logo
أمّا اتفرّج يا سلام!

بقلم : رشاد أبو شاور ... 10.1.08

راح زمن صندوق العجب الذي كان يحمله علي ظهره رجل ينحني تحته لكبره واتساعه، محتضنا مقعدا يتّسع لجلوس طفلين أو ثلاثة، وصوته ينغّم نداءً مثيرا:
أمّا تفرّج يا سلام
شوف عجايب الزمان
شوف أبو زيد الهلالي
في إيدو حربة بتلالي
لم نكن قد تعرّفنا بعد علي السينما، التي غزتنا في عقر مخيماتنا، في عروض في الهواء الطلق، وعلي حائط المدرسة المطلي باللون الأبيض.
تلك أيّام لا تنسي، فالعواجيز يتوافدون، والأمهات يضممن أطفالهن إلي صدورهن، ويحاولن إسكاتهم بتلقيمهم أثداء حليبها قليل ـ كانت أيام جوع ـ ليسمعن أغنيةً أو لينبهرن بمشهد حلو لفريد الأطرش وسامية جمال، أو محمد فوزي وليلي مراد.
ضحك بريء يختلط بحوارات شخوص الفيلم، وبكاء الأطفال، وغثبرتنا نحن الزعران المبسوطين من فيلم لا نستطيع متابعة أحداثه في هذا الهيجان.
في صندوق العجب كنّا نتفرّج علي عنترة، وأبي زيد الهلالي، والزير سالم، وأبطال نقشوا في الذاكرة بشواربهم المعقوفة، وسيوفهم اللامعة.
راح صندوق العجب، وها نحن في زمن السينما، والفيديو، والإنترنت، والخليوي الذي ينقل لك أخبار الكرة الأرضيّة حيثما كنت.
راح الصندوق وظّل العجب العجاب، وهو هذه الأيام في فلسطين، فتعال اتبعني وأنا أنادي:
أمّا اتفرّج يا سلام، شوف عجايب الزمان، شوف وزير إعلام السلطة بيعلن القبض علي مجرمين قتلا جنودا بسبب صفقة مريبة!.. يتباهي بالقبض علي (الجناة) ـ يعني المقاومين! ـ رغم أنهم لم يقترفوا (جريمتهم) في مناطق السلطة.. ومناطق السلطة هذه منها رام الله، ونابلس.. وهي مستباحة لقوات الاحتلال، والوزير وما يمثّله الوزير، معنيون بالقبض علي من يقاوم الاحتلال.
لم اذكر لكم اسم الوزير لأنني فعلاً لا أحتفظ به في ذاكرتي، فأنا لم اسمع به من قبل، لم اقرأ له دراسات، أو مقالات، أو كتابات، ولم التق به في قواعد الفدائيين، وكل ما عرفته أنه فصل من الجبهة الشعبيّة بعد أن أيّد بقوّة اتفاقات أوسلو. ها هو صبر ونال الوزارة، فلم لا يستنكر ويشجب، ويصرّح للجزيرة وأخواتها بلهجة جنرال: قبضنا علي الجناة، وهم كما يبدو اقترفوا جريمتهم ـ قتل جنود الاحتلال جريمة!! ـ لأسباب جنائيّة!
أمّا رئيس وزراء السلطة فيمضي أبعد من وزيره، فهو أبلغ شمعون بيريس، شمعون قانا ومفاعل ديمونة.. ألمه الشديد علي مقتل الجنديين قرب الخليل، وقدّم أحر تعازيه لشمعون، وأسرتي (الفقيدين) الغاليين!
ويشهد الله، واقسم جادّا، أنني بعد قراءة هذه التصريحات، ما عدت أستغرب أن يعلنوا عن فتح بيت عزاء بالجنديين في رام الله.
الجماعة قرأوا علي شيخ واحد كما يقال، في زمن العجايب، لذا لحق بهم جنرال سابق هو عبد الرزاق اليحي، وهو أيضا وزير داخلية، فزّف خبر تنظيف الضفة قري ومدنا من السلاح تماما!
ولكن بعد أيام قرأت أن أجهزة أمن السلطة اكتشفت كميّات كبيرة من المتفجرات المتطورة والذخائر والأسلحة للجهاد الإسلامي، وحماس، وهذا يدل علي أن المعركة ليست مع حماس ثأرا من فعلتها في قطاع غزّة، ولكنها حملة جذريّة لاجتثاث المقاومة ـ أسوةً باجتثاث البعث في عراق بريمر ـ بكّافة أطيافها...
في نابلس ولثلاثة أيام اجتثّت قوات الاحتلال بيوتا، ومناضلين، وجرحت أربعين فلسطينيّا، وأمعنت في تدمير الاقتصاد المحطّم في المدينة المعروفة بأنها كانت العاصمة الاقتصاديّة الفلسطينيّة قبل أوسلو، وكّل هذا يحدث بعد (أنابوليس) في نابلس!.. وبعد موافقة الاحتلال علي دخول قوّات أمن السلطة!
أمّا تفرّج يا سلام
علي عجايب الزمان
من صحيفة الحياة الجديدة اقرأ لكم هذا الخبر المنشور يوم الأحد 6/1/2008 : وسّعت السلطة الفلسطينيّة الوطنيّة ـ صفة الوطنيّة وردت في سياق الخبر ـ أمس (السبت) نطاق حملتها الأمنيّة خارج حدود المدن الرئيسيّة في الضفة، بالرغم من مواصلة جيش الاحتلال اجتياحه لمدينة نابلس. وقال العميد عدنان الضميري لوكالة فرانس برس: إن حملة الاعتقالات جرت خارج محافظة رام الله والبيرة، ولم تشمل سوي مدنيين خارجين علي القانون.. الجنرال معني بمطاردة الفلسطينيين الخارجين علي القانون، فهو من عازفي قانون السلطة.. أما المقتحمون (لنابوليس) فلا مطاردة، ولا مواجهة، ولا تصد لهم، فتدميرهم للمدينة قانوني، وفي خدمة السلام، وخطوات علي قيام الدولة الفلسطينيّة!
هذا مآل العسكريّة الفلسطينيّة برتب الجنرالات!.. ألف رحمة علي أرواح : العقيد عبد الله صيام، والعميد سعد صايل، والرائد بلال و.. جميع من كانوا أكبر من كّل الرتب، فنالوا رتبة شهيد علي ثري لبنان وفاءً لفلسطين.
أمّا تفرج يا سلام
نتفرّج علي شاربي عنترة، وأبي زيد الهلالي، والشارب رمز للاعتزاز بالرجولة. ثوار الـ 36 اشتهروا بشواربهم المعقوفة إلي أعلي كجناحي العقاب، والتي من فوقها تمرق نظرات تفّل الحديد ، أولئك أبناء الجبال الشامخة، والليل، والبواريد...
اعتزازا بالشارب كان الواحد من أجدادنا وآبائنا يضع أصابعه علي طرف شاربه، ويردد: من هالشارب.. أمّا متوعدا، أو واعدا يبّر بوعده، فهو اقسم بشاربه...
في غزّة اتفرّج يا سلام، اتفرّج علي حلق شارب رجل محترم، معروف بنزاهته ووطنيته هو إبراهيم أبوالنجا، النقابي المعروف، عضو المجلس التشريعي، القيادي المحترم في حركة فتح.
هنا أتوقّف لأذكّر بأن أجهزة السلطة حلقت شوارب بعض قادة حماس وألبستهم المناديل وأمرتهم أن يرقصوا مثل فيفي عبده!.. ياللحقارة والحقراء!
أنا واحد من الذين فضحوا هذه السلوكيات وعلي صفحات هذه الصحيفة المعروفة بمواقفها ومصداقيتها وانحيازها لفلسطين وقضايا ملايين العرب، وخوضها معارك الدفاع عن كرامة الإنسان العربي علي كّل الأرض العربيّة .
وفي غزّة يحرم جمهورفتح من الاحتفال بذكري الانطلاقة، وتداهم بيوت، ومكاتب، ويعتدي علي الناس!...
عجايب الزمان!
وهذه العجايب أن عدونا يقتل أهلنا في القطاع، وفي نابلس.. معا، فليس عنده لحي ممشّطة، فكّل فلسطيني هو عدو إلي أن يثبت أنه عميل، وخائن لقضيته، وخانع وراكع وبائع، وهذا الصنف نادر ومرذول دائما...
طرفان كل واحد منهما يشّد نصفا من بقايا وطننا في الضفّة والقطاع، واحد خياره السلام حتي لو لم يبق الاستيطان دونم أرض واحداً يكفي لإقامة سجن أو مقبرة (وطنيّة)! والآخر لم يعد خياره المقاومة، يدّعي يوميّا أنه لم يسع للسلطة ولكنها جاءت إليه.. فماذا يفعل ؟ أيرفضها؟! طرفان يتصارعان علي الفوز باعتراف العدو بمن هو الطرف الذي يتفاوض معه!.. أهذه هي الشرعيّة التي تتصارعون عليها؟!
بقايا البنادق المقاتلة في فلسطين باتت تمثّلها الجهاد الإسلامي، فهي تواصل المقاومة، ولا تلطّخ أيدي مجاهديها بدم فلسطيني، ومعها كتائب (أبوعلي مصطفي) وبقايا (كتائب الأقصي) التي لم تفسد...
طرفان يقصّان شوارب بعضهما، ويطعنان قلب فلسطين وشعبها بشفرتي مقّص، كل طرف منهما يمسك بحّد منه ويذبح القضيّة وأخوة السلاح. يتشاطر قادتهما بتصريحات مبتذلة كاذبة، بينما الأرض تنوح من المصادرة والاستيطان والجدار والحواجز ...
أمّا اتفرّج يا سلام
علي عجايب الزمان
هل من خيارهم السلام والمفاوضات، رغم كل جرائم العدو اليوميّة سيحققون شيئا لشعبنا؟ وهل الذين يختطفون غزّة كما لو أنها طائرة يفاوضون عليها، يمكن أن يحققوا شيئا سوي أنهم حشروا أنفسهم، وزجّوا شعبنا في مأزق لا أفق له، وغطّوا تهافت الأسلويين العجزة؟!
أماّ اتفرّج يا سلام
شوف عجايب الزمان


www.deyaralnagab.com