logo
صنعاء..اليمن :الدوله حبيسة المنظومه القبليه : القبيلة تعتبر مكونا رئيسيا ومتجذرا في المجتمع اليمني وهي سلطة لا يمكن تجاهلها أو تجاوزها!!

بقلم :  ... 13.12.2013

يطرح نفوذ القبيلة في اليمن إشكالات عديدة تعيق بناء الدولة اليمنية المدنية بشكلها الجديد وفق مقتضيات ومطالب اليمنيين الذين ثاروا ضدّ نظام علي عبدالله صالح في 2011. لكن تجذّر النظام القبلي في المجتمع اليمني، والذي دعّمه الرئيس السباق علي عبدالله صالح، خلال العقود الثلاثة لحكمه، يحول دون تحقيق هذه الغاية التي تأتي ضمن سلسلة طويلة من المعوقات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والأمنية.أصبح الهيكل القبلي أشبه بدولة مصغرة لها قواعدها وأحكامها ورجالها؛ تهيمن على بعض المناطق وتفرض سيادتها وأعرافها بدلا من سيادة القانون والنظام؛ الأمر الذي يهدّد مدنية الدولة اليمنية، المتأهّبة دائما لنشوب حرب قبلية أو أهلية، في صراعات عاشت على وقعها على مدى تاريخ الدولة الحديث والقديم.شكلت القبيلة اليمنية عبر تاريخ الدولة الحديثة وقبلها، أهمية كبيرة نظرا لتداخلها مع النظام ومؤسسات الدولة، حيث كانت تلعب دورا رئيسيا في صناعة القرار السياسي مع أنها لا تمتلك رؤية للتحول الاجتماعي إلا أنها تمتلك تأثيرا في معارضة أو وقف كل قرار يتعارض مع مصالحها.وتشير بعض الدراسات إلى أن المنتمين إلىالقبائل في اليمن تشكل حوالي 85 بالمئة من تعداد السكان البالغ 25,408,288 وحسب بعض الإحصائيات التي قامت بها منظمات غير حكومية فإنه يتواجد ما يقارب 400 قبيلة في اليمن تتركز أغلبها في الشمال فقط.ويعتبر اليمن من أكثر بلدان العالم العربي قبلية من ناحية نفوذ زعماء القبائل وتغلغلهم في مفاصل الدولة، ولمعظم القبائل تاريخ قديم بعضها من أيام مملكة سبأ وفي فترات مختلفة من التاريخ، وقد شكلت تحالفات قوية لبناء دول أو إسقاطها. ويقول الباحثون في هذا المجال إن "نسب" القبيلة يعد ترفا معرفيا في اليمن والقبائل أبعد من أن تكون هياكل مجتمعية متجانسة.نفوذ القبيلة الواسع امتد إلى مؤسسات الدولة وتغلغل فيها، إلى أن أصبح مكونا بات على الجميع تقبله والاعتراف بسلطته. ثم تطورت تحالفات بين القبائل والدولة التي تنازلت عن بعض وظائفها لصالح الشيوخ لتضطلع القبيلة بممارسة مهام الدولة ومؤسساتها. وأصبحت الدولة في كثير من الحالات تضطلع بدور القبيلة في تعاملها مع من يقومون بالاعتداء على أبراج الكهرباء وتفجير أنابيب النفط والغاز وقطع الطرقات، فبدلا من أن تقوم بتطبيق القوانين على هؤلاء المخربين فهي تلجأ إلى استخدام الأعراف القبلية وإرسال الوسطاء القبليين لإقناع أولئك المخربين ومحاولات استرضائهم ليظهر ضعف الدولة في عدم قدرتها على فرض سيادة النظام والقانون. وغالبا ما يتم حل النزاعات الشخصية على أيدي شخصيات قبلية اجتماعية تتجاهل أجهزة الدولة القضائية، حيث يتم حل الخلافات عن طريق لجان الوساطة، التي تقوض الدولة وسيادة القانون.يقول مراقبون إن ضعف الدولة اليمنية أمام سلطة القبيلة تعزز في فترة حكم الرئيس السابق علي عبدالله صالح، وزادت هذه الموروثات بشكل فعّال عقب رحيله عن السلطة وانهيار المجتمع في الفوضى السياسية والأمنية. فقد ترسخت الوساطات القبلية أكثر رغم أنها تتعارض مع القانون وتساهم في مزيد من تهميش قوة الدولة، ودفع المجتمع نحو القواعد القبلية والعادات الاجتماعية التي تستند على تلبية كل من المتقاضين دون اللجوء إلى القضاء للفصل بينهما.وهذا ما أكده عمر عبدالعزيز الخبير في الشأن اليمني قائلا "إن هذه الثقافة أصبحت منهجا تبنته الدولة، التي فشلت في تطبيق القوانين التي سنت بعد الثورة ورحيل صالح، ولذلك جنحت نحو خيارات العادات والحلول المعتدلة، حتى لو كان الثمن هو سيادة القانون وهيبة الدولة". وأكّد أن لجان الوساطة حلّت محلّ الدولة في الخلافات، كما أن الدولة نفسها في كثير من الحالات تكون طرفا في النزاع الذي يحتاج إلى حل وتعتمد على القبلية لإنهاء النزاعات التي تطرأ بينها وبين المعارضة.كثيرا ما تقوم الدولة بتعيين مجموعة من الشخصيات السياسية والقبلية والعسكرية "لحلّ النزاعات التي تنشأ بين الدولة ومجموعات مسلحة خارج إطار الدولة للتوصل إلى اتفاق.وساهم اتخاذ النظام القبيلة كشريك لها في انتفاء مقومات دولة القانون في البلاد، فهي تقوم بتعيين أشخاص للتوسط والتوصل إلى حلول وسط لإرضاء كلا الطرفين المتصارعين، وتكون هذه التنازلات حلولا مؤقتة لفترات قصيرة فقط، ويتم تأجيل الصراعات مؤقتا وعدم وضع نهاية دائمة لها، خاصة عندما يتم التفاوض مع مجموعات مسلحة تمتلك الأسلحة الثقيلة وتحارب الجيش في بعض المناطق. وعلى الرغم من أن القانون يجرم ذلك والمفترض أن السلطات الأمنية تسعى إلى نزع السلاح، وإجبار هذه المجموعات على ذلك في إطار النهج المدني وترسيخ هيبة الدولة، إلا أن مجموعات الوساطة قد تقترح على مسؤولي الدولة دفع مبالغ من المال للعصابات، مقابل أن تتوقف عن تدمير خطوط الكهرباء وأنابيب النفط أو اختطاف الأجانب في اليمن، وهو ما دفع بالكثير من المسلحين للقيام بأعمال تخريبية على أمل الحصول على أموال من الدولة المجبرة على دفع هذه الأموال لوقف العمليات الإرهابية لعدم قدرتها على مواجهة هذه العصابات في الوقت الحالي.هشاشة الوضع الأمني في البلاد ازدادت خلال المرحلة الانتقالية التي يمر بها اليمن، الذي يواجه معضلات كبيرة اقتصادية واجتماعية، علاوة على ضعف الدولة المركزية في مواجهة هذه المشاكل، وقد استغلت المجموعات المتشددة و تنظيم القاعدة الوضع السائد في البلاد لتنفيذ هجمات جديدة تستهدف مؤسسات الدولة الرسمية والبنية التحتية للبلاد الفقيرة وكان آخرها التفجير الذي استهدف وزارة الدفاع اليمنية والتخريب المتواصل لأسلاك الكهرباء وأنابيب الغاز.يجمع العديد من المثقفين والباحثين في اليمن على أن نفوذ القبائل صنعه الرئيس السابق علي عبدالله صالح الذي استمر لأكثر من 33 عاما، حتى استطاعت التغلغل في كل مفاصل الدولة، التي خضعت إلى الأحكام القبلية، واستخدم القبيلة ليوجهها ضد القيم المدنية حتى غدت مدنية المجتمع المدني مرهونة بيد مشايخ القبائل وطبيعة نظامه، رغم أنها لعبت خلال الانتفاضة العشبية في 2011 دورا أساسيا في تأليب القبائل ضده.نفوذ القبائل صنعه الرئيس السابق علي عبدالله صالح الذي استمر حكمه لأكثر من 33 عاما، حتى استطاعت التغلغل في كل مفاصل الدولة اليمنية“.انتفاضة الشعب اليمني على النظام جاءت بعد احتقان شعبي شديد تولد من وضع اقتصادي رديء، ساهم نظام صالح بشكل كبير في تدعيمه، لصالح بقاء نظامه رغم الفساد المستشري، لتصبح الدولة اليمنية عبارة عن مجرد قبيلة في العصور البدائية، وأصبح اليمنيون ينظرون إليها كمعيق لبناء دولة مدنية ذات سيادة قائمة على احترام القانون، وباتوا يتذمرون من سيطرة مشايخ القبائل على الدولة واستئثارهم بالقرار السياسي دون بقية الشعب.كل هذه التراكمات أدت إلى اندلاع الانتفاضة الشعبية لتغيير كل النظم التقليدية التي جعلت اليمن حبيسا لمنظومة قبلية متداخلة مع سلطة ضعيفة لم تستطع النهوض بالبلاد اقتصاديا واجتماعيا، ومع ذلك لا تزال سلطة القبائل نافذة إلى الآن. ولا يخفى أن للقبيلة تحالفات عسكرية خارج إطار المؤسسة العسكرية للدولة وهي تتشكل من القبائل الموالية لها، لممارسة الضغوط على الدولة بهدف الإبقاء على نفوذها القبلي، وضمان استمرارية إذعان النظام الحاكم لسلطتها، مما يحد معه أي إمكانية لتطبيق القانون المدني في البلاد.هذا ما أكّدته دراسة تحليلية حول النظام القبلي في اليمن من إعداد مصطفى علوي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، لافتا إلى أن قابلية التغيير في المفاهيم بين القبيلة والدولة أمر صعب وبعيد المنال في اليمن، ولن تستطيع الدولة فرض قوانينها على القبيلة، في المقابل لن تتخلى القبيلة عن مجابهة الدولة أو الابتعاد عن الوساطات لحل النزاعات، ومع ذلك هناك جلسات لشيوخ القبائل مع الرئاسة لتوضيح أن الواقع قد تغير، وأن القبائل عليها أن تواكب التحول السياسي المدني القادم في البلاد وتفعيل القانون على الجميع!!


www.deyaralnagab.com