الفلسطينيون في العراق ومحنة البحث عن الوطن الثالث !!
بقلم : علي الكاش ... 9.3.08
اعتقد أن الخوض في غمار هذا الموضوع الشائك أشبه بمغامرة غير محدودة النتائج والعواقب، ولكن فقدان العديد من الأخوة والأصدقاء الفلسطينيين فتحت الأبواب على مصراعيها للتوغل في هذا الموضوع، من المعروف أن فلسطينيي العراق معظمهم من لاجئ عام 1948 عاشوا في العراق أكثر من نصف قرن كمواطنين عراقيين شاركوا الشعب العراقي أفراحه وأتراحه استقلاله واحتلاله بنظامه الملكي والجمهوري وكانوا ركناً ومصدراً مهما في إدارة الدولة العراقية، وشاركوا في مختلف الأنشطة السياسية والاقتصادية والثقافية كجزء لا يتجزأ من الشعب العراقي، أحبوا العراق بصدق فأحبهم العراق بصدق وأحبوا شعبه بإخلاص فبادلهم الشعب هذا الحب وتفانوا في خدمة العراق فضمهم تحت جناحيه كما تضم الأم الحنون أبنائها، وتوزعوا في مفاصل الحياة العراقية كالشجرة اليانعة الأغصان كل غصن يحمل ثمرة يقضم منها القليل يقدم الكثير للشعب والوطن الذي احتضنه، الفلسطيني هو الأقرب إلى العراقيين بلا مجاملة ورغم أن المصريين وصل تعدادهم حوالي(3) مليون خلال الحرب العراقية الإيرانية وكذلك الأعداد الغفيرة من العمالة السودانية مقارنة بالعدد القليل من الفلسطينيين الذين لا يتجاوزا(50000) حسب تقديرنا وهو يتجاوز إحصائية المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة التي قدرتهم (30000) .لكن الشذى الفلسطيني كان يطغي على رائحة الجميع كالمسك يذكي الأنف العراقي أكثر من غيره، ويتميز عبيره بنقاوته وأصالته واختلاطه بعبق تربة العراق النافذ إلى قلوب الأحبة العرب. الفلسطينيون لم يرتضوا إن يكونوا حالة منفصلة عن تأريخ العراق فهم جزء من حركة التأريخ العراقي في مراحله الحديثة ورغم التجمعات التي شملت الفلسطينيين في إحياء العراق لكن نوافذهم بقت مفتوحة إمام العراقيين بلا خوف أو وجل، اندمج الشعبان في بوتقة واحدة وانصهرا ليشكلا مزيجا رائعا كأنهما دجلة والفرات عندما احتضنتهما مدينة القرنة ليصبا معاً في رافد شط عرب وكما اختلط الدم العراقي بالدم الفلسطيني في المعارك التاريخية مع الكيان الصهيوني منذ عام 1948 كذلك اختلط الدم الفلسطيني بالدم العراقي أبان الحرب العراقية الإيرانية، كانوا درعاً إضافيا إلى صدر العراق الأشم وسنداً داعماً سواء في حماية ألأمن الداخلي أو الخارجي، فالتربة العربية واحدة من المحيط إلى الخليج نفس الخصائص ونفس المعاني ونفس الميدان سواء كان في العراق أو فلسطين كما أن العدو واحد الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني اللقيط.
فلسطين تعيش في قلب العراق وتمتد خطوط حب الفلسطينيين مع حدود خارطة العراق من شماله إلى جنوبه ومن شرقه إلى غربه من جباله إلى أهواره، في مواد الدراسة من الابتدائي ولحين الحصول على الشهادات العليا لفلسطين حيزا كبيراً في هذه المواد أنها رفيق العلم والدراسة وزاد المسافر في خطب الجمعة ودعوات الصلاة ولا توجد مئذنة جامع في العراق لم تنطق باسم فلسطين بعد الصلاة وخطب يوم الجمعة والأعياد ولا يوجد ناقوس في الأديرة والكنائس لم يصدح بذكر فلسطين لتردد صداها القلوب قبل الهواء.
ولا يوجد معلم أو أستاذ جامعي وبغض النظر عن تخصصه الفيزياء الذرية الرياضيات الكيمياء الأحياء الهندسة ليكن ما يكن ففلسطين جامعة للعلوم والمعارف وذكرها واجب عربي وإسلامي وأنساني عندما تنهي صلاتك وتبدأ بالدعاء تقفز فلسطين في الذاكرة وإلا كانت صلاتك ناقصة وعندما تسبح بسبحتك لا يمكن أن تنسى الدعاء للفلسطينيين وأسراهم وإلا كان تسبيحك ناقصا، وهل هناك صحيفة في العراق لم تزيد فيها كلمة فلسطين عن كلمة العراق نفسه، وتمددت القضية الفلسطينية على صفحاتها جميعاً ؟ فلسطين هي قضية العرب وفلسطين هي الماضي والحاضر والمستقبل وفلسطين قبلة العالم الإسلامي وفلسطين جدار النبي سليمان وفلسطين مهد النبي عيسى وفلسطين قبة الصخرة وفلسطين حائط المبكى وفلسطين المسجد الأقصى وفلسطين جرح العرب وفلسطين أمل العرب، وفلسطين قضية العرب وفلسطين ثأر العرب وفلسطين تاج رأس العرب.
من الذي يستطيع أن يوقف دموعه المحرقة لأم كلثوم وهي تشدو أصبح عندي (الآن بندقية ) ومن يستطيع إن لا يلبي دعوتها إلى التحرير( إلى فلسطين خذوني معكم) فتطمئنها فيروز بصوتها الرخيم ( الغضب الساطع آت وأنا كلي إيمان )ومن لا يرتعش جسمه وهو يسمع الشيخ أمام وهو يطرب الأسماع الوطنية( بفلسطينية والبندقاتي رماكو ) ومن لا يتمنى أن تتحقق نبوته وهو يغني ليس بحنجرته وإنما من قلبه( ناري في ايدية وايدية تنزل معاكو على رأس الحية وتموت شريعة هولاكو) لقد جمع بين هولاكو الإسرائيلي وهولاكو الأمريكي معاً كأنه قرأ تنبؤات نوستراداميس. من الذي يحبس دمعه وهو يرى مظفر النواب يشبه فلسطين بعروس جميلة دخل عليها الصهاينة في عقر دارها العربي ليغتصبوها أمام مرأى من أهلها.
أنفرد العراقيون من بين خلق الله أجمعين متفقين على استخدام كلمة الكيان الصهيوني بدلا من دولة المسخ، وانضمت هذه الدولة اللقيطة لتكون مع مفردات الكبائر في قاموس العراقيين يرافق ذكرها بصاق على الأرض، وأصبح ولادة الطفل العراقي كولادة الطفل الفلسطيني يؤرق زعماء هذا الكيان المسخ وان تقول غولدامائير (يزعجني ولادة طفل عراقي) ذات مغزى واضح، وان يفصح احد زعماء الموساد أن من الصعب عليهم تجنيد عراقي معهم دليل على مدى الكراهية التي يكنها هذا الشعب للكيان المسخ، فمع ولادة كل عراقي تلد أيضا كراهية جديدة للكيان وتتصاعد البغضاء مع نموه لتصل إلى أشدها عندما يكون قادراً على حمل السلاح وعندما يؤدي خدمة العلم يكون نشيد (فوق التل تحت التل اسأل عنا الريح تندل )هي الأنشودة التي يبتدئ بها وينهي بها حياته العسكرية . وهل هناك عراقي لم يخرج في تظاهرة مؤيدة لفلسطين وهل هناك عراقي محا من فكره يوم الأرض وهل هناك عراقي نسى أن يتبع وعد بلفور بكلمة المشئوم وهل هناك عراقي لا يستذكر حرق الأقصى أو بكى ونحب وهو يرى محمد الدرة يموت في أحضان أبيه، وهل هناك عراقي لم يشعر بمعاناة الأب الصريع وهو يلملم جسده الضئيل ليحمي فلذة كبده! أليس محمد الدرة بعراقي طالما بكينا عليه جميعاً كأحد أبنائنا ؟ أليس أبوه عراقي طالما أحسسنا جميعاً بأننا آباء محمد الدرة ؟ إن كانت المشاعر موحدة والإرادة موحدة والذي يصيب الفلسطيني في الأرض المحتلة يوجع العراقي في بلده، وإذا بكى الفلسطيني ربت على كتفه العراقي مكفكفا ومواسيا؟ ماذا نسمي ذلك وحدة المشاعر؟ أم علاقة الدم أو التأريخ ؟ الإسلام أم المواطنة؟ العروبة أم القومية أو الإنسانية؟ بلاشك أنها بوصلة تضم جميع هذه الاتجاهات بلا تفكيك أو تفضيل أو تفريق.
حسب الفلسطينيون على العراق ضيوفا برحابة وحسب العراقيون أشقاء للفلسطينيين برحابة صدر أيضا وتعايش الشعبان معا مرتبطين بوشائج الأخوة والمحبة، وعندما يقال في العراق هذا فلسطيني فهذا يعني انه شرف الأمة وشرف العراق فقدم له كل دواعي الأمان والاستقرار والمساعدة، وعندما رفض العراق أعطاء الفلسطيني جنسية عراقية لم يكون ذلك بدافع الخوف أو الامتناع أو الانصهار فكثير من الفلسطينيين متزوجين من عراقيات والعكس صحيح، والجنسية العراقية منحت شفويا للعرب جميعا والفلسطينيين بشكل خاص فهم مقيمون إقامة شرعية ولهم كافة الحقوق الممنوحة للعراقيين من حق الإقامة والسكن والعمل والسفر والوظيفة الحكومية والتقاعد حقهم يبدأ من ولادتهم في العراق ولا ينتهي بموتهم أن كان لهم أولاد قاصرين حيث يحق لهم الراتب التقاعدي للمتوفى؟ العراق رفض منح الجنسية لاعتبار واحد وواحد فقط وهو الحفاظ على الهوية الفلسطينية فإذا منح كل بلد عربي للفلسطينيين جنسية فأنه بذلك سيدمر الهوية الفلسطينية وسيؤثر ذلك على حق العودة ويقلل من دواعي النضال لذلك كان لا بد من شحذ الهوية الفلسطينية رغم أنهم يستحقون الجنسية العراقية أكثر بكثير من العراقيين أنفسهم؟
عندما وزعت القيادة في العراق للفلسطينيين مجمعات سكنية ووفرت لهم الخدمات مجاناً أو شبه مجانا لم تشعر هذه الخطوة العراقيين بالغيرة أو السخط فالفلسطيني يستحق الاهتمام به وقد لاقى ما لاقى من التشرد والوحدة والظلم والضياع وإعطائه الأولوية في الرعايا و التعامل يتناسب مع أخلاق العرب والإسلام وعادات العراق وتقاليده وكرمه الحاتمي، وعندما بدأ العدوان الثلاثيني على العراق وزعت المواد الغذائية على الفلسطينيين أسوة بالعراقيين، بل إن الجمعيات الفلسطينية كانت تحتوي من المواد الغذائية ما لا يتوفر لدى الجمعيات العراقية، وكان العراقيون يتسلمون بعض المواد عن طيب خاطر بهويات الفلسطينيين وخاصة المواد الشحيحة آنذاك. وكانت التجمعات الفلسطينية السكنية تضم من الزوار العراقيين أكثر منه الفلسطينيين. في معارك الغزو عام 2003 تطوع عدد من الفلسطينيين لمحاربة القوات الغازية تحت شعار العدو واحد مقدمين تضحيات كبيرة سجلت بفخر واعتزاز في قلوب الشعب العراقي فقد أثبتوا أنهم أهلاً للمواطنة الصالحة عندما جادوا بدمائهم الزكية لإرواء تراب الوطن الثاني فازدادت تربتها عبقاً وأريجا وخصوبة لتينع بغصن جديد من شجرة القومية والعروبة، وترسل رسالة أبدية للعالمين العلوي والسفلي مؤداها أن النفس واحدة والكرامة واحدة والتراب واحد والقضية واحدة؟ كان فدائيو صدام وهم متطوعون من العراقيين والعرب هاجساً لقوات الغزو ارقهم وأنقض عليهم في مضاجعهم، وكانت كلمة فدائيو صدام تزرع فيهم الخوف كما يفزع منظر القط الفأر؟ ومع الغزو عندما يضايق الأطفال بعض مرتزقة قوات الاحتلال ولغرض تفريقهم يصرخون بالعربية( كو كو فدائيو صدام) (بمعنى أذهب جاء فدائيو صدام) ومن المؤسف أن لا يلقى الضوء من قبل وسائل الأعلام على الملاحم التي سطرها فدائيو صدام وكبدوا فيها قوات الاحتلال خسائر فادحة ولا سيما في معركة المطار؟ لعلنا نعرج إلى هذا الموضوع في وقت لاحق بأذن الله وكان للفلسطينيين حضور رائع في قوات الصاعقة هذه.
بلا شك أن المعارك التي خاضها الفلسطينيون مع أشقائهم العراقيون تركت طابعاً مؤلماً لدى قوات الاحتلال وأذنابهم من القادمين كالقراد على مؤخرة قوات الاحتلال، وبدأ محرار ريختر العمالي يتصاعد ضد الفلسطينيين سيما وان قوات الاحتلال بالإضافة إلى كراهية الفلسطينيين والنظر إليهم كإرهابيين فأن هذه القوات تضم عدداً كبيراً من الإسرائيليين قادة وجنود، وهم بعد الخسائر التي تكبدوها في معركة المطار من المؤكد سيثأر ون من فدائي صدام والرافد الفلسطيني والعربي الذي أمدهم بعناصر قتالية أثبتت بأنها أرسخ من الجبال وأسرع من الرياح وأنقى من البياض عزيمتهم بلا حدود ومعنوياتهم أعلى من السحاب، وكانت الرسالة الأمريكية الإسرائيلية هي( تباً للعرب والفلسطينيين بشكل خاص وسيكون الثأر قريباً منهم) ولحساسية المسألة بالنسبة للعراقيين تم تمهيد ذيول الاحتلال نفسياً وإعلاميا للثأر منهم بخطوات متلاحقة بدأت الخطوة الأولى شمولية وذات طابع عام لا تقتصر على الفلسطينيين فحسب بل العرب بشكل عام وهو الانتقاص من العرب والجامعة العربية والعروبة والقومية وغيرها من مفردات الشارع العراقي اليومي، وبدأت وسائل الأعلام الصفوية تطرح مواضيع غريبة وهي (أين كان العرب من ظلم صدام) و(لماذا لم يتحرك العرب عن المقابر الجماعية) و( ما الذي قدمه العرب للمعارضة العراقية) و( لماذا تستر العرب على جرائم صدام ضد شعبه) وكانت المناظرات والمحاورات عاصفة في أجهزة الأعلام ومحصلتها ا خروج أصوات مبحوحة مفترسة من العملاء طالبوا بإقصاء الجامعة العربية و العرب من قضية العراق لموقفهم المتخاذل من الشعب العراقي على حد زعمهم؟ وبدأت الماكينة الإعلامية الأحتلالية تضخ بهذا الاتجاه و الأفكار تتسرب بشكل غير طبيعي بين المواطنين العراقيين تسمعها في جدال عقيم بين مؤيد ومعارض. وتلت هذه الخطوة خطوة ثانية وهي الترويج لفكرة إن صدام أفاد جميع العرب ولكنه لم يفيد العراقيين فقد قدم الهبات والمنح للدول العربية والأفريقية وقدم لهم النفط مقابل لا شيء في حين أن العرب ابتزوه ولم يقدموا شيئاً يذكر للعراق، وبالطبع كان هناك إيحاءا مبطناً يقصد به فلسطين والأردن وسوريا بشكل خاص؟ الغريب إن هذه التهم كانت موجهة بشكل مقصود نحو الشعوب وليس القادة وهذه مفارقة غريبة فما شأن فلسطيني ولد في العراق وعاش ودرس وتوظف وتزوج وأنجب من سياسة القادة الفلسطينيين تجاه القضية العراقية وكذلك ما شأن المواطن الأردني إذا أشترى النفط والغاز العراقي بسعر رخيص من سياسة العاهل الأردني تجاه العراق؟
أدرك القادة الإسرائيليون العاملون مع قوات الاحتلال في العراق خطورة فلسطينيي العراق فهؤلاء لم يحصلوا لحد الآن على الجنسية العراقية أي أنهم لاجئون فلسطينيون وفق القانون والمواثيق الدولية وهم مشمولون بحق العودة إلى بلدهم الأصلي فلسطين و يشكلون عددا كبيراً ومنهم العلماء والأساتذة الجامعين وقادة لامعين في الجيش العراقي وفي مختلف الاختصاصات، فهم وحدهم قادرون على إدارة دولة وهذه أمر لم يكن يتوقعه الكيان الصهيوني؟ الأمر الثاني أن الفلسطينيين رغم اندماجهم بالمجتمع العراقي كلياً لكنهم يعيشون في تجمعات متقاربة ولديهم جمعيات ثقافية وأنشطة اجتماعية ذات طابع فلسطيني بحت وأن قضيتهم المصيرية ما تزال غصناً رطباً في عقولهم وقلوبهم لم يتمكن البعدين المكاني وألزماني من سلب طراوته، وهم على قناعة تامة بولادة دولتهم الفلسطينية المستقلة عاجلا أم آجلا والعودة للوطن الأصل سيما أن الكثير منهم لا تزال لديهم جذورا عائلية في فلسطين. والأمر الثالث أن من بين هؤلاء الفلسطينيون مقاتلين أشداء لا يشق لهم غبار في المعارك وأثبتت معارك المطار وحرب المدن أنهم مقاتلين متمرسون بغض النظر عن عددهم وهؤلاء هم نواة صلبة لبناء قوات فلسطينية في المستقبل ستشكل خطراً على أمن الكيان المسخ، مع الأخذ بنظر الاعتبار وجود قادة متمرسين من الفلسطينيين في الجيش العراقي لهم خبرة حربية قد لا تتوفر عند القادة المحليين في فلسطين بحكم المعارك الضروس التي خاضوها في حروب الخليج الثلاثة.
كما أن الفلسطينيين في العراق يعيشون في بلد يرضع فيه الوليد الجديد حب فلسطين مع حليب أمه وينمو هذا الحب ويشتد مع اشتداد عوده ويبصق أول بصقه يتعلمها على الكيان الصهيوني اللعين؟ وان كلمة الكيان اللقيط الذي زرع في قلب الوطن العربي لا تفارقه من أول إلى نهاية دراسته. وان شعارات فلسطين حرة عربية تزين أركان الدولة العراقية بكل وزاراتها ومؤسساتها الرسمية وغير الرسمية وكذلك الشوارع وحتى جدران البيوت. الأمر الآخر أن فلسطيني العراق يعيشون في وطن شاغله الرئيسي فلسطين فقبل تسلم حزب البعث زمام الحكم كان الملوك والزعماء العراقيين يتغنون بحب فلسطين وتحريرها، ففلسطين هي الحد الفاصل بين الوطنية والعمالة وأي كلام سلبي حول فلسطين كفيل بأن يركل أي قائد عراقي من فردوس الوطنية إلى جحيم العمالة ويجعل مجلسه تحت كرسي القيادة وليس متربعاً عليه. وعندما تسلم حزب البعث السلطة كانت فلسطين تراث الحزب وماضيه وحاضره ومستقبله، فهي محور النضال العربي وهي قضية العرب الأساسية، فقد اذكي حزب البعث حب فلسطين وزرعه نبتة في قلوب العراقيين جمعاً وتحولت هذه النبتة إلى شجرة قوية امتدت جذورها ورسخت في العقلية العراقية بحيث لا يمكن استئصالها مهما كانت المحاولات. وليس ابرز من دليل أن الرئيس العراقي زعيم الشهداء وراية مجد العراق وقوته وعنفوانه صدام حسين وهو على منصة المشنقة يهتف (عاشت فلسطين حرة عربية) بصرخة خرجت من أعماق الأرض كلها لترددها السماء كلها، كلمة رددتها الرياح بقوة و تناقلتها أمواج البحر موجة أثر موجة واهتزت الأشجار طرباً لمسمعها وتفتحت الزهور مرحبة بها وزأرت الأسود لوقعها وتناثرت شذىُ لتعبق الكون من أقصاه إلى أقصاه، صرخة خرجت من ضمير الأمة لتلتقي في الجو العربي المشحون مع كلمة وامعتصماه وتتحد الصرختان عسى أن توقظ النائمين لحد الظهيرة؟ لقد كانت فلسطين سيمفونية الشهيد يرددها في كل كلمة أو خطاب أو تصريح ولم تبرح فكره وهو في جفن الموت( تمر بك الإبطال كلمى حزينة ووجهك وضاح وذخرك باسم) مذكرنا برائعة المتنبي في وصف سيف الدولة الحمداني! لم يبعث بسلامه إلى أهله فمرتبتهم هي الرابعة حسب الأسبقيات القومية والوطنية تبدأ بالشعب العربي عموما والفلسطيني خصوصا والعراقي من ثم العائلة الكريمة.
أواه أواه فلسطين أحلفك بثرى الشهيد عرفات وثرى شهدائك الأبرار! أليس صدام بفلسطيني أكثر منه عراقي وفلسطيني أكثر بكثير من بعض الفلسطينيين؟ لقد كان ابنك البار يصبح بذكرك وهو يقظ ويتوسد قضيتك وهو نائم. هكذا إذن العراق وهكذا هم فلسطينيو العراق صورة متكاملة مع إطارها الذهبي وهي أن فلسطيني العراق أشد خطراً على أمن إسرائيل من فلسطيني الدول الأخرى الذين منحوا جنسياتهم وانغمسوا في أحوالهم المعيشية اليومية، وهذا أمر خطر يستوجب استئصاله بشتى الطرق ومن جذوره كلما أمكن ذلك.
بدأت الخطوة الأخرى سريعة كأخواتها وهي عقد مقارنة هذه المرة بين ما قدمته الحكومة العراقية إلى الفلسطينيين ومقارنته بما قدمته إلى الفلسطينيين من حيث المجمعات السكنية والخدمات والعديد من المساعدات، والترويج بأن هذا حق اغتصبته الحكومة من شعبها وقدمته للفلسطينيين وبدأ العزف الناشز على هذا الوتر الضال بتشجيع أمريكي إسرائيلي لحكومة المنطقة الخضراء والدمى في مجلس النواب العراقي الذين تحركهم خيوط الاحتلال. وكان هناك دفعاً مزدوجاً هذه المرة سياسي يدعمه احمد الجلبي ومثال الآلوسي وهم من ضيوف الكيان الصهيوني في زيارات مكوكية ودعم من المراجع الدينية الصفوية في العراق كعبد العزيز الحكيم ومقتدى الصدر وصدر الدين القبنجي وجلال الدين الصغير وغيرهم من مروجي المشروع الصفوي في العراق، وقد انطلت هذه الافتراءات على العديد من أبناء الطائفة الشيعية من البسطاء والسذج والمتطرفين وبدأت مشاعر الحقد بالاتقاد وكانت الخطابات الدينية التحريضية تزيد من شدة الحرارة إلى حد الغليان الطائفي .
أشاعت حكومة الاحتلال بأطيافها الجعفرية والمالكية ذات التشيع الصفوي بأن مخطط المشروع الشيعي يحتاج إلى قلع الجذور السنية من عاصمة الرشيد وبدأت فرق الموت والميليشيات الشيعية بتنفيذ مقولة إبراهيم الجعفري( لن يهدأ لي بال حتى أشهد خروج آخر سني من بغداد) وهي بنفس المعنى الذي ذكره المالكي( ليذهب السنة ويعيشون في المنفى ثلاثين عام بعدها ليأتوا ويتسلموا السلطة) وبدأت عملية تنفيذ الخطة بطريقة هادئة من ثم اشتدت لتبلغ أقصى مدى لها بعد أحداث سامراء ليحملوا السنة مسؤوليتها بلا وجه حق، وامتدت المناجل الصفوية لتحصد رؤوس السنة وكان من يحمل أسم بكر وعمر ومروان وعثمان الأولى بالصيد من غيره وبلغ عدد من قتلوا وهم يحملون أسم عمر فقط (4000) حسب إحصائية منظمة الرصد ولغاية عام 2006 وكان من بين الضحايا عددا من الفلسطينيين، وسئلت المراجع الدينية عن وضع الفلسطينيين في العراق ومدى شمولهم بقرار اجتثاث السنة من بغداد على اعتبار أن غالبيتهم يسكنون في العاصمة؟ فكانت الإجابة أنهم من الطائفة السنية ويعاملون معاملة العراقيين السنة فهم نواصب وأعداء لآل البيت، وتم شملهم بالخطة الصفوية وبدأ الفلسطينيون بدفع فواتير الدم إلى قوات الاحتلال وأذنابها.
ولنقرأ معا نصاً لأحد الكائنات الإعلامية الصفوية ويدعى أسعد راشد وهو يصرح بأن " الفلسطينيين الذين دوخوا العالم بحكم كونهم الأقرب إلى العالم العربي لم يستطيعوا أن يخفوا حنقهم ضد الشيعة ولم يتوانوا أيضا في الدفاع عن المجرمين والقتلة بل أضافوا إلى تلك الانجازات أن يبعثوا برسولهم الزرقاوي للعراقيين كي يعمل فيهم تقتيلا وذبحا ويلتحق به رهط كبير من أهل فلسطين ليفجروا أنفسهم داخل التجمعات الشيعية، يا للهول أن تتحول ارض الرافدين إلى فلسطين الأوغاد". والغريب أن يخرج النائب الموسوي من الائتلاف الشيعي في برنامج الجزيرة الفضائية ليجادل نظيره النائب مشعان الجبوري بالتهجم على الفلسطينيين ويعتبرهم سببا لتدهور العراق وان صدام حسين كان يعطي عائلة الشهيد الفلسطيني (25) إلف دولار على حساب العراقيين ولنتصور معاً أن كان تفكير النواب هكذا وهذا النائب المدجن صفوياً على أكمل وجه يمثل الأغلبية البرلمانية في مجلس النواب العراقي فأي حكومة تحكم العراق؟ بدلاً من اعتبار هذه المكرمة السخية وسيلة للفخر والاعتزاز وتعبير عن التلاحم العربي والقومي يفسرها مأخذا على نظام صدام؟
من جهة ثانية قامت قوات الاحتلال بدعم جهود حكومة كرزاي العراق بإشاعة أن فلسطين هي سبب نكبة العراق وهي التي سببت ضياع ثرواته ونهب خزينته وقتل أبنائه في معارك العرب الخاسرة مع الكيان لصهيوني وآن الأوان لوضع حد لهذه الملهاة وكانت الصورة إسرائيلية مائة بالمائة وإطارها صفوي مائة بالمائة، وكالعادة حقن البسطاء والسذج والمتطرفين بحقنة صفوية منشطة إضافية تركت ظلالها على قتل وتشريد الفلسطينيين في العراق.
من المؤسف أن تقوم الحكومة العراقية بتضييق الخناق على الفلسطينيين بحجة حماية العراق من الإرهابيين بمنحهم إقامة لمدة ثلاثة أشهر تجدد بإجراءات روتينية قاتلة وأحيانا تعجيزي وغرامات ابتزازية تسدد لمخافر الشرطة ومعظمهم من عناصر الميليشيات فيستفيدون من عناوين الفلسطينيين خارج المجمعات لغرض مطاردتهم والتنكيل بهم، وكان من هذه المضايقات منع الفلسطينيين من أداء مناسك الحج إلى بيت الله الحرام في سابقة خطيرة لم يفتنا بها السيد السيستاني سيما أن بلده الأصلي إيران تدعي بأنها تناصر القضية الفلسطينية وتشدق بمحاربة الصهيونية وتسفه الهولوكوست والمعتقدات اليهودية؟ في حين يواجه فلسطينيو العراق على أيدي ميليشياتها في العراق أسوء مما يواجه الفلسطينيون على أيدي الصهاينة؟
الخطوة اللاحقة بدأت عندما رأت الحكومة العراقية بأن خطتها لم تثمر النتائج المرجوة منها فمازال حب الفلسطينيين صلداً في قلوب العراقيين سنة وشيعة ما عدا الفئة الباغية الضالة من الصفويين ورغم اتهام الفلسطينيين بأنهم نواصب وأعداء لآل البيت للضغط عليهم وترحيلهم من العراق لكن ما يزال معظمهم متشبثا بأرض العراق وحب شعبه، مما يستدعي خطوة لاحقة وأقوى وهي ترويج الإعلام الحكومي العراقي لفكرة أن الفلسطينيين كانوا الطابور الخامس للرئيس العراقي الشهيد صدام حسين وأنهم لا بد أن يسددوا فواتير مواقفهم تلك والفاتورة تتضمن القتل أو التهجير إلى خارج العراق، وتم الدفع ألأعلامي يصطحبه الخطاب الديني التحريضي لتحقيق هذا الغرض باعتبارهم من أزلام النظام وركن أساسي في نظامه، ومن المعروف أن إلصاق أي كائن بتهمة الولاء للشهيد صدام حسين أو حزب البعث أذا لم يشمله قانون اجتثاث البعث سيشمله قانون اجتثاث الميليشيات وفرق الموت وهؤلاء أكثر نفوذا وفاعلية وقوة في الشارع العراقي من حكومة العراق الديمقراطي الجديد؟ وبدأ صيادو الليل من فرق الموت وجيش المهدي بشن هجمات على مجمعات الفلسطينيين في مناطق البلديات والحرية وشارع النضال وإعدام الرجال الشباب على مرأى من أسرهم في عملية لم تشهدها القرون الوسطى ولا محاكم التفتيش بطريقة جعلت هولاكو يهتز في قبره مستنكراً بشاعتها؟ وقام رجال الدين المعممين بنفخ الهواء في كورة الكير الطائفية حيث يبدأ المعمم وهو يبارك أول قنبرة هاون ويقرأ عليها صلوات آل البيت ويضعها في الهاون لتنطلق على رؤوس النساء والأطفال الفلسطينيين الأمنيين قنابل عمياء لا تميز بين ضحاياها سواء كان مسجداً أو مشفى أو مدرسة أطفال أو مطعم أو عائلة تجمعت على الغداء؟ هجمات مدفعية تشنها قوات الدجال المظفرة مع استخدام الطوق البري وفتح النار على معسكر الأعداء الفلسطينيين وغض النظر عن الهدف سواء كان طفل رضيع أو شيخ جليل أو امرأة الكل من وجهة نظرها هدف معادي للعراق الديمقراطي؟ والنظرية الصفوية تؤكد بأنه لا يمكن إقامة هذا العراق الجديد المبتلى بالفلسطينيين والعرب؟ وتتوالى الهجمات ويهلل رجال الدين المعممين بهذه المآثر القومية في الحسينيات والمساجد؟ بتحجر عقل وانعدام فهم، وتبدأ عملية واسعة وذكية جمع معلومات عن أقامات الفلسطينيين خارج المجمعات لتعقبها عمليات اغتيال وإقصاء وتهجير منظمة، ويلبي جيش الدجال وقوات بدر فتاوى المراجع الصفوية باستهبال وإستحمار كبيرين متكالبة كالكلاب المسعورة ومتذئبة كالذئاب المتعطشة لشرب الدماء بارتكاب أشنع المآسي البشرية من خلال مداهمة بنايات اللاجئين الفلسطينيين في البلديات والبتاويين وشارع النضال والحرية والشعلة واختطاف الشباب والشيوخ ليعثر على أجسادهم البريئة الممزقة بالدريل الصولاغي قرب النفايات بلا ذنب. وترتفع بورصة الدم الفلسطيني في العراق إلى أعلى مستوياتها محققة ارتفاعا في سندات الموت والاختفاء إلى أكثر من( 536) شهيدا ومختفياً، واسهم الاعتداءات إلى (809) اعتداءا والجرحى (200) و المعتقلين بلا تهمة إلى (70) والمختطفين إلى (25) وارتفاع مستمر باضطراد طائفي مستمر لا يمكن السيطرة عليه.
يسبق هذه الاعتداءات الصارخة مناشير توزع من قبل مغاوير الداخلية والميليشيات على مناطق تواجد الفلسطينيين تهددهم من مغبة البقاء في العراق، وجاء في تقرير لمنظمة مراقب حقوق الإنسان بأنها حصلت على منشورات عديدة موقعة من كتائب تسمي نفسها "كتائب الثأر لآل البيت" و" وحدات الرد السريع" تنص على أنه " لا مكان للفلسطينيين في عراق علي والحسن والحسين" على اعتبار أنهم من السنة؟ وحذر منشور بأن " سيوفنا تستطيع أن تطول الرقاب ومن الأجدى بهم أن يقاتلوا الاحتلال في بلادهم" مطالباً برحيلهم خلال (72) ساعة؟ والمدهش أن هذه الميليشيات لا تخفي مسؤوليتها عن توزيع هذه المنشورات بل وصلت الصفاقة بهم إلى أن يحملوا مكبرات صوت على سيارات الشرطة نفسها تطوف أماكن الفلسطينيين داعية إلى رحيلهم عن العراق؟
الغريب أن هذه الهجمات تتم بمرأى من قوات الاحتلال ومباركتهم ومرأى من حكومة المنطقة الخضراء ومباركتها، فالمجمعات الفلسطينية واسعة وتحتاج ليس لأقل من لواء لأحكام السيطرة عليها وتطويقها وسد منافذها، كما أن القنابل تمطرها من مناطق قريبة، وألا دهى من ذلك كله أن المجمع السكني الفلسطيني في منطقة البلديات يقع قرب اكبر قاعدة عسكرية أمريكية في بغداد وتضم قاعدة للطائرات ومباني شاهقة ومراصد مراقبة ذات تقنية عالية كانت سابقاً مديرية الأمن العامة، ولا يمكن أن تمر ذبابة وليست قنبلة دون أن يتم رصدها؟ ومع هذا فان الميليشيات كالفئران تسرح وتمرح أمامها بلا خوف؟ وتطالعنا الأخبار أخيرا بأن القوات الأمريكية قامت في منطقة المشتل وهي لا تبعد أكثر من 2كيلومتر عن المجمع السكني في البلديات بمداهمة البرابرة الجدد من فرق الموت وميليشيا المهدي وقوات بدر لتلقي القبض على 150 من الكائنات الإجرامية وتعثر في المجلس البلدي على(80) صاروخا إيراني الصنع كانت مهيأة للانقضاض على الجيران الفلسطينيين لتحصد رقاب أطفالهم ونسائهم وشيوخهم بوحشية لن تعهدها العصور البربرية، وعثر على بعض المخطوفين من الفلسطينيين؟ ولم ينطق العميد قاسم عطا الموسوي مسئول الخطة الأمنية بأي تعليق عن الحادث بل صمت كصمت المقابر؟ في حين كان صوته النشاز يلعلع بإلقاء قبض على فلسطيني كادح يعمل في مخبز قرب مستشفى النعمان ليعلن القبض على( بسام الفلسطيني) وهو قيادي كبير في القاعدة؟
لم تشفع النداءات والوساطة الدولية والعربية لوقف نزيف الدم الفلسطيني في العراق من الأمم المتحدة ومنظمة حقوق الإنسان ومنظمة العفو الدولية، فقد أعربت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين عن قلقها العميق على حياة الفلسطينيين في العراق، وذكرت المتحدثة باسمها جنيفر باكونيس بان الفلسطينيين ما زالوا عرضة للقتل والخطف والتهديد. وكذلك الأمر بالنسبة لدعوات القادة العرب والجامعة العربية والقيادة الفلسطينية والسفير الفلسطيني في العراق، فقد ذهبت جهودهم إدراج الرياح.
كانت نداءات القادة الفلسطينيين واجلالاه واجعفرياه وامالكياه لا تجد لها صدى في مسامع القادة العراقيين لإيقاف هذه المذبحة البشرية بل لقد عبر بعض قادة الائتلاف بسفسطة غريبة في لقاءات تلفزيونية بأن ما يجري على العراقيين يجري أيضا على الفلسطينيين! والأمر طبيعي بحسب رأي الصحفي العميل وسام العوادي الذي يخشى القدوم إلى العراق للمساهمة في العملية السياسية وجني ثمار الديمقراطية العفنة ولكنه يخرج كالجرذ من جحره في لندن ليطلق مثل هذه التصريحات ويسرع للدخول ثانية؟ ويعتبر العلامة الفهامة العاصف بعلوم الأوائل والآخرين والمجدد لجذوة الفتنة اللعين العوادي ليحمل الفلسطينيين فاتورة تأييدهم للنظام البعثي السابق، ويعتبر أن إعدادهم في المعسكرات على الحدود العراقية مبالغ فيه. حصل الزعماء الفلسطينيين وسفيرهم في بغداد بعد رحلات مكوكية إلى المنطقة الخضراء على شيكات من الرئيس الطالباني والمالكي بأنهم سيضعان حداً للانتهاكات التي يتعرض لها الفلسطينيون وعندما حاولا الزعماء إن يصرفاها وجدا أنها مجيرة للكيان الصهيوني ففهم الجميع بأنه لا جدوى من حكومة لا تجسر على مغادرة المنطقة الخضراء إلا بالاستعانة بحماية أمريكية؟ ومجلس نواب جد وأجتهد لمسح العراق من خارطته العربية فنجح وعمل على إضافة اللغة الفارسية كلغة رسمية في العراق لكنه فشل. وهذا يفسر لنا الصرخات التي صاحبت دعوة أبو مازن للطالباني بوقف المذابح بحق الفلسطينيين عند إعلانه حكومة الوحدة الوطنية، فمع كل كلمة (الطالباني) تهتف الجموع المحتشدة بغضب عارم (هوووو...هوووو) مما أحرج الرئيس الفلسطيني و أستوقفه عن الاسترسال في الخطاب عدة مرات؟
بعد أن تبين أن الأبواب السياسية في العراق ذات إقفال صدئة يتعذر فتحها ولا سيما أن أقفالها أمريكية وإسرائيلية الصنع فلا مناص من توجيه المناشدات هذه المرة إلى الباب الديني طالما أن هناك كائنات مرجعية لها زخمها وتأثيرها في الشارع العراقي، ولأن هذه المرجعية فارسية وأن إيران كما صرحت مراراً وتكراراً عبر زعمائها الدينيين والسياسيين بأنها مع الفلسطينيين واعتبرت قضيتهم محور نضالها الإسلامي بالرغم من أنها غيرت مسار تحرير فلسطين بعد أن ذكر الخميني بأنه يمر عبر كربلاء إلى القدس بجهل واستغباء في المعلومات الجغرافية وموقع القدس الشريف. وتوقع القادة الفلسطينيون بان هؤلاء المراجع رغم انه لم يأت احد منهم على ذكر فلسطين منذ الاحتلال ولغاية فتوى السيستاني وهي فتوى غريبة في بابها ولم تتجاوز مكانها في سلة المهملات، فقد جاءت النتيجة ليست كما يشتهيها السفن الفلسطيني، فقد ازدادت بعد الفتوى السيستانية الاعتداءات على الفلسطينيين بشكل تصاعدي من الصعب تفسيره إلا من باب التقية أو أن السيستاني ليس سوى ظاهرة صوتية؟ وتتوجه الحشود الفلسطينية إلى الحدود العراقية مع سوريا والأردن يائسة حاملة معها ذكريات أكثر من نصف قرن بحلوها ومرها للبحث عن الوطن الثالث؟ وحتى هذا الهروب من المدن إلى الحدود لم يؤمن الراحة والسلام للفلسطينيين فلا ماء ولا خدمات طبية ولا غذاء و لا أمن ؟ مجرد خيم ممزقة ترقصها الرياح باتجاهات مختلفة وتعصف بها الأتربة والغبار من كل صوب، ويبدو أن مغاوير الداخلية استكثرت هذه الخيام والغبار على الفلسطينيين فقد قامت قواتها بالإغارة في 18/6/2006 على مخيم النتف الحدودي الذي يضم حوالي 200 مهجر فلسطيني والقوا القبض على الشباب بحجة أنهم إرهابيين! أن هذه الغارة هي رسالة من مغاوير الداخلية المطعمة بنكهة الميليشيات أشقائهم الصهاينة مؤداها ( سنجعل الفلسطينيين يترحمون عليكم بسبب سوء معاملتنا لهم) ؟ الفلسطيني متهم من وجهة نظر الميليشيات والحكومة العراقية والتهم متعددة وخطيرة منها سياسية فهو يحب النظام السابق ولا يؤمن بالعملية السياسية المتعثرة التي دمرت العراق؟ وهو إرهابي بالطبع والتطبع فهو يكره الكيان الصهيوني الذي أحتل بلاده والذي أمسى له دوراً ميزاً في العراق الجديد؟ كما انه متهم بجرائم دينية منها كراهية الصفوية وكونه من النواصب السنة؟ وجرائم اجتماعية فهو مميز اجتماعيا ومنفتح على العراق وشبع وثقافته والكثير من الفلسطينيين تزوجوا من عراقيات والعكس صحيح؟ كما انه متهم دستورياً فهو عروبي وقومي وهذا ما لا يسمح به الدستور العراقي الذي صاغه اليهودي نوح فليدمان الذي اخرج العراق من محيطه العربي والقومي؟ والجريمة الكبرى انه يحب العراق وشعبه ومتفانيا في حبه هذا؟
*كاتب ومفكر عراقي
www.deyaralnagab.com
|