logo
ومن العلم ما قتل .. استهداف عُلماء ومفكري العراق!!

بقلم : علي الكاش ... 22.4.08

إذا أردت أن تؤذي بلد ما أسحب منه علمائه بشتى المغريات, لكن إذا أردت أن تدمر هذا البلد فأقتل علمائه, وبذلك تسحب من تحت أقدامه بساط التنمية والتقدم والنهضة, فالأدباء هم بناة الثقافة والعلماء هم بناة الحضارة, وقيمة أي بلد من الناحية العلمية تقاس بوفرة علمائه, ومن هذا المنطلق قام النظام الوطني السابق بصرف المليارات من الدولارات لتهيئة اللبنة الصحيحة لتطوره العلمي والتقني من خلال فسح المجال إمام القابليات والكفاءات والعقليات المنفتحة لتنهل المزيد من العلوم والمعارف عبر إرسالهم لمختلف دول العالم, وبالرغم من المحاولات التي بذلتها الدوائر الأمريكية والبريطانية والصهيونية للتأثير على هذه الكفاءات ومنعها بوسائل الترهيب والترغيب من العودة إلى الوطن, لكن يمكن أن نقول أن هذه التأثيرات كانت محدودة ولم تؤثر على المحصلة النهائية لحاجة العراق الفعلية.
وبعودة هذه النخبة للوطن تمكن العراق من تحقيق قفزة علمية كبيرة في كافة المجالات التنموية, وبسبب الأخطار التي كان يتوقعها النظام الوطني السابق من الولايات المتحدة والكيان الصهيوني وإيران, فأنه عمد إلى تطوير بنيته التسليحية لمواجهتها من جهة ولفرض عملية التوازن في الشرق الأوسط من جهة أخرى, مع الأخذ بنظر الاعتبار أن السيادة والاستقلال لا يمكن المحافظة عليهما إلا في ظل وجود قوات مسلحة كفوءة من ناحيتي العدة والعدد, ولا شك أن النهضة التصنيعية هذه كانت مثار دهشة الدول العربية والأجنبية على حد سواء, وبنفس الوقت كانت مصدر خطر وحذر للولايات المتحدة وذيولها من إسرائيل وبريطانيا وبعض الأنظمة العربية, التي بدلا من أن تعتبر أن قوة العراق هي مصدر أساسي لقوة الأمة العربية, فأنها تعاملت معه بخبث مريع, فقد وصل الأمر بكشف أسرار التصنيع العسكري لجهات معادية وتحريض الولايات المتحدة على ضرب العراق بصورة مباشرة أو بالإيحاء, ومن شهادات الجنرال ( تومي فرانكس) التي وردت في كتابه الموسوم( جندي في العراق ) ما يلقي الضوء على هذه الحقيقة المجحفة بحق العروبة, والتي أن دلت فإنما تدل على مدى انقياد بعض الزعامات العربية إلى المخططات الأمريكية والصهيونية وتآمرها على العراق. ففي لقاء لفرانكس مع الملك عبد الله الثاني ملك الأردن بتأريخ 23/1/2003 ذكر له الملك" أعتقد إن العراقيين يخبئون أسلحة كيماوية وحيوية, وهذا مستقى من مصادر إستخبارية موثوقة" ويستطرد فرانكس بأنه شكر الملك على هذه المعلومات الثمينة, وأرسل برقية عاجلة بذلك إلى الوزير رامسفيلد!
وورد في نفس الكتاب بأن الرئيس حسني مبارك أوصاه بما يلي" يا جنرال! يجب عليك أن تكون حذراً جدا جداً, لقد تحدثنا مع صدام حسين, وهو يمتلك أسلحة تدمير شامل, أسلحة حيوية سيستخدمها ضدكم, ويكمل فرانكس بأنه خلال ساعة كانت البرقية في مكتب رامسفيلد! بمثل هذه الصفاقة تعامل العرب مع شقيقهم العراق الذي لم يقصر يوماً باتجاه أي منهم وقت المحن وغيرها.
من جهة ثانية فجر الرئيس بشار الأسد حقيقة خطرة حول زيارة وزير الخارجية السابق كولن باول إلى دمشق بعد أسابيع قليلة من سقوط النظام الوطني في العراق, وهو متفاخر بما حققته القوات الأمريكية في العراق وفاجأ الرئيس بشار كما جاء على لسان الرئيس السوري" لم يطلب إبعاد المقاومة الفلسطينية من سوريا, بل أتى على أمر لم يسبق ليً ذكره, وهو أن على سوريا منع استضافة علماء العراق ومفكريه على أراضيها, ليتبين في وقت لاحق إن القوات الأمريكية استهدفت هؤلاء وقتل منهم من قتل" وأضاف الرئيس بشار" كان واضحاً أن الأميركيين يريدون العراق بلداً مدمّراً من حيث تراثه ومن حيث قدرته على الإنتاج الفكري"!
من المعروف أن عمليات اغتيال العلماء للعراقيين أو العرب الذين عملوا في العراق قد بدأت من العالم النووي المصري يحي المشد واستمرت لتتفاقم مع الغزو الأمريكي للعراق في برنامج معد ومخطط له جيدا, حيث تضافرت الجهود الإيرانية مع الشيطان الأكبر وإسرائيل, كل ينفذ أجندته حسب الأولويات فبدأ الأمريكان والصهاينة بتصفية العلماء والمفكرين, في حين تولت إيران تصفية كبار القادة والطيارين إلى أن تداخلات الأجندات طالما أن الهدف واحد والثمار يقطفها الجانبان, وقد كشف زعيم حزب ثأر الله والله جل جلاله بريء منه ومن حزبه وثأره بأنه قتل عدد من العلماء وأساتذة الجامعة وبالطبع بتوجيه من إيران فحزبه هو أحد أذرع الإخطبوط الإيراني في العراق.
وأفاد تقرير أمريكي بأن جهاز المخابرات الإسرائيلي( الموساد) بالاشتراك مع قوات الاحتلال قام بتصفية(350) عالماً نوويا عراقياً وأكثر من(200) أستاذا جامعيا, وأعدت وزارة الخارجية الأمريكية تقريرا اعترفت فيه بأن وحدات من الكوماندوز والموساد تعمل في العراق منذ فترة وهي مختصة بتصفية العلماء العراقيين بعد أن رفضوا التعاون مع قوات الاحتلال. وترى إسرائيل أن وجود العلماء يشكل بحد ذاته خطراً على أمنها القومي وأن أفضل خيار هو تصفيتهم, وتقوم قوات الاحتلال بتقديم معلومات وافرة عن العلماء العراقيين للجانب الإسرائيلي مع عناوينهم مما يسهل عملية اصطيادهم.
وقد تمكنت القوات الأمريكية من أقناع عدد من العلماء العراقيين للتعاون معها وتسهيل مهمة انتقالهم لأمريكا, لكن الغالبية العظمى رفضت التعاون معهم, ومنهم من بقي داخل العراق أو خرج إلى دول أخرى, ويتم متابعة هؤلاء عبر التعاون ما ين السفارات العراقية في الخارج ونظيراتها الإيرانية لتحديد أماكن وجودهم, ومن المعروف أن السفارات العراقية تخضع بشكل مباشر إلى النفوذ الإيراني بحكم أن غالبة السفراء من الأحزاب الشيعية أو الكردية الموالية لإيران.
وكانت سرقة الدسكات(CV ) الخاصة بالأساتذة الجامعيين من وزارة التعليم العالي الغرض منها متابعة بقية الأساتذة الموجودين داخل العراق من ثم تصفيتهم حسب خطورة تخصصاتهم العلمية كالفيزياء النووية والكيمياء والبيولوجي وغيرها, من ثم متابعة ممن هم خارج القطر لتحديد مدى خطورة تخصصهم العلمي.
ويحاول الشياطين الثلاث الأمريكي والصهيوني والإيراني الإيحاء بأن هؤلاء العلماء والأساتذة يقتلون من قبل تنظيم القاعدة والتنظيمات الجهادية, وهي مسرحية مفبركة مكشوفة الغطاء ولا تحتاج إلى مجهود كبير لمعرفة الجهة الحقيقية التي تقف وراء عمليات الاغتيال هذه! وبإمكان أي منا أن يتساءل مع نفسه عن الجهات المستفيدة من هذه العمليات الإجرامية؟ وسيجد الجواب بلمحة البصر وبلا عناء! كما أن اغتيال القادة العسكريين والطيارين يلقي المزيد من الشعاع على هذه الجهات.
من المؤكد أن المحافظة على كنوزنا العلمية ونقصد بهم العلماء وأساتذة الجامعات هي مسئولية كل عراقي, ونخرج الدولة من إطار حمايتهم لأنها ببساطة تقف في جهتين لا ثالث لهما, فهي أما متورطة مع هذه الجهات بشكل مباشر! أو إن الأمر خارج عن سيطرتها ونفوذها وكلاهما أسوأ من الآخر! لذا نظن أن بإمكان أي عراقي أن يساهم في حماية العلماء داخل العراق من خلال التكتم عن أماكن وجودهم وعدم البوح بعناوين أولئك الذين لا يشغلون منصبا في مؤسسات الدولة الحالية, وتحذيرهم في حالة توفر معلومات لاستهدافهم وأية وسائل أخرى مناسبة, ونهيب بعلمائنا وأساتذتنا حماهم الله من كل سوء بأن يتخذوا تدابير اليقظة والاحتراز في بيوتهم أو أماكن عملهم أو خلال تنقلاتهم من خلال تغير أوقات الخروج والعودة أو تغير طرق الانتقال من الوظيفة إلى البيت, وفحص السيارات قبل قيادتها من خلال إلقاء نظرة تحتها و الدوران حولها, وعدم فتح نوافذ السيارة خصوصا في المناطق المزدحمة خشية رمي قنابل يدوية إلى داخلها, وعدم الخروج جهد الإمكان وحيدا أو إلى أماكن نائية وغيرها من وسائل الحماية الشخصية التي أمست معروفة للجميع, وربما يتفضل احد الأخوة ممن عمل في الأجهزة الأمنية أبان الحكم الوطني السابق بتقديم توصيات محددة للحماية الشخصية ونشرها في أحد المنابر الوطنية تحت عنوان" إجراءات الحماية الشخصية" كي تتم الاستفادة منها.
نبتهل من الله عزً وجل أن يحمي جميع العراقيين من كيد المعتدين, وأن يحبط المؤامرة الدنيئة المعدة لتدمير العراق, وأن يشد عزم مقاومتنا الباسلة في صراعها مع قوات الاحتلال وذيوله من العملاء, وان يعلي شأنهم دائما ويسدد خطاهم نحو النصر القريب انه السميع المجيب.

*كاتب ومفكر عراقي

www.deyaralnagab.com