لا فساتين ولا ملبّس!
بقلم : رشاد أبو شاور ... 19.12.07
بعد نكبة الـ 48، تواصل الفلسطينيّون بواسطة المكاتيب، يعني الرسائل، عندما عرفوا عناوين بعضهم البعض في المخيمات القريبة، والبعيدة...
ومع ذويهم داخل (مناطق) الـ 48، تواصلوا عبر الراديو، بإرسال السلامات، وإهداء الأغاني، وعبر برامج: وسلامي لكم.
مرحلة ما بعد المكاتيب، والراديو، هي مرحلة التواصل عبر الهاتف ـ البرقيات سيئة، مخيفة، مثيرة للهلع بالنسبة للفلسطيني، لأنها، غالبا، تحمل نعيا، وأن الموت قد اختطف أحد الأحبّة، وأن من تصله البرقية لن يري الحبيب الراحل، أو الحبيبة، وأنّ اللقاء سيكون في جنّات الخلد، يعني في (الآخرة)، وبتعبير متفجّع...
الفاكس، وهو تطوّر هام للهاتف وخدماته، حلّ بعض مشاكل الفلسطينيين بخاصة تسهيل توصيل المعاملات، إصدارها، تصديقها، وحتي الرسائل. وفي زمن عز الثورة الفلسطينيّة حلّت مشاكل كثيرة، رغم الرقابة علي أنفاس الفلسطينيين عبر تكنولوجيا الهاتف والفاكس، وما بعدهما.
القفزة الكبري هي الكمبيوتر والإنترنت، والبريد الإلكتروني، لا سيّما بعد الترحيل عن بيروت، ومذبحة صبرا وشاتيلا، وتشرّد ألوف الشباب وهجرتهم نجاة بأرواحهم إلي البلاد الاسكندنافيّة، وهولندة، وألمانيا، مع بقاء الأهل في فم الخطر...
أمّا الخدمة التي تبّل الشوق بين الفلسطينيين، فهي الكاميرا وبرامج التواصل الصوتي (البلّوشي)، يعني بدون مصاري.
صار بمقدور الأب، والأم، وما تبقّي من العائلة، أن يتواصلوا مع ابنهم في تلك البلاد البعيدة، وابنتهم التي تزوّجت من (مهاجر) إليها، وأن يروا أحفادهم وحفيداتهم، وزوج الإبنة، وزوجة الإبن التي هي أحيانا فلسطينيّة عابرة للحدود للزواج بابن الجيران، أو القريب، أو الحبيب الذي لم ينس العشرة الطيبة والوعود بالوفاء والثبات علي العهد، والذي حفظ المثل: من طين بلادك ادهن خدادك...
في هذا العيد ازدادت قلوب الفلسطينيين انقباضا، بعد كّل هذا الذي يسقط علي رؤوسهم، ويثقل علي قلوبهم، بأيدي الأبناء لا الأعداء!
غزة باتت بعيدة، تنزف يوميّا، والضفة يلاحق فيها المناضلون، ويزّج في السجن بالعشرات، ومن كل الفصائل، فالعدو يساوي بين الفلسطينيين، وهو يحب أن يراهم جميعا: قابيل وهابيل...
لا كعك في هذا العيد ، هناك في غزّة، لا فساتين للطفلات، ولا ملبّس يتلذذن به ليجعلن أيامهن شيئا من الحلوي بعد كل هذا المرار...
انظروا ماذا يحدث في هذا العيد، بفضل الكاميرا، والتواصل عبر الإنترنت...
الجد والجدة والأخوال والخالة، يتحدثون تقريبا معا، مع الأحبة هناك في غزة ، ولا سيّما مع طفلتين فلسطينيتين كثيرتي الخوف من القصف، والطّخ، والانفجارات، و...
يفردون الفساتين، والألعاب، فتنقلها الكاميرا لتندهش بها عيون الطفلتين...
ـ ما أحلاها، بدنا إياها.. هاتولنا إياها ...
ـ مخبينها الكن ليوم تيجوا عندنا، أو حدا يحمللكو إياهن يا حبيباتنا...
لا الفساتين، ولا اللعب، ولا علبة الملبّس، يمكن أن تصل إلي غزّة، فبيننا وبين غزّة مطارات، وحدود، ولو حمل الهدايا مسافر فلسطيني (عائد) إلي مصر المحروسة، بعد أن أنهي علاجه، فسيتّم إيقافه في مطار العريش، ولأن الفساتين والملبس ودبدوب.. هدايا لطفلات فلسطينيّات فهي لن تصل، ستبقي في الحجز مع حاملها...
وأنا أري هذا المشهد التعذيبي، نصحت بأن لا تعرض الألعاب والحلوي، وبقيّة الألعاب، فالطفلتان حزنتا بدل أن تفرحا، لأنهما لا تفهمان كيف تمنع هذه الألعاب من الوصول إلي غزّة!
كيف يمكن شرح الأمر لهما؟ وماذا عن القطرة المطلوبة لعيني الطفل الصغير فهد ـ لم تعد هناك أدوية، أو حليب للأطفال ـ الذي بدأ ينقز من عزّ النوم لمجرّد سماع دوي قذيفة؟
توصي الجدّة ابنتها:
ـ نظفي له جفونه بالشاي المّر، يمّا...
الأطفال الفلسطينيون أذكياء، ولكنهم لا يفهمون هذه الأحاجي، وفعلاً: كيف يرجون الجّد والجدّة، والخال، والخالة أن يحضروهم عندهم، ومع ذلك لا يفعلون، علما أنهم يحبونهم كما يقولون، فهل الذي يحبّ لا يزور من يحبّ، ولا يستضيفه عنده؟!
هذه أحجية تبلبل عقول الأطفال الفلسطينيين الصغار، تحديدا الذين في غزّة، والذين لا يفهمون الحصار، ولكنهم يتعذّبون بسببه!
وهل حال الذين في الضفّة أحسن كثيرا؟!
وماذا عن الحفيد والحفيدة اللذين ولدا في النرويج بلد صفقات السلام، و.. مع ذلك لم يصطحبهما الأب لزيارة الجد والجدّة في عين الحلوة؟!
التكنولوجيا تسهّل تواصل الفلسطينيين، ولكن من يمتلك الكمبيوتر، والاشتراك، والكاميرا؟ وهل بعد ما شاب أبو عبد الله وأم عبد الله ، وأي من عباد الله الفلسطينيين، يمكن أن يتعلّم الطباعة، والتخزين، وفتح الملفات، وتشغيل الكاميرا، وتنزيل برامج الصوت؟!
ما هذه اللخبطة التي تطبخ المخ؟!
عذرا يا ندي ويا مريم، لن تصلكما الفساتين في غزّة، فالكاميرات تريكما أشياء حلوة، ولكنها لا تجعل حياتكما حلوة...
ولكن يبقي الأمل بأن تلبسا فستانيكما، حماكما الله أنتما وكل أطفال فلسطين حيثما كنتم جميعا، في الوطن تحت الاحتلال، أو في المنافي والشتات.. ذات يوم، في وطنكما الذي لا تمزّقه الجدران، والمستعمرات العشوائيّة، والمخطط لها
قبل سنوات بعيدة تعلمنا يا ندي ، ويا مريم، أن نردد يوم العيد: عيدنا يوم عودتنا...
وهل لنا عيد سوي بالعودة ؟
تصوري يا ندي، ويا مريم أن اليهودي إيلن بابي في كتابه (التطهير العرقي في فلسطين)، يطالب بحّق العودة للفلسطينيين، بينما هناك فلسطينيون تنازلوا منذ زمن بعيد عن هذا الحّق؟!
عيدنا يوم عودتنا، حليّا فميكما الصغيرين الحلوين بهذه الكلمات، واعلما أن غزّة جزء من وطنكما الواحد: فلسطين، وأنكما تنتميان لقريتي والدكما ووالدتكما...
غنيا مع جدو ناجي العلي:
ارسم شجرة.. ارسم عشرة
ارسم فلسطين
www.deyaralnagab.com
|