لماذا نقدس شروط الرباعية؟
بقلم : د. فايز أبو شمالة ... 04.03.2009
تعود الشروط الرباعية في الأصل إلى شروط إسرائيلية جاءت رداً على نتائج الانتخابات الفلسطينية، عندما اشترطت الدولة العبرية عدم الاعتراف بأي حكومة فلسطينية لا تعترف بإسرائيل، ولا تلتزم بكل الاتفاقيات الموقعة معها، ولا تنبذ المقاومة التي تسميها "إرهاب"، لقد تبنت الرباعية الدولية الشروط الإسرائيلية، وفرضت حصاراً على حكومة حماس العاشرة، وظل هذا الحصار قائماً رغم اتفاق مكة، الذي سمح بتشكيل حكومة وحدة وطنية فلسطينية، وهذا هو السبب الذي يحفز السيد عباس لتكرار المناداة على حكومة فلسطينية تستجيب لشروط الرباعية، تكون قادرة على فك الحصار، فهو منطقي في مطلبه، وعقلاني، ولكن يجب ألا يكون موقفاً مبدئياً من منطلق عدم ثبات المواقف السياسية المحكومة بالمتغيرات، وقد حدثت على الساحة الفلسطينية جملة من المتغيرات السياسية التي تفرض نفسها، وتلزم الفلسطينيين بتعديل مواقفهم، وأهمها بعد صمود غزة في وجه الحصار، هو انتصار المقاومة الفلسطينية في المواجهة العسكرية، والحديث الدائر عن التهدئة بوساطة مصرية بين حماس والدولة العبرية نفسها، التي سلمت بعدم القدرة على تصفية المقاومة، بالتالي تم إسقاط أهم شرط من شروط الرباعية؛ وهو نبذ المقاومة، وهذا أولاً، أما ثانياً: فإن ما جاء في اتفاق مكة عن احترام الاتفاقيات الموقعة، قد صار يرضى المجتمع الدولي في هذه المرحلة، ولاسيما بعد فوز اليمين المتطرف في الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة، تبقى الشرط الثالث؛ وهو الاعتراف بإسرائيل، وهنا على كل فلسطيني أن يطرح السؤال التالي: عن أي إسرائيل تتحدثون؟ فهنالك إسرائيل السياسية، وإسرائيل الأمر الواقع جغرافياً، وإسرائيل التاريخية، وإسرائيل التوراتية، ولا يصح مطالبة أي حكومة فلسطينية أن تعترف بإسرائيل قبل أن تُعَرّف إسرائيل نفسها، ما هي إسرائيل؟ أين حدودها؟
ودون العودة إلى الأسباب التي أوصلتنا إلى هذه الحالة الجنينية من التعلق بالحبل السري للدول المانحة، يتساءل كل عاقل: هل شروط الرباعية جاءت لتحقق طموح الشعب الفلسطيني، وهل صارت مقدسات؟ أليست شروط الرباعية نتاج مرحلة توازن مختل، ومن حق الفلسطينيين العمل على تعديل هذه الشروط بعد أن تغير الواقع؟
إن تمزق الساحة الفلسطينية بين ملتزم بشروط الرباعية، وغير ملتزم، لهو الحجة في حصار غزة، وهو المبرر للتغطية السياسية، والأخلاقية، والإعلامية للإصرار الإسرائيلي على فرض الحصار، بمعنى آخر، لو لم يتوفر طرف فلسطيني متعاقد مع إسرائيل على تطبيق الشروط الرباعية، لما تم توظيف الشروط لفرض الحصار، ولما تم تبرير الصمت العربي على هذا الحصار، ولما أعلنت الرباعية الدولية عن شروطها إلا بعد الاستعداد الفلسطيني لتقبلها، وبالتالي صار عدم الاعتراف فيها نشازاً، وخروجاً عن مقررات المجتمع الدولي.
قد يقول البعض: لا يمكننا الحياة إذا رفضنا شروط الرباعية. وهذا غير صحيح، فقد دللت تجربة حصار غزة أنها لم تمت، وأنها تجاوزت تلك المرحلة التي فرض فيها على شعبنا اتفاقية أوسلو خياراً وحيداً، ونجحت في فرض البديل، وأثبتت قدرتها، بل وصنعت حياة فلسطينية أرسخ في الثوابت الوطنية من حياة شقنا الآخر تحت ظلال المفاوضات، وهو يسمع عن خطط وزارة الإسكان الإسرائيلية لبناء 73 ألف مسكن يهودي في الضفة الغربية، ولا يمتلك إلا التغطية بالصمت.
إن التعنت الإسرائيلي يفرض التوحد الفلسطيني على تعدد الخيارات، ولاسيما أن العلاقة بين طرفي الوطن أقرب إلى العلاقة الزوجية، بحيث لا يجوز أن يلتف طرف من وراء ظهر الطرف الآخر، فإن كان السيد عباس هو الزوج فكيف يقبل اشتراط الغرباء على زوجته أن تظهر عارية، دون أن تستر عورتها بالمقاومة، وإن كان هو الزوجة، فهل يصح أن يبقي الباب الجانبي مفتوحاً ـ الاعتراف بشروط الرباعية ـ كي يتسلَّل لمخدعها الغرباء؟.
www.deyaralnagab.com
|