القاهرةُ قتلى وقتلى والرّيموت سحري وقاتم.!!
بقلم : أحمد إبراهيم * ... 29.07.2013
جمعة "الفرقان" وقطار السباق بالقاهرةُ لايُخشى منهما (هذه المرة) قدرما يُخشى على عاصمة التسعين مليون ذاتها (القاهرة..!)
وذلك بعد:
1. أن إنتقلت القاهرة من محطة (قاف جيم): قتلى وجرحى الّلاربيع العربي، إلى قطار (قاف قاف): قتلى وقتلى الخريف.!
2. وبعد ان أحذر الجيش المصري الاقتراب من المنشآت العسكرية، فإتجهت المسيرة متحدّيةً من رابعة العدوية الى مقر الاستخبارات العسكرية شرقي القاهرة.!
3. وبعد أن عجزت عاصمة مليون مئذنة خطبها الرمضانية (لا دماء ولادماء بين المصريين.!)
4. ثم وصلت المنسقّة الأوروبية (كاترين اشتون) القاهرة لتوقف الدماء بموسيقى أوروبية.!
5. نعم، القاهرةُ يُخشى عليها سباق (قاف قاف: قتلى وقتلى) .. وفوزها على قطار (قاف جيم: قتلى وجرحى) بتونس وليبيا
(القاهرة) عاصمة الخريف العربي التي إقتنعت بواقع الخريف على ربيع الخيال بأقل القتلى والجرحى، منذ ان ترك فرعون مبكّراً القصر الجمهوري لجمهور الشوارع، نراها القاهرة هذه جمهرةُ يوم عن يوم، جمعة لجمعة بإتجاه مجهول مشبوه ومخيف.!
جمعة الفرقان، وإن كانت بسُفرة إفطار الصائم توحّد المصريين توقيتا من العدوية للتحريرً، وتجمهرهم صفوفاً تجاه الكعبة من محافظة لمحافظة .. فقد لاح للمراقبين هذه المرة من وراء النيل والجبال، ما يجمهرهم قبل مدفع الإفطار ودون مئذنة المسجد وناقوس الكنيسة، وهم على سفرة بالمسيحي والمسلم معاً، وبتراويح إصطفّ فيها المحمّديون والأقباط معاً، بالرجال والنساء والكهول والأطفال ممن لا صيام عليهم ولاقيام.!
•فيا ترى من يحمل هذا الريموت السحري نحو المصريين بالتنويم المغناطيسي من جمعة لجمعة ومن ميدان لميدان ومن محافظة لمحافظة.؟!
•وهل الريموت ببوصلة الكعبة هى ذاتها التي تدعو إلى إراقة الدماء، وشرب الدماء وإمتصاص الدماء.؟!.. • دماء من.؟ دماء المصريين.! ..
•دماء من.؟ .. دماء أهل الكعبة أينما وجدوا لمُرسى بالكرسي، على من يدعو لمرسى بلا كرسىّ..!
من الخطأ أرشفةُ شعب مصر في خانتي (فاء و فاء: فروسية وفراسة) منذ ثورة 1919، التي إبتدأت مخمليّاً بوجه بريطانيا المستعمرة لكل مصر، والمتزعزعة أمام الجيش الألماني في البداية ثم بإنتصارها على الألمان بالنهاية .. ولكن دون أن تُطلق رصاصةً واحدة في أرجاء القاهرة، او تُذرف قطرة دم في أرجاء مصر.! .. إذن فروسية المصريين لم تكن الزحف إلى المهزومين الضعفاء والرقص على أجسادهم، وإنما الصعود بالفراسة على صدور الطغاة الأقوياء.
فلا أصنّف هؤلاء الذين قتلوا ولازالوا يقتلون الجيش المصري والشرطة وحرس الحدود في العريش بسيناء، على انهم بفروسية او فراسة.! ثم لا أعتقد ان شعب مصر المُدجّج في الشوارع بالورود والهتافات لكل المصرييّن، وبإفطارية التمر وماء زمزم للصائمين منهم، إنه شعبٌ قاتل يقتل ويقتل! .. قدرما أعتقد ان شيئا يُحرّك هذا الشعب كما أسلفنا بريموت ساحر من شارع لشارع، ومن جمعة لجمعة .. إلى أتّجاه مشبوه وغامض، وبالذات على مناطق حدودية حسّاسة كالعريش بسيناء ومعبر رفح.!
هذا الشعب الذي لم يحرّك ساكناً في ثورة نوفمبر 1914، فلم يتحرّك شارعاً عندما أعلن الإنجليز الأحكام العُرفية في كل مصر، والرقابة على كل الصحف .. هذا الشعب الذي لم يخرج للشارع كلما خلع الإنجليز شخصياته القيادية المحبوبة جماهيرياً، ولا عندما نصبوا الإنجليز المدافع في شوارع القاهرة لإزالة سلطان المخلوع وحماية سلطان المنصوب.! ولا في شهر فبراير سنة 1915 عندما هاجموا الأتراك قناة السويس وظلوّا محتلّيها ستة أشهر.! ولا حتى في نوفمبر 1915 عندما هاجمت جيوش السنوسي كل مصر، وإنسحب الإنجليز من كل مصر، فلم تأت هتافة واحدة من الشوارع المصرية تجاه الإنجليز وهم ينسحبون ولا تجاه الأتراك وهم يحتلّون..!
وكانت الحرب في اوجها بين الإنجليز والألمان، والمصريون كلهم آمال بالألمان، إنهم سينتصرون على الإنجليز فيخلصوهم من الإنجليز، وأتت مفاجئة معكوسة بإنتصار الإنجليز على الألمان.! وإغراق الهتلرية الألمانية في بحيرة الإستسلام لسيدة البحار البريطانية التي لاتغيب عنها الشمس.!
يعني مصر مسجونة للأبد.!
ويعني لا صوتاً مصريّاً سيُرفعُ في وجه الأبيض الكيونغ كونغ البريطاني الذي سحق الألمان..!
لكن العكس حصل.!
الشارع المصري الذي لم تحركه الجراد في وجه الإنجليز المتزعزع أمام الألمان، فاجأ العالم أنه يزأرُ زئير الأسد بسواعد واكتاف وهتافات مصرية في وجه الإستعمار البريطاني بعد اقل من 48 ساعة من إعلان إنتصار بريطانيا على الألمان، وبصوت واحد: (أُخرجوا من بلادنا.!) .. فكانت فراسة لا فروسية بأننا:
i. لانزأر في وجه الجريح المهزوم.
ii. وننتفض في وجه القاتل المنتصر الطاغي.
iii. لانعتمد على بنادق الألمان والأتراك في التخلص من الإستعمار البريطاني.
iv. ونعتمد على بوصلتنا في تغييب شمس لاتغيب.!
وفي ضوء ما سبق، مصر عامي 2012 و 2013، عكس العكس.!
بالأمس إن كان تراجع حسني مبارك خطوة للوراء تاركاً القصر للجمهور بأقل التضحيات، فالجمهور أراه اليوم يتخطى خطوتين للأمام، من المسيرة للتحدّي، ومن التدافع للجرحى، ومن الجرحى للقتلى، والخوف كل الخوف من ذلك الساحر الذي قد ينقل الركاب من محطة (قاف جيم: قتلى وجرحى) الى قطار (قاف قاف: قتلى وقتلى.!)
وإن حصل لاسمح الله للساحر ما يبتغيه بالريموت، فإن أزمة الربيع العربي لن تبق مُسوّرة الحدود الصحراوية بعريش سيناء، لأنه ذلك الحوت الذي لن يكتفي إبتلاع مطار القاهرة الجوي وميناء الإسكندرية البحري .. وإنما قد يلتحق بكل الموانئ التي لم تلتحق بالربيع العربي.!
*كاتب إماراتي
www.deyaralnagab.com
|