ، واستقرت طواعية بتقديري ، ان البدو يعانون ، أينما وجدوا يعانون ، لا استثناء يكسر القاعدة ، ففي كل بقعة من وطننا العريض يعانون ، فقد تم تحجيمهم هنا في الكيا الاسرائيلي، وهناك في الاردن وفي مصر وبلاد الشام ، وكأنهم بعبع مخيف على الدولة ان تتراص لهم تراص الند للند ، فهولوا ومن قديم ، امر البدو وجعلوهم ككابوس مفزع ، أو أنهم تركيبة شيطانية تخبث المجتمع وتسوءه لتودي به ، هذه هي الحقائق المرة المجحفة ، علينا ان نستسيغها ونعيها ونتيقن انها سياسة قديمة جدا تم تبنيها لقضقضة اي وجود اصلاني يطالب بحقه ، دوما دوليا محليا اقليميا يتم وضعنا في خانة السلبيات ، يعمل على ذلك تجار الأزمات فمرروا صور برموز مبهمة حول البدو محصلتها ، خرافة تشويه اعلامي تخلف ، وبالتالي تمزيق وتقزيم البدو من اقلية الى اقليات وتحجيمهم ونصبهم كفزاعة تهراق عليها المصالح والمطامع الدولية ..
سيطرت الدول والحكومات حرفيا ، على قضية البدو في الآونة الأخيرة ، وضبطوا ايقاع التعامل معهم بما ويتلائم مع اسس تعتمد مسلكية الانتداب ومنهجية المستعمر بالفتور والنفور والتعالي والفوقية وكأننا في زمن صعاليك الصحراء وطرق الحجيج والصرة العثمانية ، فأرست حكومات منطقتنا بلا استثناء ، حالة الجمود والركود على المجتمعات البدوية واحاطتها بعزلة مشوشة وبتعامل حذر جدا اذا دعت الضرورة ، واجهضت اي حركة بعث نهضوية لرفاهيتهم وتمددهم وتمدنهم ، فعملت على التحيز والتحزب الدائم ضدهم ، وغذت تحزبات لا مراء ايضا حتى الساعة موجودة في كل ركن من أركان المجتمع محليا قطريا وعالميا ، خاصة في المدارس والجامعات وأماكن العمل ، فكانت النتيجة تقوقع البدوي على نفسه وتموضعه في اطار خنادق ذاتية ضيقة مغلقة ، وبالمحصلة تقوقع غير البدوي على نفسه واحتاد نهائيا ، وكأن المعادلة لا تساوي - عرب مسلمين - ، نعم هذا ما أشعر به وتشعر به أنت ، رغم التعلم والتقدم الآني للبدو ، الا انهم يشعروننا بأننا عائق وثغرة في وجه الحضارة ، على كاهلنا ترمى استحقاقات عديدة حتى نلحق بركبهم ، بالاعلام والاكاديميا والتاريخ والدعاية تم اقصاء البدو ودورهم في كل نواحي الحياة سياسية مدنية اجتماعية الى المنتهى ..
ولتعميق الفجوة هنا وهناك اصطنعوا شرائح معينة داخلية تسوق لنظرياتهم ، وزيارات الشيوخ اخي بمنظرها الخارجي العام تكرس ضرب البدو في كبد قوميتهم وعروبتهم وانتماءهم ، " وحال النقب ليس بخاف على احد ولن اتعمق أكثر " ، فبصريح العبارة الموجزة فأنه تسود حالة هستيرية تستنزف وتستهدف البداوة ككيان ، فتم كما ذكر آنفا اقصاءهم سياسيا تعليميا ثقافيا ابداعيا ، ذلك بشكل ممنهج تتخذه جل الحكومات تجاه شرائح البدو ، وقد استنفدوا او قاربوا غايتهم ، فعلاوة على ما نتوسمه في وجوه البدو من تشاؤم ومبعث حسرة ها هو النقص مستشري في فرص العمل ، وتدني وانعدام عام في الخدمات وتفاوت طبقي فاضح في توزيعها ، وهدم بيوت وملاحقة ، ومحاربة تملك الاراضي ، وللاخيرة تدل على اعتراف صريح من قبل هذه الحكومات بفداحة توطين البادية على مراحلها المتعددة ، هذا التوطين الذي تم بذاته ( دون ادنى مراعاة للمرحلة الدقيقة الحساسة والمفصلية التي مر ويمر بها البدو ) بصورة متعرجة خاطئة جدا ، اختزلت وألغيت للبته الثقافة والميراث القبلي العريق ، استدرك ان التوطين بالمقاييس الدولية آنذاك كان عملا اسطوريا لولا قضاءه على المهنة والحرفة البدوية ، المتمثلة بالزراعة والرعي ، اذا كانت هناك خدعة محنكة جذبت البدو للتوطين فانعدمت لذلك مردوداتها الاقتصادية ، فأضمروا ماليا اقتصاديا حتى اللحظة ، لهذه كله اعزائي نرى طفرة جديدة ناشئة تصدح بها رسالات الانترنت اليوم حول تبجيل وتبجيد وتمجيد القبيلة وعلوم البدو ...
في منحا أو عودة للبداية نقول : ظلمتنا يا قوقل كما ظلمنا المستشرقين ، وكأننا بعصور النهب والسلب ، هؤلاء المستشرقين الذين لعبوا بحبال المكر ففصلوا البدوي عن العرب وجادلوا بذلك ، ما زالت تذبذبات وترددات كتاباتهم تؤتي اكلها للتو واللحظة ، فسلك مسلكيتهم بعض " الخلدونيين " ، فمن خلال العم قوقل ورضيعه اليوتيوب وشبيهاتهما من الابواق ، بثوا احقادهم واحسادهم وخبثهم ، بل تجاوز بهم الأمر لمهاجمة البدو ككل ووصمهم بالجاسوسية في تعدي سافر على ثباتهم واخلاصهم وعروبتهم ، الاعراب أشد كفرا ونفاقا ، هذه الاية الكريمة التي تجدها في تعرجات الانترنت كلما نقبت او ادرت او اردت حديثا عن البدو ، ولا اعلم حقيقة كيف ربطت هذه الآية الشريفة بوصمة الجاسوسية ، ولا افقه سر هذا الحقد الذي يكتنف البعض شخوصا وحكومات تجاه كل ما هو بدوي ، هل هي ترسبات عتيقة عفا عليها الزمن ، ام مصالح خفية واوتار سرية تريدها الدول والحكومات والافراد ؟!
على كلا ، ردنا على لغة الانقساميين هؤلاء الذين زينوا عبارة - الدولة بمقابل القبيلة - اننا اولا واخرا نعترف بذاتنا ، ونفتخر ونزهو بأن مثلنا من أكد وجود الاسلام واخصب مرابعه بالخروج مع وعقب الفتوحات الاسلامية الكبرى ، ولله در من حافظ على بيضة الأرض والوطن ، فنحن شعب التاريخ والخبايا ، فعلام التغاضي واختزال كل الاسس الدينية الثقافية التاريخية لجذورنا ، لا ننكر اننا براء من بعض الشوائب التي اتت وتأتي نتيجة الكبت والقهر الاقتصادي القومي وغيره ، ولسنا مسحة سحرية ، إلا اننا كباقي الشعوب ولدنا بعملية طبيعية جدا " ليست قيصرية " ، فكانت لنا بصمة ومن قديم ، فلماذا تكون الحقيقة اولى الضحايا في هكذا سجال نتهم فيه بأننا هامش مهمش في أركان التاريخ ...
مع انفراط عقد البداوة بمعناها الترحالي ، ما زال البعض يصر على عداءه وكأن صلب الأشكالية هي شعب معمر يواجه اخر مدمر ، نقطة الاحتكاك هي خرافات دجلية ابلتها السنون ، نصب الجميع باسرهم حججهم عليها .
صحيح ان وازع العصبية والتشبث الايدلوجي بها لدرجة ما يقض مضاجع الحكومات ( خاصة بقضية الأرض ) ، فالعشيرة ترفض الانقسام والتشتت ، وذاك لا يرضى ان يحط بأرض غيره ، مع كل هذا فلا شك ان التركيب الايكولوجي العصري يجري في صالحهم ، وهذا ما ارادوه وعملوا ويعملون عليه واليه ليلا نهارا ...
ختاما ، مقزز جدا ان يتداعى الجميع على تراثنا وميراثنا ويهاجموه بهذا الشكل ، وحبذا لو حسنت النوايا فتم تأطيرنا كمجتمع زراعي رعوي مستقر ، لما وجدنا تلك المتاهة والتخبط واللخبطة الحاضرة ... " مسك " الختام ، نموذج للغارديان والأمم المتحدة - وقد شهد شاهدا من ... - فالغارديان اكدت ان السكان البدو في صحراء النقب داخل اراضي الثماني والاربعين يفتقرون لأبسط مقومات الحياة وانعدام اساسيات الكهرباء والصحة والتعليم والصرف الصحي ... ووصفتنا مشكورة بالشعب المنسي ...
وجرى في حكم ذلك ايضا تحذير هيئات الأمم المتحدة ولأكثر من مرة من تهجير البدو قسرا واعادة توطينهم في النقب " ان القانون الذي ينظم توطين البدو في منطقة صحراء النقب قانون عنصري وقد يضفي الشرعية على الممارسات العنصرية ضد سكان المنطقة!
www.deyaralnagab.com
|