على المحك : هل من "عناقيد غضب" عربي يلوح في الافق؟؟
بقلم : د. شكري الهزَّيل ... 15.12.07
كانوا هُم كما كانوا وبقينا نحن كما كُنَّا وكان وما زال العرب على مدى عقود من الزمن يكيلون الاتهامات للاستكبار الغربي و للامبريالية الغربية والصهيونية العالمية ويحملونها المسؤولية عن ما هو جاري وحاصل في العالم العربي دون أن يُحَدِدوا عمليا واستراتيجيا من هو عدوهُم الحقيقي ومن هو المسؤول الرئيسي عن هذا الظلم والتَخَلُف الهائل اللذي يَعصف بالوطن والانسان العربي, وبالتالي يبدو جليا أن أكثرية الكُتاب العرب بِشتى إتجاهاتهُم السياسية يَميلون الى تَحميل الغرب بشكل عام وامريكا بِشكل خاص المسؤولية الكاملة عن ما جرى ويجري في العراق وفلسطين دون التركيز بِإسهاب على العناصر والعوامل العربية الداخلية التي كانت وما زالت تلعب دورا مركزيا في ما آلَت إليه الأمور والتطورات في العراق وفلسطين والعالم العربي بشكل عام!!
ينسى العرب والكثير من المُتخاذلين والمُغَفلين أن ما جرى يجري في العراق من احتلال ودمارهو امتداد "طبيعي" لِما جرى ويجري في فلسطين منذ عقود مضت من قمع وهمجية الاحتلال الاسرائيلي اللذي يَستَمِد غطاءِه السياسي بشكل جُزئي من امريكا والغرب, ولكن الحقيقه المُرة هي ان العرب وحُكامَهُم هُم من يتحملون المسؤولية الرئيسية في إستفحال الهمجية الامريكية والاسرائيلية وهُم العرب انفسهُم من يَمِد امريكا واسرائيل بِأعتى انواع الاسلحة الفتاكة مُنذ عقود وهي اسلحة الصمت والخنوع والتواطؤ والذل التي أثبتت الاحداث في العراق وفلسطين أنها أكثر فَتكا من التوماهوك والاباتشي واليورانيوم المنُضب واكثر فتكا من الصهيونيه الامريكيه والاسرائيليه!!
من هنا لابد من القول اننا على قناعة تامة أن التاريخ الامريكي مُنذ نَشأته كان تاريخا داميا وهَمَجيا في تعامله مع الاخر، ونحن على قناعة ايضا ان القاسم المُشترك بين اسرائيل وامريكا ليست المصالح المشتركة واللوبي الصهيوني وأثره في الوضع الداخلي الامريكي فقط، لا بل ان الاستعمار الاستيطاني والإحلالي والنهج الايديولوجي لِنشأة امريكا واسرائيل هُو الذي يُشكل العمود الفقري للتحالف الامريكي الاسرائيلي من جهة وهو الذي يُشكل القاسم المُشترك بين مَسلكية وهمجية الاحتلال الاسرائيلي في فلسطين والاحتلال الامريكي في العراق من جهة ثانية، وبالتالي فإن ما يجري في العراق من احتلال فاشي وهمجي هو الوجه الاخر وصُورة طِبق الاصل من المسلكية الاسرائيلية التي دعمتها وساندتها امريكا والقوى الامبريالية منذ وعد بلفور ومرورا بِنشأة الكيان الاسرائيلي وعشرات المجازر بحق الشعب الفلسطيني منذ ذلك الوعد [1914] وحتى احتلال العراق وتدمير الدولة العراقية جغرافيا وديموغرافيا واقتصاديا!! والسؤال المطروح: الى متى ستختبئ غابات الهزائم العربيه وراء حجة شجرة جبروت الصهيونيه والامبرياليه الامريكيه؟
دائما وابدا يتكرر السؤال نفسه منذ قرن من الزمن: اين العرب وموقفهم من ما يجري في فلسطين؟ ويضاف له اليوم الموقف من حال العراق الجريح وبعد ما يُقارب القرن من الزمن و من الاحداث وطحن الشعب الفلسطيني وتقزيم القضية الفلسطينية إضافة الى الاحتلال الامريكي للعراق وحتى انابوليس وحصار غزه الخانق نعود للسؤال نفسه بِالاضافة الى مدى مُساهمة العرب في تَمرير المُخططات الامبريالية والصهيونية في المشرق العربي!؟ الجواب هو أن العرب ما زالوا يَطحنون ويعجنون ويلوكون نفس كلمات الشجب والادانة[حتى هذه بدأت تغيب من الخطاب العربي!!] من جهة، وُيساهمون مُساهمة كبيرة في تَسهيل احتلال الوطن العربي - كما جرى في فلسطين قبل قرن من الزمن، والعراق بعد قرن من الزمن - يقتلون القتيل ويَسيرون في جنازته! ثُم يندبون حَظَهُم ويَنعُون بأحر الكلمات فَقيدهُم ويَهجون بِأقذع الكلمات الامبريالية والاحتلال!... متى سَنهجِي ذاتُنا وننعى واقعنا ونعترف أننا فرشنا البساط الاحمر للإحتلال وأخِطنا اكفان اطفالنا وضحايانا بِايادي عربية اوشِبه عربية مُنذ مطلع القرن العشرين وحتى يومنا هذا!؟
على مدى اكثر من عقد من الزمن وتحديدا منذ مُنذ عام 1990 والعدوان الامريكي الاول على العراق ومرورا بالحصار وحتى الاحتلال الامريكي المُباشر للعراق[2003] لم تَنْعَقِد قمة عربية او قمة " مجلس التعاون الخليجي" إلا وكان على جدول اعمالها إدانة العراق وضرورة "التزامه بقرارات الامم المُتحده" وتبرير ومُباركة الجرائم الامريكية بحق الشعب العراقي والدولة العراقية, وبالتالي الذين فَتَحوا الابواب على مصراعيها لاحتلال العراق ودخول عُتاة المُجرمين والمَعتوهين من اليانكييين الذين يُنكلون بالشعب العراقي هُم بالدرجة الاولى ليست بوش ورايس لا بل مُبارك وآل سعود وآل الصباح والنظام الاردني وباقي انظمة الحكم العربي بالاضافه للشعوب العربية الخانعة... هُم.. أي العرب المسؤولون بالدرجه الاولى عن كل ما يجري في العراق وفلسطين... هذا هوالواقع العربي المرير ولا بُد من الاعتراف بِه!!
يبدو جليا أن الادارة الامريكية والغرب الامبريالي الامريكي بشكل عام يتعامل مع مُستعمراته ومحمياتها العربيه بـ"المُراضاة" والصفقات التجاريه[ كما جرى اخيرا في الجزائر وزيارة ساركوزي للجزائر وعدم اعتذاره عن جرائم الاستكبار الفرنسي ومقتل اكثر من مليون ونصف المليون جزائري!!] والتبادُل التجاري واللعب على كسب الزمن الكافي لفرض الوقائع على الارض ضمن لعبة الخطوة خطوة واستيعاب العرب للصدمة بصدمة أُخرى ضمن تَمرير مشاريع الاستكبار الغربي بشكل عام ومشروع الاحتلال الاسرائيلي ومشروع الاحتلال الامريكي في العراق والعالم العربي بشِكل خاص, بمعنى أن شكل الحل للقضية الفلسطينية وكذلك القضية العراقية غير ثابت وليست لَه مرجعيه ولاُ ثوابت جُغرافية وتاريخية وسياسية وقانونية ويرتبط بِمدى القبول العربي والفلسطيني بما يفرضه الاحتلال الاسرائيلي من وقائع على الارض ويفرضه الاحتلال الامريكي في العراق والعالم العربي, وهذا ما يُفسِر جرجرة و كلاء امريكا في المنطقه العربيه الى انابوليس دون جدوى تذكر سوى استمرار الاحتلالين في فلسطين والعراق!!
لقد فرضت امريكا بِموافقة العرب انفسُهُم مفهوم رُخص ودونية الانسان والدم العربي مقابل فوقية الانسان الامريكي والاسرائيلي, وهذا ما يُفَسر أن قتل وجرح اسرائيل يوميا لعشرات الفلسطينيين وقتل امريكا يوميا للِعشرات والمئات من العراقيين أصبح امر عادِيا ولا يَحتاج حتى الى تَعلِيق اوتَنديد من جهة العرب، وللمثال لا للحصر، وما اكثرالأمثلة في فلسطين والعراق, يجري في الوقت الراهن حصار وذبح قطاع غزه يوميا بتواطؤ عربي وبالتالي لا يَكتفي الحاكم العربي بالصمت على ما يَجرِي وتَثبيت دونية ورُخص الدم العربي، لا بل أنهُ يواصل علاقاته الطيبة مع اسرائيل وامريكا ويَخرُج راضيا بعد كُل زياره لواشنطن او يَفْتَعِل المُفاجأة بعد كُل لَطمَّه عَسكرية وسياسية تُوجهها امريكا للعرب!!..الكارثه الانسانيه الحادثه في غزه والجاريه منذ امد يندي لها الجبين الانساني والسؤال هو و بعد ان شبعنا شعارات وتراتيل ودعوات وندب:: اين هم العرب والمسلمون من ماهو جاري لاخوانهُم في قطاع غزه؟؟
ان ما يجري في فلسطين والعراق هو ليست مذبحه عابره لابل اباده بطيئه ومبرمجه للشعب الفلسطيني والعراقي, والحقيقة المره هي ان العرب شعوبا وحكاما يساهمون بصمتهُم وتواطؤهم بشكل كبير في هذه المذبحه ويختبأون دوما وراء مصوغات غياب الحيله والقدره امام الجبروت الصهيوني والامريكي, والجاري اليوم ان الامه العربيه قد فشلت فشلا ذريعا في تَحقيق الحَد الادنى من التضامن الفَعَّال او التاثير في مَجرى الاحداث في فلسطين او العراق او حتى الحد الادنى من التأثير على قرارات الانظمه العربيه الخائنه والمشاركه في جميع اشكال العدوان الامريكي الصهيوني على الشعوب والاوطان العربيه , والحقيقه ان هذا الفشل الرهيب والمُشين يُوضِح مدى الترابط بين ظُلم ودكتاتورية الجلاد العربي وبين الأفاق الضيِقه للوعي الجماهيري العربي اللذي دأب حُكام الرذيله والمهانه على تَحديده وإغتياِلِه موضوعيا وإدخال الشعوب في غيبوبة سياسيه وتَغييبَهُم عن ماهو جاري من احتلال وظلم ومجازر واستبداد يصول ويجول في العالم العربي من جهه وصمتهُم على حُكام مأجورين يفرشون الفراش ألأحمر لاعتى عُتاة الغُزاة والمجرمين بحق الشعوب العربيه من جهه ثانيه وبالتالي يبدو ان الجلاد ضَحَّى بالضحيه ونحَر أمه كامله على مذبح الوطن العربي من اجل الكُرسي وارضاءا لحليف فاشي ومُجرم إستباح ويستبيح الوطن والدم العربي ليلا نهارا ويَلُغ في الدم العربي وكأنَّه يشرب نخب كأسه بهذه الهمجيه الساديه الجاريه في العراق وفلسطين ودم العرب المهدور والمسكوب ليس من المحيط الى الخليج فقط لابل ايضا على عرض وطول هذا العالم!
منذ امد والعرب ينوحون ويصولون وحال وعي ومعنويات الشعوب العربيه تتدهور يوميا من السئ الى الاسوأ, وما هو جاري ان هذه الشعوب تتكور اليوم امام شاشات الفضا ئيات وتغيب بشكل شبه كامل عن واقع ما يجري في قطاع غزه وفلسطين والعراق, والحقيقة المره هي ان الاجرام الامريكي والاسرائيلي بحق الشعوب العربيه ككل وفلسطين والعراق بشكل خاص لم ياتي من فراغ لابَل انه نتيجه حتميه لتراكُم الخنوع العربي والهزائم العربيه على مَدى عقود من الزمن,, وهذا الواقع المرير اللذي سَمَح واتاح الفرصه للنظام الامريكي الفاشي بذبح اكثر من مليون عراقي قبل وبعد احتلال العراق ومازال يذبح المِئات والالاف حتى يومنا هذا !!! والسؤال الذي يُعاد تكرارا ومرارا :: اين هم العرب مما هو جاري لاخوانهم في فلسطين والعراق؟؟؟......يعيشون في غيبوبه تاريخيه وغابة هزائم من المهد الى اللحد والى الابد كما يبدو!!!. هذه المسلكيه المشينه للعرب نحو ما يجري في العالم العربي هي اللتي يقتدي و إقتدى بها الامريكان واسرائيل في عملية استمرارية ذبح الشعب الفلسطيني والعراقي مراهنين بهذا على سلبية الموقف العربي ورُخص الدم على أهلِه وهي ارضية واقِعه يوميا في فلسطين منذ عقود ولم يُحرك العرب ساكِنا لابل سَمحت الشعوب العربيه لِحُكامها أن تُحاصر فلسطين والعراق وتُشارك على قدم وساق في ترسيخ احتلال فلسطين واحتلال االعراق اللذي يعرف الداني والقاسي أنَّهُ مُحتَّل وجريح بينما يتلعثَم الحكام العرب والاعلام العربي الرخيص عندما يزل لسان الحاكم او المذيع عن ماهو مُحدد لَه بكلمة الاحتلال ويعود فورا الى قوات التحالف او عندما يُروج الاعلام العربي الساقط الى " اعمال العنف في العراق او فلسطين" وكأنها مجرد اعمال شغب واجرام جاريه في نيويورك!!, ويُنكِر على العراقيين والفلسطينيين حتى وطنيتهُم وحقهُم في الوطنيه ومقاومة الاحتلال... العرب لايدعمون المقاومه العراقيه والفلسطينيه لابل يقومون بتشويه صورتها وتحريف تسميتها!! منذ متى اصبح المقاوم العراقي البطل مجرد "" مُتمرد"؟؟ متمرد على من؟؟؟!! طبعا متمرد على امريكا!!! منذ متى اصبح الفلسطيني الذي يذود عن بيته ووطنه مجرد "ارهابي" يهدد " امن" اسرائيل التي تحتل ارضه؟؟:: الجواب :منذ تسلمت فضائيات براميل النفط العربي رسن الاعلام العربي وحاكَت وتُحاكي الاعلام الغربي والامريكي وكرررت وتكرر كالببغاء المصطلحات الامريكيه!! ... وحتى لايغيب عن بالكم مدى بلوغ الانحطاط العربي الرسمي والتابع لابد ان نذكركم بخبر مفاده تناقلته وسائل الاعلام اخيرا وهو: ان هنالك توتر ما بين القاهره وسلطة محمودعباس والسبب هو فتح السلطات المصريه معبررفح لعبور الحجاج من قطاع غزه في طريقهم لاداء فريضة الحج!! والاسباب الاخرى نتركها لتحليلاتكم!!, ولكن لا ننسى ان تشديد الحصار هو هدف محمود عباس حتى ولو بقي الحجاج عالقون على معبر رفح كما هو حال العالقين الفلسطينيين منذ شهور!!
واخيرا وليس اخرا، بِإمكان العرب أن يَشتموا امريكا واسرائيل كيفما شاءوا وعلى كُل الاحوال تتحمل امريكا واسرائيل جُزءاً من ما هُو حاصِل وجاري في العالم العربي من استكبار وإنحطاط, ولكن ما يجب على العرب الاعتراف بِهِ اولا واخيرا هو مَسؤوليتهُم المُباشرة عن الواقِع الراهن للعرب من جهة، والاعتراف بأن الصمت العربي والانهزامية كان وما زال السلاح الفتاك الذي فَتَكت بِهِ امريكا بالعالم العربي من جهة ثانية وبالتالي لا بُد للعرب من الاعتراف اولا بِواقعُم وحالَهُم الداخلي حتى يَخرِجوا من مرحَلَة الشتم والندب الى مرحلة الدفاع الحقيقي عن الوجود العربي والكرامة العربية.!! والسؤال االمطروح: الى متى سيختبأ العرب شعوبا وحكاما وراء شجرة حجة جبروت امريكا واسرائيل لتبرير عناقيد هزائمهُم!!.. اسرائيل عندما شنت عدوانها عام 1996 على لبنان وارتكبت مجزرة قانا الاولى اسمته "عناقيد الغضب", ومن ثم عادت اسرائيل وارتكبت مجزرة قانا اثنين في لبنان عام 2006 لأنها كانت وما زالت تعتقد ان العرب لايملكون سوى عناقيد الذل والهزائم!!!, لكن في هذه المره كانت المقاومه اللبنانيه لهم بالمرصاد من خلال عناقيد المقاومه!!... والسؤال الافتراضي::هل من عناقيد غضب عربي جماهيري تلوح في الافق على ماهو جاري للوطن العربي من ظلم ودمار واستكبار واحتلال؟.... انقذوا اطفال غزه وفلسطين والعراق من الموت البطئ والهلاك!!...حبة كرامه وشهامه وصوت مدوي في صحراء الصمت العربي!!!
*الكاتب : باحث علم إجتماع ورئيس تحرير صحيفة ديار النقب الالكترونيه
www.deyaralnagab.com
|