logo
الواقع المُر : الحلقه المفقوده بين الفلسطيني وتاريخه!!

بقلم : د.شكري الهزَّيل * ... 28.02.2009

من المؤسف القول ان من بيننا الكثيرون من يظنون ان الوطنيه تولد معنا ومع ابناءنا وبناتنا تلقائيا ووراثيا بمجرد ولادتهم من دم ولحم فلسطيني, ومن بيننا من ما زال لا يؤمن بان الانسان يصبح وطنيا وثوريا ولا يولد على هذه الصوره و هذا الشكل تلقائيا, وعليه يترتب القول ان عقود من التشريد والتهجير والتغريب القسري الذي تعرض له الشعب الفلسطيني وظروف ثقافيه وانسانيه , قد انتج ظواهر سلبيه داخل قطاعات الشعب الفلسطيني اينما تواجد جغرافيا وديموغرافيا في ظل ظروف سياسيه مختلفه سواء في الداخل تحت حكم وسيطرة الاحتلال والاحلال الاسرائيلي او في الخارج تحت حكم منظومات اشكال من الحكم والانظمه السياسيه في العالم العربي وغيره وبالتالي وتبعا لمعطيات وظروف تربويه وسياسيه وتاريخيه لابد من الاعتراف اليوم ان هنالك خلل ما قد حدث في تركيبة الهويه الوطنيه الفلسطينيه لبعض من قطاعات وافراد من الشعب الفلسطيني والسؤال المطروح : هل كل فلسطيني هو فعلا فلسطيني وطني كماهو مطلوب او بالحد الادنى على الاقل؟؟
الجواب على السؤال اعلاه يتطلب الاعتراف بواقع الفلسطيني المر اينما كان واينما تواجد ورغم ايماني الى حد معين بمقولة"ان التربيه هي اساس الشعوب" الا انه من البديهي والطبيعي القول ان عوامل اخرى بجانب التربيه تلعب ادوار مهمه في تربية وتنمية الحس والوعي الوطني عند الافراد سواء في العائله او البيت او المجتمع او الاطار السياسي ككل او حتى في الظروف القسريه الناتجه عن حالة ما كما هي حال الشعب الفلسطيني المشرد والمشتت قسريا بسبب الاحتلال والاحلال الاسرائيلي منذ اكثر من ستون عاما,بمعنى ان هنالك اجيال فلسطينيه قد مضت واجيال قد نشأت وموجوده واجيال في طور التنشأه والنشأه, ولكن يبدو لي في احيانا كثيره ان حلقة الربط بين قسم وقطاعات من الفلسطينيين وبين تاريخهم الفلسطيني اما اصبحت مفقوده او مشوهه او غير موجوده اصلا وعليه يترتب القول ان ظواهر كثيره تجول وتصول بين صفوف الشعب الفلسطيني اينما كان واينما تواجد, الا انني ساركز في هذه المقاله على ظواهر التناقض بين الفلسطينيين المتواجدين على ساحة الوطن الام فلسطين التاريخيه, وهناك وهنا بالفعل تتجلى تناقضات الفلسطيني كتاريخ وهويه وسياسه بين الضفه والقطاع ككيانان سياسيان[قسريا] متناحرين فيما بينهم وككيانين فيهما الوطني والواعي وغير الواعي والفصائلي وغيره والعميل والشريف الخ, وعلى الجهة الاخرى تناقضات بين قطاعات فلسطينيي الداخل كظواهر وطنيه وغير وطنيه وعُملاء يخدمون في صفوف جيش الاحتلال الاسرائيلي, وانقسام بين هوية الاسرله والهويه الفلسطينيه الخ من ظواهر اجتماعيه وسياسيه وثقافيه تدل على قصور في الوعي الوطني التاريخي الفلسطيني لابل في بروز حلقه مفقوده للمثال ل اللحصر بين فلسطينيي[ جزء منهم وليست كلهم] الداخل وتاريخهم التي قامت اسرائيل ومشتقاتها من عرب بتشويهه على مدى عقود من الزمن من خلال الاسرله والتغريب المبرمج الذي تتعرض له الاجيال الفلسطينيه في الداخل سواء من خلال برامج التعليم[ المؤسرله] المخصصه للمدارس العربيه او من خلال الة الاعلام الاسرائيليه او من خلال الاحزاب " العربيه" المنتميه الى الكنيست الاسرائيلي وجُل همها الاول والاخير في كيفية كسب وتجنيد اكبر عدد من الناخبين العرب الفلسطينيين الذين يعيشون داخل الكيان الجغرافي والسياسي والديموغرافي الاسرائيلي , وهنالك من يسميهم " عرب اسرائيل" او عرب ال48 او فلسطينيي الداخل الذين يحملون الهويه[ الجنسيه؟] الشخصيه الاسرائيليه التي تعرف بشخصهم و بوجودهم او انتسابهم الجغرافي الى اسرائيل كمواطنين من الدرجه الاخيره يحق لهم التصويت والترشيح[ شكليا] للكنيست الاسرائيلي دون ان يكون لهم اي تأثير على القرار السياسي الاسرائيلي.. رتوش هنا وهناك:: دور الشيخ والمختار الفلسطيني في بداية احتلال فلسطين 1948 انتقل رويدا ومع الزمن الى شكل وفحوى جديده وهو : العضو العربي في الكنيست الاسرائيلي.. دور تسيير الامور والاوراق الثبوتيه.. حلقة الوصل بين اسرائيل وما يسمى ب"المواطنين"العرب!!
من هنا وحتى لانضيع في بحر الكلام فلا بد لنا من بَوصَّلة الامر نحو ماجرى في غزه من عدوان اسرائيلي فاشي على الشعب الفلسطيني هدفه سياسي ويتجلى في كسب الاصوات لهذا الحزب الصهيوني او ذاك من خلال اراقة الدم الفلسطيني وارتكاب ابشع الجرائم الصهيونيه بحق الشعب الفلسطيني في غزه . والنتيجه كانت ارتكاب مجازر بشعه وجرائم حرب بحق الشعب الفلسطيني, وصمود المقاومه الفلسطينيه في وجه العدوان الذي ما ان انتهى وحتى بدا الجدل الفلسطيني الفصائلي المُغترب[ ظاهرة الاغتراب الفكري والوطني] بين كون ماجرى هزيمه ام نصر بالنسبه للشعب الفلسطيني لابل وصل الحد الى الشماته بهذا او ذا ك والوقوف موضوعيا لجانب العدوان الاسرائيلي ناهيك عن محاولة تبريره وتمريره !!
الحقيقة المره هي ان ماجرى بعد العدوان الاسرائيلي على غزه يُشبه الزفه في "عرس بغل" داخل مأتم المأساه الفلسطينيه,.. ادانات وتصريحات فلسطينيه تدين العدوان ومن ثم مراهنات ورهانات على الانتخابات[ انتخابات معمده وملطخه بالدم الفلسطيني] الاسرائيليه ونتائجها الى حد ان يحاول العرب وفلسطينيي الرده ان يصنعوا من مجرمة الحرب تسيفي ليفني " يساريه" وساعية سلام اسرائيليه في ظل صعود نجم نتنياهو وليبرمان اللذان يمثلان الوجه الحقيقي لطبيعة المجتمع الصهيوني العنصري والمُعبأ بالكراهيه للعرب وعلى اساس هذه الكراهيه وذبح وتدمير غزه فاز ليبرمان ونتنياهو وليفني.. ولكن من اللافت للنظر هو مشاركة جزء من فلسطينيي الداخل في الانتخابات البرلمانيه الاسرائيليه التي جرت مؤ خرا قبل ان تجف دماء اطفال غزه ضحايا حروب الانتخابات الاسرائيليه التي شارك فيها جزء من فلسطينيي الداخل ضمن احزاب وقوائم عُريبيه انتخبت بعض ما يسمو ب اعضاء الكنيست "العرب" وهم الاعضاء الذين وصفوا الهجوم الاسرائيلي على غزه بالفاشي والدامي ومع هذا تجدهٌم يشاركون في حفلة الدم الاسرائيليه المُسماه انتخابات " ديموقراطيه" اسرائيليه, ومن المعروف ان هؤلاء [ العرب] سيقسمون يمين الولاء لاسرا ئيل قبل بداية عملهم كاعضاء كنيست اسرائيليون.. لا تبدو هذه المسلكيه لجزء من الفلسطينيين بمغتربه وهجينه فحسب لابل تبدو في الظاهر والباطن وكأنها تشارك اسرائيل في" اسرلة" العقول الفلسطينيه وجعلها تفقد حلقة الوصل بينها وبين التاريخ الفلسطيني والهويه الوطنيه الفلسطينيه مع التأكيد على ان جزء كبير من ابناء وبنات فلسطينيي الداخل يرفض مجرد المشاركه في الانتخابات البرلمانيه الاسرائيليه ويؤكد على هويته وانتماءه للشعب الفلسطيني وطنا ومهجرا ... مفارقة الفلسطيني الفلسطيني / والفلسطيني الاسرائيلي المؤسرل الذي يلعب على حبال بين انتسابه لكنيست اسرائيل وجذوره الفلسطينيه كدعايه انتخابيه .. مقولة " انتخبو الاحزاب العربيه" وليست الصهيونيه وكأن الكنيست الاسرائيلي ليست صهيونيه وليست مبنيه على جماجم الشعب الفلسطيني.. يبدو هذا الانفصام الفلسطيني اخطر بكثير في الاثر على الهويه الفلسطينيه التاريخيه من اثر الصهيونيه نفسها الى حد ان يؤدي هذا الانفصام ليست الى تغريب الفلسطيني[ الجيل الجديد] عن تاريخه الوطني فقط لا بل ايضا الى قطع وتشويه صلته بهذا التاريخ... الاحتفالات الحزبيه العريبيه الاسرائيليه بمناسبة الفوز بمقاعد وعضويه في الكنيست الاسرائيليه تبدو في ظاهرها احتفالات بالفوز المزعوم ولكنها في الحقيقه احتفالات واحتفاءات كانت وما زالت وليمتُها هي اللحم والتاريخ الفلسطيني نفسه ... مؤسف ان نفقد البوصله والتاريخ في ان واحد ونصبح بهلوانات نلعب على حبال الوطنيه الفلسطينيه حتى نصل الى عضويه في الكنيست الاسرائيلي...
من المؤسف والمُحزن ان التربيه الوطنيه الفلسطينيه ككل قد تأثرت سلبا بالانتهازيه السياسيه وبثقافة الفصائل والفصائليه والمصالح المرتبطه باسرائيل والاحزاب والتحزب التي ساهمت مساهمه فتاكه في تغريب قطاعات فلسطينيه واجزاء لا تتجزأ من الشعب الفلسطيني لابل ساهمت في تشويه الصوره الوطنيه وجعلها ضبابيه في رؤية عدد لاباس به من الشعب الفلسطيني اللذي يعاني جزء منه التغريب وفقدان الصله بهويته التاريخيه والوطنيه لا بل في احيانا كثيره ايضا يكون الدين والحركات الدينيه الاسلاميه عامل داعم للاحزاب المنتسبه الى الكنيست الاسرائيلي من جهه ويساهم[ العامل] في زيادة الطين بله وزيادة جرعة التغريب الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني في الداخل مثلا من جهه ثانيه !!...تناقض صارخ بين القول والفعل سواء في داخل فلسطين الداخل او في نهج وكر رام الله او في مناطق فلسطينيه اخرى.. الغناء على وتر فلسطيني والارتباط مصلحيا وسياسيا بدولة الاحتلال والاحلال الاسرائيلي!!
واخيرا وليس اخرا: الواقع الفلسطيني هو واقع مر ويمُر في فترة صعبه من الناحيه السياسيه والوطنيه والتاريخيه. ولكن الامر من المُر ان يشارك الفلسطيني في انتخابات اسرائيليه ملطخه بالدم الفلسطيني من جهه وان يُراهن الفلسطينيون على السلام والمفاوضات مع حكومات اسرائيليه دمويه من جهه ثانيه وبالتالي المساهمه الفلسطينيه عمليا وفعليا في زيادة عدد الحلقات المفقوده بين الفلسطيني وتاريخه وهويته الوطنيه الفلسطينيه... نتمنى ان يوعى وينتبه الفلسطينيون الى هذه المسلكيه و الاشكاليه التاريخيه وتطوير برنامج وطني فلسطيني يساهم في عودة اباناءنا وبناتنا واخواننا واخواتنا و خيولنا وجيادنا الى مرابطها ومرابضها الفلسطينيه الاصليه والاصيله!!

*كاتب فلسطيني , باحث علم اجتماع , ورئيس تحرير صحيفة ديار النقب الالكترونيه

www.deyaralnagab.com