ليس دفاعاً عن العملاء الصغار.. ولكن!
بقلم : د. فيصل القاسم ... 28.11.07
لماذا استهداف العملاء العرب الصغار وشيطنتهم إعلامياً والتغاضي عن العملاء الكبار؟ أيهما أخطر على العالم العربي عمالة الجماعات والشراذم والفصائل والعصابات السياسية والكانتونات المغلوبة على أمرها والأفراد أم عمالة الدول؟ سؤالان يتبادران إلى الذهن عندما نسمع بعض الكتاب والمعلقين العرب وهم يتهمون بعض الحركات والفصائل والجماعات الصغيرة والثانوية بالعمالة لأمريكا، ويتجاهلون عمالة العرب الكبار للعم سام. لا يسع المرء إلا أن يضحك فعلاً.
ليس هناك شك بأن شبه السلطة الفلسطينية الهزيلة مثلاً مرتمية في الحضن الأمريكي- الإسرائيلي المشترك بلا أدنى خجل، وهي مستعدة لتنفيذ كل ما يُطلب منها أمريكياً وإسرائيلياً، حتى لو كان التآمر على السواد الأعظم من الشعب الفلسطيني في قطاع غزة وتجويعه وقتله ببطئ و"مرمطته". ولا شك أيضاً أن مسؤولي السلطة لا يترددون في الاطمئنان على صحة رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت وربما شارون، كما فعل رئيس وزرائها سلام فياض، في الوقت الذي كانت القوات الإسرائيلية تعيث خراباً ودماراً وإرهاباً في القطاع. وصحيح أيضاً أن شركة "بلاك ووتر" الأمريكية ذات السجل الإجرامي في العراق ستتولى، حسبما يُشاع، حماية قيادي شبه السلطة في الضفة الغربية باعتبارهم "حبايب" العمين سام وشالوم"، كي لا نقول شيئاً آخر.
ولا شك أن القادة الأكراد في شمال العراق فتحوا جوهم وبرهم للموساد الإسرائيلي كي يسرح ويمرح على كيفه هناك، إلى حد أن البعض يتهم ما يسمونه بـ"الثنائي الطرزاني" بتحويل كردستان العراق إلى إسرائيل أخرى في المنطقة، بالإضافة إلى تحضير الشمال ليكون المنطلق الآمن للقوات الأمريكية كي تضرب العراق حينما شاءت في حال اضطرت للخروج من بغداد وغيرها من المناطق العراقية تحت ضربات المقاومة.
ولا شك أن حكام بغداد الجدد كالخاتم في يد البيت الأبيض، أو كالعجينة، يديرهم كيفما شاء، وهم يعتبرون كل طلباته أوامر، لا بل تثور ثائرتهم، ويشعرون بخوف شديد عندما يلمح المحتل الأمريكي إلى إمكانية الانسحاب من العراق في يوم من الأيام، فيبدأون بمناشدته البقاء.
وصحيح أيضاً أن حكام المنطقة الخضراء الأخرى في مقديشو رمز مفضوح للعمالة والخيانة الوطنية كونهم مرتبطين حتى أسنانهم بالغزاة الأثيوبيين وأسيادهم الأمريكان، ولا يترددون في إفراغ المدن الصومالية من المقاومين وحتى المدنيين بكل الطرق الهمجية كي يرضى عنهم عرابوهم في واشنطن وأديس أبابا.
وواضح أيضاً أن جماعة الرابع عشر من آذار في لبنان ربطت مصيرها تماماً بالرئيس بوش، إلى حد أن رئيس وزراء الجماعة فؤاد السنيوره يحمل في جزدانه صورة للرئيس الأمريكي يتبارك برؤيتها كلما فتح جزدانه لسحب النقود أو إخراج بطاقة تعريف. وقد رأينا كيف يهجم السنيورة على كوندوليزا رايس لتقبيلها بحرارة زائدة عن اللزوم عندما تزور بلاد الأرز، مما يشعرها بالإحراج. أما وليد جنبلاط، الشخص الأبرز في جماعة الرابع عشر من آذار فقد قالها على رؤوس الأشهاد إنه سعيد جداً بأن يكون جزءاً من المشروع الأمريكي.
وبدورهم يجهر من يسمون بـ"الليبراليين العرب الجدد"، على قلتهم، بالولاء المطلق للعم سام ومشاريعه في المنطقة.
باختصار فقد غدت السلطة الفلسطينية والعراقية والكردية والصومالية واللبنانية وشراذم الليبراليين، غدوا جميعاً هدفاً رئيسياً للتخوين والاتهام بالعمالة لأمريكا. وهنا لا بد أن نعود للسؤال المطروح في أول المقال، لماذا حلال على الدول العربية الكبرى أن ترتبط بالأمريكيين من رأسها حتى أخمص قدميها بشكل مفضوح، كي لا نقول شيئاً آخر، وحرام على هؤلاء "الصغار" في الضفة الغربية وكردستان وبغداد وبيروت ومقديشو أن ينساقوا وراء الأمريكان. فعلى الأقل أن هؤلاء الصغار قد يكون لهم من الأعذار أكثر بكثير من الكبار في تبرير الارتماء في الحضن الأمريكي، فهم ليسوا دولاً، وليس لديهم لا جيش وطني ولا أجهزة أمن مترامية الأطراف ولا حول ولا قوة، بحيث يختبئ معظمهم في مناطق خضراء وسوداء.
لماذا نركز على عمالة الفلسطينيين والعراقيين واللبنانيين والأكراد والصوماليين و"الليبرالجيين"، ونتغاضى تماماً عن عمالة الكبار الذين رهنوا بلادهم الكبرى للمشاريع الأمريكية، وارتضوا بأن يكونون مجرد "وكلاء" محليين لأمريكا، كما يصفهم المفكر التونسي هشام جعيط؟ قد يصول الموساد الإسرائيلي ويجول في مناطق الأكراد العراقية، لكن ألا ترفرف الأعلام الإسرائيلية وموسادها في أكثر من عاصمة عربية كبرى، ناهيك عن المعاملات السرية بين كبريات الدول العربية وإسرائيل. ألم يثن أولمرت على "حكمة" الدول العربية الكبرى المعتدلة، بعد أن باركت عدوانه الفاشي على لبنان؟
هل الدول العربية الكبرى أكثر قدرة على الصمود والاستقلال برأيها ومواقفها أكثر من الجماعات الصغيرة المذكورة؟ هل نوري المالكي، أو جلال الطالباني، أو فؤاد السنيورة، أو حاكم الصومال، أو أبو مازن، أو مسعود البرزاني أضعف من حكام الدول العربية الكبرى في مواجهة الكاوبوي الأمريكي، أم أن الجميع، كباراً وصغاراً، يستون في انبطاحهم أما مه؟ فلماذا إذن تعيير الصغار بالتبعية والخنوع والرضوخ لإملاءات أمريكا وإسرائيل، والتغاضي عن تبعية الكبار واستسلامهم وتواطئهم؟ لماذا نلوم الصغار على ربط مصيرهم بالبيت الأبيض، إذا كان أنور السادات رئيس أكبر بلد عربي وعراب الاستسلام الأول كان قد صرح ذات يوم بأن "تسعة وتسعين بالمائة من أوراق اللعبة في يد أمريكا"؟
لو كانت الدول العربية الكبرى والصغرى "المستقلة" ترفع شعار المقاومة والممانعة في وجه الأمريكان، لجاز عندها وصم المتهافتين الصغار بالعمالة للبيت الأبيض، أما وأن الكبار أكثر تهافتاً على إرضاء الإدارة الأمريكية، حتى لو طلبت منهم لبن العصفور، فإنه من الظلم استهداف "زعماء" الأكراد والفلسطينيين والصوماليين واللبنانيين والعراقيين المحتلين.
أليست معظم سياسات الدول العربية، السياسية والاقتصادية والثقافية، والإعلامية وحتى الدينية في أيدي البيت الأبيض قبل أن تكون في أيدي أصحابها؟ أليس السواد الأعظم من دولنا في بيت الطاعة الأمريكي؟
هل يعلم الذين يعيّرون أولئك "الوكلاء الصغار" بالعمالة لأمريكا والرضوخ لتعليماتها، أن الأمريكيين يفتشون المصريين في قناة السويس(عقر دارهم)، بدل أن يحدث العكس، وهو ما ينطبق عليه المثل الشعبي:" جالس في حضننا وينتف لحيتنا"؟
www.deyaralnagab.com
|