وماذا مع الربيع اليهودي...؟
بقلم : سهيل كيوان ... 25.10.2012
هل سيكون ربيع يهودي في يوم من الأيام!
هذا السؤال تبادر إلى ذهني بعد إعلان حل الكنيست الحالية وتعيين موعد انتخابات برلمانية جديدة في كانون ثاني القادم،وإذا كان الربيع العربي غير متوقع وفاجأ العرب أنفسهم وحتى العالم فلم لا تتكرر هذه التجربة لدى شعوب أخرى تشبه العرب، بل وتنحدر من نفس الجد،وخصوصًا أن أكثر من مواطن يهودي أحرق نفسه على طريقة العربي البوعزيزي في محاولة لاستقدام ربيع شبه المستحيل..
ما يناضل لأجله العرب هذه الأيام وهو الديمقراطية وحرية التعبير وتداول السلطة والشفافية وكشف الفساد ومحاسبة المفسدين،حتى لو كانوا من رؤوس السلطة متوفر إلى حد كبير في الدولة العبرية،في مجال محاربة الفساد يقبع رئيس الدولة الأسبق في السجن ويعاني مثل أي سجين آخر،بل وهناك من يضايقه داخل السجن ويتحرّش به لأنه لم يمنحه عفوا رئاسيا يوم كان بإمكانه فعل ذلك!
وهناك عدة وزراء قضوا فترات سجن مختلفة،وهناك من ما زال سجينا،وهناك من أبعدوا عن السياسة العامة لسنوات وعادوا بعد سجن إليها، وسيعودون في هذه الجولة مثل الحاخام آرييه درعي الذي حصل على مباركة من الحاخام عوباديا يوسف ليترأس كتلة (شاس) الدينية الشرقية،وهذا يعني أن الكتلة التي كانت وستكون(بيضة القبان)في السياسة الإسرائيلية سوف يرأسها صاحب أسبقية جنائية ووصمة عار وسجين سابق،ولكنه سيكسب مزيدا من المؤيدين لأنه زعم أنه سرق الأموال خدمة لمؤيديه وأبناء الطوائف الشرقية الفقيرة.
علينا الاعتراف أن قوانين دولة اسرائيل الداخلية وبالذات بالنسبة للمواطنين اليهود وحقوقهم في التعبير والحرية الشخصية والديمقراطية هي جنة مقارنة بقوانين الدول العربية المغتصبة، وهي قوانين سيدفع ملايين العرب أرواحهم للحصول عليها،قد يطول الربيع العربي عقودا،والعقدة السورية التي تحاول منع هذا الربيع ووقفه لن تكون الأخيرة حتى لو تأخر سقوط الأسد وعصابته.
فما هو الربيع اليهودي الافتراضي الذي نبحث عنه لدى هذا الشعب! أولا الاعتراف بأن إسرائيل قامت على أنقاض شعب آخر فقتلت أبناءه ظلمًا وشردتهم وأخضعتهم ونهبت وما زالت تنهب أراضيهم وأملاكهم وأسباب حياتهم،وانطلاقا من هذا الاعتراف يبدأ الحل الذي قد يكون بدولة ديمقراطية واحدة للجميع بما في ذلك حق اللاجئين الفلسطينيين بالعودة الى وطنهم.
طبعا لا يوجد أي حزب من الأحزاب الحالية ولا من سبقها قادرعلى تبني وجهة نظر كهذه التي بدونها سوف تستمر مآسي المنطقة وشعوبها،أما القادة الحاليون فهم رجال احتلال وحروب لم يفكروا يوما بسلام عادل،وما تقديم نتنياهو للانتخابات إلا لكسب تفويض جديد يخوّله البدء بحروب جديدة قد تكون إيران هي المحطة الأولى لمنع وصولها إلى قنبلة نووية ولقطع شريان الحياة عن حزب الله،أما قطاع غزة وسلطة حماس والضفة الغربية وأرضها وسلطة رام الله فهم هدف دائم لمنع شعب فلسطين من تحقيق حلمه في دولة مستقلة،وهذا يشمل حسم قضية المسجد الأقصى وتقسيمه،خصوصًا أن الجناح الأكثر تطرفا في الليكود يسعى للسيطرة على الحزب صاحب الحظ الأوفر في تركيبة الحكومة القادمة.
بالنسبة للعرب الفلسطينيين في إسرائيل،صحيح أن لهم حق الانتخاب والترشح للكنيست ولكنهم مهمشون ولا يؤخذ بموقفهم البتة على محمل الجد في المواقف الحاسمة،وهي قضايا الحرب والسلام والأرض والاستيطان،النواب العرب يحاولون من خلال الكنيست أن يلعبوا لعبة الديمقراطية وأن يؤثروا على شيء من السياسة الداخلية وفضح سياسة السلطات الداخلية والخارجية تجاه العرب مقابل منح الديمقراطية الإسرائيلية ثقلا واعترافا دوليا بوجودها،هذا في مجال حقوق الإنسان الأساسية ولكن عندما يصل الأمر إلى القضايا السياسية المصيرية فإنهم يجدون أنفسهم في مواجهة جدار أصم من الإجماع الصهيوني والعزل من اليمين إلى اليسار إلى الوسط،حتى اليسار الصهيوني يستحي بأن يحمل صبغة التهادن مع العرب فما بالك بالتحالف معهم،هو يريدهم كمخزن أصوات فقط وغطاء للديمقراطية غير الأصيلة،بل وكثيرا ما حمّلهم مسؤولية وصول اليمين إلى سدّة الحكم بسبب ما يصفه بمواقفهم المتطرفة ودعمهم لأحزابهم العربية وامتناع جزء كبير منهم عن التصويت للبرلمان بدلا من صب أصواتهم لصالح اليسار الصهيوني وتقويته في مواجهة اليمين.
بعد بدء الربيع العربي حدث حراك اجتماعي في إسرائيل عُرف ب'خيام الاحتجاج' بمبادرة أبناء الطبقة الوسطى وطلبة الجامعات،وهو حراك اقتصادي طالب بتحسين ظروف الحياة لدى أبناء هذه الطبقة،وبتخفيض أسعار بعض السلع والأقساط التعليمية والإصلاح الضريبي، ولكنه ابتعد عن الجانب السياسي، ولم يجرؤ قادته على ربط الموضوع الاقتصادي بالسياسة العامة وصرف المليارات على الأمن والتسلح والاستيطان،بل عملوا كل جهد لابعاد أنفسهم عن شبهة كهذه،ورفض زعماء 'الحراك'منح العرب وأحزابهم منصة لشراكة حقيقية في هذا 'الحراك'وحرموهم من الربط بين السياسة والمعاناة الاقتصادية التي تطال الجميع،علمًا أن المواطنين العرب هم الأكثر فقرًا ومعاناة بسبب الإقصاء العنصري عن الوظائف الكبيرة،وهم آخر من يُقبل للعمل وأول من يُفصل منه،بالإضافة الى حرمانهم المنهجي من المساعدات الحكومية في قضايا السكن والبناء ومختلف المنح الدراسية وغيرها بحجة عدم خدمتهم العسكرية!
الربيع اليهودي الذي ننتظره ما زال بعيدا جدا وهو ليس أكثر من حلم بعيد في المرحلة الراهنة،ولكن عندما نرى ما كانت عليه الأمة العربية قبل عامين وننظر إلى ما تحقق نستطيع أن نحلم بربيع يهودي،وقد يسهم الربيع العربي بعد انتصاره بتحققه،لأن الأمة العربية ستكون مختلفة عن الأمة التي نراها اليوم...
ما يحصل الآن هو انتخابات جديدة ووجوه قديمة،إنهم هم أنفسهم يراوحون مكانهم،رجال الحرب والإنكار،بدون بشرى جديدة لا لشعبهم ولا لشعوب المنطقة...
www.deyaralnagab.com
|