logo
فتاوى شيوخ المكدونالد !!

بقلم : علي الكاش  ... 09.02.2009

[من وعاظ السلاطين الى وعاظ المحتلين/10]
لدينا حكمة مأثورة تقول " ربً صدفة خير من ميعاد" وهذا ما ينطبق على موضوعنا السابق في الجزء الثامن من وعاظ السلاطين الذي إنتقدنا فيه مواقف علماء الدين من العدوان الاخير على عزة وهي مواقف أقل ما يمكن أن نصفها بـ"السفيهة" ولن نقول السخيفة لأن العلماء الأفاضل يفضلون المفردة الأولى لطابعها التأريخي المميز ونكهتعا الدينية المميزة, وكنا قد أطلقنا عليهم صفة" شيوخ المكدونالد" لأنهم والحق أفضل خدم للمشاريع الأمريكية والصهيونية، وأخترنا ثلاثة أهرام بشرية من كبار علماء المسلمين كما يحبون أن ننعتهم مع مأخذنا على هذه التسمية لأن نصيبهم من العلم هو المضحك المبكي، وهم السيد طنطاوي شيخ الازهر ومفتي السعودية عبد العزيز آل الشيخ والسيد السيستاني, ويمكن ان نطلق عليهم تسمية مؤسسي دار أفتاء البيت الأبيض وأبتعدنا عن تسمية الشيطان الأكبر كي لا نثير حفيظة العلماء من جهة وكي لا نريح الجمهورية الاسلامية الايرانية من جهة اخرى التي تفضل استخدام هذا المصطلح بموجب نظرية الأستكبار العالمي وولاية الفقيه. ولمن لم يطلع على مقالنا المذكور فقد انتقدنا شيخ الأزهر لأدعائه بأنه لا يعرف عدو الله والعرب والأسلام وزير الحرب السابق شمعون بيريز, والسيد السيستاني لدعمه الاحتلال والدعوة الى التعاون معهم ورفضه مقاومتهم، والشيخ الضرير آل الشيخ لأنه وصف التظاهرات التي جرت في العديد من دول العالم العربي والاسلامي بمناسبة " يوم الغضب" بأنها "أعمال غوغائية وضوضاء لا خير منه" وإنها تلهي الناس عن ذكر الله!
لا نعرف أن كان شيخنا الضرير قد طرق سمعه وصفنا له كأحد( شيوخ المكدونالد)؟ أم إنها مجرد صدفة! وما أحلى الصدف مع رجال الدين فلها نكهة خاصة، ففي أقل من اسبوع من نشر المقال إنتقد الشيخ المروجين لمقاطعة المنتجات التجارية ووصفهم (المطعطعين) وهي على وزن(المجعجعين) مستوحاة من إحدى مسرحية شكسبير، وأعتبر ان التبادل التجاري بين الدول جائز! أي انه كشف سر كبير للرعية جزاه الله عنا كل خير بأن التبادل التجاري جائز! رحماك ما هذه المعلومة الرائعة والتي كنا غافلين عنها فأيقظتنا ولا سيما اننا نعيش عصر العولمة وهي مفهوم إقتصادي اكثر منه سياسي! ربما يجهل الشيخ الجليل أن الرسول الكريم(ص) كان يشتغل في التجارة وغيره من الأنبياء أيضا فإن كانت التجارة غير جائزة لما مارسها؟ ولحذرنا منها. والحمد لله فأننا نعلم رحلة الشتاء والصيف في إيلاف قريش ونعرف أن الغرض منها لم يكن الراحة والإستجمام ولا الطعطعة وإنما التجارة.
في محاضرة الشيخ في الرياض بعد تناوله وجبة سريعة من المكدونالد بارك صنيعها وصانعيها ودعا لهم بجنات الخلد متمنيا بأن تفتح لهم فروعا في الجنة, وتمسح سماحته بالمناديل المعطرة مشبها شذاها بنسيم الجنة وبعد أن احتسى فنجان من القهوة من (ستار باكس) مع فطائر من (الدونالدس) أركن سيارته الأمريكية المباركة قرب جامع الإمام تركي ودخل ليوعظ المسلمين بقوله" من الواجب علينا الابتعاد عن الطعطعة، فأنت تضر نفسك وتضر الناس، والعالم الآن كالحلقة الواحدة- أي العولمة- لا يغتني بعضه عن بعض، فالعالم كله كما يحتاجون لنفطك، تحتاج أنت لسلعتهم، والتهديد بالمقاطعات التجارية لبعض المنتجات لا يخدم شيئاً" منبها بأن" التسرع في التفسيق والتبديع والتكفير بهدف الانتقام وإساءة الظن مزلق خطر"شيخنا عالم وغني بالمصطلحات الرائعة" الطعطعة والتفسيق والتبديع والتكفير" أنها الراجته التي نحتاجها لمعاجة عللنا المزمنة واللحاق بالركب العالمي شخصها سماحته بذكاء نادر وقدمها لنا مجانا بدون الاستعانة بالفحص والتحليل فالشيخ عالم رباني ولا ينطق عن هوى, وخوفا منه على المسلمين فقد حذر من مرض الألفية الثالثة الذي يحاصرنا من كل الجهات إطمئنوا ليس المعني به الأستعمار أو الكيان الصهيوني أو قوى الشر والظلام والرذيلة والكبائروالأرهاب ! ان الأمر أخطر بكثير ولا يتدنى الى بسائط الأمور تلك! إنها متاهة كما أفاد " لا ينجو منها إلا ذو علم راسخ وإيمان صادق في القول والفعل" أي بلوى ومصيبة ينبهنا عليها ألا عجل شيخنا لا فض فوك فنحن نعيش عصر السرعة! رحماك أوقد لنا شمعة الأمل في دنيانا المظلمة فلا أحد يعرف الميعاد سوى جل جلاله! أوجزها سماحته بجملة مقتضبة إنها" التسرع في التفسيق" وانتبه من تزاوج المعنى مع" الفستيق" وهو صغار الفستق فلا ضرر ولا ضرار من المكسرات.
نعم الفتوى ونعم الإسلام الصحيح ونعم المواطنة الحقيقية ونعم المباديء الاخلاقية! ماذا نريد بعد ذالك لقد أفتى وهو يعلم انه الفائز في كا الأحوال سواء صدقت فتواه فكان له أجرين او فشلت فيكون له أجر واحد! إنها تجارة رابحة تلك الفتاوى لا تقل ربحيتها عن مطاعم المكدونالد. ليبتهج ويحتفل أبناء شعبنا العربي والاسلامي من رواد ومحبي مطاعم المكدونالد والكوكا كولا والبيتزا هات و كاتربيلر و ستار باكس والبركركنك والهارديز وغيرها فلا يجوز مقاطعة هذه المنتجات والا فأن نار جهنم ستأوي المقاطعين وبئس المصير. اما الملايين من الدولارات التي تحولها تلك الشركات الى الكيان الصهيوني فأنها لا تتحول الى قذائف فسفورية تمطرها فوق الشعب العراقي والفلسطيني كما يظن بعض المتطعطعين والمتفسقين والمتفستقين؟ معاذ الله فهذا خطأ كبير بل يصل الى مستوى الخطيئة! لأنها تتحول الى باقات زهور وساعات وعطور وهدايا نفيسة تصبها قوات الاحتلال الامريكي- الصهيوني على رؤوس الفلسطينيين والعراقيين فهنيئا لنا هذه الاكراميات السخية!
يتمادى الشيخ في وعظه وكأنه منفرد بمجموعة من الناس القادمين من مجاهل أفريقيا ممن يعيشون عصر المشاعية البدائية فيحذرنا من مغبة" تذويب الشرع لمصلحتنا" بعد أن صهره صهرا لمصلحة الأحتلال ويحذرنا أيضا من وضعهم موضع إستهزاء وإحتقار! فتوى الشيخ مفيدة لجميع الأطراف فلا داعي بعد الآن للشركات الامريكية والبريطانية الممولة للعدوان بأن تنكر تبرعاتها هذه طالما ان الشيخ المفدى لا يرى في ذلك حرجا, ولا داعي للشركات الاسرائيلية ان تغلف منتجاتها بعلامات اجنبية للتمويه.. لتكتب منذ الآن( صنع في إسرائيل) ففتوى الشيخ ليست مبهمة ولا منسوخة ولا قابلة للتأويل. ولا داعي للشركات الأجنبية التي أساءت للقرآن الكريم والنبي(ص) بأن تقدم اعتذاراتها فعلام ذلك طالما ان مفتي الأسلام راضيا بأهانة رموز الاسلام! ولا حاجة الى مقطاعة المنتجات الاجنبية من قبل المسلمين لأن تلك من الكبائر والتفسيق أبعدنا وأبعدكم الله جل وتبارك من خزيها. الحمد لله لقد أثبت الشيخ إلمامه الواسع بكل بحار المعارف والعلوم ومهارته في العوم، ولا يقتصر علمه على علوم السماء فحسب كما كنا نظن بسبب غفلتنا وقصور فهمنا وسذاجة تفكيرنا وبؤس منطقنا وعثرة لسانا بل علوم الأرض كذلك! فأي نحن أزاء من قضى عمره يبحث في علوم الآخرة بعد أن انتهى من علوم الدنيا! لقد حل الشيخ الجليل كل مشاكلنا الاقتصادية والسياسية والثقافية والدينية والعسكرية والنفسية بفتوى التفسيق! وبدلا من ضرب عصفور بحجر ضرب عشرة منها بحجرة ولم يعيقه فقدان البصر والبصيرة من إصابته أهدافه بدقة!
شيخنا العتيد ذكرني بحادثة جرت معي عندما كنت بصحبة أحد أصدقائي الأجانب في عاصمة أوربية ومررنا أمام مطعم مكدونالد فسألني : - هل تعرف ما هذا؟ فأجبت مندهشا من سؤاله الساذج:- بالطبع انه مطعم مكدونالد! فرد رأسه قائلا" كلا يا عزيزي! أنه السفارة الأمريكية! فشتان بين هذا الصديق وشيخنا الجليل الذي ولج في ضباب الاحتلال ونسى ان للتأرخ لسان ومحكمة خاصة ستعقد في يوم ما جلساتها سواء بحضورنا او غيبنا وستحكم علينا بقسوة، فالحكم حسب منطق التأريخ يجوز اصداره غيابيا وسينفذ على ابنائنا او احفادنا.
سنأخذ نموذجا معاكسا مقابل مرجعنا الديني ولنستعين هذه المرة بمرجع ديني يهودي وهو مردخاي الياهو ويعتبر أكبر مرجع للتيار القومي اليهودي في العالم وليس في إسرائيل فقط لنرى كيف ينظرون الينا ويتعاملون معنا, فقد عمم نشرة بعنوان "عالم صغير" وزعها على رئيس وأعضاء الحكومة والكنيست الإسرائيلي وبقية المسئولين تحدث فيه عن قصة وردت في سفر التكوين حول مجزرة(شاكيم إبن حامور) والتي تبيح العقوبات الجماعية لأعداء اليهود جاء فيها "وفقا لما جاء في التوراة فإن مدينة بأكملها تحملت المسؤولية الجماعية عن السلوك غير الأخلاقي لأحد من أفرادها، وإن هذا المعيار نفسه يمكن تطبيقه على ما حدث في غزة حيث يتحمل جميع سكانها المسؤولية لأنهم لم يفعلوا شيئاً من شأنه وقف إطلاق الصواريخ" وحث مردخاي الحكومة الإسرائيلية على مواصلة عدوانها على غزة واصفا قتل المدنيين الأبرياء بأنه " أمراً شرعيا" مستندا في دعواه البليدة الى دعوة النبي داود لملاحقة الأعداء ولا رجوع قبل إبادتهم عن بكرة ابيهم، ونوه مردخاي " إن أقوال الملك داود- ملاحظة لا يعتبرونه نبيا وإنما ملكا- تتضمن نصاُ شرعيا للقادة اليهود بعدم رحمة اعدائهم" ويسترسل في ضلالته بجواز إلحاق العقاب الجماعي بسكان غزة من الفلسطينيين ولكنه يحرم تعريض اليهود الى عقاب جماعي من قبل الفلسطينيين.
ولنأخذ موقف آخر وهو ما يسمى برفع الروح المعنوية عند المقاتلين والذي يعتبر من العوامل المهمة المؤثرة في نفسية المقاتلين وتحفيزهم على الصمود والتضحية لترجيح كفة النصر, ومن المؤكد أن شيوخنا الأفاضل يعرفون أمر الروح المعنوية وقد أستخدمها الرسول الكريم(ص) في تشجيع المسلمين الأوائل في غزواتهم وتبعه في منهجه هذا الخلفاء الراشدين وبقية الصحابة واستمر تأثير هذا العامل المؤثر بصحبة القادة العرب والمسلمين خلال الفتوحات الأسلامية الكبيرة ولا يفوتنا إستذكار خطبة وعمل القائد التأريخي طارق أبن زياد وكيف أجج مشاعر المقاتلين, من الطبيعي أن يكون العامل الديني من أقوى العوامل المؤثرة في الروح المعنوية، بل هو الركيزة الأساسية في هذه النوع من الحروب التي تسمى الحروب النفسية, وفي الوقت الذي يعمل علمائنا الأفاضل عكس الريح أي إنهم يدمرون نفسية المقاتل العربي من خلال فتاواهم كما تحدثنا فأنهم يقدمون بذلك خدمة كبيرة للعدو وهذا ما فعله السيد السيستاني والشيخ آل الشيخ وغيرهم من شيوخ المكدونالد.
ليستمع شيوخنا الى هذه الفبركة الدينية الإسرائيلية التي روجت مع العدوان الاخير لغزة والتي تركت أثرا مهما في تقوية معنويات الجنود الإسرائيليين, فقد نشروا إشاعة بظهور القديسة راحيل أحدى الأمهات الأربع في الديانة اليهودية وهي زوجة النبي يعقوب وأم النبي يوسف وإنها رافقت الجنود الاسرائيليين بزيها الفلسطيني لتحذرهم من الأماكن الملغومة التي فخخها الفلسطينيون لهم حتى يتداركوها ومنها بيت ومسجد. من الطريف أنه بعد دقائق من تحذيرهم عن الأماكن املغمة فإنها تتفجر بقدرة سماوية دون أن تلحق بالطبع أية خسائر بهم! وفي المرة الثالثة تجاسر أحد الجنود ليسألها عن هويتها وسبب تعاونها معهم سيما إنها إمرأة فلسطينية - وتعمل ضد اصحاب الحق وتناصر المعتدين الصهاينة- فأجابته" لأنني أحبكم ولا أريد لكم سوى الخير. وسألوها: ومن أنت؟ فأجابت: أنا أمكم راحيل" الى هنا انتهت القصة كما روجها الجنود ولكن يا ترى ما موقف الحاخامات من الإشاعة بعد إختراعها وبثها بين الجنود؟ تبنى فورا الحاخام الأكبر مردخاي الإشاعة وأيدها بقوة مضيفا اليها بعض الرتوش فقد أدعى الدجال بأنه توجه الى دعوة الأم راحيل وتوسل إليها لأن تصلي من أجل الجنود الإسرائيليين في غزة وهم يمطرونها بالقنابل الفسفورية وأن
" وأن تباركهم وتبعد عنهم لعنة الفلسطينيين". وبجرأة وصلافة متبلة بالحماقة والنرجسية اضاف "تستطيعون القول بأنني أنا الذي أرسلتها للجنود في غزة"!!! وأيد الحاخام (يوفال شيرلو) الرعاية الإلهية للجنود الصهاينة بقوله "ما من شك أن الله وسيدتنا راحيل وكل القديسين وقفوا وراء جنود الجيش الإسرائيلي في الجبهة وصلوا من أجل النصر" مع تحفظه على الإشاعة.
رغم فبركة الموضوع ودعمه من رجال الدين لكن العلمانيين الأسرائيليين رفضوه جملة وتفصيلا لأنه بتصورهم ليست العناية الألهية وراء نصرهم المزعوم وإنما حماسة وقوة الجندي الأسرائيلي وايمانه بقضيته واستعداده للتضحية من أجل إسرائيل...هكذا رجال الدين اليهود يوآزرون جنودهم ويرفعون معنوياتهم! وعندما نقارنهم مع علمائنا الأفاضل ندرك في أي محنة نعيش. لقد جعلوا من إخقاقهم قيمة أخلاقية يستعيذون بها من شر مكاشفة الناس بحقيقة دينهم ودنياهم وبمرور الأيام تحول الإخفاق الى تراجع في المواقف والنتيجة عودة موفقة الى الجاهلية الأولى. إننا نفضل أن ننبش الأرض على ان نحلق في سماء الميتافيزيقيا لنكتشف حقيقة المنطق المتحكم في أذهان هؤلاء العلماء الذين يشبهون المنحوتات في جدران الكهوف ما أن تتعرض الى الهواء النقي والشمس حتى تتآكل وتهوى لتدوسها الأقدام, أي شعور بالخجل ينتابنا ونحن نقف وراء هؤلاء الأمعات ونتخذهم ائمة لنا وزعماء روحيين وقد اصبحت فتاويهم موضعا للتندر والسخرية والتسلية والترويح على النفس. إننا بحق نحتاج الى زلزال معاكس يعيد الينا توازنا الذي ضيعه هؤلاء المحسوبين على الدين ظلما وبهتانا.
سؤال اخير لشيوخ المكدونالد:- لماذا نكون أعدى من اعدائنا على انفسنا؟

*كاتب ومفكر عراقي

www.deyaralnagab.com